أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - توأمة الفساد والأرهاب في العراق تريق الدماء البريئة















المزيد.....


توأمة الفساد والأرهاب في العراق تريق الدماء البريئة


عامر صالح
(Amer Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 6795 - 2021 / 1 / 22 - 18:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


استيقظت العاصمة العراقية بغداد, وفي منطقة ساحة الطيران وسط العاصمة يوم 21ـ01ـ2021 على وقع تفجير انتحاري أرهابي مزدوج مفاجئ، أيقظ أسوأ كوابيس البلاد التي شهدت هدوءاً نسبياً ومتفرقا لسنوات وجدد المخاوف والهلع والرعب من عودة العنف. وأعلنت السلطات العراقية سقوط 32 قتيلاً على الأقل وأكثر من 110 جرحى وقد تتزايد اعداد القتلى بفعل الكم الهائل من الجرحى.

وأن الطريقة التي تمت بها عملية الهجوم وشرحها المسؤولون الأمنيون في وزارتي الدفاع والداخلية تحمل بصمات تنظيم «داعش الأرهابي»، إذ ادعى الانتحاري الأول أنه مريض فتجمع الناس حوله لمساعدته، ففجر نفسه فيهم. وحين تجمع الناس بأعداد أكبر لينتشلوا الضحايا، فجر الانتحاري الثاني نفسه فيهم. ولاحقا قالت وكالة "أعماق"، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية الأرهابي داعش، في بيان تبنت فيه العملية الاجرامية إن الهدف كان ضرب المسلمين الشيعة, ورغم غباء البيان او كذبه بعدم معرفته بالتنوع الأثني والمذهبي لسكنة بغداد وتحديدا في منطقة التفجير التي تضم خليطا من الأنتماءات يوحدها الانتماء الى طبقة الكادحين والشغلية والفقراء الذين يبحثون عن لقمة العيش في ممارسة مختلف المهن من بيع للخضار والملابس وتقديم خدمات الشاي والقهوة لسد رمق العيش اليومي, لكن العملية تتجاوز البعد الطائفي " رغم عدم مشروعيته وسفالة تبريره " فهي تستهدف الأمن المجتمعي بعمومه في ظروف حساسة يمر بها العراق أبرزها تفشي الفساد المالي والاداري وعدم المقدرة على وضع حد له الى جانب هشاشة الأمن وضعفه في مختلف مناطق العراق, وكذلك عدم معالجة آثار داعش المتبقية ما بعد القضاء عليه ميدانيا في مناطق تواجده التي احتلها في عام 2014.

ورغم استمرار العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم «داعش» في مناطق مختلفة من العراق، لا سيما في غرب البلاد، فضلا عن قيامه قبل نحو أربعة أيام بتفجير محطات طاقة كهربائية بالقرب من منطقة جرف الصخر شمالي محافظة بابل (100 كلم جنوب بغداد)، وكذلك قيامه بعمليات ارهابية من قتل وترويع في مناطق ذات تواجد سني كبير, فإن الأسلوب الذي اتبع في تفجير أمس لم يكن متوقعاً حدوثه، خصوصاً بعد سريان الهدوء الأمني النسبي في العاصمة, رغم بقاء عمليات ذات طابع ارهابي من اغتيال وتصفيات جسدية وخاصة تلك التي طالت المتظاهرين السلميين او من وقف لنصرتهم من السياسين والمحللين وغيرهم, الى جانب مختلف انواع الجرائم.

لعله من نافلة القول بأن التطرف والإرهاب خاصيتان سلوكيتان متصلتان ومنفصلتان بنفس الوقت, أي إن الإرهاب يستدعي تشبع ممارسيه بدرجة عالية من التطرف لكي يندفعوا لارتكاب الفعل الإرهابي, لكن ليست بالضرورة كل متطرف هو إرهابي, إلا إن تحول سلوكيات التطرف إلى فعل إرهابي يرتبط بتأثير السياقات والظروف المجتمعية والأطر التاريخية والعوامل الإيديولوجية والدينية , أي أن التطرف أشبه بحامل فيروس خامل ينشط حين توفر البيئة المواتية لكي يتحول إلى فيروس نشط يجسده فعل الإرهاب, وان سلوك التطرف ـ الإرهابي ليست مقصورة على طائفة بعينها وخاصة عندما تتوفر البيئة الحاضنة له, فبإمكانه أن يكون أراهبا بلباس سني, أو شيعي, أو قومي, أو فاشي وغيره, وخاصة عندما تتشبع هذه المكونات الدينية والاثنية والفكرية بفكرة التطرف والكراهية للآخر المغاير بعيدا عن التسامح والاعتدال والوسطية.

