أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس لكريني ومحمد الهزاط - مكافحة -الإرهاب- في الممارسة الدولية المعاصرة















المزيد.....



مكافحة -الإرهاب- في الممارسة الدولية المعاصرة


إدريس لكريني ومحمد الهزاط

الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:07
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تقديم:
تعد ظاهرة العنف السياسي من أقدم الظواهر في المجتمع الإنساني عامة والعلاقات الدولية بصفة خاصة، وقد تعاظمت مخاطر هذه الظاهرة في العقود الأخيرة سواء من حيث مظاهرها أو على مستوى النطاق الذي تمارس فيه والوسائل المستخدمة فيها وكذا بالنسبة للقائمين بها والدوافع التي تغذيها.
و"الإرهاب" كصورة من صور هذا العنف ، تثار بشأن تعريفه وتحديد مفهومه إشكالات مستعصية عن الحل ، ذلك أن جل المحاولات الفقهية والسياسية الدولية الواردة في هذا الشأن جاءت متباينة تعكس في مجملها الخلفيات السياسية والإيديولوجية والمصلحية لأصحابها, وعموما جاءت مجمل هذه المحاولات فضفاضة ومتعارضة .
ومما زاد من غموض مفهوم "الإرهاب" هو أن التعارض بشأنه موجود حتى داخل التيار الفكري والإيديولوجي الواحد، إذ أن ما يعتبر في نظر البعض عملا "إرهابيا" يستلزم المكافحة باعتباره جريمة , يبقى في نظر البعض الآخر شكلا من أشكال ممارسة الكفاح المشروع من أجل تقرير المصير.
وهكذا نجد من الفقهاء من ركز على الوسائل المستخدمة لتعريف "الإرهاب" باعتبارها معيار التمييز بين "الإرهاب" عن غيره من أشكال العنف السياسي. وفي هذا الإطار، يعرف THORONTON "الإرهاب" بأنه عمل بأنه "عمل رمزي الغاية منه التأثير على السلوك السياسي بواسطة وسائل غير اعتيادية ينتج عنها استخدام التهديد أو العنف ", أما WALTER فقد ركز في تعريفه "للإرهاب" على معيار الخوف والذعر الذي تحدثه العملية "الإرهابية" للمجتمع، وهناك من ركز على معيار العنف في تعريفه للظاهرة "الإرهابية"، حيث ذهب Mickolus إلى أن "الإرهاب" هو"استخدام أو التهديد باستخدام القلق الناجم عن العنف غير الاعتيادي لمآرب سياسية، يقصد منه التأثير على مواقف وسلوك مجموعة استهدفها العمل أكثر من استهداف الضحية", وأخيرا هناك من ركز على الناحية الإيديولوجية والإستراتيجية، وهذا حال A.TURK الذي اعتبر "الإرهاب" "إيديولوجية أو استراتيجية تبرر الإرهاب الفتاك أو غير الفتاك بقصد ردع المعارضة السياسية بزيادة الخوف لديها عن طريق ضرب أهداف عشوائية"، بينما ركز آخرون على الناحية النضالية لتعريف "الإرهاب", حيث ذهب FERRACUTI إلى أن العمل "الإرهابي" هو" أي عمل ينفذ كجزء من وسيلة للنضال السياسي يقصد به التأثير على سلطة الدولة أو على اكتساب هذه السلطة أو الدفاع عنها، ويتضمن استخدام العنف الشديد ضد الأبرياء والمسالمين.(1( في حين يعرفه الأستاذ أدونيس العكرة باعتباره: "منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطة الرهبة الناجمة عن العنف إلى تغليب رأيه السياسي أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية عامة أو من أجل تغييرها وتدميرها"(2).
و مما يلاحظ على هذه التعاريف - وغيرها كثير- هو أنها وإن كانت قد اجتهدت في استجلاء ورصد مختلف عناصر الظاهرة "الإرهابية", إلا أن تركيز كل منها على عنصر واحد وإغفالها للعناصر الأخرى عند مقاربتها, جعل منها تعاريف جزئية وناقصة، وبالتالي قاصرة عن الإحاطة بمختلف جوانب هذه الظاهرة المعقدة التي تتداخل فيها العديد من العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن مصطلح "الإرهاب" قديم جدا تم تدويله بكثرة، وهو يعني في مجمله كل ما من شأنه إثارة الفزع والخوف في النفوس، ويعتقد البعض أن استعمال هذا المصطلح في أبعاده السياسية بدأ في نهاية القرن الثامن عشر للتعبير عن أعمال العنف التي تقوم بها الحكومات لضمان خضوع الشعوب لها, ثم تطور الأمر وأصبحت الكلمة تطلق بشكل أساسي على "إرهاب التجزئة" الذي يقوم به أفراد أو جماعات (3).
هذا على مستوى الفقه أما على مستوى التنظيم الدولي، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة بادرت منذ سنة 1979 إلى إنشاء لجنة خاصة ب"الإرهاب"، تفرعت عنها ثلاث لجن تكلفت إحداها بوضع تعريف ل"لإرهاب" الدولي، غير أن هذه الأخيرة فشلت في مهمتها هاته، بفعل تباين المواقف بين الدول, خاصة بين تلك التي تميز بين "الإرهاب" الفردي و"إرهاب" الدولة وبين "الإرهاب" والنضال الشرعي ضد الاحتلال. وفي غياب تعريف محدد و مستقر و متفق عليه لهذه الظاهرة, سنحاول تسليط الضوء على بعض أهم التصنيفات المرتبطة ب"الإرهاب". إن أنماط "الإرهاب" متعددة ومتباينة تبعا لتعدد وتباين المدى والنطاق والفاعلين والطبيعة والأهداف، ومن تم فالإحاطة بكل هذه الصور صعبة للغاية، ويرى أحد الباحثين أن هناك معايير تمكن من التمييز بين هذه الأنماط، فتبعا للمعيار التاريخي يمكن التمييز بين إرهاب الماضي والإرهاب المعاصر, وعلى مستوى الطبيعة هناك الإرهاب الثوري المميز عن الإرهاب الرجعي وبين الانفصالي المميز عن الانتحاري، ووفقا لمعيار النطاق يتم التمييز بين الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي، وعلى أساس معيار الفاعلين يتم التمييز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة(4). والجدير بالذكر أن هذا التصنيف الأخير غالبا ما يثير عده إشكاليات فقهية وسياسية خاصة في ارتباطه بالكفاح المشروع ضد الاستعمار. فإذا كان "الإرهاب" الفردي هو ذلك الذي يرتكبه عادة أشخاص سواء بشكل فردي أو تنظيم جماعي, وعادة ما يوجه ضد نظام أو دولة أو حتى ضد فكرة الدولة عموما (5), بحيث لا يطرح إشكالات دولية بالنظر إلى خضوعه لقواعد القانون والقضاء الداخليين, فإن إرهاب الدولة يقصد منه: "تخويف المعارضة وإجبارها على طاعة الحكومة، أو إرهاب تقوم به دولة وتمارسه ضد نظام أو شعب يسعى للتحرر والتخلص من الاستغلال والسيطرة الخارجية"(6). وعلى خلاف النوع الأول فإن هذا الصنف من الإرهاب تحكمه مقتضيات القانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة. والملاحظ أن غالبية الفقه والساسة الغربيين غالبا ما يركزان عند مقاربتهما للظاهرة "الإرهابية" على الصنف الأول ويغضان الطرف عن النوع الثاني بالرغم من خطورته الدولية، حيث يخلطان ما بين حركات التحرر الوطني التي تسعى إلى الاستقلال وبين الحركات الإرهابية، مع أن الفارق بين هذين النمطين من العنف المنظم شاسع."فالطابع الشعبي والدافع الوطني وعنصر القوى التي تجري ضدها عمليات المقاومة هي العناصر الأساسية والمرتكزات التي تميز الكفاح المشروع عن غيره من أعمال العنف ولا سيما الإرهاب"(7).
وإذا كان هذا الأخير محط إدانة دولية بالإجماع, فإن مقاومة حركات التحرر الوطني تستمد مشروعيها من ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها – المادتين 2/1 و55 - , ومن مبادئ القانون الدولي التي تجد سندها في اتفاقية جنيف لسنة 1949 ومؤتمر فيينا لعام 1969 ,وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 ... هذا بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أكدت في مجملها على شرعية هذه المقاومة (قرار1514 /1960و قرار 2621/د25 و القرار 2980/د27 والقرار147/د32 قرار 2625/1970 وقرار 3246/1974 وقرار 3314/1974....( ناهيك عن قرارات بعض المنظمات الإقليمية (منظمة الوحدة الإفريقية، المؤتمر الإسلامي...) وحركة عدم الانحياز.
لكن بعيدا عن هذا الاختلاف الفقهي والسياسي الذي ظل يصاحب تعريف ظاهرة "الإرهاب" يبقى الاتفاق حاصل و بالإجماع حول ضرورة مكافحته ومحاربة هذا الشكل الخطير من العنف الذي يؤرق الشعوب والأمم. فما هي أشكال مكافحة "الإرهاب" التي حفلت بها الممارسة الدولية المعاصرة ؟ وما هي – على ضوء أحكام القانون الدولي- حدود الشرعية والتجاوز في هذه الممارسة ؟. هذا ما سنقوم بمقاربته في دراستنا هاته من خلال التطرق لمكافحة "الإرهاب" في زمن الحرب الباردة (أولا) قبل الانتقال إلى الجهود الدولية المرتبطة بذلك في ظل التحولات المتسارعة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي (ثانيا).
أولا: مكافحة "الإرهاب" في عالم منقسم
عمرت الحرب الباردة زهاء نصف قرن من الزمن بخلافاتها وصراعاتها وتداعياتها الإيجابية والسلبية التي انعكست على مجمل العلاقات والمؤسسات والقضايا الدولية، ومنها قضية "الإرهاب"، فمعظم الجهود الدولية التي حاولت مكافحة "الإرهاب" تمت خلال هذه الفترة, هذا بالإضافة إلى أن الممارسة الدولية في هذا الشأن والتي تمت في هذه المرحلة من مراحل تطور النظام الدولي كانت متميزة في أسلوبها ومبرراتها ونتائجها.
1- الجهود الدولية لمكافحة "الإرهاب"
بعدما أضحت الظاهرة "الإرهابية" تتنامى بشكل خطير في المجتمع الدولي لم يجد هذا الأخير بدا من وضع آليات قانونية كمحاولة منه لمواجهتها في شتى صورها وذلك من خلال ميثاق الأمم المتحدة وجهودها الرامية إلى مقاومة العنف والقوة بشتى مظاهرها في العلاقات الدولية وكذا العديد من الاتفاقيات الدولية التي أبرمت لهذا الغرض.
أ - جهود الأمم المتحدة
قبل تأسيس هيئة الأمم المتحدة في سنة 1945 كان اللجوء إلى القوة والعنف بصفة عامة وسيلة عادية لتنفيذ سياسات الدول القومية وللحسم فيما يثور بينها من خلافات, وذلك رغم الجهود الدولية- المتواضعة - التي تمت في إطار اتفاقية (دراكو بورتر) لسنة 1907 التي أكدت على تحريم استعمال القوة لاسترداد الديون المستحقة، وكذا عهد عصبة الأمم الذي ميز بين الحروب المشروعة والحروب غير المشروعة، ثم ميثاق (بريان كيلوج) لسنة 1928 الذي حاول دون جدوى التضييق بشكل كبير على استعمال القوة في العلاقات الدولية. لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية كشف قصور وهشاشة هذه الجهود والمحاولات, ولعل هذا ما حدا بهيئة الأمم المتحدة بأن تجعل من أهم أولوياتها الملحة مكافحة القوة والعنف في العلاقات الدولية.
وفي هذا الإطار تنص المادة الثانية من الميثاق في فقرتها الرابعة على أنه:"يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ." فبموجب هذه المادة يتبين لنا أن الميثاق لم يكتف بتحريم اللجوء إلى القوة فقط، وإنما حرم حتى مجرد التهديد باللجوء إليها، كما أنه لم يهتم بالأسباب المادية لهذا اللجوء للقوة ولا بوجود سبب عادل يبرره . فتحريم اللجوء للقوة التي تحدثت عنه هذه المادة هو تحريم لذاته وأيا كانت دوافعه وحتى لو فشل الحل السلمي للخلافات الدولية، ما عدا في الحالات الاستثنائية المشروعة والمنصوص عليها صراحة في الميثاق (8) وهي حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي (المادة 51) وحالة تدخل الأمم المتحدة لمواجهة تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما أو أعمال العدوان (المادتين 41 و 42).
وبخصوص الأهداف التي ينصب تحريم اللجوء إلى القوة الوارد في هذه المادة عليها، الوحدة الترابية، من حيث كونها تعني سلامة أراضي الدولة وحرمتها وعدم قابليتها للخرق والانتهاك, وكذا الاستقلال السياسي الذي يعني احترام سيادة الدولة ونظامها السياسي والامتناع عن كل تدخل في شؤونها الداخلية حتى ولو تم ذلك بوسائل غير عسكرية, وهذا ما يستفاد من القرار رقم 2131 المتعلق ب:"عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها " سنة 1965, و القرار رقم 2625 الخاص "بمبادئ القانون الدولي التي تمس العلاقات الودية والتعاون بين الدول " في شقه المتعلق بعدم التدخل الصادر عن الجمعية العامة سنة1970.
ومما يدعم هذا الرأي العبارة الأخيرة من نفس المادة 2/4 التي تقول :" أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاعد الأمم المتحدة ", و التي جاءت لتوسيع نطاق التحريم الوارد في هذه المادة ليشمل كل حالات استعمال القوة غير القوة المسلحة والتي لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة المبينة في المـادة الأولى من الميثاق(9). أما من حيث المدى: أي مدى التحريم الوارد في هذه المادة، فالرأي الغالب يذهب في اتجاه إعطاء كلمة "قوة" معناها اللفظي والعادي مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزام الموازي بأن تحل الدول خلافاتها بالطرق السلمية، وهو ما يجعل من مصطلح "قوة" يمتد ليشمل كافة أشكال التهديد أو استعمال القوة المتعارضة مع الميثاق كأعمال الانتقام وإرهاب الدولة بل وحتى الضغوط الاقتصادية والسياسية وغيرها, ذلك أن تهديد السلم والأمن الدوليين يمكن أن يتحقق حتى ولو تم بوسائل أخرى غير العسكرية, وبالتالي فهي تبقى مشمولة بالتحريم الوارد في هذه المادة كما أن عبارة " أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة " (القوة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق) قد جاءت لتزكية هذا الطرح ما دام التعارض مع مقاصد الهيئة الأممية لا ينتج فقط عن استعمال القوة المسلحة، بل يمكن للضغوط السياسية والاقتصادية أن تدلي بدلوها في هذا المجال وأحيانا بفعالية أكبر (10).
وتأكيد مبدأ عدم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية يجد سنده في العديد من قرارات الجمعية العامة ومواثيق المنظمات الإقليمية وكذا المعاهدات الجماعية، هذا بالإضافة إلى الفقه والقضاء الدوليين، مما أكسب هذا المبدأ صفة القاعدة الدولية الآمرة باعتبار أن انتهاكه والخروج عن مقتضياته، ليس انتهاكا للميثاق الأممي فحسب، بل وجريمة ضد الإنسانية وضد السلام العالمي.
هذا بخصوص الجهود الدولية المبذولة في سبيل الحد من ظاهرة القوة والعنف بصفة عامة في العلاقات الدولية. أما بخصوص الإرهاب كأحد أخطر أنماط هذه الظاهرة، فقد كان هو الآخر محط عناية واهتمام المنتظم الأممي. وفي هذا الإطار أدرج موضوع "الإرهاب" بصفة خاصة في جدول أعمال الدورة 27 للجمعية العامة عام 1972 بناء على مبادرة الأمين العام الأممي (كورت فالدهايم), ومنذ ذلك التاريخ والجمعية العامة تصدر قرارات لا تخلو من أهمية في هذا الشأن, كالقرار رقم 2625 لسنة 1970 , والقرار رقم 8 الدورة 32 بتاريخ 1977 الخاص بسلامة الملاحة الجوية والقرار 146 الدورة 34 بتاريخ 17 دجنبر 1979 الذي اعتمد الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة احتجاز الرهائن.
ب‌- الجهود الدولية الاتفاقية

حتى حدود سنة 1997 بلغ عدد الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالجرائم المرتبطة بالإرهاب والتي أودعت في الأمم المتحدة إحدى عشر اتفاقية وتتناول كل واحدة منها جانبا محددا من جوانب الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب (11).
ومن أبرز الاتفاقيات الصادرة في هذا الشأن, نذكر: اتفاقية جنيف الخاصة بمعاقبة "الإرهاب", الصادرة سنة 1937 واتفاقية واشنطن لسنة 1971 المرتبطة بمنع ومعاقبة أعمال "الإرهاب" الموجهة ضد الأشخاص والفئات ذات الأهمية الدولية، والاتفاقية الدولية الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم الموجهة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية, الصادرة بتاريخ 14/12/1973 والاتفاقية الأوربية لقمع "الإرهاب" والموقعة بتاريخ 27/1/1977 بستراسبورغ بفرنسا. وبشأن حماية الملاحة الجوية، نجد اتفاقية طوكيو الموقعة في 14 شتنبر 1963 بشأن الجرائم والأفعال الأخرى غير المشروعة التي تقع على متن الطائرات, وهي الأولى من نوعها التي تنظم في شكل اتفاق هذا الموضوع المهم, ولذلك فقد جاءت لسد فراغ قانوني دولي في هذا الشأن, غير أنها جاءت ناقصة, فهي لم تشر إلى الأسلوب الذي ينبغي اتباعه في حالة حدوث تنازع في الاختصاص بين الدول, كما أنها لم تعتبر الاستيلاء – ذو الطابع السياسي – على الطائرات, جرائم تستوجب العقاب. ثم اتفاقية لاهاي الموقعة بتاريخ 16/12/1970 المرتبطة بقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات, التي جاءت لتصحح العديد من العيوب التي شابت الاتفاقية السابقة, وقد اتسمت بالشمول في معالجة موضوع الاختطاف, غير أنها ظلت بدورها قاصرة, بحيث ركزت فقط على حالات الاختطاف على متن الطائرة في حالة الطيران دون تحريم أفعال الاشتراك والشروع التي تتم على الأرض, مع عدم الإشارة إلى الاختصاص في حالات الجرائم المرتكبة فوق البحار الدولية أو فوق الأقاليم التي لا تخضع لسيادة دولة ما... ثم هناك اتفاقية مونتريال لسنة 1971 التي جاءت أكثر تفصيلا حيث حاولت سد ثغرات وهفوات مهمة شابت مثيلاتها السابقة, حيث شملت في أحكامها تجريم أي شخص يرتكب عمدا وعلى وجه غير مشروع أي عمل من أعمال العنف ضد شخص على متن طائرة في حالة طيران , وبصفة خاصة إذا كان هذا العمل من شأنه أن يعرض سلامة هذه الطائرة للخطر أو أن يدمر طائرة في الخدمة أو يحدث بها تلفا يجعلها عاجزة عن الطيران ... وكذا البروتوكول المكمل لها الصادر بتاريخ 24/02/1981 الذي جاء أصلا لمواجهة الأفعال غير المشروعة القائمة على العنف في المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي , والتي تؤدي إلى الإخلال بسلامة الأفراد في هذه المطارات أو تعرض أمن استغلال هذه المطارات. ثم هناك اتفاقية نيويورك لسنة 1979 والخاصة بمناهضة خطف الرهائن، وكذلك الاتفاقية الدولية لقمع الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية بتاريخ 10 مارس 1989 بروما. هذا إلى جانب العديد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية الأخرى التي اهتمت بهذه الظاهرة .
