أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الطاقة والصراعات الجيوسياسية في شرق المتوسط















المزيد.....


الطاقة والصراعات الجيوسياسية في شرق المتوسط


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 6777 - 2021 / 1 / 2 - 22:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعد منطقة شرق المتوسط من أكثر المناطق المعقدة جيوسياسيا نظرا للتناقضات الحادة في مواقف الدول الأصيلة من بعضها البعض إضافة إلى وجود الكيان الاسرائيلي المدعوم أمريكيا على مدار الساعة،فمن ساحل مصر إلى غزة إلى فلسطين المحتلة ولبنان إلى سورية في المشرق العربي ، وصولا إلى تركيا واليونان وايطاليا شمالا إلى شمال أفريقيا غربا ، وفي الوسط قبرص المقسمة نشهد الغرق في الاضطرابات السياسية والعقائدية والايديولوجية التي تبطئ من النمو الموعود في مصادر الطاقة المختلفة شرق المتوسط .
الواقع الجيوسياسي شرق المتوسط :
يعاني شرق المتوسط من أشد أنواع الاضطرابات خطورة وديمومة تقف عائقا أمام نمو مصادر الطاقة والتنمية الاقتصادية عموما لشعوب شرق المتوسط فمنذ بداية القرن العشرين تعاني المنطقة من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والحروب التوسعية المتكررة التي يشنها الكيان الإسرائيلي لتأصيل وجوده في المنطقة الأمر الذي حرم دول الجوار لفلسطين من مصادر التنمية الاقتصادية وتوجيه جل الاهتمام لتحقيق التوازن العسكري مع الكيان الإسرائيلي . لقد سعت مصر والأردن وسورية ولبنان دوما لتحقيق التوازن مع الكيان الاسرائيلي ولكن كانت دائما تعجز عن اللحاق بركب سباب التسلح في المنطقة بسبب ضعف الامكانيات المادية والنمو السكاني المرهق للحكومات والدعم الأمريكي غير المحدود للكيان الاسرائيلي عسكريا وسياسيا. وفي الشمال ، هناك تباين واختلاف عقائدي في السياسات بين تركيا واليونان وإيطاليا حول مناطق متعددة في شمال شرق البحر المتوسط ناهيك عن الاحتلال التركي لشمال قبرص، ودخول نيقوسيا في الاتحاد الأوروبي ووجود قواعد عسكرية غربية في قبرص اليونانية، يضاف إلى هذه التعقيدات الاضطرابات المتعددة التي حدثت في ليبيا غربا ومصر جنوبا وسورية ولبنان شرقا وتطورها إلى حروب بالوكالة بين القوى الدولية الفاعلية ، وحرص كل فريق على عدم الخروج خاسرا من المعركة. لقد سببت الاضطرابات والحروب في شرق المتوسط الكثير من النكبات الاقتصادية والسياسية والمآسي والتخلف والتراجع في مصادر الدخل على المستوى الفردي والحكومي .
تعاني ليبيا من التقسيم السياسي فشرق ليبيا موال لمصر وغرب ليبيا المعترف به من الأمم المتحدة موال لتركيا وبين تركيا ومصر وقبرص واليونان صراع خفي على مناطق النفوذ على مصادر الطاقة شرق المتوسط . ففي 13 تموز، قال المسؤولون في شرق ليبيا إنهم سيرحّبون بالتدخل العسكري المصري من أجل التصدي للدعم الذي تقدّمه تركيا للحكومة المنافسة في طرابلس التي تعترف بها منظمة "الأمم المتحدة". ويشمل دعم أنقرة اتفاقاً تم التوصل إليه العام الماضي مع حكومة الوفاق في طرابلس بشأن ترسيم حدود بحرية مشتركة تسمح لتركيا بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الشمال الليبي . روسيا وتركيا في شبه وفاق في المسألة السورية وفي محاولة البحث المتعثرة عن مخرج سياسي للأزمة المستمرة في سورية، ولكنهما في خندقين مختلفين في ليبيا ، فروسيا تدعم الشرق الليبي ماديا وعسكريا، وتركيا تدعم الغرب الليبي ماديا وعسكريا ولوجستيا ، ومن الأسباب التي تدفع تركيا إلى مواصلة البحث عن احتياطيات الهيدروكربون، والذي لم يأتِ أكلهحتى الآن هو نجاح قبرص ومصر والكيان الإسرائيلي نسبيّاً في اكتشاف الغاز في شرق البحر المتوسط خلال العقدين الماضيين. لكن من الناحيتين الجغرافية والقانونية، إنّ الحدود البحرية التي طالبت بها أنقرة حديثاً أمر صعب المنال ومُبالغ فيه إذ أن امتلاك تركيا وليبيا منطقتيْن اقتصاديتيْن خالصتيْن مجاورتيْن تفترض قبول تفسير مشكوك بصحته لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ، والتي تنص على أن كريت وأجزاء أخرى من اليونان تقتصر على الحدود الممتدة على المسافة البحرية المعيارية البالغة 12 ميلاً ، والمخصصة للمطالب السيادية البحرية، وليست المسافة البالغة 200 ميل والمخصصة للمطالب الاقتصادية. كما أن تركيا أبرمت مع السلطات الليبية في الغرب اتفاقا نفطيا في المناطق الساحلية التي لا تسيطر طرابلس عليها،والتي تقع تحت سيطرة السلطات في شرق ليبيا المدعومة من مصر واليونان وروسيا. وهناك مشكلة أخرى تكمن في عدم وجود حدود بحرية مرسومة بين ليبيا ومصر. وبموجب القانون الدولي، تتطلب الحالات المشابهة اتفاق جميع الأطراف المعنيّة على الاستثمار البحري النفطي في تلك المنطقة، وهو أمر في غاية الصعوبة حاليا في ظل التناقض في المصالح الجيوسياسية بين سلطات شرق ليبيا وسلطات غرب ليبيا ومصر وتركيا واليونان . ترغب تركيا من الاتفاق مع ليبيا اعاقة إنشاء خط أنابيب بحري تحت مائي لتصدير الغاز القبرصي إلى الأسواق الأوروبية رغم أنه يمكن المباشرة في الإنشاءات في البنية التحتية الخالصة للدول المعنية بالخط القبرصي إلا أنه يجب أولا الحصول على التراخيص والأذن من أنقرة فيما يخص المناطق الاقتصادية الخالصة المتفق عليها مع سلطات غرب ليبيا أضف إلى ذلك الأخطار الكثيرة التي تواجه الخط ، يأتي في طليعتها المخاطر البيئية المتوقعة، وينطبق الأمر على منطقة شمال شرق المتوسط ، والتي تتشاطر فيها سورية وتركيا وقبرص التركية وقبرص اليونانية واليونان مناطق اقتصادية خالصة وهي في غاية التعقيد.
وعلى نطاقٍ أوسع، تسبب الأثر الاقتصادي الناتج عن فيروس كورونا بالإضافة إلى تكلفة تطوير استثمار احتياطيات الغاز في أعماق قاع البحر على بُعد أميال عديدة من الشاطئ بإعادة تقييم توقعات الطاقة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، اكتشفت كلٌّ من شركات "إكسون موبيل"، و"نوبل إينرجي" في هيوستن، و"توتال" الفرنسية حقولاً كبيرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة في قبرص قبل تفشي الوباء، ولكن من المرجح أن تُرجئ القيام بالمزيد من عمليات التنقيب لعدة سنوات في أفضل الأحوال. وهذه الوقائع التجارية الجديدة أكثر أهمية من أي مطالبات تركية بمثل هذه الاكتشافات (ولا تعترف أنقرة بأنه حتى لدى قبرص "منطقة اقتصادية خالصة").
إنّ خط الأنابيب المقترح لقاع البحر، الذي تبلغ كلفته 7 مليارات دولار ويمتدّ من حقول الغاز البحرية القبرصية إلى اليونان وإيطاليا، يثير الشكّ بشكل متزايد بالنظر إلى انخفاض سعر الغاز ، واعتماد الخط على إيجاد احتياطيات إضافية لتحقيق الأرباح. وتخطط الجزيرة حالياً لاستيراد الغاز من أجل توليد الكهرباء؛ فقد طلبت وحدة عائمة لإعادة التغويز من أجل تحويل حمولات الناقلات من الغاز الطبيعي المُسال الذي من المقرر وصوله إلى شاطئها الجنوبي، والذي سيحلّ محل واردات الفحم المستخدَم عادةً في محطات الطاقة المحلّيّة.