أن كل متابع للمشهد السياسي العراق لم يرى في العمليات الارهابية إلا كونها الذراع المسلح للعملية السياسية في العراق " بقصد وتخطيط او بدونه ", فهي تنطلق فورا في عملياتها الجبانة حال انفراط عقد السياسة في قبة البرلمان لتوغل في العنف وإراقة الدماء ولتحقيق أجندتها عبر التهديد والوعيد. أن العمليات الإرهابية في العراق تنسجم كثيرا مع رؤى البروفسور بروس هوفمان في قوله : " إن الإرهاب هو الخلق المتعمد للخوف واستغلاله في تحقيق التغير السياسي , وبالتالي فهو دون شك شكل من أشكال الحرب النفسية ", ويؤكد أيضا أن الناس كثيرا ما يتعرضون للقتل والإصابات المأساوية في هجمات الإرهابيين, إلا أن الإرهاب بطبيعته يرمي لأحداث آثار نفسية بعيدة المدى بشكل يتجاوز الضحية أو الضحايا المباشرين وما استهدفه عنفهم, فالإرهاب يرمي إلى غرس الخوف في داخل النفوس وبالتالي إلى إرهاب المجموعة التي يستهدفها الإرهابيون وللتأثير على سلوكها. أن الإرهاب في العراق يجسد هذا النمط من التصور للفعل الإرهابي في محاولة لإعادة بناء التحالفات السياسية وفق أجندة خارجية وداخلية وفي ظل ظروف غياب ملموس لسلطة الدولة والقضاء العادل وضعف الممارسة الديمقراطية, يقابلها في الطرف الآخر مواطنا مخترق في الأمن والخدمات والعيش الكريم.

وقد لعب الفساد الاداري والمالي دورا كبيرا في ما بعد 2003 في تغذية الارهاب ومده بعوامل بقائه وديموته واعادة انتاجه بأشكال مختلفة سواء بعمليات واسعة النطاق والتأثير كالارهاب الداعشي والقاعدة التي سبقته وكذلك الارهاب الفردي المتمثل بالقتل العمد على الهوية السياسية والمذهبية والدينية بصورة عامة والاثنية, وحتى بسقوط اجزاء من العراق سابقا بيد داعش والتي تجاوزت اكثر من 30% من اراضي العراق كانت من ضمن اسبابها الرئيسية وسهولة وقوعها هو الفساد في الاجهزة الامنية والعسكريين والقيادات السياسية العليا والميدانية, وقد اريقت مئات الألوف من دماء الأبرياء وسبيهم وتشريدهم وتهجيرهم وتغييبهم وواختطافهم. من يخون وطنه ومواطنيه سواء أكان إرهابياً أم فاسداً ، كمن يخون أهله ، ويهدد أمنهم واستقرارهم ومستقبل أطفالهم . أليس الوطن هو الملاذ الأخير لأي مواطن, أليس الوطن وكما يفترض هو الأمن والأمان وهو مظلة الجميع بتنوعاتهم الثقافية والاثنية والمذهبية, أليس الوطن هو من يحفظ كرامة مواطنيه من الأهانة والذل والفقر والجوع ويضمن حد مقبول من كرامة العيش, فمن يعتبر نفسه مواطناً حقاً سواء سياسيا ام مواطن بسيط ، لا يقبل أبداً المساس بوطنه وتسهيل احتلال ارضه وحتى العمالة للأجنبي . أما من ينظر للأمور من خلال مصالحة الشخصية والآنية ، وما يحققه من ثروات كسبها بالحرام والخداع والسرقات والرشاوى والفتاوى ، فالوطن منه براء بل لا ينطبق عليه مفهوم المواطنة, يقال إن وطناً لا تحميه لا تستحق العيش فيه, ووطن لا يحميك فهو ليست وطن كما يتمناه المواطنون ، فكيف إذن لو كنت تسرقه وتعبث فيه, وتسهم في انهياره وتبديد ثرواته, انها فرص داعش الذهبية لأستغلال المناطق الرخوة تلك.

العمليات الارهابية التي وقعت في بغداد كما غيرها من العمليات السابقة تعيد الى الأذهان نفس التساؤلات التي لم تلقي الأجابة بعد, ولعل ابرزها: كيف يمكننا تنظيم قوات الأمن الوطني والمخابرات والعسكرية والداخلية على اسس غير محصصاتية وكذلك الأجهزة القضائية والقانونية , وكيف يمكن حماية تلك الاجهزة والمؤسسات من قبضة وطغيان وعنف الكتل السياسية وميليشياتها الخاصة, وهل تستطيع هذه الجهات محاسبة القيادات السياسية والحكومية النافذة في البرلمان وخارجه. كيف يمكن تفعيل أجهزة الرقابة المالية والقانونية وهيئة النزاهة وماهي ضمانة إستقلاليتها وما هي قوانينها الخاصة وكيف يتم تعيينها ونفس الشيء بالنسبة الى الدوائر الرقابية في جميع مؤسسات الدولة ووزاراتها. كيف نضمن مجتمع آمن بعيدا عن حكم الميليشيات وتسلطها وهي تقارع الدولة بدولة عميقة اقوى منها. أنها مهمات تستدعي تغير بنية النظام السياسي وموازين القوى السياسة فيه.

