أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6773 - 2020 / 12 / 28 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


وجوه متربة .. لاطفال متسخين شبه عراة ، يتسكع الذباب حولهم ، ثم يستقر مستكينا على وجوههم ، فيعبث بها .. يغريه القذى اللين ، والمتصلب في اطراف عيونهم الطفولية البريئة … بيت قديم هش ، ورطب … تُقبل الام ، وهي تحمل فتات طعام بارد قد ادخرته من الليلة الفائتة يبدو من منظره ، وكأنها تسولته … شكلها يبدو متعبا لدرجة تثير الشفقة ، وتبدو اكبر من سنها بدهور .. يتحلق الاطفال حولها كعصافير الصباح ، وهم يتقافزون في فرح صاخب .. يفترشون جميعا الارض العارية .. يتسابقون في اختطاف ما يستطيعون من قطع الخبز اليابس ، والجبن ، والطماطة ، وبعض الخضار .. يمضغون بعجالة … لا تتوقف ايديهم عن الحركة … حتى أنهوا كل ما جاءت به الام من طعام … !
ينسحبون ببطء متذمرين من عدم الشبع … ! على وجه الام ابتسامة وديعة حزينة .. تتجمع في عينيها الدموع ، وهي ترى اطفالها يمضغون الطعام بتلذذ ، ولهفة لا تتناسب مع نوعه البسيط .. غائبين عما حولهم ، دون ان يتركوا لها شيئاً ، وكأنها غير موجودة .. لكنها سعيدة لانها استطاعت ان تُسكت ولو بشكل مؤقت .. ضجيج ، وصراخ امعائهم الخاوية .. متظاهرةً بالمرح لتُبعد عن اذهانهم الخوف والقلق ، ومحاولةً ان ترسم على شفتيها ابتسامة اطمئنان ، وسلام طبيعية …
فهم ضحايا ولا ذنب لهم .. !
تدعوهم للنوم لتنفرد بهمومها الكثيرة .. لتفكر بما يمكن ان تفعله في الغد .. يتنازع قلبها المتعب اكثر من رأي ، واكثر من حل ، فالحياة اصبحت غاية في الصعوبة في ظل الحصار المميت ، وغياب المعيل ، والحامي في المعتقل بتهمة ملفقة لا ذنب له فيها .. تركهم لا حول لهم ولا قوة … تجنبهم الجميع كأنهم وباء … حتى الاهل ، والاقارب كانوا يرسلون لهم المساعدات سرا ، خوفا من اسقاط التهمة المرعبة عليهم … !
فالامن وازلامه لا يرحمون مع من تهمته سياسية ، وزوجها غيبوه وراء الشمس .. كما كل السجناء السياسيين … هكذا كانت تسمع ما كان يردده الناس سرا ، وخوفا … ولم تكن تفهم معنى ما وراء الشمس هذه … كانت تعيش على امل ان يعود يوما ، لانها كانت تعتقد بان التهمة كيدية ملفقة ، وزوجها رجل برئ طيب القلب ، لا يؤذي حتى نملة … ! هكذا نامت متقلبةً على جذوة امل قد يأتي ، وقد لا يأتي ، ولكنه على اية حال شئ افضل من لا شئ ! في استقبالها ايام انتظار باردة موحشة قاسية ، وطويلة ! ولا تعرف ماذا يخبئ لها القدر !
