|
كتابة على جدار حر
محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:09
المحور:
الادب والفن
عبث السكون طويلا في صمته الأخير وبدا شكل العمر باهتا بعد الوداع الأخير .. هل هرب الوطن الآن أبدا أم أنه اللجوء الأخير... " مع الميلاد: عندما كنت صغيرا كانت الوردة داري والعصافير إزاري " .. وجرى أن عافت العصافير أعشاشها للغربان في شلو العمر الأخير... وصارت الليالي حالكة ما بعد الليل الأخير... حمل على كتفيه صليبه لقد اتخذ القدر قرارا أن يدرجه في ملحمة الأساطير أن يورده سبيا في منفاه الأخير ..؟ هل للخذلان رايات ترفرف على ساريته؟ يزحف الليل نحوه... ويغلق نافذة الوحشة عليه يتدثر غطاء الوحدة .. والقفر وهو الذي لم تستطع ممالك اليأس مغالبة الإبتسام في ثغره لم تستطع غواية الحقد أن تنل المراد منه فتسكنه لا بحر كان كقلبه .... ولا شمس كانت كالومض الذي في عينيه كان ينتظر على حافة الأفق ابتسامة تشرق في الثنايا المثقلة بالحزن فيه كانت تلافيف القلب لديه مترعة بالأمل وأطراف الروح مبتلة بآخر ترانيم الفرح وتعويذة الوجه الذي لم تكتمل بعد ملامحه وفي أثناء ليله الطويل من صمته الأخير .. يطل وجه من كوة صغيرة من الشرفة الأخرى للأثير.. يترائ له حلما أو مشبكا ورديا يحث الحياة فيه لتزخر... يعاتبه : لماذا تطيل الصمت الأخير يا ملك الصبر؟ أنت الذي أخرجتني من عمري الباهت ووشيته بالحلم ومنمنمات من الحب والأمل .. ألم تقل لي إن حلما صغيرا ينقشع على عتباته كل ما يثقل السماء من الحزن والحقد ؟ ألم تقل لي أن الحلم هو سر الحياة الصغير نقتات حباته الصغيرة لتظل الحياة وردية ؟ همس الوجه في أذنه لما دنا منه يلتقط بعضا من طمأنينة: سأتواطؤ مع الفرح لنكون رفيقان لك في شلوك الأخير تذكر الوجه هناك , لما التقاها عند منعرج الصدفة عبر أجنحة الليل كان المساء عذبا والسماء تزخر بالمواعيد والوعود تذكر عندما وقعت عيناه على اسمها يذيل قصيدتها كان انبهاره بها لا يقاوم... تساءل : هل كان هذا بعد رحيلها عنه أم قبله ؟ خربشات امرأة ..؟؟ ولماذا من بللور يا ترى؟ هل أرادت أن تحنط نفسها بين جدرانها ؟ ولماذا اختارت حزنه هو لا حزنها لكي تكتبه ؟ هل الكتابة بالنسبة لها أن تخلق لغة على قياس حزنه ؟ لماذا لم تكتب الفرح الذي وشى به سأمها لماذا تجاهلت أنه كثيرا ما اقتلع الكآبة من لدنها راح يتربص قنبلة موقوتة بين ثنايا قصيدتها كتبت وكأنها لم تنهي صفحتها أبدا معه وكأن حبها الذي انتهى في غفلة منه كان حماقة إذا: كيف هان عندما زرعت قهرا إصرارا في دربه؟ تذكر أن نيرون أحرق روما حبا قاوم رغبة اقتفاء الحدود الفاصلة لحدودها خاف أن تفجر ذاكرته ومنجم المشاعر فيه خاف أن تستدرجه ليكتبها في قصيدة خاف أن تفجر فيه قهره ... كبرياؤه... صمته .. تذكر لما دعاها للتنزه في زواريب مدن الزعفران والياسمين تذكر لما أمطرت ليلا ابتسمت له .. ودعته للمسير تحت المطر تأبطت ذراعه سريعة الخطى تفوح منها رائحة الزعتر البري وتحت قطرات المطر انتشت ذابت منسابة عبر مساماتها وخيمت سيمفونية الصمت ذاك المساء وتدثرا معا بالقبل وسار المساء بقربهما منتشيا أدرك المساء منهما سر العلاقة بين الحب والمطر بين النجم والياسمين وخرق الصمت بينهما سقوط رطب في جب الرغبة فعوت فيهما الرغبة... تمنى أن يطول مطرا ونجما وصمتا ورطبا تذكر أنه تمنى ذات قمر امرأة تشبه أمه شعر أن حبها يجدد شبابه.. ويطارده حتى المربع الأخير من حياته أحس بثقل الصمت الصارخ على كاهل أمله .. كادت ترسم في جبينه الكنعاني كل بيارق العشق الأسطورية بكل أسراب الفراشات و الحمام توشيه ولما أوشك السهاد أن يتكيء عينيه لم تقل له وداعا .. بل أحبك اكثر .. صفقت الذاكرة عندما هم أن يبتسم .. وتذكر شقه الآخر هل من وسيلة تذيب الصقيع في قلبه؟ في روحه؟ في عينيه ؟ فيه ؟ هل كسرحقا كل ما اتفق عليه الأجداد وأنه فاجر؟ هل حقا أنه ابن أمه العاهرة وأنه كافر كم بدا له العمر بطيئا ودبقا وكريها ... يذكر أنه لما شرب الكأس الاول من النساء انشطرت روحه ولما شرب الكأس الثانية انشطر قلبه و أحس أنه يقف عل نصل حاد يشقه شقين : شق حيث تنهض زهرة عباد الشمس شامخة على هضبة في آخر شريان من الوطن المسلوب تتفيأ ظل شجر الزيتون .. وشق في آخر وريد من وطن الطواريء حيث يتعربش الياسمين شجر الزيزفون .. لما وقف أمام روحه المنقسمة شعر بدوار يبتلعه خمسون عاما قضاها لاجئا يتوق الشق فيه لشقه الآخر وأمضى العمر موزعا على حدود مدينتين : مدينة محجبة بالياسمين ... هي صرخة حب مقموع هي وكر لشياطين الفجر والمنافقين والمهرجين مدينة تزيد في غربته تشكل منه كثيرا كثيرا من التفاصيل ومدينة نغلتها غربان غريبة تمنحه لجوءا وشهداء تحجب رائحة الشهداء عنه رائحة الميرمية كيف لمدينة عاهرة تتعرى أمام الغرباء تقاوم عدوا تكشف كل أسرارها مسبقا له راح ينتظر معجزة تغير مجرى بردى في وريده... يعبس في صمته مهيبا .. وتجلل ابتسامته الكنعانية جبينه .. يتكيء على كبرياء عمره المورق يخرج من صمته الأخير ويهم أن يحكي ما علق على جدار العمر .. الكتابة في الخمسين كعلاقة حب لرجل دخل خريف العمر مع فتاة في سن العشرين ما زالت تحافظ على بكارتها ؟ هو على عجل يعب الحياة وهي على مهل تمزمزها هل الكتابة في الخمسين هواية و فائض شهوة ؟ أم شيء شهواني جنوني شبيه بسن المراهقة ؟ بل هي نزف ذاكرة حبلى بسنينه جنينا كبر داخل رحمها فانفجر... ما أصعب أن يبدأ المرء الكتابة في العمر الذي يكون فيه الآخرون قد انتهوا من قول كل شيء يكتشف أنه فقد العلاقة بالزمن بعد اللقاء الأخير وصار يقيس الأشياء كلها نسبة للذاكرة الأخيرة ما بين انطلاق الصرخة الأولى للولادة و آخر صرخة للوداع الأخير .... تغير الوطن وطن يسكنه الحزن طويلا ... أنهكه نزيف الشهداء إنه ينتمي لذاك الوطن المتفجر ووطن يسكنه الحزن طويلا .... أنهكته الطواريء توحد طويلا مع وهج جمره المتطاير ينهزم الحاضر فيه والمستقبل... ويستيقظ الماضي ويستدرج نفسه عبر دهاليز الذاكرة بعد الذاكرة الأخيرة ما أقسى أن تتحول الأبوة جرحا وما أقسى أن لا نستطيع أن نرتق جرحا في الذاكرة إن جرحا إلهيا لن يجد ما يلئمه... آه ...