|
الربيع الأسود أي زمن هذا ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 25 - 21:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ حملت قصيدة الألماني بريخت بعض الوجاهة من واقع مرّ وغريب ، كان الشاعر والمخرج برتولت بريخت قد أضاف إلى التاريخ الأسود ، مقولة سوداء جديدة ومن طراز ثقيل وفريد ، عندما قال ( حقاً أنني أعيش في زمن أسود ، الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها ، الجبهة الصافية تفضح الخيانة ، ومن هو مازال قادر على الضحك ، لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب ، أي زمن هذا ) ، وهو لا سواه واحد من الذين فروا مبكراً من بلادهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد سلسلة سياسات قهرية واغتيالات واعتقالات فرضها النظام الهتلري بالإضافة لحرق الكتب والمكاتب العامة ، ومع الذكرى العشرية الأولى للربيع العربي ، نؤكد في المقام الأول ، أن الذي اغتال حلم كل العربي هو المربع المقاومة وتحديداً أمين حزب الله حسن نصرالله ، لأن تدخل العسكري للحزب حول سوريا إلى منطقة صراع بالوكالة وليست كما يحاولون تمريره ، على أنها حرب أهلية ، فكيف يمكن ل10% من السكان منازلة شعب كامل ، وبالتالي لم يكن التغير يوماً ما على مرّ العصور طريق معبد بالزهور أو نزهة ، بل ما هو طريف في السيرة الشعرية للشاعر بريخت ، قصيدته بعنوان ( حرق الكتب )، كتبها عن صديقه الكاتب النمساوي ، عندما نسوا الهتلريين وضعه في قائمة الممنوعين عن النشر والحرق ، قال وهو الذي يعتبر حسب تصنيف النقاد بأهم من كتبوا للمسرح ، ( يوم أمر النظام بحرق الكتب علناً / وأُرغمت الثيران كل الثيران على جر العربات المحملة بالكتب إلى المحارق / تفحص واحد من أفضل الكتاب المطاردين / قائمة الكتب المحروقة / فكتشف أنهم نسوا كتبه فاستشاط غضباً / فهرع إلى مكتبه وخط إلى الحاكمين سطراً على عجل / أُحرقوني / أُحرقوني / لا تسيئوا لي / ألم أقل الحقيقة فيما كتبت / لم تعاملونني كذاب / أُمركم أن تحرقوني ) .
لكن الصحيح في المقابل ، أن العالم الغربي الغني تذكر العشرية الأولى للربيع العربي قبل العربي ذاته ، تلك التظاهرات التى أبهرت العالم أجمع ، وبالتالي أين الدهشة بل ما المانع من ذلك ، طالما المتظاهرون جعلوا البشرية تتعقب وتتابع مجريات الأحداث والتحولات لحظة بلحظة ، بل ايضاً العشرية الأولى ، تحديداً أثناء سقوط رؤوس الأنظمة وحلقاتهم الضيقة ، تعيد ذاكرة العربي إلى أربعة مشاهد في التاريخ الحديث ، الأول عندما نزل المصريين ومعهم الأغلبية من الشعب العربي إلى الشوارع يطالبون عبد الناصر بالعودة للحكم بعد إستلام زكريا محي الدين موقع الرئيس لمدة يومين ، أما المشهد الثاني وهو مشهد متناقض مع المشهد الأول ، عندما نزلوا مرة أخرى إلى الشوارع ضد عبدالناصر عام 1968م مطالبين محاسبة الفاسدين ومن كانوا سبب بالهزيمة ، كأن الشعب كان يقول للعالم أثناء خطاب الاستقالة ، أن الشعب لن يقبل بهزيمتين ، عسكرية وسياسية ، ايضاً تدفقت الجماهير كالأمواج أثناء تشيعه إلى مدفنه الأخير ، وهذا النزول الكبير قد شهده العالم مرة أخرى عندما أجبرت التظاهرات حسني مبارك على الرحيل من سدة الحكم ، لكن للحظة غير محسوبة كما يجب ، ظنت البشرية أن الاستبداد القديم قد ولى دون رجعة ، أو لأن التكنولوجيا كانت لها الفضل بنقل الصور أول بأول الذي منع المستبد أن يرتكب جرائم فظيعة كما أرتكبوها أجداده على مر الزمان ، لكن في الحالة السورية ، كانت المفاجئة التى أخرجوها حلفاء الأسد من دروج مكاتبهم ، عندما جروا العالم إلى حفرة البديل ، إم النظام أو داعش ، بل عندما أقتربت هتافات الشعب من جبل قاسيون وهي تردد ( إجاك الدور يا دكتور ) ، كان الغرب قد بدأ يمارس لعبة غض النظر عن وحشية النظام .