لا تزال تذكر جيدا تلك الليلة الملعونة التي جاءوا فيها لاعتقال زوجها ، ويالها من ليلة ليلاء ، لن تنساها مهما امتد بها العمر … ! ستبقى موشومةً في الذاكرة لن تغادرها … يمكنها ان تستعيد تلك اللحظة باكملها دون ان تنسى من تفاصيلها المزعجة شئ … اقتحموا البيت فجرا كنُذر القضاء ، والقدر بعد ان طوقوا البيت من كل الجهات … هشّموا الباب المتهالك ببساطة .. مدججون بالسلاح .. وجوه صلبة ، وعيون ميتة لرجال اقرب الى الوحوش منهم الى البشر … استيقظ الجميع مفزوعين لهول المفاجأة .. سارعت الى اطفالها ، واحتوتهم ، فانكمش الاطفال في احضانها يرتعدون .. وقف زوجها المسكين متصلبا عاجزا مستسلما .. قلبوا البيت راسا على عقب ، ودمروا كل شئ في طريقهم ، ثم اخذوا ما وجدوه من كتب ، وصحف ، واوراق .. جثت على الارض تبكي ، وتتوسل .. لم يبالي بها احد ، ولم يكترث لصراخها اي منهم .. أُناس بلا مشاعر ، ولا احاسيس ، وكأنهم قد قدوا من حجر .. !
حدجها الرفيق الممتلئ صحة ، وعافية ، ويبدو انه رئيسهم بنظرة الزمتها مكانها من الخوف ، ثم وضع كل هيبته ، وجبروته في صوته ، وصرخ بها من بين اسنانه متبرما ، ونظرة الازدراء الباردة تطل واضحةً من عينيه … طالبا منها الصمت والابتعاد … حجزوها ، والاطفال في غرفة .. لا يسمع فيها الا لهاث الانفاس المكبوته المرعوبة … ثم اقتادوا زوجها مكبلاً مقوس الظهر ذليلا ، وغادروا تصحبهم اللعنات … !
ردد الافق البعيد صدى صرختها اليائسة المستغيثة …
صمتٌ خانق موحش يغلف المكان … اخفت وجهها ، وبكت في صمت … إستعادت منظر زوجها الشاحب المصدوم ، وعيونه المليئة بالرعب ، ثم اجهشت بالبكاء … وجدت نفسها وحيدة مع اطفال اربعة ، اكبرهم في السابعة … لا تدري ماذا تفعل ، والى من تذهب ، وهي التي لم تخرج من البيت الا ما ندر !
لقد اقتطعوا منها شيئاً لا يمكن تعويضه ، وجرحوا قلبها ، وسلبوا منها رجلها ، ومعيلها ، وابو اطفالها … وهل يعود اي شئ يذهب في تلك الايام الحالكة السواد ؟ سمعت من بعيد عواء كلاب الطرق الهائمة … كأنها تبكيها ، وترثيها … تشعر بالغربة ، والوحشة الخانقة ، والضياع … تُمسك انفاسها ، وتتكور على نفسها ململمةً اطفالها حولها .. محاولةً تبديد الخوف من قلوبهم النقية …
تمر الايام ثقيلة باردة ، وتتبعها الشهور ، والسنون ، وهي تذوي ، وتذبل كشمعة تحتضر ، ولم يرجع الغائب … عندها فهمتْ معنى ما وراء الشمس : انه طريق واحد … ذهاب بدون عودة … هجم عليها البكاء فجأةً ، فأذعنت له طائعةً !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قتل فائزة … ؟ ( قصة قصيرة )
- الظاهرة الترامبية العابرة … !
- انتفاضة تشرين … مخاض أملٍ جديد ! ( قصة قصيرة )
- غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !
- المصالحة الفلسطينية … الحلم !
- هل اصبحت الحرب مع ايران قدرا … لا مفر منه ؟
- عودٌ على بدء … !
- هل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في 2024 ، ويفوز ترامب !
- هل يمكن ان تكون الانتخابات الأمريكية … مزورة ؟
- هل يمكن ان تأمن لصداقة قوم … الخير فيهم هو الاستثناء ؟!
- آمنت لك يا دهر … ورجعت خنتني !
- باي باي … ومع الف شبشب !
- هل اصبح الاسلام ، والمسلمون شوكة في حلق الغرب ؟
- الاديان … بين نصف العقل ، واللاعقل !


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )