|
اغزوهم قبل أن يغزوكم
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:27
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لِتـَصمُت كُلُ الأصوات، ولـْتَسكُت كلُ الأبواق، ولـْتستح جوقة النفاق، إذ صار لزاماً، الآن، التحكم بكل ذاك الفحيح القادم من ثعابين الردة في زمن الخبث، والتردي، والهزيمة، والفسق، والفجور، والانحطاط. فهذا ليس وقت التشفي، والشماتة بموت البلابل والغزلان، والأطفال اليتامى، والشهداء، والتهليل لوابل الموت الهاطل من السماء، وصم آذان الخزي، والهوان عن دوي الانفجارات التي تملأ الآفاق. فعلى الفور، قد بدأت جوقة النشاز، إياها، ممارسة طقوس الانبطاح وكشف العورات، وهرع أصحاب الأصوات النكراء، والعيون العوراء، وكالمعتاد، لترديد أهزوجة الفرار، وعزف لحن الخنوع، والفرار أمام الذئاب الجائعة، والشبقة للحوم الأطفال، والمنفلتة من كل عقال، والتي أطلقتها قمة الثمانية، كمشهد خلفي، لحقيقة ما يدور في الكواليس، والخفاء.
تناغم عجيبٍ، مدهش، مدوً، وعال، ولا حدود له، للتواطؤ في الجريمة، وللتغطية، والتمويه على صور أشلاء الصغار، التي نسفتها آلة الحرب الغاشمة العمياء. حيث تعلو موشحات الكتبة المفضوحة السوداء، على أصوات الألم، والأنين، ومنازعة الأرواح، التي تصدرها حناجر، لم يعد لها من معين، ومنقذ، سوى ملاك الموت، والهلاك. ألا تستأهل تلك اللحوم الغضة، رفعاً للعتب، التفاتة، من رسل الكلمة الأفذاذ، الذين وضعوا أنفسهم، خدمة للخصيان، والغلمان، ووكلاء الشيطان؟ ألا تستأهل تلكم الطوابير الجرارة، من الثكالى المفجوعات، ممن خلفتهم يد الغدر، وآلة الحرب العمياء، واللواتي يندبن أحباءهم في العراء، كلمة عطف، ومواساة؟ وأخيرا ألا تستأهل تلك الأوطان المنكوبة بتجار الكلام، كلمة عزاء، وعتباً مريراً على سوء التربية، والضلال، وعقوق الأبناء؟
إنه وقت المواجهة مع الحقيقة، والضمير، والذات. وإنها لحظات لوقفة العز، والشرف، والولاء، التي تدين هؤلاء البرابرة المتوحشين الغزاة، الذين صبّوا جام غضبهم، وحمم الموت الصفراء على أجساد تلك البراعم الموؤودة في عز الربيع. إنه زمن العار الغادر، ومن غرائب سادية زمن البدو الأعراب المشؤوم، ورعاة الشاة، أن يتلذذوا بتجميع أشلاء الأطفال، ولتصبح عندها محاكمة الضحية، وتأثيم الفرائس، عنواناً لأمة آثمة منحرفة، عوجاء تبحث عن مغتصب، وقوّاد، وجلاّد.
وإذا كانت الصواريخ "الحزبواللاوية" من عند هذا الفريق الإقليمي، أو ذاك، أو من تصنيع ورش بسيطة لبسطاء شرفاء يرفضون الذل، والترويض، والانسلاخ، فإن هذا لا يغير من واقع الحال، ومن هول الجريمة، وبشاعة وقذارة التبريرات. وللتذكير أيضاً، وأيضاً، فإن الصواريخ العنقودية، والفراغية، والنابالم، وصواريخهم التي دفنت عائلة بكاملها مؤلفة من أحد عشر فرداً، أصغرهم "صفاء" بنت الاشهر الثلاث، هي أيضا من عند الأمريكان. وأن أولئك المرتزقة المجرمين القتلة الأشرار، الذين يقودون الطائرات، ويفتتون الأجساد الغضة البريئة المخضبة بنجيع الدماء، قد أتوا من شتات ومواخير دول العالم المختلفة، من العاطلين عن العمل، الذين لم يجدوا من تسلية، وعمل لهم، سوى في اصطياد الفراشات الجميلة، التي خرجت تعانق الصبح، والحرية، واالحياة.