وإذا كانت هذه الجهود الدولية السابق ذكرها قد وفرت للمجتمع الدولي ترسانة قانونية مهمة من شأن احترامها أن يحد أو على الأقل يخفف من تنامي هذه الظاهرة، فإن الممارسة الدولية خلال هذه الفترة – الحرب الباردة- أثبتت أن بعض الدول في مجال مكافحتها لظاهرة "الإرهاب" تكيف هذه المقتضيات بما يخدم مصالحها واستراتيجيتها، وتطبقها بتحايل وتعسف كبيرين يتعارض مع قواعد الشرعية الدولية.
2- مكافحة الإرهاب في الممارسة الدولية (حالات نموذجية)
في أجواء الحرب الباردة، لجأت بعض الدول إلى القيام بعمليات عسكرية ضد دول أخرى، بدعوى ممارستها لحقها في الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول :" ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول , فرادى أو جماعات , في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء" الأمم المتحدة " وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدول, والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا , ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس, بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق ,من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه "وذلك للرد على ما اعتبرته عدوانا غير مباشر عليها. فالعدوان المسلح في المادة 51 حسب هؤلاء، والذي يسمح بممارسة حق الدفاع الشرعي للرد عليه، لا يأخذ بالضرورة شكل عدوان مباشر، بل قد يأخذ أيضا شكل عدوان غير مباشر، ويتمثل في دعم الدولة أو تقديمها الملجأ لجماعات تتهيأ للقيام بعمليات "إرهابية" ضدها.
وعلى هذا الأساس، فالدولة التي تكون هدفا لهذه العمليات "الإرهابية" لها الحق في الرد عليها وذلك بضربها في جذورها، أي نقل العنف إلى داخل الدولة التي تدعم وتحتضن هذه الجماعات (12) وهو ما يذكرنا بنظرية يعتقد أنها قد ولت، والمعروفة "بحق المحافظة على النفس" , وهي النظرية التي كانت في الماضي تسمح للدول بالاعتداء على جيرانها إذا اعتبرت هي نفسها أن أمنها في خطر (13). وبهذه الكيفية يتم انتهاك قواعد الشرعية الدولية باسم ضرورات مكافحة "الإرهاب" ومقاومته.
ويمكن إدراج على سبيل المثال لا الحصر تحت هذا النوع من الممارسة غير المشروعة لحق الدفاع الشرعي بدعوى الرد على العدوان غير المباشر المتمثل في "الإرهاب": العدوان الإسرائيلي المتكرر على المخيمات الفلسطينية في لبنان خلال السبعينيات والثمانينيات, وعلى مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس سنة 1985 , وكذا العدوان الأمريكي على الجماهيرية الليبية سنة 1986.
أ- العمليات الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان
في إطار مفهوم خاص بها لحق الدفاع الشرعي عن النفس، ومتعارض مع روح ونص المادة 51 من الميثاق، دأبت إسرائيل ومنذ قيامها على تطوير سياستها العدوانية في المنطقة، من سياسة قائمة على الردع والانتقام كتبرير لعملياتها العسكرية الرامية إلى مواجهة ما كانت تعتبره خرقا لحدودها من خلال تسلل الفدائيين، أو انتهاكا لوقف إطلاق النار الناتج عن الهدنة التي وقعتها مع الدول العربية في1949، إلى سياسة تتوسع في اتجاه الرد على ما سمي "بالإرهاب" أينما كان(14).
وحق الدفاع الشرعي الذي تكيفه إسرائيل وفق مصلحتها، يمكن أن يصل إلى حد الاحتلال المستمر لأراضي الطرف "المعتدي" وضم أراضيه, وذلك في سياق ما يعرف بسياسة "الحدود الآمنة" التي تقوم عليها عقيدتها واستراتيجيتها العسكرية، وهو ما يتناقض صراحة مع جوهر حق الدفاع الشرعي لعدم مراعاة منطق الضرورة والتناسب الذي تتأسس عليه مشروعية ممارسة هذا الحق، كما يستفاد من المادة 51 من الميثاق ذاتها(15).
وتتصاعد خطورة المواقف الإسرائيلية العدوانية عندما تذهب هذه الأخيرة إلى اعتبار العمليات الفدائية الفلسطينية التي تتم انطلاقا من الأراضي اللبنانية، بمثابة عمليات "إرهابية" تستوجب الرد عليها في إطار حق الدفاع الشرعي باعتبارها عملا عدوانيا غير مباشر عليها. وهي السياسة التي وجدت تطبيقها العملي من خلال غاراتها المتكررة على لبنان والمخيمات الفلسطينية هناك.
ومن الأمثلة الأخرى لهذه السياسة أيضا هناك الغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس بتاريخ 25 أكتوبر 1985، وهي الغارة التي تذرعت فيها إسرائيل مرة أخرى بالدفاع الشرعي للرد على أعمال المقاومة الفلسطينية التي تصفها "بالإرهاب". ولقد حملت إسرائيل تونس مسؤولية أعمال المقاومة الفلسطينية هاته لأنها جعلت من أراضيها "ملاذا للإرهابيين، ولم تمنع الهجمات العسكرية من أراضيها "(16). وقد أعلنت إسرائيل أن هذه الغارة جاءت كرد فعل على مقتل 3 سياح إسرائيليين في 25 شتنبر 1985 في ميناء "لارنكا" القبرصي من قبل أعضاء ينتمون لمنظمة التحرير الفلسطينية، علما أن هذه الأخيرة نددت بتلك العملية وأعلنت عدم مسئوليتها عنها (17)، ولقد صرح "رابين" وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك في أعقاب ذلك أن الهدف من هذه العملية هو إظهار أن "أي عنصر من منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكنه أن يزعم أنه محصن أينما كان في العالم. وأن الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي تستطيع الوصول إليه، وضربه ومعاقبته"(18) .
الواقع أن التبريرات التي تذرعت بها إسرائيل وخاصة في ارتباطها بالدفاع الشرعي عن النفس لشرعنة عملياتها العسكرية تفتقر إلى أي أساس قانوني وتتنافى كليا مع مضمون وجوهر حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من الميثاق, التي وإن كانت تؤكد على شرعية ممارسة هذا الحق الطبيعي بشكل فردي أو جماعي، إلا أنها أخضعت هذه الممارسة لشرط وقوع عدوان مسلح باعتباره المعيار الأساسي للحكم بمشروعية ممارسة هذا الحق من عدمها، كما أنه وبناء على نفس المادة تبقى ممارسته احتياطية ومؤقتة، وذلك إلى حين تدخل مجلس الأمن واتخاذه للتدابير اللازمة لحفظ السلم ولإعادته إلى نصابه، كما أن التدابير التي يتخذها الأعضاء إعمالا لهذا الحق ينبغي أن تبلغ إلى المجلس على الفور، وبناء على ذلك يمكن القول أن ممارسة إسرائيل في هذا الصدد جاءت متعارضة مع المادة السابقة , كما أنها لم تحترم عناصر الضرورة والتناسب التي تستلزمها الممارسة الصحيحة والمشروعة لهذا الحق.
فضلا عن ذلك فالعمليات الإسرائيلية هاته جاءت متعارضة مع العديد من قرارات الجمعية العامة، ومن ذلك قرار تعريف العدوان رقم 3314/29 لسنة 1974 وخاصة المادة 3 منه، فهذه الأخيرة وإن كانت تعترف بإمكانية ممارسة حق الدفاع الشرعي في حالة إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها، والتي تقوم بعمل من أعمال القوة المسلحة ضد دولة أخرى، فإنها جعلت مشروعية ممارسة حق الدفاع الشرعي في هذه الحالة مشروطة باكتساب أعمال القوة هذه لدرجة معينة من الخطورة والجسامة، بحيث تعادل الأعمال الأخرى التي عددتها في هذا القرار، وأن يثبت اشتراك الدولة بدور ملموس في أعمال القوة هذه (19). وهذا طبعا ما ينتفي في هاتين الحالتين ذلك أن لا لبنان ولا تونس لم تشتركا بأي دور في ذلك، بل وحتى إذا افترضنا جدلا تقديمها المساعدة للفدائيين الفلسطينيين فهما لم يرتكبا عملا عدوانيا خطيرا يتطلب إعمال مقتضيات المادة 51 من الميثاق الخاصة بالدفاع الشرعي.
