|
الكلاب الطيبة
محمد الإحسايني
الحوار المتمدن-العدد: 1618 - 2006 / 7 / 21 - 05:21
المحور:
الادب والفن
ش. بود لير ترجمة محمد الإحسايني إلى جوزيف ستيفنز لم أخجل أبداً؛ ولو أمام ُكتاب عصري الشباب ‘ من تحمسي لـ ” كونت بوفون “؛ بيد أن روح هذا الرسام للطبيعة ، ليست هي التي سأدعوها اليوم لتساعدني، كلا . أود أن أتوجه بكل طواعية الى “ستيرن” ، فأقول له : “انزل من السماء او إصعَدْ إليّ في ” مقامات الأبرار ” ، لتُلهمني إكراماً للكلاب الطيبة، والكلاب البئيسة ، أنشودةً جديرة ًبك ، يامضحكاً رقيق العاطفة ، ويامضحكاً لامثيل له ! عدْ إلى هذا الحمار الذائع الصيت الذي يرافقك دائما عبر ذاكرة الأجيال القادمة ، عد إليه منفرج الساقين راكباً؛ و خصوصاً أن ذلك الحمار ، لاينسى ان يحمل قرص حلواه الخالدة المعلقة بين شدقي بمهارة . ياربة الإبداع الأكاديمية المتخلفة ! ليس لديّ ما أصنع بهذه العجوز المتزمتة. أتضرع إلى ربة الشعر الأليفة ، المدينية القوية ، كي تساعدني على مدح الكلاب الطيبة ، والكلاب البئيسة ، والكلاب الملوثة ، تلك الكلاب التي يُفردها كل واحد من بني البشر ، إفر اد الكائن الموبوء والمقمل، باستثناء الإنسان الفقير ؛ فهي من شركائه، والشاعر ؛ فهو ينظر إليها بعين أخوية . أٍف من الكلب المتجامل ، من ذلك المغرور الذي يمشي على أربع، ومن ذلك الكلب الدانماركي ، ومن الكلب كينغ تشارلز، والكلب كارلان ، أو غرودان المفتون هو الآخر بنفسه ، فيثوثب بلا احتياط ، على ساقي ركبتي الزائر ، كأنه على يقين ، من إعجاب ذلك الزائر به ، ،صاخبٌ كأنه طفل، غبيّ كأنه غادة مُسْتـهتَرة، شكِسٌ أحياناًووقِح كأنه خادم ! أُفٍّ من هذه الثعابين الخبيثة ، خصوصاًما يمشي منها على أربع ، والمرتعدة العاطلة ، وما يسمى بكلبات سلوقية ، التي لايوجد في فنطاسها المستدق ، حتى مايكفي من الشم لمتابعة أثر صديق ، ولا في رأسها المسطح ، مايكفي من الفطنة لممارسة لعبة “دومنو” فإلى مأوى الكلاب ،المفجوعة ، بكل هذه الكلاب المتعبة الطفيلية! ولترجع الكلاب إلى دارها الحريريةالمفروشة بالسجاد ! أنا أمدح الكلب الملوث ، والكلب الذي غريزته مثل غريزة الإنسان البئيس ، والبوهيمي والبهلوان ، فهو تحرضه الضرورة على نحو رائع ، تلك الأم الطيبة بهذا القدر، مولاة الفِطَن الحقيقية! أثني على الكلاب المفجوعة ، سواء تلك الكلاب التي تتيه بمفردها ، في مجاري سيول التربة المنعرجة بالمدن الهائلة ، أوتلك الكلاب التي قالت للإنسان المنبوذ ، بعيون غامزة وخبيثة : “خذني معك ، فلربما من بؤسينا الاثنين ، نخلق نوعاً من السعادة !” وقديماً كان ” ناسطورروكبلان “يقول في رواية خالدة ، نسيَها بلا ريب ، فأنا وحدي ، و” سانت بوف”ربما مازلنا نتذكرها اليوم :” إلى أي تذهب الكلاب ؟ ” . قولوا لي أيها البشر القليلو الحذر ،إلى أين تذهب الكلاب ؟ إلى موعد شؤونها ، وموعد ممارسة حبها .تذهب وتجيئ ، عبر الضباب ، وعبر الجليد ، وعبر البراز، وعبر القيظ اللا سع ، وتحت المطرالوابل ‘تنطط ، وتمر تحت العربات، ُتهيّجها البراغيث ،مثلَنا ، وتبحث عن عيشها أو تجري إلى شهواتها .ومنها مايرقد في إحدى الخِرَب، بأرباض المدينة ، فيأتي كل يوم ، في الساعة المحددة ، ليطلب الهبة على أعتاب باب مطبخ القصــر الملكي ؛ وتهرع كلاب أخرى جماعاتٍ، أكثرَمن خمسة فراسخ ،من أجل اقتسام الأكل الذي تهيئه لها تصدّ قاً، بعض النساء الستينيات اللائي لم يمسسهن بشر، واللائي قلبُهن خال من أغراض الدنيا ، ومكرس للحيوان ، ذلك أن البشرالأغبياء لايرغبون في تلك الحيوانات … وكلاب أخرى ، كأنها عبيد آبقون ، ُجنتْ حباً ، تهاجرلبضعة أيام ، مفاطعتها الإقليمية للقدوم إلى المدينة ، والقفز خلال ساعة ، على كلبة جميلة ، مهملة إهمالأً قليلاً في زينتها ، لكنها مزهوة وشاكرة للجميل . وتلك الكلاب ، جميعها طبق الأصل تماماً ، بدون بطاقة ، ولا ملاحظات على الهوية ، ولا حافظات أوراق . . أتعرفون ” بلجيكا “المتكاسلة ،أوَ تُعجَبون مثلي بجميع هذه الكلاب القوية المشد ودة إلى عربة الجزار ، وعربة اللّبانة اوعربة الفرّان ، والشاهدة من خلال نباحاتها الظافرة ، على متعة الا شتهاء المتغطرس ، الذي تجرب أن تنافس به الجياد ؟ فهاهما اثنان منها ينتميان إلى طبقة لاتزال متمدنة ! اسمحوا لي أن أُدخلكم إلى غرفة المهرج الغائب . هناك سريرمن خشب مطليّ بلا ستارة، وبطانيات منسحبة على الأرض ، وملطخة بدم البق، وكرسيان من التبن ، ومقلاة من حديد منصهر ، وأداة أو أداتان موسيقيتان معطلتان . فيا له من أثاث كئيب! لكن انظروا ، أرجوكم ، إلى ذينك الشخصين الذكيين اللابسَيْن ثياباً مفتقة وفاخرة في آن ، معتمرين رأسيهما بالقبعات كشعراء “تروبادور “، أو كجنود ، يحرسون بانتباه السحرةِ ، ” العملَ الإبداعي الغُفل من الاسم ” ، الذي يُطبَخ على مِقلاة موقدة ، والذي تنتصب في وسطه ملعقة طويلة مغروسة كإحدى هذه السواري الهوائية التي تؤذن بأن البناء قد انتهى . أوَليس صحيحاً أن هؤلا ءالممثلين المتحمسين لاينطلقون دون كونهم قد أثقلوا معد تهم بطعام فعال وقوي؟ أوَلا تسمحون بشيئ من الشبقية لهؤلاء الرجال المساكين الذين إنّ عليهم أن يجابهوا كل يوم ، عدم مبالاة الجمهور وجور مدير يتعود على الحصة الكبرى فيتناول لوحده من الطعام ، حصةَ ما يتناوله أربعة ممثلين ؟ كم من مرة تأملتُ مبتسماً وملاطفاً، هؤلاء الفلاسفة جميعَهمَْ ذوي أربع قوائم ، الأرقاءالمجاملين المطيعين والأوفياء ،الذين قد يستطيع المعجم الجمهوري أيضاً أن يصفهم ب “شبه رسميين “، لو كانت الجمهورية، مشغولة جداً بـ “سعادة البشر” ، وكان لها الوقت الكافي لتدبّر “شرف الكلاب “. وكم من مرة اعتقدتُ أنه ربما يوجد هناك ، مكان ما ،[ من يدري ، بعد كل ماجرى ] ، لمكافأة هذا القدر من الشجاعة ، وهذا القدر من الصبر والكد ، بفردوس خاص بالكلاب الطيبة ، والكلاب البئيسة ، والكلاب الملوثةوالمهجورة . ويؤكد ” سويدنبورغ ” يقيناً أنه يوجد من ذلك ، فردوس واحد للأ تراك وواحد للهولنديين ! كانت القصائد الرعوية للشاعر اللا تيني “فيرجيل ” ،ورعويات ” تيوكريت ” اليوناني ، تنتظر مكانة مرموقة ، وناياً من أمهر الصناع ،أوماعزةً حلوباً ذات ضرع منتفخ ، ثمناً لأنا شيدهما المتعاقبة.فالشاعر الذي مدح الكلاب البئيسة ، قد تلقى كمكافأة له ، صدرية رائعة ذات لون فاخر وباهت في أن ، تذكرنا بشموس الخريف ، وبجمال النساء الناضجات ومواسم ” صيف سان مارتان “. لا أحد من أولئك الذين كانوا حاضرين في نزل شارع ” فيللا هيرموزا “سينسى ، مهما كان نزِقاً ، الرسام وقد انسلخ من صدريته لصالح الشاعر ، مادام قد فهم جيداً أنه كان طيباً ومستقيماً في مدحه الكلاب البئيسة وكطاغية إيطالي عجيب ، فإن اللحظة المستحبة كانت توفر للشاعر الرباني ” أرتيان ” ، إما خنجراً مرصعاً بالأحجار الكريمة ، وإما معطف المحكمة ، وذلك مبادلةً بقصيدة نفيسة أوبقصيدة تهكمية . وكلما ارتدى الشاعر صدرية الرسام ، إلا وُيجَبر أن يفكر في الكلاب الفلاسفة ، وفي مواسم صيف “سان مارتان ” وجمال النساء الناضجات جداً. آخر قصيدة من ديوان: Spleen de Paris/ Petits poèmes en prose. C. Baudelaire
#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول أمسية
-
مدموازيل بيسوري الحياة تزدحم بالوحوش البريئة لشارل بودلير
-
المرأة المتوحشة لبودلير
-
المقامر السخي
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|