أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرح اسكندر شعبان - ورود الشوق















المزيد.....

ورود الشوق


فرح اسكندر شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1617 - 2006 / 7 / 20 - 11:31
المحور: الادب والفن
    


كنت أعيش في قرية ٍ بنيت على أحد جبال اللاذقية في بيت متواضعٍ تحيط به الأراضي الممتلئة بأزهار البنفسج، وخاصةً في فصل الربيع. من كان ينظر من سطح منزلنا يرى هذه الأراضي الجميلة التي يحلم كل إنسان أن تكون ملكه، ومن يشرب من مياه النهر الذي يجري فيها، يحس بالانتعاش والراحة.

ندما كنت أحس بالحزن كنت أجلس تحت شجرة الصفصاف التي تقع قرب النهر وأنظر إلى العصافير التي كانت تحلق في سماء قريتنا، وأشرب من مياه النهر فأحس بالراحة والاطمئنان، وكنت أغفو تحت تلك الشجرة و أحلم أحلاماً جميلة.

علاقتي بأهلي كانت وثيقة، على الرغم من قسوة أبي عليَ، إذ كان يرغمني على العمل في الحقل ورعاية الأغنام. ومع ذلك، كنت أحب أبي لأنه يؤمن لنا حياةً سعيدة، ولأنه أبي قبل كل شيء ولا أستطيع مجادلته في أي أمرٍ كان. أمي كانت تحبني كثيراً، وأختي أيضاً، ولكنها كانت تشعر بالغيرة مني لأن والدي يعطيني مبلغاً كبيراً من المال، بينما يعطيها مبلغاً صغيراً. ولكن الشيء الوحيد الذي لم أوفق به هو الدراسة، لأنني لم أستطع الدراسة والعمل معاً.

توقفت عن الذهاب إلى المدرسة في الصف السادس، ولكنني تعلمت الكتابة والقراءة. وعندما أصبحت في التاسعة عشرة من عمري، اقترح عليَ أبي أن يعطيني مبلغاً من المال لأفتتح محلاً أبيع فيه ما يرسله أبي إلى المدينة من قمح وذرة، وأن أستأجر منزلاً أعيش فيه هناك. ولما كان ما يجنيه أبي من حقلنا لا يكفي لتعليم أختي ولا يكفينا، وافقت من أجل أمي وأختي ووالدي ولكي لا نحتا ج مساعدة الآخرين.

استأجر لي والدي محلاً صغيراً وشقة صغيرة. وفي اليوم التالي، ودعت أمي وأختي اللتين بكيتا كثيراً لذهابي وانطلقت مع أبي إلى المدينة. وما زلت أذكر الجملة التي قالها لي حتى الآن: "يا بني، اعتمد على نفسك فقد أصبحت مؤهلاً لمواجهة الحياة ومصاعبها".

تركني أبي أمام الشقة، وأعطاني المفتاح. أردت البكاء لأنها كانت المرة الأولى التي أبتعد فيها عن قريتي وأهلي. ولكنني تماسكت، وقلت في نفسي: "يجب ألا أبكي كالأطفال، فقد أصبحت رجلاً كما قال والدي".

فتحت الشقة، فلم أر منزلنا. صعدت إلى سطح المبنى، فلم أر الحقول الممتلئة بأزهار البنفسج ولا النهر الجميل الذي يجري فيها. نزلت ووضعت أمتعتي في الشقة والحزن يملأ قلبي. وفي صباح اليوم، التالي ذهبت إلى المحل وفتحته. بعد قليل وصل بأبي جالباً القمح والذرة من القرية، فتعاونت معه على تنزيل البقول من الشاحنة.

ذهب أبي إلي القرية محملاً بأشواقي إلى أمي وشقيقتي. جنيت في ذلك اليوم 1000 ل.س، وكان سروري عظيماً لأنني لم أمتلك مثل هذا المبلغ في حياتي. كل يوم كان يزداد ربحي أكثر.