وبناء على القرار السابق ذكره , هناك شرط آخر لا مندوحة من توافره لاعتبار الأعمال التي تقوم بها هذه الجماعات على أنها عدوانا تبرر استعمال حق الدفاع الشرعي، وهو عنصر "عتبة الخطورة"، ذلك أن خطورة الأعمال المسلحة هي معيار رئيسي للتمييز بين العدوان وبين أعمال القوة الأخرى التي لا تصل من حيث الخطورة إلى درجته، مثل حوادث الحدود, وهذا المبدأ تم التأكيد عليه في المادتين 2 و3 من قرار تعريف العدوان.
غير أن هناك طرحا آخر ما فتئت إسرائيل تستند عليه، ومفاده أن تراكم الحوادث البسيطة على الحدود في الزمن في مجموعها وفي سياقها العام من شأنها أن تبرر عملا عسكريا في إطار حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد الدولة المحتضنة لهذه الجماعات المسؤولة عن هذه الحوادث التي لا تقل خطورة عن رد الفعل الإسرائيلي(20) ، غير أن هذا الطرح في حد ذاته يبقى غير سليم، على اعتبار أنه كلما حدث تأخر في إثارة الأحداث السابقة إلا وتلاشت العلاقة السببية بين العمل غير المشروع وبين رد الفعل عليه, فرد الفعل في هذه الحالة يبدو عقابيا اكثر مما يبدو دفاعيا مفروضا بضرورة قاهرة للدفاع عن النفس, وهو بطبيعته هذه لا يندرج ضمن أعمال الدفاع الشرعي التي تستلزم الفورية والآنية في الرد بل يندرج ضمن أعمال الانتقام المحظور من طرف القانون الدولي (21).
ولعل ما يؤكد عدم مشروعية هذه الأعمال الإسرائيلية ضد الأراضي اللبنانية هو أنها لم تلق أي تأييد دولي, بل بادرت العديد من الدول إلى إدانتها باعتبارها خرقا وانتهاكا للسيادة اللبنانية، فيما أصدر مجلس الأمن قراره رقم 573 بتاريخ 4 أكتوبر 1985 أدان فيه بشدة العمل العدواني المسلح الذي قامت به إسرائيل ضد الأراضي التونسية، وكان من الطبيعي أن تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت على هذا القرار بالنظر لتواجدها في خندق واحد مع إسرائيل في مواجهة "الإرهاب"، حيث ترى – أمريكا- أنه بإمكان قواتها التدخل لضرب أية دولة تعتبرها مسؤولة عن الأعمال الإرهابية التي تصيب رعاياها، وهو المنطق الذي وجد تطبيقه على أرض الواقع غداة غارتها على ليبيا سنة 1986.
ب- العمليات العسكرية الأمريكية ضد ليبيا سنة 1986
قام مجهولون في الخامس من أبريل 1985 بتفجير قنبلة في ملهى ليلي ببرلين الغربية مما أدى إلى مقتل جنديين أمريكيين وجرح عدة أشخاص آخرين، أسرعت وقتها الولايات المتحدة للإعلان أنها تمتلك معلومات مهمة تثبت ضلوع النظام الليبي في هذه العمليات مباشرة. وبناء على ذلك قامت بعمل عسكري ضد ليبيا بعد أن أخطرت مجلس الأمن بذلك في رسالة مؤرخة في 14 أبريل 1986، وقد تميز هذا العمل العسكري الأمريكي عن العمليات الإسرائيلية المشار إليها سابقا سياسيا وديبلوماسيا, فإذا كانت العمليات الإسرائيلية قد استندت إلى فكرة الأمن القومي التي تضحي بالمبادئ القانونية لحساب الاعتبارات السياسية والأمنية فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليس بمقدورها أن تدلي بالحجج القانونية عندما تتذرع بفكرة الدفاع الشرعي عن النفس نظرا لكونها أكبر قوة عسكرية في العالم (22).
ومع ذلك فقد استندت أمريكا على بعض الحجج لتبرير عليتها العسكرية, ومنها إخطار المجلس بذلك ووصفها للأعمال الليبية بأنها تشكل اعتداء عليها يستوجب الرد عليه في إطار حق الدفاع الشرعي ضد "الإرهاب"، هذا إضافة إلى كون ليبيا-بحسب الزعم الأمريكي- متورطة في أعمال إرهابية وبالتالي تعد دولة معتدية.
والواقع أن هذه الحجج ليس لها أي أساس قانوني وتبقى حججا مردودة ، فحجة الاعتداء العسكري لا يمكن قبولها لأن الولايات المتحدة لم تتعرض لأي هجوم بواسطة قوة مسلحة ليبية وهو ما يخرج العلاقة أصلا من إطار العدوان المباشر الذي يسمح بممارسة حق الدفاع الشرعي، وعلى هذا الأساس فالمادة الوحيدة التي تشرعن الرد بالقوة هي المادة 51، وهي المادة التي لا تسمح بذلك إلا للرد على عدوان مسلح، وهو ما ينتفي في حالتنا هذه.
وأمام هشاشة هذه الحجج، لجأت الولايات المتحدة إلى فكرة الاعتداء غير المباشر، لكن اختيار هذه الحجة بدوره يبقى اختيارا غير مقنع وغير موقف، خاصة إذا علمنا أن القوات الليبية لم تشترك قط في أي عمل عسكري ضد الولايات المتحدة، وهو ما يرفع عنها بالتالي كل مسؤولية، ناهيك عن كون الضلوع الليبي المفترض تضاربت بشأنه المصادر ولم يحسم فيه بشكل دقيق من جهات مستقلة.
والملفت للنظر، أن الولايات المتحدة التي لجأت إلى هذا المبرر-العدوان غير المباشر- في هجومها على ليبيا، كان قد سبق لها أن رفضته بل وأدانته عندما أثارته إسرائيل عند عملياتها العسكرية المتكررة ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث اعتبرت بمناسبة صدور عدة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بهذا الخصوص أن هذه العمليات تشكل انتهاكا للسيادة الإقليمية للبنان، وهي بالتالي متناقضة مع ميثاق الأمم المتحدة (23).
أما بخصوص ذريعة "الإرهاب"، الحجة الثانية المقدمة من طرف الولايات لتبرير عدوانها على ليبيا، فمن المعروف أن "الإرهاب" هو موضع إدانة قانونية وسياسية دولية، كما أنه موضع اهتمام جدي من طرف الأسرة الدولية التي اجتهدت في وضع الآليات القانونية اللازمة لمعالجته والحد من خطورته إقليميا ودوليا, وهي الآليات التي تصورت طريقين لقمع "الإرهاب"، : إما التسليم- تسليم" الإرهابيين"- وإما متابعتهم قضائيا، وهما الطريقتان اللتان أكد عليهمـا قرار الجمعية العامة رقم 40/61 .
وبخصوص "إرهاب" الدولة المتمثل في دعمها للجماعات "الإرهابية"، فقد كان هو الآخر موضع اهتمام من طرف إعلان "طوكيو" للدول السبع الأكثر تصنيعا في العالم وذلك بتاريخ 6 ماي 1986، ومن بين الإجراءات التي أقرتها هذه القمة للرد على هذا النوع من "الإرهاب"، هناك: ضرورة تحسين وتطوير مساطر التسليم، وكذا بعض التدابير المضادة، مثل التدابير الثأرية، وقف تصدير الأسلحة للدول التي تدعم "الإرهاب"، الحد من البعثات الديبلوماسية، الحد من الهجرة. وكل هذا ينبغي أن يتم كما يشير إلى ذلك إعلان "طوكيو" ذاته في إطار القانون، ودون مساس بالمبادئ العامة التي يقوم عليها.(24) وهذا معناه أن العمليات العسكرية التي تدخل الغارة الأمريكية في إطارها لا تعد من بين الطرق المشروعة لمكافحة "الإرهاب"، بل هي على العكس من ذلك تشكل مساسا خطيرا ومباشرا بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة، قاعدة وأساس النظام القانوني الدولي. إذ يكفي التذكير هنا بما ذهبت إليه الاتفاقية الدولية حول احتجاز الرهائن، والتي ترفض اللجوء إلى أعمال الانتقام العسكرية كوسيلة لمكافحة "الإرهاب" الدولي، حيث أشارت المادة 14 منها أنه "لا شيء في هذه الاتفاقية يمكن أن يفسر على أنه يبرر خرق الوحدة الترابية أو الاستقلال السياسي لدولة بتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ".
وأخيرا، وفي محاولة منها لإضفاء طابع الشرعية على عدوانها هذا، ادعت الولايات المتحدة أن ليبيا في شخص رئيسها "القذافي" قد قامت بالعديد من أعمال القوة أو هددت بها، وذلك ليس فقط ضدها، بل وضد العديد من أعضاء المجتمع الدولي، كما أنها تقوم بخرق ثابت ومستمر للمبادئ الأساسية للقانون الدولي. (25)
غير أن هذا الطرح القاضي بالدفاع عن المجموعة الدولية، هو طرح خطير ولا يمكن قبوله، وخطورته تتجلى في كونه يعطي للدول فرصة الحلول محل الأمم المتحدة في إعمال سلطة العقوبات الموكولة في الأصل لهذه الأخيرة، وكاستثناء لفائدة الدول، لكن ضمن شروط وضوابط جد دقيقة وصارمة حددت معالمها المادة 51 من الميثاق. فالولايات المتحدة بتكييفها هذا تتيح لنفسها إمكانية التحرك باسم دول أخرى في إطار تطبيق فكرة "لامركزية العقوبات" بالشكل الذي يجعلها تحجم من دور المنظمة العالمية في هذا الشأن, وإضفاء طابع الدولية والشرعية على سلوكها الانفرادي التعسفي.
ووعيا منها بالحظر الذي يفرضه القانون الدولي وتحديدا المادة 2/4 من الميثاق على الأعمال الانتقامية، لجأت الولايات المتحدة إلى تقديم عمليتها العسكرية على أنها تندرج ضمن "التدابير المضادة" وليس ضمن أعمال الانتقام, وهي التدابير التي يسمح للدولة باتخاذها لكن شريطة ألا تتضمن استخدام القوة العسكرية التي تبقى كقاعدة عامة حكرا على مجلس الأمن.
غير أن هذه "التدابير المضادة" التي أقدمت عليها الولايات المتحدة بحجة مكافحة "الإرهاب"، لا تعمل في الواقع إلا على بعث وإحياء فكرة الحروب العادلة المتعارضة تماما مع فلسفة الميثاق ومبادئه، والتي ليس لها أي مكان في النظام القانوني الدولي مهما كان تقصير المنظمة الدولية الحالي (26).
والأكثر من هذا، فإن ما يحملنا على نفي صفة الدفاع الشرعي عن السلوك الأمريكي هذا، هو غياب شرطي الضرورة والتناسب في العملية الأمريكية, وهما الشرطان المتعارف عليهما في القانون الدولي العرفي لممارسة هذا الحق، والذي أعادت محكمة العدل الدولية التأكيد عليهما في قضية "نيكاراغوا". (27) فبخصوص الضرورة، نرى أن التدابير الأمريكية لا يمكن تبريرها على أساسها, لأنه كان بإمكانها اللجوء إلى وسائل سلمية عديدة لحل خلافها مع ليبيا وذلك عن طريق مجلس الأمن أو عرض المشكلة على أنظار محكمة العدل الدولية أو بالتفاوض مباشرة مع ليبيا. وفضلا عن ذلك فالمقاومة المسلحة ينبغي أن تتم مباشرة أي عند بدأ الهجوم وليس بعد ذلك بمدة طويلة, لأن من المميزات الرئيسية لحق الدفاع الشرعي هناك الآنية والفورية، فالعملية الأمريكية جاءت بعض مضي عشرة أيام على وقوع الحادث، وهو ما يجعلها-العملية- مدبرة سبقها الإعداد والتنسيق واختيار الوسائل وهو ما يتنافى ومقتضيات المادة 51 من الميثاق الأممي.
أما بخصوص شرط التناسب بين رد الفعل الأمريكي والفعل "الإرهابي" فهو الآخر ينتفي (28), ذلك أن مدى رد الفعل الأمريكي ونوعية الوسائل العسكرية المستخدمة فيه تتجاوز بشكل صارخ الحادث الذي تسبب فيه, مما يجعل رد الفعل هذا يندرج ضمن أعمال الانتقام.
وقد تبين أن الولايات المتحدة تحاول إضفاء طابع التدابير المضادة على عملياتها, حيث اعتبرت أن الهدف من الغارة هو في الوقت نفسه عقاب الغاية منه معاقبة أعمال وقعت في الماضي وردع أعمال قد تقع في المستقبل(29), وهو ما يتنافى مع نص المادة 51 من الميثاق، مع العلم أن هذه التدابير غالبا ما تأتي في شكل إنزال عقوبات ضد الدول المرتكبة لعمل غير شرعي تم في الماضي، أضف إلى هذا أن الدفاع الشرعي هو إجراء موجه بشكل مباشر ضد الدولة المعتدية في حين أن التدابير المضادة قد توجه وتنفذ ضد أية دولة لم تحترم التزاماتها الدولية منتهكة بذلك حقوق الدولة التي لجأت إلى هذه التدابير، وهكذا فليبيا من وجهة النظر الأمريكية تقع تحت عقاب التدابير المضادة وإن لم ترتكب عدوانا في حق هذه الأخيرة.
وعموما يبقى تطبيق التدابير المضادة وكذا الأعمال الانتقامية مشروطا بمبدأ حظر استعمال القوة في العلاقات الدولية، ولذلك فإن مجلس الأمن وخلال مناسبات متعددة دان الأعمال الانتقامية لتعارضها مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة, (30) ونفس الشيء ذهبت إليه الجمعية العامة في قرارها رقم 2625 الذي ينص على أن " من واجب الدول أن تمتنع عن القيام بأعمال انتقامية تتضمن استخدام القوة", وعادت للتأكيد عليه في قرارها رقم 36/103 بتاريخ 9 دجنبر 1981 الخاص بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وخارج المنتظم الأممي كان الموقف من أعمال الانتقام وهو الرفض والإدانة، حيث لم تحض هذه الأعمال بتأييد أغلبية الفقه بالنظر لما يكتنفها من غموض وإبهام. و على هذا الأساس, فالغارة الأمريكية تفتقر إلى السند القانوني, مما يجعلها عملا غير مشروع في مواجهة عمل مماثل. وهكذا فما قامت به إسرائيل والولايات المتحدة يتعارض إلى حد كبير مع قواعد الشرعية الدولية وخصوصا المادة 2/4 والمادة 51 من الميثاق.
إن "إرهاب" الدولة – اللجوء غير المشروع إلى القوة لمكافحة "الإرهاب"- لم تقل بشرعيته إلا الدول التي تمارسه, في حين تعتبره الغالبية العظمى من الدول عملا غير مشروع يتنافى وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لما يتضمنه من أخطار تصيب المجموعة الدولية خصوصا عندما تمارسه الدول الكبرى .
ثانيا: مكافحة "الإرهاب" في عالم متحول
شهد العالم خلال العقد الأخير مجموعة من التحولات والتغيرات أثرت بشكل كبير على مسار العلاقات الدولية، وذلك بفعل تداخل وتشابك هذه التحولات المتسارعة والمفاجئة، وقد كان أهم حدث شهدته هذه الفترة هو زوال الاتحاد السوفيتي ومعه المعسكر الشرقي من الخريطة السياسية الدولية وتحلل هياكله التنظيمية العسكرية منها –حلف وارسو- والاقتصادية –منظمة الكوميكون- والإيديولوجية، وهو الحدث الذي شكل حدا فاصلا بين مرحلتين تاريخيتين من مراحل تطور النظام الدولي. في ظل هذه المتغيرات,- وبعدما سادت الحرب الباردة بقضاياها وصراعها ورعبها في أجواء المجتمع الدولي زهاء نصف قرن- ظهرت تحديات وأولويات جديدة في المجتمع الدولي كان من أهمها مكافحة "الإرهاب".
1- مواجهة "الإرهاب" ضمن الاهتمامات الدولية الجديدة
خلال فترة الحرب الباردة انحصرت جل اهتمامات المجتمع الدولي في المخاطر والتهديدات الأمنية والعسكرية التي واجهته، غير أن انهيار الاتحاد السوفيتي الذي رافقه نهاية التوتر بين العملاقين وتراجع خطر المواجهة النووية بينهما, جعل المجتمع الدولي يوجه اهتمامه إلى قضايا أخرى تحمل قدرا كبيرا من الأهمية والخطورة على السلم والأمن الدوليين ظلت منسية أو مهملة لمدة طويلة، ومن ضمن هذه المخاطر والاهتمامات، الأزمات والمشاكل المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والديموقراطية والتدهور البيئي ومشكل "الإرهاب".
أ- السمات العامة للتحولات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة
كان من الطبيعي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على بلورة تفوقها وتأكيد زعامتها المنفردة لهذا العالم المتحول, وهكذا بدأت بالتبشير ب "نظام دولي جديد" متحرر من "الإرهاب" قوي في البحث عن العدل وأكثر أمنا في طلب السلام. (31) وبغض النظر عن حقيقة وجود هذا النظام الذي تراوحت الآراء والمواقف بشأنه, بين مقر ومؤمن به وبين منكر ومجحد له ورأي توفيقي يرى أنه ما زال قيد التكوين، فإن المجتمع الدولي بشماله وجنوبه يمر بفترة انتقالية سمتها التحول والتغير.
فعلى مستوى دول الشمال، هناك من ناحية التراجع النسبي للعامل العسكري والإيديولوجي كوسيلة فعالة ورئيسية لتكريس النفوذ والقوة على الصعيد الدولي لصالح المتغير الاقتصادي والتكنولوجي، خصوصا وأن البيئة الدولية عرفت تحديات هائلة على هذا المستوى، كالتغيرات والتطورات الضخمة والمتلاحقة والمتسارعة في تقانة المعلومات والاتصالات وفي مجال وسائل الإعلام، كما عرفت تغيرات مهمة لحقت شبكة التفاعلات الدولية, مما فتح المجال أمام بروز نظام اقتصادي موحد يعتمد على اقتصاديات السوق، وفي ظل ذلك تنامى الوعي الدولي بعجز الدولة القطرية بمواردها البشرية والطبيعية ومجالها الجغرافي عن أن تكون قاعدة صلبة ومحورية في المجال الاقتصادي، مما دفع بتحويل المنافسة الاقتصادية الدولية من الدول إلى الكتل الاقتصادية المتمظهرة في شكل اندماجات اقتصادية على أرضية الجوار الجغرافي وتقارب الأنظمة السياسية (العولمة).