وتبقى أم المصائب بالطبع ، عندما دفع الربيع العربي أنظمة مثل العراق واليمن وليبيا وسوريا ولبنان وايضاً الثورة الخضراء في إيران ، اعتماد سياسة الاغتيالات ، وعادةً تتمركز هذه الطريقة على أسباب عقائدية أو سياسية ، وهذا بالطبع شهده الكوكب الأرض منذ بزوغه ، فالاغتيال يعتبر واحد من الحروب المخفية التى تنوب عن الحروب المباشرة ، بل أثبت فاعليته بتحيد الخصوم والأعداء ، لأن بإغتيال أشخاص يحملون فكراً ، تموت القضية ويخطف الوطن وتتبدد البراءة ، وكان أول من أرسى هذه السياسة هو قابيل عندما أستدرج هابيل وقتله ، اعتقاداً أنه بذلك سيتخلص من منافسه ، تماماً كما فعلها ايضاً قاتل المغني وعازف الغيتار في فرقة البيتلز جون لينون عام 1980م في القرن الماضي ، وقائمة الاغتيالات طويلة وضاربة في عمق التاريخ ، وجميعها كانت ومازالت ترتكب بسبب الصراع على السلطة ، وحسب مورخين التاريخ ، يأتي أغتيال الزعيم اليهودي ( ايهود ) للملك المعاليق عبر طريق طعن الأخير بالخنجر ، بالثاني ، ايضاً سجل دفتر التاريخ أغتيال أول ملوك بني إسرائيل على يد أبن عمه شاؤول ، وهناك أغتيال آخر مدون في سجلات أولاد الملك داوود ، الأخ الأصغر قتل الآخر الأكبر ، وفي عمق هذه المقاربة العريضة ، سنجد كيف أنتقل الاغتيال الفردي إلى واحد من أغرب حلبات الصراع السياسي ، لقد تشكلت أول فرقة في تاريخ الاغتيالات على يد اليهودي زيلوت ، أطلقوا أعضائها عليها ( بفرقة الخناجر )، تحديداً بعد دخول الرومان إلى فلسطين وإنهاء حكمهم ، في المقابل ، هناك سلسلة اغتيالات حصلت في العهد الفرعوني ، ذهب ضحيتها الملك اخناتون والأمير آمون ، ايضاً في الجانب الإغريقي ، كان اغتيال فيليوس الثاني المقدوني ، والد السكندر الأكبر من العمليات الشهيرة في التاريخ ، بل لم تنحسر سياسة الاغتيالات على الحكام والسياسين ، شهدت المعرفة ايضاً تصفيات كثيرة ، ابتداءً وليست انتهاءً بالفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيبايتا الإسكندرية ، تعتبر أول إمرأة لمع أسمها بين الفلاسفة وعلماء الفلك ، ولأنها أختلفت مع الكنيسة ، تم قتلها بعد ما أمعنوا في تعذيبها ، وكذلك تكرست سياسية الاغتيالات في عهد الإسلام ، وضمن نطاق عريض لم يسبق ذلك من قبل ، لقد تم اغتيال عمر بن الخطاب على يد فيروز ( ابو لؤلؤة ) وعثمان بن عفان على يد عبدالله بن سبأ ، وعلي بن أبي طالب على يد عبدالرحمن بن ملجم ( الخارجي ) وتطور الاغتيال في الإسلام بعد الحشاشين إلى درجة قد يكون معظم الحكام إنتهت حياتهم عن طريق الاغتيالات .
مع ذلك ، إرتفعت وتيرة الاغتيالات بشكل كابوسي في العصر الحديث ، وبات يتخذ شكل منظم وأكثر دقة وتخطى الحدود وأصبح دولي ، على سبيل المثال ، الروس لاحقوا ويلاحقون معارضيهم أينما كانوا ، حتى لو كانوا مجرد أصحاب رأي فقط ، وفي مقدمة هؤلاء تمكن جهاز ال كي جي بي من أغتيال الروائي المسرحي غوركي ماركوف في بريطانيا ، بل روسيا اشتهرت في مختلف الحقب بعملياتها التصفوية ، ففي أقل من 200عاماً تم تصفية خمسة قياصرة ، بطرس وإيفان وإسكندر بولص ونيقولا ، أما في الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد رحلوا أربع روؤساء نتيجة الاغتيالات ، ابراهام لينكولن أطلق على رأسه النار بسب قانون إلغاء العبودية والرؤساء الآخرين ، جيمس غارفيلد ويليام مكينلي وجون كينيدي ، بالطبع النظام الايراني وخلفائه تفوقوا على الجميع ، فهؤلاء اشتهروا باغتيال الشخصيات على النوايا .