انتهى موسم القمح والذرة وبدأ أبي يرسل إلي الفواكه والخضار وكل ما تجود به القرية. كنت أرسل لعائلتي النقود كل يوم.

وفي أحد الأيام، كنت أبيع أزهار البنفسج التي كانت تغطي الحقول المحيطة بمنزلي في القرية، وإذ بفتاة رائعة الجمال تقول لي: مرحباً. أريد باقة من زهر البنفسج. كم سعرها؟

قلت لها: تفضلي، لا أريد نقوداً.

قالت:هذا حقك، ويجب أن تأخذه كاملاً.

قلت مبتسماً: أنا أوزع أزهار البنفسج بلا مقابل للفتيات وللأطفال وللشيوخ.

شكرتني على باقة البنفسج، ورحلت.

منذ أن رأيت تلك الفتاة، جعلت الكذبة التي كذبتها عليها حقيقةً، فأصبحت أوزع الأزهار للفتيات والأطفال والشيوخ بلا مقابل. وكانت تلك الفتاة تذهب إلى السوق كل يوم أحدٍ وثلاثاء وخميس من كل أسبوع، وكان إعجابي يزداد بها كل يومٍ أكثر فأكثر. كنت أفكر أن ألحق بها وأعرف أين منزلها لأرسل أهلي ليطلبوا لي يدها. كنت في كل مرةٍ أرجع في كلامي وأقول: إن لحقت بتلك الفتاة سيكون تصرفاً غبياً مني.

بدأت بالتفكير بحيلةٍ لكي أعرف أين منزلها. وفي أحد الأيام، مرت الفتاة من أمام دكاني وكانت تحمل أكياساً ثقيلةً. فتركت دكاني وقلت لها:أتسمحين لي أن أحمل الأكياس عنك. فأجابتني بخجلٍ: لا أريد أن أحملك العناء معي. قلت: لا تخافي. لن أتعب، فهذه الأغراض خفيفةٌ بالنسبةِ إليَََ. قالت لي: شكراً لك.
مشيت وراءها مدة ربع ساعة، ثم توقفت أمام منزلٍ زُرعت أمامه أزهار البنفسج ووردٌٌ جوري أحمرُ، وكان عبيرُ تلك الأزهار يملأُ الجوَ. وضعت الأكياس على الأرض، وقلت لها: إن هذه الأزهار والورود جميلةٌ.من الذي زرعها هنا؟

أجابتني مبتسمةً: أنا من زرعت هذه الأزهار.

قلت:سلمت يداكِ. إنها تسرُ الناظرين.

ردت:شكراً لك على حمل الأكياس.

أجبت:عفواً، إلى اللقاء.

غادرت إلى دكاني وأنا أفكر بهذه الفتاة، وأردت أن أعلمَ عنها كل شيءٍ. كنت أتساءل: ما اسمها؟ كم عمرها؟ هل تركت الدراسة مثلي؟ مر على ذلك اليوم أسبوعٌ كامل، وقد اشترت من دكاني ثلاث مرات. في المرة الثالثة قررت أن أسالها عن اسمها، ولكنني كنت متردداً في ذلك. تغلبت على خجلي، وقلت: يا آنسة هل لي أن أسالك سؤالاً قد أتطفل به عليكِ؟،

قالت لي بصوتها الجميل الناعم: نعم، لا مانع لدي.

قلت:هل لي أن أعرِف اسمكِ؟

أجابتني: ولمَ تريد ذلك؟

رددت: لا أستطيع إخباركِ السبب.

قالت: سأقول لك اسمي فقط لأنك شابٌ طيبٌ. أنا اسمي"شوق".

قلت لها: يا لهُ من اسمٍ جميلٍ!

احمرت وجنتاها خجلاً، وقالت: إلى اللقاء. منذ ذلك اليوم، واسمها يتردد في مسمعي.

قررت أن أخبر والدي بأنني أريد الزواج من تلك الفتاة التي شغلت عقلي وكياني، فعرضت الموضوع عليه.

رد عليَََََََََََََََ بابتسامةٍ عريضة، قائلاً: لقد كبرت يا بني وأصبحت شاباً، وتطلب مني أن أخطب لك فتاةً، وليست أي فتاة! إنها فتاةٌ من اختيارك! من الآن فصاعداً لن أعاملك على أنك شابٌ متسرع، بل على أنك شابٌ راجح العقل. هل تعرف يا بني أين تسكن تلك الفتاة؟

أجبتهُ: نعم،يا أبي.

قال: إذاً،في الغدِ سنذهبُ لنطلبها لك من أهلها.

وأتى اليومُ المهمُ بالنسبة لي، فقد نزلت أمي ومعها أختي التي كنت مشتاقاً إليها كثيراً. انطلقنا إلى منزل شوق، فدهشت والدتي بجمال الأزهار التي كانت مزروعةً أمام منزل شوقٍ. طرقت الباب، وبعد انتظار،فتحت شوق الباب. ألقيتُ عليها التحية، فردت: أهلاً بك. هل أستطيع مساعدتك في شيء؟

قلت هل يمكنني الدخول؟ هاأنا ذا برفقةِ عائلتي. دخلنا المنزلَ، فكانَ منزلاً جميلاً مرتباً على الرغم من افتقارهِ الأثاث. جلسنا على الأريكةِ، وجلست شوق معنا. وقد لاحظت على وجه والديَ علاماتَ الإعجاب والرضا باختياري.

قالت شوق:ماذا تريدون مني؟

قال والدي:أين والديك يا ابنتي؟

أجابت: لقد توفيا منذُ ثلاثِ سنواتٍ.

قال أبي: أنا متأسفٌ. وقالت أمي: نحنُ نطلبُ منكِ أن تكوني زوجةً لابننا "حسام".

تابع أبي:هل أنتِ موافقةٌ على ذلك؟ سكتت شوقٌ.

قالت والدتي: السكوتُ علامةُ الرضا.

قالت شوق:أنا موافقةٌ، لكن أنا لديَ أختان صغيرتان، إحداهما اسمها "حنين" والأخرى "حنان".

قلت:لا مشكلةٌ لدي، يمكن لهما أن تسكنا معنا، وسأتولى مصروفهما. وتساءلت بصوت مسموع: لكن كيف تنفقين عليهما من قبل وعلى نفسك؟

أجابت: أعمل مربيةً للأطفال.

قالت أختي::الآن لا داعي لأن تعملي، فأخي سينفق عليك وأختيك.

قالت أمي: يجب أن نحدد موعد الزفاف.

قال أبي: ما رأيكم بيوم الخميس القادم؟ غداً تلبسان المحابس ونعلن الخطوبة، وسيتم ذلك في القرية.

قلت: إن منزلي صغيرٌ فأين سنسكن؟

قالت شوق:هنا في هذا المنزل، فهو كبير.

أجبتها: حسناً. ولكنني سأحضر المزيد من الطاولات و الأثاث، وسأطلي الجدران والأبواب، وسيتم كل ذلك قبل الزفاف.

قال أبي:هذا جيد!

أتى اليوم المنتظر وهو اليوم الذي ستتم خطوبتي فيه، فاستأجرت سيارةً، واصطحبت فيها شوق وأختيها. اتجهنا إلى القرية، وعندما بدأنا الاقتراب من الأراضي الممتلئة بأزهار البنفسج أحسست بالحنين إلى رائحتها وإلى طعم مياه النهر وإلى النسيم العليل تحت شجرة الصفصاف، وأحسست أنني عدت إلى أيام الطفولة. ولكنني كنت أريد التغلب على ذلك الإحساس، لأنه كان يوم خطوبتي.