ويواجه الكيان الإسرائيلي صعوبة في استقطاب شركات التنقيب للبحث عن احتياطيات جديدة في حقليْ ليفياثان وتمار التابعيْن للكيان ، ورغم النجاح الذي حققته شركة "نوبل إينرجي" سابقاً في العثور على مخزون كبير. ويعني تراجع أسعار الغاز أنّ هذا التنقيب يوشك أن يصبح غير قابل للاستمرار بالنسبة للشركات. وتفاوضت "نوبلاينرجي" مع الإسرائيليين بشأن سعرٍ على المدى الطويل يفوق التكلفة الحالية لحمولات الغاز الطبيعي المُسال المستورد، مما دفع "شركة الكهرباء الإسرائيلية" إلى البدء بشراء الغاز الطبيعي المُسال للمبيعات المحلية الإضافية فقط. وربما يكون الكيان الاسرائيلي قد اكتسبت ما يسمىبأمن الطاقة من الحقول البحرية من الغاز، لكنّ أحلام الكيان المتعلقة بصندوق الثروة السيادي قد تلاشت في الوقت الحالي، وربما إلى الأبد.
ولا تزال مصر الجهة الفاعلة المهيمنة في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط، حيث يبلغ احتياطيها الإجمالي من الغاز أكبر بكثير من احتياطيات إسرائيل أو قبرص. وتتميز القاهرة أيضاً بسوق محلية كبيرة وقدرة على تصدير فائض الكميات عبر مصنعيْن للغاز الطبيعي المُسال على شاطئ دلتا النيل. ومن المتوقع أن يتم قريباً التوقيع على عقود لِستّة مراكز تنقيب بحرية جديدة غرب الدلتا، من بينها مركزان تمتلك فيهما شركة "نوبل" حصة.
ومن ناحية أخرى ، فإن قصة النجاح التي حققتها مصر في مجال الطاقة، تسبب على الأرجح، الإحباط لأنقرةالتي تعتبر القاهرة منافستها الرئيسية. فحتى ضمن تحديد تركيا الموسّع لمياهها المطالَب بها، لم تبلغ حملة تنقيبها عن الطاقة أهدافها الكبيرة المتوخاة . لكن إحدى النتائج الجيدة هي أنّ وارداتها من الغاز الطبيعي المسال أقلّ ثمناً وتكلفة حتى الآن ، لأنّ معظم طلبها المحلّي ما زال يعتمد على صفقات الإمداد الطويلة الأمد التي تأتيها من روسيا وأذربيجان وإيران.
أما بالنسبة لسوريا، فإن أي دور تأمل أن تلعبه في التنقيب البحري يبدو غير مرجح في الوقت الراهن مع استمرار الحرب الكونية عليها ، ولا يكثر التفاؤل حول تقديرات الطاقة في الزاوية الشمالية الشرقية من البحر المتوسط نتيجة الوجود الأمريكي والقوات الكردية المتمرة على حكومة دمشق . ويتمتع لبنان بتوقعات أفضل، على الرغم من أنّ عملية الحفر الأولى في بحر بيروت كانت مخيّبة للآمال، ولا يُحتمل القيام بالمزيد من التنقيب بسبب الأزمة السياسية والماليّة الراهنة العاصفة بلبنان .
وبغض النظر عن الخطاب الحامي في المنطقة، يشير المنطق الاقتصادي على المدى القريب إلى أن الجانب المتعلق بالطاقة والمتأثربالتوترات في شرق البحر المتوسط مبالغ فيه إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، يبقى التعاون في مجال الطاقة أساساً لانخراط السياسة الأمريكية في المنطقة، التي قد تلعب في عهد بايدن دورا يساعد على اعتدال المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة.
في الأسبوع الماضي، وبعد عامٍ من المفاوضات، أعلنت حكومة قبرص والائتلاف الذي تقوده شركة "نوبل أنرجي" ومقرها في تكساس عن اتفاقٍ بشأن عقدٍ منقّح لاستغلال حقل "أفروديت" للغاز الطبيعي الذي يقع على بُعد 100 ميلٍ جنوب الجزيرة القبرصية . وسيكلّف تطوير الحقل، الذي يمتدّ جزءٌ منه في المنطقة الاقتصادية الخالصة للكيان الإسرائيلي ، عدة مليارات من الدولارات، وستتدفق كميات الغاز الأولى في عام 2024 كحدٍ أدنى، وربما تتوجه باتجاه مصر ليتم تصديرها إلى باقي أنحاء العالَم. ويُقدَّر إجمالي الإيرادات على مدى الأعوام العشرين التي يُتوقَّع أن يدوم فيها الحقل بأكثر من 9 مليارات دولار. وتبدو الخطوة التالية في الصفقة - أي بعد الإقرار الرسمي من الحكومة القبرصية - بمثابة نتيجة حتمية، لكن كما هو الحال غالباً، تتم مقاربة أي تطورات متعلقة بالطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط من زوايا جيوسياسية أوسع نطاقاً.