لو استطاع الجلاد أن يغتال ذاكرته هناك في ظل سنوات الجمر آه...لو استطاع الجلاد أن يقتله قبل أن يأتي اللقاء الأخير ليس التعيس من يموت بل الذي يخلفه يقولون في الوطن : „الي بتموت أمه يموت وراها“ „ من يموت أباه لا يتيتم بل الذي تموت أمه“ يدخل أدغال الذاكرة مغارة مغارة هناك في دهليزها السري يقبع الوجه الذي لم تكتمل ملامحه كل طرق الذاكرة العنكبوتية تودي لحوافه وجه يشبه حد التطرف وجه أمه وجه يأخذ شكل الوطن أحيانا وأحيانا وجهه أمضى خمسين دهرا يتسلق أهدابه.... يستحم في مآقي عينيه في مدارسه السرية على حدوده تعلم سر الحروف الأولى للكتابة ولما كبر...فطريا ..بدائيا..شقيا... فارسا للغزل توّجه يجيء المطر إليه على أجنحة بندقيته ... وعلى مفرق الصبا من العمر تنبأت قارئة فنجانه أن الوجه سيختصر قدره وسيكون الحد الفاصل بين ولادته وموته وأمضى العمر أرعنا ..متوحشا ..فاجرا عدوانيا ...نزقا لكنه مجنح تزخر فيه طراوة الحياة تعربش الوجه جدران زنزانته قضى العمر يمشي إلى جانبه .... يتنفسه كان الوجه يقلب الحياة معه.. يعبس به ولكن الحقد لم يتعرفه أمضى خمسينه يبذل حكام الوطن أن يدخلوه دائرة الحقد منذ الصرخة الأولى اتخذ قرارا ألا يدخله لأن بالحقد وحده يصبح الإنسان معاقا بالحقد وحده يفقد الإنسان براءته... ويقتل الأطفال وبالحقد وحده يحترق القلب.. ويستبد الإنسان بأخيه الإنسان منذ الصرخة الأولى أعلن الحب بيانا عاطفيا فاضحا طوبى لمن يحاول أن يكون كما لم يكن أبدا يذكر في إحدى لياليه الغاربة كيف برق الوجه تحت ضوء القمر دنا من الوجه..وقبله... لم يكن الوجه أمه... كانت صديقته... فتسارع نبضه دمدم القلب تراتيل موشح أندلسي .. ومن يومها ..انضم الوجه إليه رافقه كبرقوق نيسان .... يحرس كتابات متنه كفارس.... فصار قدره
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالأمس ابتهجت وابتهجت معي قريتي الجاعونة
-
خنجر من لحمي في لحمي
-
أنا والسياسة الواقعية أو الواقعية السياسية
-
من ذاكرة معتقل سابق ...الذاكرة الأخيرة
-
هل الأول من أيار عيد للعمل أم عيد للعمال ؟
-
ويرحل الحمام
-
قصة قصيرة ...موعد في 8 آذار
-
-إن درجة تحرر المرأة هي مقياس التحرر بشكل عام-
-
محاولة في الغوص في العلاقة بينها وبينه , الرجل والمرأة
-
قصة قصيرة......زمن الذاكرة
-
حانت ساعة العمل لمنظري الصهيونية لتحقيق رؤاهم
-
إنعتاق
-
قصة قصيرة جدا - وتكتمل ألوان قوس قزح
-
لماذا يحمل الواحد منا في بنيتنا في داخله ضده
-
غدر
-
نحن صنعنا من الجلاد إله
-
ابن العم رياض الترك..الختيار الشاب
-
مشاركة بمناسبة السنة الرابعة لانطلاق موقع الحوار المتمدن
-
حالة طواريء.......قصة قصيرة
-
دعوة تحذير متواضعة لدعاة التغيير الديموقراطي في الوطن العربي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|