وكما يقال " وشهد شاهد من اهلها " وفي جزء من المعضلة, حيث الكاظمي يقول خلال الجلسة الاستثنائية للمجلس الوزاري للأمن الوطني، (22 كانون الثاني 2021)، إن "الأمن ليس مجرد كلمة نتحدث بها في الاعلام، بل مسؤولية، فحياة الناس وحياة اطفالنا ليست مجاملة، ومن لا يرتقي الى مستوى مسؤولية حماية المواطنين وأمنهم عليه ان يتنحى من موقعه". وأضاف، "ما حصل يوم امس هوخرق لا نسمح بتكراره، لقد وعدنا شعبنا بالأمن، وهذا الخرق دليل ومؤشر على ان هناك خللا يجب الإسراع بمعالجته". وقال "ان العراق دولة واحدة ويجب ان تتصرف كل مؤسساته الأمنية والعسكرية بروح واحد، وسنفرض توحيد الجهود الاستخبارية بكل جدية، لا مكان للمجاملة على حساب العراق والعراقيين". من السهل عليه تشخيص الأزمة "وهو يعيها تماما " في محاولة لأمتصاص نقمة الشعب ولكن من الصعب عليه تحديد السبل الواضحة للمعالجة والجرأة الكافية, إن لم يكن هو جزء من الأزمة.


المعضلة الأكبر في هذا كله هو الفساد المالي والسياسي الذي يلعب دورا لوجستيا واخلاقيا خطيرا في تسهيل المهمات الارهابية واختراق الاجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية والتواطئ الميداني مع داعش وغيرها لتنفيذ الأعمال الأجرامية بحق أمن المواطنين وارواحهم, الى جانب الصراع السياسي المستفحل بين القوى السياسية داخل البرلمان والذي يضع الأمن المجتمعي في آخر اهتمامات تلك القوى المتصارعة على السلطة والمال والنفوذ, لا نتحدث هنا عن الفقر وتداعياته المتشعبة بما فيها تغذية الارهاب فهو امر مفرغ منه, وبالتالي فأن كل المعالجات للحد من الارهاب والقضاء عليه تشمل جبهات مختلفة ومتضامنة كما يفترض, اقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية ونفسية, وتشكل جزء من عمليات الأصلاح الشامل للمنظومة الاجتماعية وتشعباتها والقائمة اساسا على اساس العدل ودولة القانون لفرض الأمن المجتمعي الشامل.

المجد والخلود لشهداء ساحة الطيران والشفاء العاجل للجرحى والصبر والسلوان لذوي المفقودين, والخزي والعار للقتلة المجرمين مرتكبي الجريمة الشنعاء, من داعش الارهابي الكافر بكل القيم الانسانية وغيرهم سفاكي دماء شعبنا الصابر والمناضل, وكل الأمن والأمان لبغداد الحبيبة واهلها وللعراق اجمع.



#عامر_صالح (هاشتاغ)       Amer_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترامبية بين الثقافة الديمراطية وثقافة القطيع
- الفساد الأداري والمالي بين مزدوجي الجنسية وأحادي - الجنسية ا ...
- عام 2020 وداعا ولعله بدون عودة
- بين ترميم -البيت الصغير- وخراب البيت الأكبر
- ناصرية العراق بين سيكولوجيا الترهيب وغياب الدولة
- المفارقات السايكومعرفية والعقلية في أدانة فعل الأرهاب
- في سيكولوجيا التشبث والبقاء في السلطة
- نظام المحاصصة والعبث في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي ...
- المناظرة الرئاسية الأمريكية الأخيرة ودلالتها في سيكولوجيا ال ...
- هل الأمومة العراقية في انتكاسة كما يتصورها البعض !!!
- نتائج الأمتحانات العامة للسادس الأعدادي بين ضغوطات كورونا وأ ...
- مناظرة الرئاسة الأمريكية الأنتخابية من منظور سيكولوجيا الأتص ...
- الحوار مع من لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية هو حوار أصم
- سجاد العراقي ومشروعية القلق على جهاز مكافحة الأرهاب
- رئيس الوزراء العراقي يتصارع مع -الدولة- وتصارعه
- الدولة العراقية بين هيبتها وتآكلها
- ماكرون وسيكولوجيا الحنين( النوستالجيا )
- لماذا التحذير من الحرب الأهلية في العراق ملاحظات سايكواجتما ...
- كورونا بين التداعيات والدفاعات السيكواجتماعية والحرب الباردة
- في سيكولوجيا الدفاع عن النفس... حذاري من أراقة الدم العراقي


المزيد.....




- من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
- الذباب والديدان والدبابير.. حشرات تساعد في علاج الأمراض
- -شبيغل-: ألمانيا تجاهلت تحذيرات السعودية من منفذ هجوم ماغديب ...
- ألمانيا.. توجيه 5 اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس في ماغدي ...
- الدفاعات الروسية تسقط 42 مسيرة أوكرانية
- ألبانيا تحظر استخدام تيك توك لمدة عام بعد مقتل قاصر
- تحطم مقاتلة أميركية في البحر الأحمر بسبب -نيران صديقة-
- كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س ...
- إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني ...
- حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - توأمة الفساد والأرهاب في العراق تريق الدماء البريئة