ومن ناحية أخرى أسهمت هذه التحولات في تكريس الزعامة الأمريكية, حيث برزت كقطب دولي فاعل ورئيسي على الساحة الدولية مستثمرة في ذلك إمكانياتها التكنولوجية والاقتصادية والبشرية والعسكرية، حيث مازال الاقتصاد الأمريكي يشكل أضخم اقتصاد عالمي، كما أنها تمتلك أكبر وأضخم قوة عسكرية ونووية في العالم)32(, وهذه القدرات التكنولوجية والاقتصادية والديبلوماسية والعسكرية الهائلة المستندة إلى مؤسسات سياسية وقانونية فعالة، بالإضافة إلى الإمكانيات الإعلامية والبشرية المدربة والمؤهلة مكنت هذه الدولة من الاستفراد بإدارة المنازعات والأزمات الدولية نيابة عن المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
أما على مستوى دول الجنوب, فقد تفاقمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل مهول مما شكل مرتعا خصبا لتنامي الصراعات والأزمات الخطيرة بالشكل الذي أسهم في تدهور مركزها دوليا وكرس تبعيتها للشمال.
فعلى الجانب الأمني أصبح الغرب بقيادة الولايات المتحدة يتجه نحو فرض قيود على البرنامج التسليحي لدول الجنوب من خلال تقليص مبيعاته العسكرية لها بالشكل الذي عرض الأمن القومي لهذه الأخيرة للخطر.
أما على الجانب الاقتصادي والاجتماعي, فبعد أن خرجت هذه الدول من دوامة الحرب الباردة مثقلة بمشاكل المديونية والتخلف والبطالة والأمية وضعف البنيات التحتية...التي تفاقمت مع التزايد المهول للسكان, اتسعت الهوة بين شمال متقدم في ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، وجنوب تزداد فيه نسبة الفقر والبطالة والتخلف العلمي والتكنولوجي. وقد زاد من حدة هذا التباين تحويل المساعدات الاقتصادية والمالية التي كانت تواجهها الدول الرأسمالية الكبرى إلى دول الجنوب نحو بلدان المعسكر الشرقي الشيوعي المنهارة لتشجيعها على الاندماج في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي وتبني إصلاحات ليبرالية في المجالين السياسي والاقتصادي , بل وحتى تلك المساعدات الضئيلة التي تصل إلى بعض دول الجنوب أضحت مشروطة بمجموعة من الاعتبارات والتنازلات السياسية التي تمس في مجملها سيادة هذه الدول, كمنع تلك المساعدات – أو التهديد بذلك - عن الدول التي تعتبرها الدول المانحة خارقة لحقوق الإنسان أو مشجعة ومدعمة "للإرهاب".
وعلى الجانب السياسي، لم تقتصر تداعيات التحولات السياسية الجذرية التي لحقت بالاتحاد السوفيتي على أوربا الشرقية فقط, بل انتقلت عدواها بشكل متسارع إلى دول الجنوب، خصوصا بتلك البلدان التي ظلت حتى وقت قريب تسبح في فلك موسكو وتدين بالولاء للمعسكر الاشتراكي، أو تلك التي حكمت فيها بعض الأنظمة المستبدة واستبعدت أية مشاركة سياسية لشعوبها. وهكذا قامت الجماهير في مختلف هذه البلدان بالاحتجاج مطالبة بإسقاط حكومات الحزب الواحد وتصحيح المسار الديموقراطي باتجاه مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي التحولات التي أفرزت في مناطق عدة نزاعات جديدة وأخـرى متجددة, وأيقظت نعرات قبلية عرقية ودينية, مما تمــخض عنه تفاقـم الأزمــات والاضطرابات بهذه الدول.
ومعلوم أن هذا التباين الصارخ ما بين الشمال والجنوب أسهم بشكل كبير في محاولة الأول تصدير قيمه ومبادئه إلى الثاني, في إطار ما أصبح يعرف بالعولمة الاقتصادية (الاقتصاد الرأسمالي) والسياسية والثقافية ( الديموقراطية، حقوق الإنسان(33)... )،هذا إضافة إلى فرض مفهومه الخاص لقضايا دولية متعددة "كالإرهاب" الذي يعتبره مهددا للسلم والأمن الدوليين.
ب- "الإرهاب" كأحد العوامل الجديدة المهددة للسلم والأمن الدوليين
أمام هذه التغيرات والتحولات، طفت على سطح الأولويات الدولية اهتمامات ظلت منسية ومهملة لسنين عديدة رغم أهميتها وخطورتها, كمسألة التدهور البيئي وواقع حقوق الإنسان في العالم ومكافحة "الإرهاب". وقد شكلت المؤتمرات الدولية آلية رئيسية لمناقشة ودراسة هذه الأولويات بغرض مجابهتها والتخفيف من آثارها السلبية وطرح حلول ملائمة لها من خلال رؤية جماعية لا تقتصر على الدول أو الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية فحسب, وإنما تمتد إلى جماعات المصالح والمنظمات الدولية غير الحكومية بشكل عام, اعتبارا للمكانة الطلائعية التي أضحت تحتلها في قائمة الاهتمامات الدولية. وبالنظر لسيطرة هذه القضايا والأولويات على المناخ الفكري والسياسي الدولي باعتبارها مشاكل واقعية وملحة يعاني منها العالم كله, وإن بدرجات متفاوتة, فقد عرفت هذه المؤتمرات اهتماما واسعا و حضورا عالميا مكثفا.
ومكافحة "الإرهاب" كانت من ضمن أهم القضايا الأساسية التي نالت هذا الاهتمام الدولي المتزايد، وفي هذا الصدد انعقد في هافانا في الفترة الممتدة من 27 غشت إلى 7 شتنبر1991 مؤتمر للأمم المتحدة حول منع الجريمة ومعاقبة المجرمين, وذلك تنفيذا لقرار الجمعية العامة رقم 415 , اقتصر القرار الصادر عنه والخاص بالأنشطة الإرهابية والذي يحمل رقم 82 على الدعوة إلى التعاون الدولي لمنع "الإرهاب" ومكافحته, كما نظم في شهر دجنبر 1994 بنابولي بإيطاليا مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة حول مكافحة الجريمة المنظمة, ثم هناك الإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي الذي اعتمدته الجمعية العامة في 9 دجنبر 1994 وهو الإعلان الذي أكدت عليه في قرارها رقم 50/53، ثم الإعلان الصادر عن نفس الهيئة بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشاء الأمم المتحدة في أكتوبر 1995 والذي أكدت فيه على أهمية التعاون الدولي للقضاء على "الإرهاب" (34)، ثم هناك مؤتمر شرم الشيخ بمصر في 13 مارس 1996 الذي أكد الحاضرون فيه على أهمية التعاون الثنائي والإقليمي والدولي وتعزيز وتنسيق الجهود من أجل وقف أعمال "الإرهاب"، وكذلك الإعلان الصادر عن مؤتمر قمة مجموعة الدول الصناعية السبعة الذي عقد في ليون بفرنسا في 28 يونيو 1996....غير أن أهم إجراء تم في هذا الشأن هو ما قامت به الأمم المتحدة من خلال تبينها مكافحة "الإرهاب" كأحد الضوابط الجديدة للعلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة, إلى جانب رفض الإيديولوجيات وتقوية دور مجلس الأمن والأمين العام الأممي والديبلوماسية الوقائية.
وقد تبلور ذلك في مؤتمر القمة للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي المنعقد في 31 يناير 1992 حيث تطرق هذا الأخير إلى أهمية العمل الجماعي في محاربة "الإرهاب" بشتى أنواعه والنظم المساندة له بكل الوسائل الزجرية من عقوبات ديبلوماسية واقتصادية وعسكرية. وقد يبدو من الوهلة الأولى أن هذا الإجراء موضوعي ومثير للارتياح، غير أن الخطاب الذي تبنته هذه القمة تعمد الخلط بين "الإرهاب" كعمل محرم ومجرم وبين ممارسة حق تقرير المصير المشروع , وبذلك يدرج أي عمل عنف ضد الغرب حتى ولو كان في مجال الدفاع عن النفس ضمن لائحة الأعمال الإرهابية، بينما يصنف أي عمل يتخذ العنف كوسيلة ويحقق المصالح الغربية على أنه عمل مشروع (35) حتى ولو اتخذ شكل مذابح إجرامية, مثلما تم في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان... ويمكن القول أن السعي لاعتماد هذا "المبدأ" ضمن الضوابط الجديدة للعلاقات الدولية في الظروف الدولية الحالية، ما هو إلا ذريعة لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للدول الضعيفة والتضييق على الكفاح المشروع لحركات التحرر الوطني في العالم , وذلك اعتمادا على قرارات صادرة عن الأمم المتحدة, وهو ما سيتمظهر من خلال محاولتنا مقاربة بعض الحالات التي شكلت فضاء ومناسبات لتفعيل هذا "المبـدأ" كما هو الشأن بأزمة "لوكربي" والتدخـل العسكري في أفغانستان (2001).
