|
ليس دفاعاً عن النفس ..لكنه عدوان
خالد عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 1619 - 2006 / 7 / 22 - 14:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
اعتبر الرئيس الأمريكي جورج بوش أن ما تقوم به إسرائيل في غزة وفي لبنان هو دفاع عن النفس ، وهو بذلك يقصد أن استخدام القوة من جانب القوات الإسرائيلية يعتبر أمراً مشروعاً ، ولا يترتب من ثم عليه أي مسؤولية قانونية ، وذلك علي ضوء قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تبيح استخدام القوة في إطار الدفاع الشرعي . وواقع الأمر أن مبدأ حظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها يعتبر أحد القواعد القانونية الآمرة في القانون الدولي ، كما أنه يعتبر أحد الأركان المهمة التي يقوم عليها النظام القانوني الذي يقيمه ميثاق الأمم المتحدة ، بحيث تنبني عليه كافة ما عداه من قواعد القانون الدولي المعاصر. وقد أوضح الميثاق الالتزام الحقيقي المتعلق بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية في المادة الثانية منه إذ تقضي الفقرة الرابعة من هذه المادة بأن "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً ، في علاقاتهم الدولية ، عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو علي أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ". ويعتبر ما جاء في المادة 2 فقرة 4 من الميثاق القاعدة العامة التي ترد علها بعض الاستثناءات التي يجوز فيها استخدام القوة ، وهذه الاستثناءات حصرها الميثاق في حالتين رئيسيتين : الأولي استخدام القوة في إطار الدفاع الشرعي ، ويرتبط بذلك الحق في المقومة المسلحة للاحتلال إعمالا لحق تقرير المصير ، والثانية استخدام القوة من قبل مجلس الأمن أو بترخيص منه إزاء حالات انتهاك السلم والأمن الدوليين أو وقوع عمل من أعمال العدوان . وما يهمنا هنا هو الحالة الأولي التي تتعلق بالدفاع عن النفس في إطار الدفاع الشرعي والتي تحث عنها الرئيس بوش ، والحقيقة أن هذا الحق لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة علي إطلاقه وانما جاء محاطاً بمجموعة من الضوابط أوردتها المادة 51 التي نصت علي أنه "ليس في هذا الميثاق ما ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فرادي وجماعات، في استخدام القوة المسلحة ضد هجوم مسلح حال (واقع في التو واللحظة) علي أن يتم إخطار مجلس الأمن بما اتخذ من إجراءات لمواجهة الهجوم بحيث يتم وقف هذه التدابير فوراً " . وحسب خبراء القانون الدولي يكشف إنعام النظر في مضمون الماد 51 عن بعض الشروط الموضوعية والإجرائية اللازم توافرها كي ما يكون استخدام القوة المسلحة في إطار الدفاع عن النفس مشروعا من وجهة نظر القانون الدولي ، أما الشروط الموضوعية فهي أن يكون هناك خطر مصدره غير مشروع وهو يتمثل بنص الميثاق في هجوم مسلح حال أو وشيك الوقوع أي أن يكون هناك من الشواهد والمظاهر ما يدفع إلى الاحتمال الراجح باستخدام القوة المسلحة، والشرط الموضوعي الثاني فهو التناسب بين فعل الاعتداء وفعل الدفاع لأن الطرف الذي قام بالرد سوف يتحمل كافة المسؤولية الدولية عن أي أضرار قد تحدث وتفوق حق الدفاع الشرعي، بمعني أنه إذا كان فعل الدفاع يفوق فعل الاعتداء فإنه سيتحول بدوره إلى فعل اعتداء يوجب تحمل المسؤولية الدولية عنه . وأما الشروط الإجرائية فإنها تتمثل في شرطين هما : إخطار مجلس الأمن بما اتخذ من تدابير في إطار حق الدفاع عن النفس أو الدفاع الشرعي ، والتوقف عن استخدام القوة المسلحة في إطار الدفاع عن النفس بمجرد تدخل مجلس الأمن . وعند محاولة تطبيق تلك النصوص والقواعد علي الأعمال الإسرائيلية في لبنان يتضح أن ما تقوم به إسرائيل بعيد تماماً عن مبدأ الدفاع عن النفس : فإسرائيل لم تتعرض إلى هجوم مسلح حال أو وشيك الوقوع فلم تكن هناك شواهد أو مظاهر تشير إلى تعرضها إلى عدوان مسلح وما حدث هو أن حزب الله اللبناني قام بأسر جنديين إسرائيليين في عملية عسكرية في إطار المقاومة المسلحة المشروعة . وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه حتى مع اعتبار أن ما قام به حزب الله هو عمل من أعمال الهجوم المسلح الحال فإن المؤكد أن مصدر هذا الهجوم يعتبر مصدراً مشروعا فحزب الله منظمة تقوم بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا التي يعتبرها الحزب ومعه قوي لبنانية عديدة أرض لبنانية محتلة وذلك بالرغم من قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر شبعاً أرضاً سورية، فضلاً عن أن تصنيف الحزب من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل علي أنه منظمة إرهابية إنما هو تصنيف خاص بالولايات المتحدة ويقوم بالأساس علي أسس سياسية وليست قانونية في ظل عدم وجود اتفاق دولي علي تعريف الإرهاب والخلط المقصود والمتعمد من قبل أمريكا وإسرائيل بين المقاومة المسلحة المشروعة وبين الإرهاب ، وعلي ذلك يعتبر مصدر الهجوم التي تعرضت له إسرائيل مصدراً مشروعاً ومن ثم تنتفي حالة الدفاع عن النفس ، والأمر ذاته ينطبق بصورة أوضح في الحالة الفلسطينية فقيام المقاومة الفلسطينية بأسر جندي إسرائيلي لا يعطي لإسرائيل الحق في الادعاء بأنها تقوم بضرب غزة دفاعاً عن النفس . من جهة أخري فان الشرط الثاني المتعلق بالتناسب بين فعل الاعتداء وفعل الدفاع لا يجد له محلاً ، فشتان بين ما قام به حزب الله والمقاومة الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل ففي مقابل أسر جندي إسرائيلي من قبل المقاومة الفلسطينية ، وجنديين آخرين من قبل حزب الله تقوم إسرائيل بتدمير البنية التحتية اللبنانية والفلسطينية من جسور وطرق ومحطات للكهرباء وقصف للمدن والقري وللمدنيين والأطفال وفرض حصار جوي وبري وبحري علي قطاع غزة وعلي لبنان بالإضافة الي الاستخدام المفرط للقوة وليس فقط مجرد الاستخدام العادي لها، وكلها أمور تشير وتؤكد أنه ليس هناك أي تناسب بين فعل حزب الله والفعل الإسرائيلي . وواقع الأمر أن عدم التناسب الحاصل بين الفعل الفلسطيني وفعل حزب الله وبين الفعل الإسرائيلي يرتب المسؤولية القانونية علي إسرائيل التي تكون في هذه الحالة قد خالفت قاعدة حظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ، فقد كان من الأجدر لإسرائيل أن تقوم بأسر عناصر من حزب الله انتظاراً لمبادلة الأسري وفي ظل تجاوز الفعل الإسرائيلي ينتفي مبدأ الدفاع الشرعي ، ويصبح ما تقوم به إسرائيل عبارة عن عدوان علي غزة لبنان. وإذا انتقلنا إلى الشروط الإجرائية لحق الدفاع عن النفس يتضح أنها لا تنطبق هي الأخرى علي إسرائيل فإسرائيل لم تخطر مجلس الأمن بما اتخذته من تدابير في مواجهة الفعل الذي قام به حزب الله وقامت في مخالفة صريحة لذلك الشرط الإجرائي بتدمير البنية التحتية اللبنانية ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإنه ينبغي علي إسرائيل أن تتوقف عن استخدام القوة المسلحة بمجرد تدخل مجلس الأمن، غير أن المجلس، وهو ما يثير الشك والريبة، قد اجتمع دون أن يصدر قرار بإطلاق النار كما هو متبع في الأحوال المماثلة ، وهنا يصبح التساؤل المطروح : هل يعتبر تأخر مجلس الأمن في المطالبة بوقف إطلاق النار بمثابة إعطاء الفرصة لإسرائيل كي تنفذ أهدافها ؟ وبناء علي ما سبق يمكن القول أن ما تقوم به إسرائيل ليس كما قال الرئيس بوش دفاعاً عن النفس وانما يعتبر عدواناً علي سلامة لبنان واستقلالها السياسي ،وتأكيداً علي ذلك قالت مصادر إسرائيلية أن حكومة أيهود أو لمرت بدأت بتنفيذ خطة عسكرية ضد لبنان أعدتها منذ شهور وأنها استغلت أحداث تصعيد حزب الله على الحدود وقتل سبعة إسرائيليين وأسر اثنين من أجل البدء بتنفيذ هذا المخطط. وبينت هذه المصادر أن الاجتماع الذي عقدته الحكومة الإسرائيلية كان اجتماعا شكليا فقط وخصص للمصادقة على قرارات أعدها الجيش الإسرائيلي سلفا. وبينت ذات المصادر أن الخطة الإسرائيلية تشمل أهداف داخل سوريا. وأن قصف الجسور في لبنان يقع ضمن هذه الخطة ولم تقرره الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها.
#خالد_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدور الأمريكي في تصاعد تيار الاسلام السياسي-حالة الاخوان ال
...
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
-
علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
-
دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|