عندما وصلت إلى منزلي، زرت غرفتي وغرفة الجلوس وكل أرجاء منزلنا، وحتى بيت الدجاج. بعدها بدأت بتجهيز نفسي، وراحت أمي وأختي تجهزان شوق وتزينانها. وددت أن أقوم بأمر قبل بدء الحفلة، فأمسكت بيد شوق وقلت لها: تعالي معي سآخذك إلى أجمل الأماكن بالنسبة إلي، حيث سأكون برفقة من أحب.

قالت: سأحقق رغبتك.

اصطحبتها إلى النهر، وقلت لها:هذا هو المكان الذي أحب.

جلست على صخرة تحت شجرة الصفصاف وهي جلست على صخرة أخرى، فقالت: إنه أروع بقاع الأرض بالنسبة إلي أيضاً.

كان قد نبت تحت الشجرة زهرتا بنفسج، فاقتطفت لشوقٍ واحدةً وأخذت الأخرى. كنا نحن الاثنان مستمتعان بصوت خرير مياه النهر وصوت حفيف أوراق شجرة الصفصاف. مر الوقت دون أن نشعر به، فإذ بأختي تقو لنا: ماذا تفعلان هنا؟

قلت لها:اصمتي الآن.

قالت: ولماذا اصمت؟ بعد ساعة تبدأ حفلة خطوبتكما.

قلت مندهشاً: لقد مر الوقت بسرعة!

قالت شوق:هيا لنسرع بالذهاب إلى المنزل.

قالت أختي:كيف تجلسان هنا ألا تخافا أن تتسخ ملابسكما؟

نهضنا وذهبنا إلى المنزل، وكانت الطاولات ممتلئة بأنواع الطعام اللذيذة. جاء موعد الحفلة، فقدم إلى الحفلة أعمامي وأخوالي، وعماتي وخالاتي وأولادهم. وضعنا أغان راقصة وبدأت أختي وحنين وحنان، بالرقص. كان الجميع مسرورين. تناولنا العشاء، وقد لبسنا أنا وشوق الخواتم، وتمت الحفلة بخيرٍ وسلام. كان أجمل اللحظات في الحفلة عندما انعقدت حلقة الدبكة، وكان الجميع بغاية السرور. نامت شوق وأختاها مع أمي وأختي. أما أنا، فنمت في غرفتي التي مشتاقاً إليها.

في صباح اليوم التالي، عدنا إلى المدينة بعد أن ودعنا عائلتي. وعندما وصلنا إلى المدينة، أوصلت شوق وحنين وحنان إلى منزلهن وعدت إلى شقتي، ومنها إلى دكاني.

بعد أن بعت كل بضاعتي في الصباح، ذهبت إلى منزل شوق. طرقت الباب، ففتحته شوق لي.

قلت لها:صباح الخير

أجابت: صباح النور

قلت: أين أختاكِ؟

قالت: في المدرسة.

قلت: أيمكنك مرافقتي؟سآخذك إلى مكانٍ جميلٍ.

ردت: لا أستطيع. أنا آسفة، لأن حنين وحنان ستعودان من المدرسة بعد ساعتين، وسأحضر لهما الطعام.

قلت: لا بأس لن نطيل في مشوارنا، وسنحضر لهما طعاماً جاهزاً.

ردت: انتظرني حتى أغير ملابسي.

اصطحبتها إلى حديقةٍ جميلةٍ، وجلسنا على كرسيٍ في الحديقة. بدأت الحديث، قائلاً : أليست هذه الحديقة جميلةٌ؟ ردت: نعم إنها في غاية الجمال. أريد أن أسألك سؤالاً، فهل تسمح لي؟!

قلت: فقط اسألي!

قالت لي: لماذا اخترتني من بين كل الفتيات؟!

أجبتها: لأنني وجدت فيك الجمال والأدب والأخلاق، ولأنني شعرت أنك الإنسانة التي ستسعدني في حياتي وستقف إلى جانبي وقت الشدة. وإن غيرت رأيك لا بأس، نفسخ الخطوبة.

أجابتني: لا، وهل يصح لي شابٌ أفضل منك؟!

قلت:كنت أمزح. ما أجملك وأنت تغيرين رأيكِ، وإن فعلتِ ذلك سأموتُ حزناً.

ردت:لن أغيرهُ مهما حييت.

أخذنا الحديث عن الحياة ومفاهيمها وروت لي شوق كيف توفي والداها، وعندما انتهينا من حديثنا اتجهنا نحو السوق الذي كان يعج بالناس. قلت لشوق: اختاري الملابس التي تعجبك ولحنين وحنان أيضاً وأنا سأشتريها. فقط اطلبي وتمني!

قالت: أنا لا أريد منك شيئاً.

قلت لها: لا، سأحزن كثيراً إن لم تشتر الملابس التي تريدينها.

أجابتني: كما تريد.

اختارت شوق ملابس جميلة دفعت ثمنها وأنا في غاية السرور. ولكنها كانت تختار الملابس رخيصة الثمن، لأنها لا تحب التبذير ، بل تريد مني توفير المال إلى وقت الشدة. اشترينا أيضاً طعاماً جاهزاً لأختيها اللتين كانتا قد عادتا من المدرسة، وكانتا تنتظران شوق لكي تفتح لهما الباب. كانتا منزعجتين، ولكنهما عندما رأيا الملابس التي اشتريتها لهما، انفرجت أساريرهما. دعتني شوق لتناول الغداء معهن، فقبلت دعوتها.

كانت كل يومٍ تقريباً ترسل لي من طبخها مع أختيها. أتى يوم زفافي بعد انتظارٍ طويلٍ، وقد قررنا إقامته في ساحة القرية. ذهبنا أنا وشوق وحنين وحنان إلى القرية، وجهزنا أنفسنا في منزل عائلتي. اتجهنا إلى ساحة القرية، فرأينا الجيران والأقارب بانتظارنا. جلسنا أنا وشوق على كرسيي العروسين، وبدأت أمي تزغرد تعبيراً عن فرحها وكذلك أختي ونساء القرية. عقدت حلقات الدبكة، وقد كانت شوق بغاية السعادة والجمال، وكان جميع الناس مسرورين لأجلنا.

انتهى حفل الزفاف، ذهبنا إلى منزل عائلتي. وفي الصباح، عدنا إلى المدينة، وكنت قد نقلت أغراضي إلى بيت شوق. كنت مسروراً بالعيش مع شوق وأختيها اللتين كانتا تسليانني وقت الفراغ.

مر شهران على زواجنا. عدت في أحد الأيام إلى المنزل، فوجدت شوق قد أعدت طعاماً كثيراً على غير عادتها. سألتها مستغرباً: لم كل هذا الطعام؟!

أجابتني:ستعلم بعد قليل.

ما هي إلا لحظات، حتى سمعت طرقاً على الباب. فتحت الباب، فرأيت أمي وأبي وأختي. رحبت بهم، وقلت لشوق:إذاً هذا هو السبب.

بعد تناول الغداء، قالت لي شوق:هل تعلم لم دعوت أهلك إلى هنا؟

أجبتها:لا أعلم!

أجابتني:احتفالاً بالمولود الذي سيولد قريباً.

فقلت:هل هذا صحيح؟!

قالت: نعم هذا صحيح. زغردت والدتي، وقال أبي: آه يا سلام، سأصبح جداً.

قالت حنين أخت شوق: وأنا سأصبح خالةً، وقالت أختي: وأنا عمة.

رددت أنا:أما أنا، فسأكون أباً.

مرت الأيام، وحان موعد ولادة شوق. كانت تصرخ بشدة، فأخذتها إلى المستشفى،وكنت آنذاك بغاية الخوف عليها. ولكنني كنت أيضاً فرحاً، لأنه اليوم الذي سأصبح فيه أبا. انتظرت في غرفة الانتظار في المستشفى. وبعد نصف ساعة من الانتظار،سمعت صوت بكاء طفل، فحمدت لله. بعد لحظات، خرج الطبيب مهنئاً: مبروك. لقد أنجبت زوجتك طفلة وهي بحالة جيدة.

أجبته:أيمكنني الدخول؟

قال :نعم.

دخلت الغرفة راكضاً، فقالت شوق:إنها فتاةٌ يا حسام.

قلت لها: حمداً لله على سلامتك.

ردت:سلمك الله. ولكن ماذا سنسمي الطفلة؟

أجبتها:اختاري أنت الاسم.

قالت:أريد أن أسميها بنفسج، لأن أزهار البنفسج هي التي جمعتنا.

أجبها: كما تريدين. هذا اسم جميل.

بعد مرور يومين، خرجت شوق وطفلتي بنفسج، وعدنا إلى المنزل. بعد خروجها بيوم زارتنا أمي مع أبي وأختي، وكانوا بغاية الفرح لأجلي. وكانت أختا شوق بغاية السعادة لأنهما أصبحتا خالتين. مرت الأيام وكبرت بنفسج، وكبرت أختا شوق وتزوجتا. وقد توفيت أمي، وتزوجت أختي مرام.

أصبح عمر ابنتنا عشر سنوات وكانت مجتهدة في المدرسة، بخلاف والدها. وكنت دائماً أحثها على الدراسة. كنت مازلت أعمل بالتجارة، ولكنني كنت أعاني من مشكلةٍ هي أنني لم أعد أبيع الكثير بسبب تعدد دكاكين الخضار.

عرضت علي شوق أن نذهب إلى القرية ونعمل بزراعة الأرض، فوافقت على الأمر بعد تفكير. بعت دكاني وحزمنا أمتعتنا، ولكن منزل شوق لم نبعه لأنه ما تبقى لها من رائحة والديها. وفي القرية، سكنا في منزل العائلة مع أبي الذي كان وحيداً في المنزل الكبير. اشتريت بثمن الدكان بذاراً وزرعت الأرض بالخضار والفاكهة، فكان ربحي لا بأس به. وكانت ابنتي بغاية السعادة في القرية، حيث كان والدي يروي لها الحكايات، وكانت تدرس تحت شجرة الصفصاف، مكانها المفضل. وقد ورثت عني وعن والدتها حب ذلك المكان.

مرت الأيام ونحن نسكن في القرية، وكبرت ابنتي وأصبحت في الجامعة، حيث سجلت في كلية الهندسة الزراعية لكي تساعدنا بالعمل في الأرض.

توفي والدي، وكنا أنا وشوق في ذلك الوقت نفتخر بابنتنا أمام الجميع، وبقيت حياتنا في القرية هادئة وجميلة إلى أن سرقت النقود التي حصلت عليها من بيع القمح، وكانت عشرون ألف ليرة سورية.

كانت خسارة كبيرة، لكن الله تعالى عوض علي، فقد كان موسم الزيتون جيداً. وبعد مرور سنتين، تخرجت ابنتي من الجامعة، فأقمنا لها حفل تخرجٍ ودعونا جميع أهل القرية إليه، بالإضافة إلى أختي وأولادها، وأختي شوق وأولادهما. لقد كانت أجمل حفلة حضرتها بعد حفل زفافي.

وفي الوقت الحالي، تساعدني ابنتي بالعمل في الأرض وتوجهني في الزراعة، وزوجتي شوق تحضر لنا كل يوم الزوادة إلى الحقل، ونأكلها تحت شجرة الصفصاف قرب النهر جانب أزهار البنفسج. لم يتغير بي شيء عن شبابي سوى أن شعري قد شاب، ولكن حبي لزوجتي وابنتي قد زاد. وأرى أن عودتي إلى القرية مسقط رأسي وموطن أجدادي كان أفضل الأمور التي فعلتها في حياتي.



#فرح_اسكندر_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرح اسكندر شعبان - ورود الشوق