أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - شتاء المحرق 1940














المزيد.....

شتاء المحرق 1940


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6790 - 2021 / 1 / 17 - 13:58
المحور: الادب والفن
    


المكان-مدينة المحرق-الوقت-ليلاً-الزمان 1940
من رواية "عناقيد الثلج"
ليلُ مدينة المحرق، بيوتُها وأزقتُها، سواحلُها وطرقاتُها، روائحها، أنفاسُ سكانها، بهائِمُها الضالّة، تَغصُّ وقت المطر، تخْتبئُ الخَطيئة بين كلّ هذه الدهاليز المُكتظَّة بالأسرارِ، مثل مدينةٍ خُرافية في مجَرّةٍ أسطورية بالكونِ الشاسع، رغم صغرها وضيقها، ومع سِياجها الذي يُكبِلُها عن بقية البلاد، تظلُّ مُزدَحمَةً بالبشرِ والبهائم والحوادث والخطايا التي تتَخَفى داخل البيوت التي تبدو للوَهلَةِ الأولى كأنها نائِمة، ولكنها مُتيقِّظَة بالأسرارِ، بيوتٌ صغيرةٌ، مُعْدِمة، مُتناثِرة بين أطرافِ المدينة الغامِضة وهي تحْتَضِن أطياف البشر الذين يخْتَبئون، يَتصرفُون بوحيٍ من انفعالاتٍ وعواطفٍ تُحرِكُها دوْرَة الحياة المشُوبَة بالمعاناة والألم والحزن، لا شيء يُنْبئُ عن نهايةٍ لخطواتِ هؤلاء البشر وإلى أين تقودهم خطواتهم ولكنهم رغم عَدَم معرِفتهم بالطريق إلا أنهم مسْتمرين في السيرِ؟ لا غرابةَ في أن ترى الفَقْرُ مع الاِبتسامة، والألم مع الضَحْكَة، يتشبَثُون بالحياةِ وكأنها ستَختَفي بعد ساعة زمن، يقْتنِصون الْلُقمَة من أفواهِ بعضهم البعض لشدّةِ العَوزُ، يسْتغربون من بعضِهم كيف يحْيُّيون وهم لا يأكلون بالأيام...؟ ومع كلّ هذه الضائِقة يجدونَ الوقت ويتَضاجَعون، ومن لم يجد امرأةً يبحثُ عن مثِيل لهُ، ومن لم تجد رجلاً تُفتِشُ عن مَثيلَة لها، وفي النهايةِ يُفْرِغون شهواتهم حتى لا يختَنقون، حتى الفَقرُ يحْتمِلونهُ والجوع يَصْبِرون عليه، ولكنهم يجِنُّون لو لم يُفْرغوا شَبَقهُم في أيِ جحْرٍ يُصادِفونهُ، هذا هو ليلُ المحرق، يضِجُ بالآهاتِ والتنهدات وزفرات الشهوات التي تَسْمَعَها مُنْبعِثة من شقوقِ المنازل المُتصَدِعة ومن فتحاتِ النوافذ، لا يَخفُون تلك الآهات لأنها تَفْلتُ منهم دون إرادَة، ويعرفون عن بعضهم بعضًا تلك الأسرار ويتجاهلُونها. تلك هي مدينةُ المحرق الجاهليّة الغامِضَة.
كان تفكير جوري وإدريس، وكلّ منهما بعيدٌ عن عقلِ الآخر، في تلك الهُمُوم التي يتقاسَمُها الجميع تحت سقوف البيوت الآيل بعضُها للسقوطِ، والمُتصَدِعة، والمُكتظَّة بالبشرِ رغم صغر حجمها، لا تخْتلفُ حياة الاثنين عن حياةِ الآلاف من سكانِ المدينة، فالغالبيةُ العُظمى وهي تعيشُ داخل بيوتِ العريش وأكواخ التَنَك ومنازل الطين، تتَوَحَّد همومها مع الطعام الذي