وإذا كان التوقيت ليس مناسباً للسياحة الجنسية، وممارسة البغاء، واللواط، أو ملائماً لكشف العورات الوطنية، أم سيئاً لسماسرة السلام، فهو، بالتأكيد، ليس مناسبأً، أيضاً، لقطف الورود اليانعة، والرياحين الطرية الخضراء من روض الأوطان. وهذا، في مطلق الأحوال، لن يغير من واقع أن تلك الوحشية فاقت كل تصور، وتخطت كل خيال. وإذا كان السيد حسن نصر الله، يتكلم برسالة صوتية، أو مرئية، ومن أي مكان، وبفعل ظروف الحرب، وضرورات الأمن، وقيادة الصراع، والحق الطبيعي، أولاً وأخيراً، في تجنب الأذى والأخطار، فليس البديل، طبعاً، أن يخرج، ويخاطب البدو الأعراب، من قنوات الرذيلة، والقوادة، والفجور، والدولار، أو من خلال صحفهم البالية، الخسيسة، المنحطة الصفراء. أو أن يكون كلامنا كله مصاغاً بعناية فائقة لكي لا يغضب جنرالات الاحتلال، والغزاة. وإذا كان هؤلاء الشطار، يكفلون، ويتفهمون حقوق "الآخرين"، في النزول للملاجئ، هرباً من الموت وحماية للذات، فلِم ينكرونه على العزّل، والأطفال، وأبناء العمومة، والأقرباء؟ إنها حقاً مفارقات الزمن الزئبقي الرديء، المضحكة، والمبكية، بآن.
وبحكم نشأتي، ونظرتي العلمانية للحياة، والذي لا علاقة له بأي دين من الأديان، ونشأتي المتحررة من كوابيس الغيب، ودعاة الحلول السحرية من السماء، فقد نختلف في بعض الأطروحات، والأفكار مع الجماعات السياسية عموماً، ولكن، ولا شك، هناك نقاط توحد واتفاق، لا يختلف عليها، أبداً، الوطنيون الأحرار. ولاسيما تلك التي تتعلق بالموقف الوطني السليم، ورفض الاضطهاد، والعدوان. وعموماً، فإن الموقف الوطني والإنساني يتطلب من كل قوى التحرر، والديمقراطية، والإنسانية، الساعية للحرية، والعدالة، والسلام، أن تهب، دفعة واحدة، لنصرة الضعفاء، ولنجدة الضحايا الأبرياء. فلا وقت للتشفي، والانحاء باللائمة على هذا وذاك، والتندر على الآخرين في هذا الوقت العصيب، وكيل الشتائم، وتوزيع الاتهامات. ولكن، وأياً، تكن الاختلافات، فإن هذا لا يعني الوقوف في صف الأعداء، واستعداء الأخوة، ولا يبرر كل هذه الجرائم الشنعاء، وهذا الحجم الهائل من الموت المجاني، وتدمير البني التحتية، من ماء، وكهرباء، وجسور، ومطارات، وطرقات. كما لا يعني الخوف، أو الإعجاب، أو القبول، البتة، بهذا الاستعراض الأرعن، والغاشم للقوة ضد المدنيين الآمنين الأبرياء، والغطرسة، والاستفشار. وإذا كان حزب الله، وبعملية عسكرية محكمة الاتقان، قد اقتلع عنوة أولئك الجنود، ومن ثكناتهم، ومن أرض محتلة بقوة السلاح، فليس بالضرورة، أن يأتي الرد بتلك الحماقة، ورد الفعل المتطرف الغدّار ضد أبرياء.
لا بد من وقفة شجاعة لدرء الأخطار وصد، ودحر العدوان، ووقف كل هذه المجازر، والانتهاكات الخطيرة لحياة البشر، والناس، حتى لو استدعى الأمر رد الصاع صاعين، والكيل كيلين، وبصواريخ مستوردة من عند المغول، والشياطين والجان، فحق الدفاع عن النفس تصونه جميع القوانين، والتشريعات. لا بل، على كل القوى، والشخصيات الوطنية الشريفة أن تتداعى، لتحرير كل شبر سلب من الأراضي ويعيث فيه الأغراب فجوراً، وغياً، وفسادأً. وإذا كان هناك ضعف وتشتت وانقسام في الصف، وجوانب قصور وانتهاك هنا، وهناك، فهذا لا يعني بحال الهزيمة والاستسلام، ولا بد من مقاومة الغزاة.
وكما قال سابقاً أحد الحكماء: "اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوا الله ما غـُزِيَ قومٌ قط، في عقـْر دارهم، إلاّ ذلـّوا".
لندن 17/7/2006
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
-
الدّمُ الحَرَام
-
مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
-
عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
-
نساء العرب وخيبة الآمال
-
نهاية التاريخ العربي
-
المونديال وهزيمة الذات
-
الديمقراطية العلمانية
-
غربة الفكر العظيم
-
الزرقاوي: نهاية الأسطورة
-
مسلسل النكسات القومية
-
أصنام المعارضة السورية
-
نعوات بدون عزاء
-
ميشيل كيلو: طرق المحرمات
-
ديمقراطية الطوائف
-
الدهاء السياسي، واللعب على المتناقضات
-
الاستخفاف بالداخل
-
فاتح جاموس: عزيمة الأحرار
-
الاستبداد والإرهاب
-
إرهاب فيديو- كليب
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|