يمكن تسوية مطالبة الكيان الإسرائيلي بحقل "أفروديت" عبر التحكيم، لكن برزت ملامح مسألة أخرى أكثر صعوبة بكثير في 7 حزيران الفائت، عندما أعلنت تركيا أن القبارصة الذين يعيشون في المنطقة الشمالية التي يحتلّها الأتراك من الجزيرة يتمتعون بحقوق نيل حصة من الحقل. وسبق أن أقرت مبدئيّاً الحكومة المعترَف بها دوليّاً في نيقوسيا - التي تؤكّد سيادتها على كامل الجزيرة وتمنح جوازات سفر إلى القبارصة الأتراك - أن الإيرادات الأخيرة لحقل "أفروديت" ستكون لكافة القبارصة. ومع ذلك، فإن ما يعقّد هذا المبدأ هو العدد الكبير من المستوطنين الأتراك على الجزيرة، الذين يفتقر الكثير منهم إلى الإرث القبرصي المثبَت والمطلوب للحصول على جوازات السفر وبعض الحقوق الأخرى. لذلك يتسبب التصريح الأخير لأنقرة بتفاقم المخاوف من قيام القوات البحرية التركية بمضايقة عمليات التنقيب والتطوير الدولية في المياه المتنازَع عليها.
وفي غضون ذلك، تم إيقاف إمدادات الغاز التي تولّد ثلثي الكهرباء في الكيان الاسرائيلي لوقتٍ قصير في الشهر الماضي بسبب القلق من أن إطلاق صواريخ"حماس"القادمة من غزّة قد تهدد المنصة البحرية العاملة للخطر. فمثل هذه الأحداث هي جزءٌ من سبب وقوع منصة إسرائيل الثانية - التي يتم بناؤها حاليّاً لخدمة حقل "ليفياثان" الذي يوشك على البدء بالإنتاج - في مكانٍ أبعد شمالاً وأقرب إلى الشاطئ، حيث يمكن حمايتها بشكل أفضل ولكنها بالتأكيد ستكون في مرمى صواريخ حزب الله في حال نشوب حرب في المنطقة وهو المرجح.
ومن الناحية العملية ، كانالكيان الاسرائيلييستخدم كميات قليلة من الغاز لاختبار خط أنابيب غير مستخدَم في قاع البحر بين عسقلان ومدينة العريش في سيناء. وكان الخط يُستخدَم سابقاً لضخ الغاز المصري إلى إسرائيل، لكنّ الوضع انعكس الآن إذ أنه سيتم نقل الغاز قريباً من الحقول البحرية الإسرائيلية إلى مصر - سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير بعد أن يتم تحويله إلى غاز طبيعي مُسال في المحطات الحالية للغاز الطبيعي المسال بالقرب من بور سعيد والاسكندرية. لكن كان من الصعب التوصل إلى اتفاق قانوني نهائي حول هذه الاقتراحات، وحتى حين تبدأ كميات الغاز بالتدفق في وقتٍ متأخر من هذا العام، سيضطر إلى استخدام طريق برّي معرَّض للهجوم المسلح من عناصر تنظيميْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" خلال جزءٍ من رحلته إلى مصر، أو على الأقل إلى الأقل إلى أن يتم الاتفاق على إنشاء خط بحري آخر باهظ الثمن يمتد إلى أقصى الغرب من العريش.
ويبحث الكيان الإسرائيلي أيضاً عن شركات يمكن أن تنقّب في مياه فلسطين الخالصة عن المزيد من الغاز. وعلى الرغم من إرجاء الموعد النهائي للمناقصات على تسعة عشر كتلة بحرية إلى منتصف آب القادم، الأمر الذي ربما يعكس قلة اهتمام المستثمرين، إلا أنه وفقاً لبعض التقارير ما زال المسؤولين في الكيان الإسرائيلي يأملون في أن تقتنع شركة "إكسون موبيل" بالصفقة. إذ أنه حتى الآن، أبدت الشركة الأمريكية اهتماماً أكبر بالكتل القبرصية، كما فعلت بعض الشركات الأوروبية مثل "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية.