والحال أن الاستبداد لم يقتصر على الاغتيالات . بل ايضاً الكائن البشري خلق جحيم خاص بحرق الأفكار ، ولأن هناك وسطاء فارغين من الضمير ومصابون بعناصر التحريض المحمل بالعدوى التى يتوارثها شخص إلى آخر ، بدأ حرق الكتب بشكل فردي حتى شملّ مكاتب عالمية وفي أماكن مختلفة من العالم ، لقد فقدت البشرية مكتبة ثرية في الشام ، تحتوي على ثلاثة ملايين مجلد وكتاب في القرن العاشر ، وايضاً مكتبة الإسكندرية تم حرقها كانت تحتضن بين جدرانها 700 ألف مجلد ، وفي بغداد حرق المغول مكتبة التى أسسها هارون الرشيد والتى جمعت كافة العلوم ، والرايخيون دمروا مكتبة صربيا الشهيرة .
لا يوجد في قاموس النزاعات سوى صراع واحد هو بين العدوى الجيدة والسيئة ، وبالتالي انتقلت عدوى الاغتيالات من قابيل مروراً بزيلوت وليس انتهاءً بالحشاشين حتى أصبح للبشرية مؤسسات رسمية تعتني في تعليم الأفراد على فنون الاغتيالات ، هكذا يقال حسب المعلومات الاستخباراتية ، يوجد في ولاية جورجيا الأمريكية مؤسسة أمنية يطلق عليها مسمى Wetern Hemisphere Institote For Security Cooperation ، مختصة برفع مهارة الفرد ليكون على قدرة عالية من تحمل وتنفيذ المهام بإتقان وبراعة .
الأجدى ، استطراداً أن ينظر المراقب في واقع حرية التفكير أو الرأي معاً وعلى مستوى كوكب الأرض ، شملت الاغتيالات معظم من قالوا ( لاء ) أو زادوا عن ذلك بقليل أو كثير ، حتى وصلت مواصيل البشرية إلى حد أن تغتال طفل ، لقد أغتال إقطاعي باكستاني الطفل إقبال مسيح لمجرد قاد حركة ضد عبودية الاطفال وحرر من خلالها 3000 طفل يعملون في ظروف وحشية وأعادهم إلى قاعات الدراسة ، إذن في النهاية ، وهي خلاصة الخلاصات ، سلطة الرصاص لا تُفرّق بين الرئيس ابراهام لينكولن والطفل إقبال مسيح عندما تتضرر مصالحها ، فكيف سيكون حال الطفل الدرعاوي حمزة الخطيب الذي صلبا برصاص النظام الأسد ، برصاصة في الرأس ورصاصتين بجسده ، واحدة باليمين وأخرى بالشمال ، وايضاً قطعوا عضوه التناسلي وكسروا رقبته ، بالطبع كل ذلك لأنه ردد الهتاف الأشهر على الإطلاق بين جملة شعارات أطلقها المتظاهرين أثناء تظاهراتهم في ربيعهم العربي ( لقد إجاك الدور يا دكتور ) ، حقاً أنها حياة سوداء ، أي زمن هذا يرفض فيه الاطفال تكرار شعارات حمقاء فيما الكبار يمعنون في ترديدها ليلاً ونهاراً خوفاً على حياتهم . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجميع يتجسس على الجميع ...
-
التاريخ فن قبل أن يكون علم / المغرب الأقصى والارتباط التاريخ
...
-
فرسان التيار
-
الطاقة الإيجابية / بين العقد الاجتماعي والاستعمار والاجتهاد
...
-
عدم استقرار المغرب ، فرصة للعبث في شمال أفريقيا ...
-
من الضروري للمعارضة العربية مراجعة الطريقة التى تفكر بها ...
-
الشعار الأول والثاني والعاشر لجهاز الموساد ( أقتل اولاً ) ..
...
-
ها نحن نعود معاً كما حلمنا يا صديقي ..
-
البحث عن الهواء النقي ...
-
لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...
-
كما الماء حق للجميع ، ايضاً من حق الجميع بناء دولة قوية ...
-
في أمريكا الجميع حبساء الدستور ...
-
المماطلة ستأتي بعقوبات أوسع وربما أبشع ...
-
المسكوت عنه ، الإدمان الأقدم في التاريخ ...
-
نظرية مطاردة الأرنب في المضمار البيضي ، الأمريكي يراهن على إ
...
-
كن معي وأصنع ما تشاء ...
-
أربعة مناسبات لا تقترب منهم ، تماماً كأيام الحظر الوبائي ...
-
إبليس والموت والسد بين مواريث آدم وذي القرنين / أمريكا الحدث
...
-
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|