أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - عام الفأر














المزيد.....

عام الفأر


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6776 - 2020 / 12 / 31 - 18:04
المحور: الادب والفن
    


خرجت ابحث عن مكان ما تدب فيه الحياة، مليء بالاصوات والضوضاء والضجيج والملابس الانيقة، والمصابيح والزائرون واترك أجواء المنزل المعتمة بعد عزلة الشهور الماضية، ومشيت بالشوارع ولم اسمع شيئاً لا احاديث ولا احداث، ولم استطيع ان أقول ما بخلدي لأحد، وتوقفت فجأة مستفهماً أهذه المدينة منحدري؟ هل انا في جو بوليسي ومنع تجوال؟

فاعتراني نوع من الحذر الشديد وشيئاً من الخوف، فهذا هو عام الفأر كما يقول اهل الصين، وتخيلت رسماً كاريكاتيرياً لمشهد كهذا حتى ابدد خوفي وحذري من الفئران، رغم اني لا اعتبر ان هدف رسام الكاريكاتير الحقيقي هو اضحاك الناس، بل الاصح تركيز مشكلتهم بالسخرية والهجاء، فهو رسام اجتماعي قبل كل شيء.

ثم مشيت بشارع فرعي ومررت امام مسرح مغلق، وشاهدت صوراً معلقة على بابه الزجاجية الامامية لمسرحيات سابقة تم عرضها بنجاح، وفي الصالون كانت الجموع تصفق بحرارة لممثلين مشهورين وهم بملابس الادوار المسرحية، وقد اثارتني صورة احدهم وهو يقبل يد احدى الممثلات التي قامت بدور البطولة وكأنه يطلب الزواج منها، وصور أخرى لاسدال الستائر وتقديم الزهور، ثم واصلت المشي وحدي بين هذه البنايات المهجورة وانا افكر بعزلة هؤلاء الممثلين والممثلات الذين لمعوا بالسنوات الأخيرة في ادوارهم وهم يقدمون أنواع اللهو وسط حماس الجمهور الذي يحيط بهم كما صورته الكاميرات في تلك الصور، اين هم الان؟

ثم قرأت لوحا على جدار احدى البنايات القريبة من دار التمثيل هذا تقول: لقد رحل الإنسان السابق عن كوكب الأرض منذ مئات الآلاف من السنين، وترك علامات مخفية منذ فترة طويلة، منها لأقدام اطفال يسافرون على طول مصب موحل حيث كان النهر يلتقي بالبحر بعد ان تحولت مسارات الأنهار الجليدية السابقة الى اراض زراعية، انت الان تسير في هذا الشارع على اثارهم وفي نفس دربهم.

ثم تركت المسرح ورائي ومشيت حتى وصلت الى اكثر الاماكن التي افتقدها وانا في هذا الحصار وهو هذا المقهى المغلق الان، فهو بالنسبة لي مثل سوق شعبي به تصادف كل الاشياء، والقراءة في بهوه من اكثر الانشطة فعالية وبروزا، عشرات الكتب والجرائد اليومية قرأتها هناك، وفيه تولد بسهولة الكثير من الافكار والصداقات العابرة، وفي اجوائه اراقب الناس والحركات البطيئة واكتب واستمع الى الاخبار، والتقي بالأصدقاء والمعارف وادخل في نقاشات وجدل غالبا ما اخسر فيها، وغير هذا الكثير.

شعرت بعد تلك الجولة والتي اردت منها البحث عن الضجيج والضوضاء الذي لم اراه منذ شهور، وكأني وقعت فريسة لقوى عليا، وراء الشمس، بعيدة عن احداث زماني، ودون تفكير مني وكأني في عالم آخر صاخب، فشعرت ايضا بنوع من الثورة الصامتة على هؤلاء الذين تسلطوا علينا وعلى دواخلنا وتسببوا لنا في كل هذه الاهوال، اين نحن الان من كل هذا وكيف سنواجه الحياة؟

في الليالي الحارة عندما يكون الجو جميلا هناك على الرمل الجاف على الساحل، كنت ابحث عنها، كنت اراها دائما في غيابها، في ليالي السُهد والوجد كانت تفعل ما افعله، ربما لارضائي ليس إلا، لقد سيطرت ذكراها الان على صفو دماغي وانا في هذه الحيرة اجوب الشوارع ابحث عن ظل افعى.

ثم رن التلفون في جيبي، وقال صاحبي بأن زوجته لا تحبه، وانه سيفارقها رغم ان الفراق بالنسبة له اصعب المآسي، كانت سعيدة معي لكنها لم تشعر يوماً بسعادتها، لانها قمة في الانانية، وكرر كلمة الانانية عدة مرات، كنت معها لا أرى في بقية حياتي سوى هدوء وسلام، اما الان فقد انتهى السلام، وان لحظة الفراق قد دنت وستكون وبالا مؤقتاً، لذلك اريد ان نتحدث عن ذكريات الشباب فربما تنسيني هذا الحداد.

اثناء مروري على المحلات لفتت انتباهي كثرة التمنيات المكتوبة على هدايا العيد وبطاقات التهاني والصور، وكأنها تعويذات او ادعية من عصور منقرضة، هل سنشفى حقاً من هذه الجائحة؟

كنت انتظر احداً ما يخرج من أعماق الضجيج والضوضاء غير المرئي ليقول لي شيئاً ما، أي شيء، أي شيء
ثم لا شيء، لا يبدو ان الفأر قد رحل



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب
- مشياً بالمطر
- اللون الابيض
- احتفالا بالوداع
- دعونا نصاب بالجنون
- الثورة وكلماتها
- الفخ الديني
- استعداداً لتشرينية جديدة
- المناضلة ماري محمد
- العلمي والعاطفي
- الاختيار والاضطرار
- ثوار تشرين في عيدهم الاول
- الفانوس غير السحري
- القلق وسادة الفنان
- فن للتسلية فن للترقية
- دين وفن
- ساحل البحر
- فن النافذة وفن المرآة
- بيروت
- كارل ماركس


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - عام الفأر