وتهتم الشركتان الأخيرتان أيضاً بالتنقيب في مياه لبنان، رغم الاعتلالالوظيفي والسياسي للحكومة، والعَطل في شبكة إمدادات الكهرباء، والعروض الإيرانية للبنان في مجال الطاقة. فهما تأملان البدء بالتنقيب شمال غرب بيروت في وقت مبكر من هذا العام. والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن اتحادهما مع شركةً روسيةً، تريد التنقيب في كتلة أخرى تضم قطعةً من البحر متنازَع عليها مع الكيان الإسرائيلي. وتحت تغطية "الأمم المتحدة"، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يشجّعون كلا منلبنان والكيان الإسرائيلي على التوصل إلى اتفاق على الأقل حول بعض عناصر خلافاتهما المتعلقة بالحدود البرّيّة والبحرية التي استمرت لعقود، وربما يشير ذلك إلى اهتمام الشركات الأمريكية بالتنقيب في مياه لبنان.
ولكن عندما يتعلق الأمر بصفقات الطاقة، وحتى معاهدة السلام لا تضع حدّاً للحساسيات العامة إزاء التقارب مع الكيان الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، تعززت الروابط الأمنية والاستخباراتية بين الأردن وتل أبيب بشكل كبير منذ أن وقّعت الحكومتان معاهدتهما في عام 1994، وزوّد الغاز الإسرائيلي المعامل الصناعية الأردنية بالطاقة في البحر الميّت على مدار العاميْن الماضييْن. لكن نظراً لاستمرار ضعف العلاقات بين البلدين، فإن العديد من الأردنيين يعارضون احتمال استخدام غاز حقل "ليفياثان" لتوليد الكهرباء على نطاقٍ واسع بدءاً من أوائل العام القادم. وبدّدت عمان هذا الغضب جزئياً حين وصفت هذه الإمدادات "غازاً شماليّاً" أو "غازاً أمريكيّاً"، مؤكدة على دور شركة "نوبل" في إنتاجه.
تُظهر الخرائط التي رُفِعت عنها السرية من قبل "مكتب موارد الطاقة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية والمتوفرة حاليا في أكثر من مكان على شبكة الانترنت ، تعقيدات التطورات المتعلقة بالطاقة في شرق البحر المتوسط. إذ يعتبر بعض المسؤولين الأمريكيين أن الخصائص الجيولوجية لهذه المنطقة يمكن أن تساعد أوروبا على تعديل اعتمادها على الغاز الروسيأو حتى استبداله– لأنه يأتي من دولة معادية للولايات المتحدة ، لكن يبدو أن هذا الأمر مستبعَد في إطار المستوى الحالي للاكتشافات. وسيتعيّن التنقيب عن العديد من الحقول الأضخم مثل حقل "ليفياثان" أو حقل "ظهر" المصري قبل أن يتغيّر هذا الواقع. كما أن البناء المقترَح لخط أنابيب في قاع البحر لنقل الغاز إلى اليونان وإيطاليا يشكّل كذلك أمراً غير واقعي في الوقت الحالي. ووفقاً لآخر "استعراض إحصائي للطاقة العالمية" أجرته شركة "بي بي"، لا تبلغ اكتشافات الكيان الاسرائيلي الحاليّة سوى 0.2 في المائة من احتياطات الغاز العالميّة المؤكدة من الغاز. وتفوقها الاحتياطات المصرية بخمسة أضعاف، على الرغم من أنها تبقى ضئيلة نسبةً إلى احتياطات أكبر ثلاثة بلدان منتجة في العالَم هي: روسيا (19.8 في المائة) وإيران (16.2 في المائة) وقطر (12.5 في المائة).
ومع ذلك، ينمو دور الغاز في الاقتصاد العالمي: فقد ارتفع كلٌّ من الاستهلاك والإنتاج بنسبة 5 في المائة في عام 2018، والذي وصفته شركة "بي پي" بأنه أحد أقوى معدلات النمو لكلٍ من الطلب والإنتاج منذ أكثر من ثلاثين عاماً". وبينما لايزال النقل عبر خطوط الأنابيب مهيمناً، تستحوذ ناقلات الغاز الطبيعي المُسال على حصة متزايدة من عمليات التصدير. وستصبح الولايات المتحدة على الأرجح ثالث مصدّر للغاز الطبيعي المُسال هذا العام، بعد أستراليا وقطر - ويذكّر مجدداً أن الاتجاهاتالاقتصادية يمكن أن تتغيّر بسرعة، لأن أمريكا كانت مستورداً كبيراً للغاز الطبيعي المُسال إلى قبل عشر سنوات.
