أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..














المزيد.....

إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6792 - 2021 / 1 / 19 - 18:18
المحور: كتابات ساخرة
    


سبعة أشهر وصديقنا أبو عبدو يؤجّل عملية إصلاح فتق في أسفل بطنه. فقد نَبَقَ هذا الفتق بسبب الأعمال الشاقة التي اضطرّته الظروف إلى العمل بها؛ من ركش بساتين الليمون، إلى تعشيب الأراضي الزراعية، إلى حفر الخنادق.. وهو الذي تجاوز الستين بسنواتٍ أربع. وكلما نصحناه نحن أصدقاؤه الثلاثة حيث نجتمع أسبوعياً، بإجراء العملية الجراحية يردّد ذات الإجابة: «إنها فرصتي يا أخوان، طالما أن الفتق لا يعيقني بالعمل. وأعدكم بأنني بعد انتهاء فصل الخريف وقدوم الشتاء، حيث تقلُّ فرص العمل، سوف أُجري العملية». إلى أن جاء أحد الأيام وهو ينقل حجارة كبيرة بواسطة عربة حديدية في إحدى المناطق لصالح أحد مُحدَثي النعمة من أمراء الحرب، الذي ينوي بناء سور حجري لقصره. شعر أبو عبدو بدنوِّ عطسة مباغتة، فأوقف العربة وسارع إلى الضغط براحة كفّه على موضع الفتق كعادته حينما يسعل أو يعطس، لئلّا يزداد الفتق اتساعاً. لكن هذه المرّة لم تنجده تلك الحركة، فقد كانت العطسة قوية لدرجة أدّت إلى مزيد من تمزّق الفتق. شعر جرّاء ذلك بآلامٍ شديدة، تم على إثرها نقله إلى المشفى وإجراء العملية الجراحية بشكلٍ إسعافي.
تباحثنا نحن أصدقاؤه فكرة زيارته في البيت لتهنئته بالسلامة. فاحتجَّ أحد الأصدقاء متذرّعاً بـ«الكورونا» ومن أن التدابير الاحترازية والتباعد الاجتماعي في ظل انتشار هذا الوباء اللعين باتت ضرورة لا غنى عنها. وأنه يكفي الاطمئنان عليه عبر وسائل الاتصال. وختم قوله مازحاً «ثم هل نسيتم بأن الزيارة لها تكاليفها؟ هل يعقل أن نزوره ونحن خاليي الوفاض؟!». وبعد نقاشٍ مستفيضٍ اتفقنا على أن زيارة صديقنا المريض في بيته أجدى. مع الحرص على توخّي كل الإجراءات الصحية المتّبعة في هذه الظروف التي تمرّ بها البشرية جمعاء. لننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من النقاش، ماذا علينا أن نقدّم له هدية بهذه المناسبة؟ انبرى أحدنا وقال بثقة: «من المتعارف عليه بأن بوكيه الورد له وقعه الحسن في نفسية المريض». ردَّ عليه الآخر مستهجناً: «ورد؟! يا رجل قُلْ علبة شوكولاه أو تشكيلة حلويات، فإن فائدتها تدوم أكثر وينتفع منها كافة أفراد أسرته». اعترضتُ على صديقيَّ قائلاً: «أعتقد يا شباب أن بيجاما رياضية أو قميص أو كنزة صوف بهذا الشتاء القارس، لا سيما وأن وسائل التدفئة شبه معدومة كما تعلمون، يمكن أن تفيده أكثر». وتتالت البدائل والعروض؛ هذا يرتئي شراء حذاء، وذاك يفضّل باقة انترنيت بسرعة عالية تكفيه مدة شهر يتسلّى بها في فترة نقاهته.. وغير ذلك، إلى أن اقترحتُ عليهم حسماً للجدل، الاتصال بصديقنا أبي عبدو وأخذ رأيه بكل مشاريع الهدايا التي فكّرنا بها، بحيث تقع على مسؤوليته اختيار ما يريد.
تم تكليفي بالاتصال معه نظراً لدرجة القرابة التي تربطني بزوجته. سحبتُ جوّالي من جيبي وضربتُ رقمه. ولمّا كان متلهّفاً لأيّ اتصال يأتيه بسبب وقت الفراغ الكبير لديه، فقد ردّ بعد أوّل نغمة رنين مباشرةً:
- أهلاً بصديقي الحبيب. عليم الله هلّق كنت بذكرك أنا وأختك أم عبدو.
- القلوب عند بعضها أبو عبدو الغالي. طمّنّي عنك، كيف صرت هلّق؟
- الحمد الله أحسن. بس والله يا صديقي متضايق من القعدة بالبيت. والمصيبة الأكبر أن الطبيب أوصاني بعدم الشغل مستقبلاً بالأعمال المجهدة، وإلّا سيعود الفتق من جديد..
- أي والله حاجتك شغل يا أبو عبدو، صرت بأواسط الستينات ولسّاك عم تشتغل؟!
- والله يا صديقي متل ما بتعرف المثل الذي يقول: «شو بيدفعك على المُرّ؟ الجواب، الأمرّ منه»، راتبي التقاعدي بالكاد يكفيني عشرة أيام، وبرقبتي عائلة، والغلاء فاحش.. والأزمة السورية غير ألله ما بيعرف أيمتا رح تنتهي.. والوضع من سيء إلى أسوأ. ولك آخ، شو بدّي احكي لأحكي..
- لا حول ولا قوة إلّا بالله.. طيب أبو عبدو، الشباب بسلّموا عليك وحابّين يزوروك ويجيبوا معهم هدية. بقى شو بتفضّل: شوكلاه، حلويات، فواكه، كنزة، واللا ورد، واللا شو؟
قال بنبرة المتفاجئ مستبشراً:
- هههه، والله ما بدّي إلّا سلامتكم. بشرفي لقائي معكم أحلى هدية.
- ما اختلفنا أبو عبدو.. بس يا ريت أنت تختار وتريّحنا من هالمهمة.
- .............
- أيه؟ شبك اسكتت؟ يالله حبيب رح يخلصوا وحداتي.. يرضى عليك عجّل!
استمرَّ بصمته لحظات وكأنه يجري عملية مفاضلة بين تلك الخيارات التي عرضتها لتوّي. ثم راح يقول بلهجة أقرب إلى الاعتذار، وتحمل الكثير من الامتنان:
- إذا كان ولا بدّ، قنّينة زيت مع شوية برغل.. والله أنا خجلان منكم يا جماعة.. بس متل ما بيقول الشاعر محمود درويش: «إنّا نُحِبُّ الوردَ لكنّا نُحِبّ "الزيت" أكثر..».



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهامة طفل
- كراج مستعمل، ممنوع الوقوف!
- هل الشيوعيّون قِلّة في مجتمعاتهم؟
- أين أختبئ يا ناس؟!
- ما أمرّ قهوة الجنرال!
- حاضر معالي الوزير!
- طائر البلشون
- كاسة قهوة ومحرمة وطابور..
- هل يكمن الحلّ بقتْلِ كِبار الفاسدين؟
- أرجوك لا تقاطعني!
- «ماذا وراء هذه الجدران؟»
- جدل بيزنطي
- دلال
- ما مصلحة الغرب في فرض العقوبات على سورية؟
- من يقف وراء الحرائق في البلاد؟
- طفولة غير سعيدة
- جمعيّة دفن الموتى
- الأستاذ محمد الأفصع(*)
- الحُبُّ في زمنِ الكِمامة
- ما أبرعهم!


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..