محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1619 - 2006 / 7 / 22 - 14:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أيها العربي يامن كنت أبياً
أيها الشهم يامن كنت نبياً
أيها المقدام يامن كنت جسوراً
أيها العملاق يامن أصبحت قزماً
أيها الكريم يامن أصبحت بخيلاً
أيها المناضل يامن أصبحت عويلاً
أيها الثائر كيف أصبحت وأمسيت ذليلاً
أيها الشريف لماذا أصبحت خسيساً
يامن كنت حراً لماذا أردت لنفسك أن تكون عبداً
أذكر فيما أذكر ونحن تلاميذ في المرحلة الإبتدائية كانوا يدرسون لنا مادة التربية القومية , وكان المدرسون يعلموننا معني ومفهوم القومية العربية , ومعني الوطنية , التي كنا نراها في الخيال ونحن تلاميذ صغار السن , كان كل منا يتخيلها ويرسمها في خياله , فالبعض كان يراها في تحمتس وأحمس والبعض كان يراها في محمد فريد أو مصطفي كامل أو سعد زغلول , البعض رآها في جمال عبد الناصر , وآخرون شاهدوها في عمر المختار , ومنا من رآها في الأنبياء موسي وعيسي ومحمد , كان المدرسون يقصون علينا ونحن الصغارقصة فرعون وموسي , وقصة إبراهيم مع النمروز , وقصة عيسي مع من صلبوه كانوا يقولون لنا أن الصليب معناه الفداء والتضحية , فالمسيح ضحي بنفسه من أجل شعبه , وموسي ناضل وكافح من أجل شعبه , ومحمد لاقي المرار والصعاب من أجل شعبه , وإبراهيم تم حرقه من أجل شعبه , كل قصص الأنبياء والمرسلين تحوي مضمون الفداء والتضحية , كنا لانفرق بين مسلم أو مسيحي , وكنا أطفالاً أبرياء بمعني البراءة الحقيقي , كنا فقراء ونقترب بالفقر إلي العدم وكانت حياتنا بسيطة وليست معقدة الطعام بسيط والزي بسيط و السكن بسيط حياتنا كلها ملؤها البساطة , كان جمال عبد الناصر هو بالنسبة لنا فريد شوقي , أو في بعض الأحيان محمود المليجي كنا نراه البطل دائماً فهو لايهزم كانت الثورة وأول ثورة يأتي منها مصري يحكم مصر , كان هو الحلم وكان الأمل وكانت الوظيفة وفرصة العمل كانت الوحدة الصحية والوحدة البطرية في قريتنا كانت الوحدة المجمعة فيها المستشفي بكل ماتحمل المستشفي من معاني فكان بها غرفة العمليات المجهزة , وبها عيادة الطبيب البشري , وعيادة طبيب الأسنان , كان بها الصيدلية , وكنا ندفع ثمن الكشف بثلاثة قروش , ومنهم العلاج المجاني من الصيدلية, كان الطبيب مقيم فكان هناك سكن الأطباء , والأخصائي الإجتماعي , والعمل 24 ساعة في اليوم وكان مفتش الصحة ,وكانت الوحدة البيطرية لعلاج المواشي والكشف والعلاج بالمجان , وكانت دار السينما تعرض فيلمين في الأسبوع يوم الإثنين ويوم الخميس والعرض مستمر طوال الأسبوع وكان ثمن التذكرة تسعة مليمات , شاهدنا فيلم الأرض , وفيلم شئ من الخوف , وكنا نقول جواز عتريس من فؤادة باطل , باطل , باطل , كنا صغاراً ولانعلم شئ سوي أن عتريس ظالم وفاسد ومستبد وكنا نلعنه ونلعن ظلمه وفساده بطريقة الأطفال , وشاهدنا فيلم الحرام , وكنا نبكي بلغة الصغار , ورصيف نمرة 5 وماكنا نعلم ماهي المخدرات سوي أن أحد أقاربنا يجلس للحشيش مجلساً ويعد له العدة من المعسل أبو ورقة خضرة , والجوزة , وصينية القلل القناوي , وكان المجلس الليلي تحت تكعيبة العنب وكان المنظر يصبح وكأنه من الجنه لولا من يحرمون الحشيش والأفيون , فكانت سحابات الدخان تتصاعد سحابة وراء سحابةعالياً في السماء , وكانت عناقيد العنب مدلاة وكأنها من الجنة , وكان الناس بسطاء في كل شئ , وكان في قريتنا في الوحدة المجمعة كان برج الحمام كمأذنة مسجد يأتي الحمام ويجيئ ومعه بشارة الحب والسلام والتسامح وكان عمي يعقوب وكنا نسميه بلغتنا الدارجة عقوب أو عئوب , له رأي في الحمام للمتزوجين حديثاً , وكان يجالس الكبار في مجلس الحشيش بالليل , ويداعب الأطفال الصغار بالنهار , وكان له دكان بقالة ولايفرق بيننا وبين أبنائه كان يهادينا ونحن الصغار بالأرواح كما كنا نسميه الكراملله , وحالياً الشيكولاته , كان هكذا عمي يعقوب أو عقوب أو عئوب كما كنا ننطق الإسم فالإسم لم يكن يشغل بالنا سواء كنا يعقوب أو محمد , او جرجس , توما أو زعميطة إبن أخت عمي يعقوب او سامي إبنه , أو بنت بنته بسنت , كانت الأسماء ليست لها قيمة وكانت القيم والمعاني النبيلة السامية هي التي تأسرنا ونحن الصغار فقد كنا نحب يعقوب أكثر من آبائنا لما لديه من مخزون حب ورحمة لنا وبنا , كان برج الحمام وكان مشتل الزهور البلدية بجميع أنواعها في الوحدة المجمعة , وكنا ونحن الصغار نسرق الورد من مشتل الزهور في أيام الربيع في الصباح الباكر , وكنا نضع الورد في أكواب زجاج مكسورة , أو مزهرية إشتريناها بالعظم والبلاستيك القديم أو قطع المعدن للأشياء القديمة , وكان الرجل يقول بصوت يستجلب الشجن : الحديد القديم والبلاستيك القديم للبيع , وآخر يقول الحديد القديم الألمونيا القديمة للبيع , وآخر ينادي : الكحل ياعرب , وبائع العطر : ومعانا المسك والفل والعنبر والياسمين , ومعانا ريحة القسيس ,الله زمن جميل , زمن رائع , رائحته تملْ خياشيم أنفي وتعبق فؤادي , وتطرب لها نفسي , وأكاد تدمع لها عيني , وبالفعل لقد دمعت عيناي , وأنفطر لهذه الأيام قلبي , كنا نذهب للوحدة المجمعة حيث المنحل هكذا كان إسمه منحل العسل وأثنا قطف العسل كنا نحن الصغار نتجمع حول الكبار وكان رئيس الوحدة المجمعة وسكرتير الوحدة والموظفين والعمال متواجدين أثناء قطف العسل وفرزه بفرازة العسل ونحن الصغار نبتلع ريقنا والعسل يقطف ويهشنا العمال وكأننا النحل , كنا نتمسح بالموظفين والعمال : والنبي ياعم محمد هات حتة عسل من القرص , والنبي ياعم والنبي ياعم , كان هذا هو رجاؤنا في قطعة عسل من قرص الشمع بالعسل قبل فرزه , يأمر رئيس الوحدة العمال والموظفين بإعطائنا من العسل فينساب العسل علينا بلا حساب وبلا إنقطاع حتي ينفض عيد قطف العسل بالوحدة المجمعة , كنا نحس أن الوطن في قطعة الشمع المملؤة بعسل النحل , وكنا نستشعر الوطن في الورد البلدي الذي نسرقه من مشتل الزينة , وكنا نري الوطن في مزهرية مملؤة بالورد البلدي المسروق من الوطن والمزهرية المشتراه بالحديد القديم والعظم ,كنا نري الوطن في عمال مصنع البلاط , ومعلف المواشي , ومعمل الألبان والمزرعة , ومزرعة الدواجن بالوحدة المجمعة وهم يرتدون ملابس العمل وكنا نستشعر مجتمع الشغيلة المنتج , كنا نذهب لمركز الشباب ونشاهد التليفزيون , وكانت المدرسة والمستشفي ومعمل الألبان , ودار السينما ودار الحضانة ومشتل الزهور,وبرج الحمام ومزرعة الدواجن والمواشي الحلابة ومواشي العلافة والوحدة البيطرية وسكن الأطباء والأخصائي الإجتماعي ورئيس الوحدة ,وغيره وغيره وغيره يسمي بالوحدة المجمعة , وفي يوم من الأيام وصحوت من النوم علي نحيب أمي وبكاء أبي , نحيب وبكاء لماذا ؟ مات جمال عبد الناصر , لم نكن نفهم ماهي المارشات العسكرية التي يتبعها تلاوة القرآن , وتلاوة القرآن التي يتبعها مارشات عسكرية , نزلنا إلي الشارع الكل لايصدق الخبرفأبي برغم سماعه للخبر من خلال الراديو السانيو الذي كان قد كافح وأشتراه من قوته وقوتنا , لم يصدق الخبر , الكل فتح المضايف وشرع أبوابه والنساء في قريتنا توشحت بالسواد ومعهم أمي , والبكاء والنحيب بالصوت العالي ونبرات الحزن بادية ومختلطة بالدموع , ونحن الصغار نردد وراء الشيخ الطيب : جمال مات ؟ لأ ما متش , جمال مات ؟ لأ ما متش , الشيخ الطيب يأمر النساء بالبكاء بأعلي صوت وهو يبكي معهم , رجال كبار في السن لايمتلكون من حطام الدنيا شئ أرادوا الذهاب للقاهرة لحضور مراسم الدفن , تجمعوا مع بعضهم فالفقر جامعهم , والأشكال واحدة في الوجوه , والزي والنعال واحدة , بعد أن أراد جمال عبد الناصر معالجة الحفاء , وأمم قناة السويس , وقام ببناء السد العالي , وبناء مجمع الالمونيوم , ومجمع الحديد والصلب , والشركات العملاقة , ومفاعل إنشاص النووي , ومصنع الطائرات والصواريخ , وصدر قانون الإصلاح الزراعي , والكثير الكثير , كان جمال عبد الناصر حلمه أطول من عمره , وكان أمله أطول من أجله , كان بطل من الأبطال , لم يسرق ولم يتربح من الوطن ولم يكن بعيداً عن المواطن , من الممكن أن تطلب مقابلته وتقابله , وتشكو إليه ويبكي لشكواك , كان بشرأ بصفات نبي , وكان شجاعاً بأخلاق نبيل , كان جمال عبد الناصر الإنسان , الوطني العربي , الذي أراد الوحدة للأمة العربية , والذي أراد القوة والنصرة والمنعة والعزة للعرب , هكذا كان جمال عبد الناصر , يصفه البعض بالمستبد العادل ولما لا أيضاً لأن سؤ القصد لم يكن لديه وسؤ النية والطويه بعيدين عن عقله وقلبه فالوطن كان ملء القلب وهم الوطن ملء العقل , وذنبك أيها البطل أيها المستبد العادل أنك لم تعطنا الحرية السياسية وكان آخر العهد بك الإتحاد الإشتراكي , وكان حكم العسكر حتي تاريخنا هذا , فلو أنك ياجمال خلعت البدلة العسكرية , وجعلتها حياة مدنية لاعسكرية ولو كان الشعار يضاف إليه الديمقراطية بجانب الحرية والإشتراكية والوحدة لكان ياجمال الوضع تغير , لوكانت الحياة السياسية مدنية لاعسكرية , آه ياجمال , أشعر أنك نادم علي ذلك فكأنك لم تكن تعلم بأن من هم بعدك سيبيعونا ويبيعوا الوطن والمواطنين في أسواق النخاسة الدولية , لوكان الحكم مدني , لو لم تعين أنور السادات نائباً , ماكانت كامب ديفيد , وماكانت إتفاقية العار والخيانة , وما كان لعلم إسرائيل أن يرفرف فوق سماء القاهرة ليلعن علم بغداد وفلسطين ودمشق ولبنان , بل ويلعن علم مصر , ولو كنت ياجمال أردت لنا ماكنا نريد ماكان لنا الآن مالم نريد , فحسني مبارك ونظامه قد باعوا مصر , باعوا كل مابنيته وشيدته من مصانع عملاقة ومشاريع عملاقة , لقد تم بيع القطاع العام بالكامل , وصدرنا البترول والغاز لإسرائيل , وبيننا وبينها إتفاقية سلام مقابل معونة الذل والعار , وعقدنا مع إسرائيل إتفاقية ياجمال إسمها الكويز , نصدر لأمريكا عبر موافقة إسرائيل , لقد آذيتنا ياجمال بالحكم العسكري , فحسني مبارك يحكمنا بالطوارئ من أول يوم له في حكم مصر , وسوف يحكمنا بالطوارئ حتي دخوله القبر, ويريد أن يورث إبنه جمال حكم مصر قبل أن يموت , ياجمال الوطن ذليل وكسير , بل ياجمال أمة العرب كسيرة وذليلة ومهانه , فالعراق محتل ويباد الشعب والوطن , وفلسطين ولبنان يبادا شعباً ووطناً , وأمة العرب كسيرة ذليلة , آه ياجمال لو تعدبك الأيام وتتخلي عن الحكم العسكري , ولو لم تعين السادات نائباً ,فما كنا الآن فيما نحن فيه , وماكنا قد شاهدنا أنور السادات , ولاعلمنا شئ عن حسني مبارك , ولا إحترنا في محزنة جمال مبارك ورغبته في حكم مصر , فهل لوعدت ستفعل مانريد ؟!! وهل كنت ستسكت عما يحدث في العراق لبنان وفلسطين ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