وتُشجّع واشنطن أيضاً "منتدى غاز شرق المتوسّط" الجديد القائم في القاهرة من أجل التعاون في مشاريع الطاقة، على الرغم من أن لبنان وتركيا وسورية لم تُدرج بعد في المنظمة. وفي غضون ذلك، يقود "مكتب موارد الطاقة " ركيزة الطاقة في "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط" ("ميسا")، وهو المشروع الذي يسير بخطى بطيئة بقيادة أمريكية لتعزيز الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
وقد كان التعاون في مجال الغاز مدرجاً على جدول الأعمال في ورشة العمل الاقتصادية التي استضافتها البحرين في وقتٍ لاحقٍ من الشهر الماضي بهدف تطوير جهود السلام بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية التي شجعتها ورعتهاإدارة ترامب. ورغم تصريح "السلطة الفلسطينية" بعدم حضورها، يبدو أن التكامل المتزايد في مجال الطاقة، الذي يعود بالفائدة على الضفة الغربية وغزة، يشكّل عنصراً واضحاً للنقاش، ويشمل التنقيب والإنتاج المشترك للكهرباء. وبشكل أكثر تحديداً، يتضمن جدول أعمال البحرين ما يلي:
• الاستناد إلى البنية التحتية الحالية للغاز التي تربط الكيان الإسرائيلي ومصر والأردن.
• تطوير مشاريع طاقة مشتركة تعتمد على الغاز.
• التعاون في مشاريع الطاقة الأخرى (مثل الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة).
• دمج الأصول الفلسطينية في مشاريع مشتركة (على سبيل المثال، استغلال حقل الغاز البحري قبالة سواحل غزة؛ والاستفادة بشكل أفضل من محطة الطاقة الموجودة في غزة، المصممة أصلاً لاستخدام الغاز).
وستكرر هذه الجهود الدرس التاريخي المتعلق بتطوير الغاز في شرق البحر المتوسط، والذي مفاد أن التقدم بطيء لكنّ الإنجازات كبيرة، ويمكن تخطي العقبات التي تظهر أنه لا يمكن التغلب عليها عبر بذل جهدٍ دبلوماسي في غاية الدقة مع التحلي بالصبر. والطريق الوحيد لإبصار هذه المشاريع النور وتقاسمها وتكاملها هو إعادة الحقوق إلى أصحابها الأساسيين والانسحاب من الأراضي العربية المحلية وتحقيق السلام العادل.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الايمان والخوف
- الليالي العشر...روح للمستقبل والمرح والخير
- شيطان ثم ملاك
- الاقتصاد بعد عقد من الزمن العقد
- العناق تجربة وأي تجربة
- سورية وأولويات الإدارة الأمريكية الجديدة
- التعليم عن بعد بين الايجابيات والسلبيات
- طريق الحرير و استراتيجية البحار الأربعة في سورية
- على طريق الغفران
- الأنظمة الاقتصادية الدولية وأنواعها
- سأحبك أكثر...للشاعرة اللبنانية مادونا عسكر
- الظهور الثاني The Second Coming للشاعر وليم بتلر ييتس WILLIA ...
- هذي الحياة..للشاعرة اللبنانية مادونا عسكر
- التنبؤات الاقتصادية العالمية لعام 2021
- مفاهيم اقتصادية
- الرئيس جو بايدن والشرق الأوسط
- النجاح ومعانيه
- أغنية لشجرة الزيتون
- الاقتصاد الموازي في الميزان


المزيد.....




- الصحة اللبنانية: مقتل 33 وإصابة 169 جراء الغارات الإسرائيلية ...
- صافرات الانذار تدوي في نهاريا شمال إسرائيل بعد تسلل مسيرات م ...
- روسيا تعدِّل عقيدتها النووية: قد أعذر من أنذر
- بالفيديو.. لحظة استهداف مواقع إسرائيلية في نهاريا بطائرات مس ...
- إسرائيل تغتال نصر الله.. كيف سترد إيران؟
- إعلام إسرائيلي: الجيش يشن هجمات واسعة في بلدة المغراقة وسط ق ...
- لافروف: إعادة بيع تركيا لأنظمة -إس 400- غير ممكنة بدون موافق ...
- لافروف: أنشطة الولايات المتحدة عائق أمام التطبيع بين تركيا و ...
- لندن.. وقفة عقب مقتل نصر الله
- نتنياهو: كلما رأى السنوار أن حزب الله لن يتواجد لمساعدته بعد ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الطاقة والصراعات الجيوسياسية في شرق المتوسط