وهكذا يمكن القول أنه إذا كانت بعض الدول خلال فترة الحرب الباردة قد اجتهدت في إيجاد سند قانوني لها للرد على ما تعتبره عملا "إرهابيا" اعتمادا على تأويل مغلوط ومنحرف لمبادئ الميثاق وحالة للاستثناء الذي يرد على قاعدة حظر اللجوء إلى القوة –حق الدفاع الشرعي-, فإن الخاصية الرئيسية التي تطبع النمط الجديد من قانون القوة في عالم ما يعد الحرب الباردة هي اعتماد آلية الميثاق، أي منظمة الأمم المتحدة ذاتها وخاصة جهازها الرئيسي مجلس الأمن، كأداة لتطبيق قانون القوة وممارسة سياسة الهيمنة.
2- حالات نموذجية لمكافحة "الإرهاب" في ظل التحولات الدولية الراهنة
موازاة مع تنامي ظاهرة "الإرهاب" في السنوات الأخيرة، تصاعدت وثيرة الردود الاتفاقية والقانونية -كما رأينا- والميدانية عليها. غير أن هذه الأخيرة- الردود الميدانية- تثير عدة إشكاليات قانونية وإنسانية بالنظر إلى غياب مفهوم دولي متفق عليه بشأن الإرهاب من جهة، وتزايد تحايل بعض الدول الكبرى التي تقوم بذلك على مقتضيات القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة لتكييفها بشكل تعسفي ومنحرف, بالشكل الذي يتيح لها التدخل عسكريا لمواجهة هذه العمليات "الإرهابية" من جهة أخرى . فالولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإطار قامت -على سبيل المثال- بضرب مصنع الأدوية بالسودان سنة 1998 للاشتباه في إنتاجه لمواد كيماوية سامة وعلاقته بأسامة بن لادن، وذلك كرد فعل على تفجير السفارتين الأمريكيتين بكل من كينيا وتانزانيا، وضرب أفغانستان باعتبارها تحتضن قواعد لجمـاعة بن لادن " الضالعة في هذه التفجيرات "، ثم قيام إسرائيل – وباستمرار- بعمليات وحشية ضد الفلسطينيين تستهدف تدمير المنشآت المدنية وقتل الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال بذريعة مكافحة "الإرهاب". وفي مناسبات لاحقة قيام الولايات المتحدة بدفع مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات زجرية مختلفة ضد ليبيا، بدعوى مواجهة "الدول المؤيدة للإرهاب" وذلك في أعقاب أزمة "لوكيربي"، خاصة بعد أن انفردت بالتحكم في القرار الدولي داخل مجلس الأمن- وهو التحكم الذي بدا واضحا قبل ذلك خلال حرب الخليج الثانية التي تحرك المجلس فيها وبشكل غير مسبوق بفعالية كبيرة لإدارة هذه الأزمة بالشكل الذي يتماشى مع المصالح الأمريكية، علما بأن العراق كان قد ارتكب عدوانا سافرا ضد دولة الكويت وهي دولة مستقلة وذات سيادة وعضوا في الأمم المتحدة، وذلك في خرق واضح لمقتضيات الشرعية الدولية )ميثاق الأمم المتحدة( والعربية )ميثاق جامعة الدول العربية (-، ثم هناك التدخل العسكري في أفغانستان (2001) باسم مكافحة "الإرهاب" أيضا. وهما النموذجان اللذان سنركز عليهما خلال هذا المبحث من هذه الدراسة.
1- قضية " لوكربي" كمظهر من مظاهر مواجهة "الإرهاب"
انفجرت في الواحد والعشرين من شهر يناير لعام 1988 طائرة الركاب الأمريكية التابعة لشركة الخطوط الجوية "بان أمريكان" في رحلة لها بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في أجواء بلدة "لوكربي" الإسكتلندية، مما أسفر عن مصرع 259 راكبا من بينهم طاقم الطائرة، بالإضافة إلى 11 ضحية من بلدة "لوكربي"، وفي سنة 1989 تعرضت طائرة فرنسية تابعة لشركة الخطوط الجوية (U.T.A) لانفجار فوق صحراء النيجر. وبعد مرور أكثر من سنتين على الحادثين، تقدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بمذكرة إلى الحكومة الليبية تدعوها فيها إلى تسليم مواطنين ليبيين متهمين بالتورط في حادث الطائرة الأمريكية، غير أن الجماهيرية الليبية رفضت ذلك، مما كان وراء بروز أزمة "لوكربي". وقد تدخل مجلس الأمن كطرف فاعل في إدارة هذه الأزمة بالشكل الذي غير طابعها القانوني المرتبط بتفسير اتفاقية دولية -مونتريال 1971- إلى طابع سياسي توارت معه كل الضوابط والمرتكزات القانونية ليحل محلها منطق القوة (36).
إن اتهام ليبيا بالضلوع في تفجير الطائرة الأمريكية سبقته اتهامات عديدة لجهات أخرى وراء هذا الحادث –كإيران، سوريا، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- (37) وهو ما يعطي انطباعا بعدم دقة المعلومات المتوفرة لدى بريطانيا وأمريكا في هذا الخصوص، ورغم ذلك وفور تسليمها لمذكرات الاتهام أبدت ليبيا تعاونا كبيرا لحل المشكل بعد أن نفت عنها التهمة جملة وتفصيلا، حيث قامت بإجراء التحقيق مع مواطنيها المتهمين، غير أن الثلاثي الغربي -فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة- كان مصرا على التسليم.
والمتأمل في العلاقات الليبية بكل من فرنسا و بريطانيا والولايات المتحدة، يجد أنها مليئة بالمحطات التي تجسد التوتر والخلاف والمواجهة أحيانا، مما يدفعنا إلى القول بأن هناك خلفيات عميقة لهذه الأزمة التي تعد بحق امتدادا لهذه العلاقات المشحونة بالصراع والتوتر،هذا بالإضافة إلى ما أفرزته الظرفية الدولية الراهنة من تحولات في الساحة السياسية الدولية مكنت الدول القوية من تصفية حساباتها مع الأنظمة التي تعتبرها معادية لمصالحها.
فعلى مستوى العلاقات الليبية بالدول المعنية بالأزمة، فقد شهدت نوعا من التوتر حتى قبل اندلاعها ، خصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية التي دأبت دائما على اتهام ليبيا بدعمها "للإرهاب" الدولي. ومن أهم محطات التوتر في هذه العلاقات، إقدام الولايات المتحدة على شن غارة جوية على مدينتي بنغازي وطرابلس الليبيتين سنة 1986 وفرض عقوبات أحادية الجانب على هذه الدولة. أما علاقات ليبيا ببريطانيا فقد اتسمت أيضا هي الأخرى بالتوتر، خصوصا بعد أن تم اتهام ليبيا رسميا بدعم الجيش الجمهوري الأيرلندي الانفصالي، في حين تدهورت العلاقات الليبية-الفرنسية منتصف الثمانينيات بسبب المشكلة التشادية (38).
أما على مستوى الظرفية الدولية الراهنة المتسمة بالهيمنة الأمريكية على شؤون السياسة الدولية وعلى تفاعلات النظام الدولي ، فلم يعد في ظلها مسموحا للدول الضعيفة أن تخرج عن السياق الذي رسمته الدول الكبرى وخاصة أمريكا، وجاءت الأزمة كرسالة تحذيرية من الدول الغربية الثلاث إلى كل دولة تفكر في تحدي الهيمنة الغربية.
فمنذ البداية، اعتبرت الدول الغربية الثلاث أن الأزمة تنطوي على مشكل سياسي يدخل ضمن اختصاص مجلس الأمن الدولي، لكونه يرتبط بمحاربة "الإرهاب" الذي "تعتبر ليبيا ضالعة فيه"مستندة في ذلك إلى ما تمخض عن اجتماع مجلس الأمن بتاريخ 31 يناير 1992 من إعطاء الأولوية لمكافحة "الإرهاب" في المجتمع الدولي (39). فالولايات المتحدة الأمريكية تبرر منظورها السياسي للأزمة استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي التي تحرم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية، بحيث أن "الإرهاب" ينطوي ويرتكز على الاستعمال غير المشروع للقوة، ومن ثم تعتبر بأن الأزمة تتعلق بتحديد مسؤولية ليبيا الدولية عن العملية التي استهدفت طائرة البان أمريكان (40). وللإشارة فإن الاعتراف بالطابع السياسي للأزمة الذي تدافع عنه هذه الدول سيمكنها من إدارة الأزمة بالاتجاه الذي يروقها ويحقق مصالحها.
أما ليبيا فقد اعتبرت بأن الأزمة تنطوي على مشكل قانوني جوهره تفسير معاهدة مونتريال لعام 1971 الخاصة بمكافحة الأفعال غير المشروعة المواجهة ضد أمن وسلامة الطيران المدني، خصوصا وأن الاتهامات الموجهة إلى ليبيا تدخل ضمن أفعال نصت عليها المادة الأولى من هذه الاتفاقية، إذ أنه بموجب هذه الأخيرة يمكن لليبيا أن تحاكم المتهمين على أرضها (41)، كما أنه و بناء على مقتضيات المادة الخامسة من هذه الاتفاقية ينعقد الاختصاص الجنائي لمحاكمة المتهمين لكل دولة من الدول الآتية:
*الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة التي تم تسجيل الطائرة بها.
*بريطانيا باعتبارها الدولة التي وقعت الجريمة في إقليمها.
*ليبيا باعتبارها الدولة التي يوجد المتهمان على إقليمها.
