أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - وجبة-قصة قصيرة














المزيد.....

وجبة-قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


يتحرك حركات لا يريد لها أن تتوقف عساها تعطي جسده بعض الدفء في هذه الزنزانة المكتظة أجواؤها بإبر من البرد الكانوني تخز كل عضو في جسمه، ويمارسها خشية أن ينام في هذا البرد الشديد على أرض الزنزانة العارية. أمران أحلاهما مر، إن حرمت من النوم سينهار جسدك، وإن غفوت على هذه الأرضية الثلجية سوف تيبّس جسدك، فاختار الأولى لأن النوم والتعب يمكن تعويضهما عند الخروج المأمول من هذه الثلاجة. عزّى نفسه بأنه في حالة السيء وليس الأسوأ، إنه اليوم غير مقيّد اليدين خلف الظهر، وأنه غير مقيد للحائط كما كان الوضع قبل يومين، نافذة من الإيجابية انفتحت له، فزاد من حركته وشعر بدفء جديد يدب كالنمل في جسده.
كانت جولة التحقيق الأخيرة صعبة، توحش المحقق فيها أكثر من الجولات السابقة، فقد أعصابه إزاء فشله في أخذ ما يريده، وفي نهايتها ضربه ضربة مفاجئة موجعة على ظهره وشتم شتيمة بالعبرية وخرج. جاء آخر وأخرجه من غرفة التحقيق ووضعه في هذه الزنزانة دون قيد بيديه وخرج. فكّر "لماذا فعل ذلك؟"، أسكت تساؤله ورد عليه "مهما كان السبب، كن مستعداً لما سيأتي بعد ذلك، معركتك الآن مع البرد، كل شيء في وقته"، وعاد إلى معركته مع البرد.
تحرك بسرعة أكبر ليزيد من حصاد الدفء، ولكنه شعر بتعب مفاجئ، انضمت المعدة الفارغة التي يعتصرها الجوع إلى العناصر التي تستهدف هذا الجسد. لم يأكل منذ الأمس شيئاً. قبل ساعات جاءه أحد ضباط المخابرات الذين يحققون معه بصحن فيه بعض الطعام، وضعه أمامه ثم نظر في وجهه بحركة مصطنعة "أنت؟! آسف، أنت لا يلزمك طعام" وأتبعها بضحكة ساخرة لئيمة ثم أخذ الصحن ومضى.
ترك كوة الزنزانة مفتوحة، ربما لغاية في نفس يعقوب، ياكوف المحقق السيء الصيت وليس النبي يعقوب. مهما كان الأمر، فالكوة المفتوحة خير من المغلقة مهما كانت حاجة النفس اللئيمة لياكوف. المعتقل الموجود في ممر زنازين التحقيق قبالته صامت ويجلس القرفصاء مسنداً رأسه إلى كفيه، حاول التحدث معه أكثر من مرة لكنه بقي صامتاً، يبدو أنه غارق في القلق أو مكبلاً بخوف من "الذين يسمعون الهمسات" كما يعتقد أو كما جعلوه يعتقد بأنهم يرصدون حركته وأنفاسه. لمح بقايا طعام في صحن قريب منه، فطلب منه أن يعطيه البقايا من بين قضبان الكوة التي بقيت مفتوحة، لكنه كان خائفاً، همس بصوت يكاد لا يسمع مستعيناً بإشارات من يديه وعينيه، "قد يعرفون ويضربونني"، كان فتى يعلو وجهه زغب لحية في طور النشوء، شجّعه "لن يعرفوا"، فتشجع الفتى وناوله البقايا قطعة قطعة من خلال القضبان بسرعة كالإنسان الآلي وهو يرتجف وعينه على طرف الممر.
شكره، وأكد له بأنهم يكذبون، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من مخاوفه، إنهم مشغولون بالتحقيق مع غيرهما الآن، واختتم على عجل بكلمات تشجيعية.
جلس على الأرض الباردة، ووضع الوجبة التي وصلته في حضنه، تناولها لقمة لقمة بتلذذ وكأنها مائدة وافية الكمال. قضم بقية الفلفل الأخضر الملاصقة لعنق الثمرة بعناية ليأتي عليها كاملة، كانت وجبة انتصار أكثر من كونها طعاماً، أكلها بشهية وتجشأ بصوت عالٍ. نظر إلى البقية التي سلمت منه، عنق الفلفل الأخضر وتجمع البذور البيضاء، ضحك في سره، تذكر وصايا والدته "الولد الشاطر لا يبقي في صحنه شيئاً"، بوده أن تسمعه وهو يقول "هل أعجبتك؟ هل تعطيني شهادة ولد شاطر؟" ويحصل على شهادة منها بذلك.
نظر إلى الفتى الذي لم يعد مقرفصاً كما كان وصار يتحرك حركة موضعية فرأى علامات من الانفراج على وجهه الذي كان قبل قليل يقطر قلقاً وخوفاً، فبدأ هو الآخر يتحرك بالجري الموضعي ويستقبل في جسده مزيداً من أمواج الدفء.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بريموس-قصة قصيرة
- المظاهرة الأولى-قصة قصيرة
- لروحك السلام يا أبو سامي
- لا يعرف الكتابة-قصة قصيرة
- رجل الفسبا-قصة قصيرة
- تلك الطاولة-قصة قصيرة
- ندبة في ظاهر اليد-قصة قصيرة
- أوّل يوم-قصة قصيرة


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - وجبة-قصة قصيرة