اِنْعدَم، والمطارَحات الجسدية المُتبايِنَة الرغَبات والشهوات، يُوَحِّدَهم المطر عندما يحْتجِزهُم بين الجدّران، وتَجمَعهُم المقاهي والسواحل والأزِقَّة حتى بأيامِ البرد، لا تُوجد مدينةٌ بالدنيا يفْترِشُ سُكانها السواحل ومراسي البحر، كمدينةِ المحرق، فهناك ارْتباطٌ عضوي لا ينفصم بينهم وبين البحر، سواء من ركبَ الموج، وأبْحرَ للغوصِ أو بصيدِ السّمك، أو بمن عشِقَ منظر البحر واسْتأنَس الجلوسِ أو الوقوف عنده وتأمّلهُ، حتى أن بعضهم كانوا يخاطبونهُ بالسرِّ في أعماقهم كما لو يفْضفِضون لكائنٍ حيٍ يسْمعهُم...بحرُ المحرق سَكنَ في داخلهم فأضْحوا مثل الأسماك تغوص فيه، لا يتَخيَّل أحدهُم أنه سَيسْكن بعيدًا عن البحر، وإن لم يتَوَفَّر له مكان هناك، دأبَ على الخروجِ يوميًا للصلاةِ والركوع عند سواحله ومرافئه المُتعَدِّدة على أطرافِ المدينة، فالمحرق يَحفُها البحر من كافةِ نواحيها، وهي أشبهُ بغيْمةٍ في كبدِ كوْمَة من السحابِ تسبحُ فيه...جاء المطر ولم يتَوَقفْ فأغرقَ المدينة بالماءِ وكأنها لم تكْتفِ بمياهِ البحر، المطر أضافَ إليها، وابلاً من الماء، فحُوصِرَ الناس في منازِلهم ولم يخرجوا إلا حين غَرقتْ بيوتهُم في الماء، فتَوجهوا للسُكنى في بيوتِ أقاربهم أو مع جيرانهم الذين اسْتَضافوهُم رغمًا عنهم حينًا وبإرادتهم حينًا آخر...لم تجد جوري وإدريس مناصًا من البقاءِ في المنزلِ ونزْفِ المياه منه، فالمرأة التي تزوجتْ في البدايةِ من صالح لم تجد معهُ أسْرَة تحْضُنها وكذلك حينمّا اقتَرنتْ بالآخر، إدريس لم تلق معه الأهل ليُطوِقُها، وهي ذاتُها لم تحْفظْ لها جيرانًا تلجأ إليهم وقت الشدّة، فقد سَبقَتْها سُمعتُها السيئة في الحيِ كلهُ لتجعل منها امرأةً منْبوذَةً.

***



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطعام قبل الإيمان...
- فاشية أم فاشينيستا...?!
- مفاجأة: عودة تجارة الرقيق بحرب البنفسج (الخليج)
- شجرة عارية عانقت المعري.... من رواية -القرنفل التبريزي-
- # أخطر من وزارة للإعلام!
- كورونا تدعم الثقافة من غير قصد!!!
- أرثيك إسحاق النبل والأصالة...
- حينما تقود الحملان الأسود!!
- شيءٌ ما يدور في المنطقة؟!!
- -عناقيد الثلج- مدينة المحرق القديمة
- متى تدفع الصين الثمن؟! هل أفلتت من العقاب؟
- مجرد خبر!!
- لغة الضاد بالفرنسية!!!
- علمانية بلا علمانية!!!
- أبو العلاء المعري وخليلهُ المتعري في رواية القرنفل التبريزي. ...
- يسرا البريطانية (22) الأخيرة
- خريف الأخبار الغامضة!!
- يسرا البريطانية (21)
- يسرا البريطانية (20)
- يسرا البريطانية (19)


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - شتاء المحرق 1940