هذا إضافة إلى أن القانون الليبي يمنع تسليم المواطنين(42) إلى دولة أخرى لمحاكمتهم باعتبار ذلك شأنا من شؤون السيادة الوطنية، فالمادة 493 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي تنص على أنه: "ينظم القانون الليبي قواعد تسليم المجرمين واستردادهم، ما لم تنظمها الاتفاقيات والعرف الدولي".، كما تنص المادة 493 مكرر من نفس القانون على أنه: "يجوز تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم متى توفرت الشروط التالية:
- أن يكون الفعل المبني عليه طلب التسليم جريمة بحسب القانون الليبي وقانون الدولة المطالبة بالتسليم.
- ألا يتعلق الطلب بليبيين ".
كما أن المادة 6 من قانون العقوبات الليبي تقضي بأن: "كل ليبي ارتكب وهو خارج ليبيا فعلا يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه، إذا عاد إلى ليبيا وكان الفعل معاقبا عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه" وبالتالي فالقضاء الليبي ينعقد له الاختصاص بهذه المحاكمة مادام القانون الليبي يمنع تسليم الرعايا إلى دولة أجنبية ، كما أن ليبيا لا تربطها اتفاقية في هذا الشأن – التسليم- بالدول الغربية الثلاث.
وإذا كانت الدول الغربية الثلاث تستند في مطالبة ليبيا بتسليم مواطنيها المتهمين لمحاكمتها في بريطانيا على مبدأ الإقليمية أو الاختصاص الإقليمي"-"قاعدة إقليمية القوانين"-، فإن ليبيا تستند في رفضها الطلب الغربي على مبدأ "الاختصاص الشخصي"- "قاعدة شخصية القوانين"-. ومما يزكي هذا الطرح الليبي-القانوني- هو أن الفقه الدولي أجمع أحكام القانون الدولي في قضية تسليم المجرمين فيما يلي:
- لكل دولة الحق في أن تقوم بتسليم المجرم مهما كان نوع الجريمة التي ارتكبها، ولا يحد من حقها في هذا الشأن إلا الأحكام التي تضمنتها قوانينها الداخلية.
- لكل دولة الحق في أن تمتنع عن تسليم المجرم مهما كان نوع الجريمة التي ارتكبها، إلا إذا ألزمها بذلك حكم في معاهدة سبق أن عقدتها، أو نص في قانونها الداخلي يوجب عليها التسليم.
- لا يجوز التسليم إلا إذا كان العمل المنسوب إلى الشخص المطلوب تسليمه يعد جريمة وفقا لقانون الدولة التي تطالب بالتسليم، وقانون الدولة المطلوب منها التسليم.
- لا يجوز التسليم إذا طلب ذلك وفقا للإجراءات المنصوص عليها في القوانين الداخلية أو في الاتفاقيات التي عقدتها الدولة.
- إذا تم التسليم فإنه لا يجوز لسلطات الدولة التي تسلمت الشخص أن تحاكمه إلا في حدود الجريمة التي طلب التسليم من أجلها (43).
وبناء على ذلك سلك الطرفان المتنازعان مسلكين متباينين، فالدول الغربية صعدت من موقفها منذ البداية واختارت اللجوء إلى مجلس الأمن الذي أسرع بإصداره للقرار رقم 731 بتاريخ 21 يناير 1992 ، حيث عبر عن "انزعاجه من جميع أشكال الإرهاب الدولي واستيائه لعدم استجابة الحكومة الليبية بصورة فعالة لتحديد المسؤولية عن الأعمال الإرهابية"، وحثها على الاستجابة لمطالب الدول الغربية، مشيرا إلى التحقيقات التي تشير إلى تورط موظفين تابعين للحكومة الليبية في حادث تفجير الطائرة الأمريكية .
ويلاحظ أن المجلس في هذا القرار اعتمد على تحقيقات أجرتها الدول الغربية المعنية بالأزمة مباشرة، كما أنه أقحم نفسه في مسألة قانونية كان من الأجدر أن تحال على محكمة العدل الدولية، قاطعا بذلك الطريق على مقتضيات اتفاقية مونتريال، هذا وإن كان القرار لم يطلب صراحة من ليبيا تسليم مواطنيها بقدر ما طلب منها إبداء التعاون مع الأطراف الأخرى لتحديد المسؤولية عن الحادث (44).
فيما أحالت ليبيا التي أصرت على عدم تسليم مواطنيها-بعد استنفاذها لكل الطرق السلمية الكفيلة باحتواء الأزمة- ملف القضية على أنظار محكمة العدل الدولية، في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية الثلاث تستعد لإصدار قرار ثان من المجلس.
ويجد لجوء ليبيا إلى المحكمة أساسه في المادتين 2/3 و 33 من الميثاق الأممي (45) والمادة 14 من اتفاقية مونتريال السابق ذكرها، وقد طلبت من المحكمة اتخاذ إجراءات تحفظية ضد كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإعمال مقتضيات هذه الاتفاقية في حادث "لوكربي"، وقد ردت المحكمة بالرفض على الطلب الليبي الخاص بالإجراءات التحفظية متذرعة في ذلك بأن القرار رقم 748- الذي سنتحدث عنه لاحقا- سلب منها اختصاصاتها في هذا الشأن بعد أن غير ظروف النزاع. ويبدو أن المحكمة في تعاملها مع هذه القضية بهذا الشكل أرادت تفادي الاحتكاك بمجلس الأمن الذي تنامت وتوسعت سلطاته- في الآونة الأخيرة - على حساب باقي أجهزة الأمم المتحدة.
وفي غمرة هذه التطورات، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 748 بتاريخ 13 مارس 1992 بناء على الفصل السابع من الميثاق، معتبرا أن ليبيا لم تستجب بعد لمقتضيات قراره السابق رقم 731 وهو ما اعتبره بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين، وقرر أيضا أنه في 15 أبريل 1992 ستتخذ تدابير زجرية في حق ليبيا إلى حين امتثالها لهذه الطلبات، ويمكن إجمال هذه العقوبات والتدابير في: حظر جوي، عقوبات اقتصادية وديبلوماسية، تضييق الخناق على تحركات المواطنين الليبيين المتورطين في أنشطة إرهابية في الخارج (46). وأمام إصرار ليبيا على عدم تسليم مواطنيها أصبحت العقوبات الواردة في هذا القرار سارية المفعول ضدها بحلول الخامس عشر من شهر ماي 1992.
وامتدادا لهذا التصعيد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 883 بتاريخ 11 نونبر 1993 (47) فرض فيه مزيدا من العقوبات على ليبيا يبدأ نفاذها ابتداء من فاتح دجنبر 1993، وقد تمحورت هذه العقوبات حول تجميد الأموال والموارد الليبية الأخرى في الخارج، (48) وإغلاق مكاتب خطوطها الجوية في الخارج وحظر تزويدها بأية مساعدة أو خدمات في مجال الطيران الجوي، هذا بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة تقليص عدد موظفي بعثاتها الديبلوماسية ومراكز قنصلياتها في الخارج تقليصا كبيرا. وقد تضمن هذا القرار- لأول مرة وبصفة صريحة- المطالب البريطانية- الأمريكية القاضية بضرورة تسليم المتهمين الليبيين لإحدى هاتين الدولتين لمحاكمتهما، وربطه تعليق العقوبات المفروضة على ليبيا بمدى الاستجابة لذلك(49).
وقد تبين بشكل جلي عدم تناسب هذه العقوبات المفروضة على ليبيا مع حجم الاتهامات الموجهة، فلا يعقل قط فرض حصار على شعب بكامله لمجرد اتهامات وجهتها بعض الدول لشخصين ولم يحسم وقتها في مدى صحتها (50).
وفي مواجهة العقوبات المفروضة عليها، والتهديدات الغربية المتزايدة، تحركت الديبلوماسية الليبية بشكل مكثف على مختلف الواجهات للتعبير عن سلامة مواقفها و عدم عدالة ومشروعية العقوبات المفروضة عليها، وهو ما جعلها تحصد تعاطفا دوليا كبيرا مع قضيتها، مما حدا بالدول الغربية الأطراف في الأزمة إلى تليين مواقفها، خاصة بعد أن اتخذت محكمة العدل الدولية حكمها الحاسم في 27 فبراير 1998 والقاضي باختصاصها للنظر في القضية ،وذلك قبل أن يقدم المجلس الأمن على إصدار قراره رقم 1192 بتاريخ 28 غشت 1998 الذي أكد فيه على إمكانية محاكمة المتهمين في بلد ثالث – هولندا- تبعا لمبادرة أمريكية- بريطانية.
وأمام إصرار الثلاثي الغربي وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة على إقصاء ليبيا من وضع ترتيبات لهذه المحاكمة، تحفظت هذه الدولة الأخيرة على تسليم مواطنيها مخافة تعريضها لمحاكمة غير عادلة، وقد تم التغلب على ذلك بفعل الوساطة السعودية والجنوب إفريقية، حيث سلم المتهمان إلى مساعد الأمين العام الأممي للشؤون القانونية قبل نقلها إلى محكمة "زايست" الهولندية، وقد نتج عن ذلك تجميد العقوبات المفروضة على ليبيا. وبعد محاكمة استمرت زهاء 22 شهر، انتهت المحكمة باتخاذ حكم بالإجماع قضت فيه بإدانة أحدهما )المقرحي( بالسجن المؤبد وببراءة الثاني )فحيمة(.
وعموما، ورغم أن المجلس الأمن - في تعامله مع هذه الأزمة- نجح إلى حد ما في منع تحول الأمور إلى مواجهة عسكرية كانت ستضر بليبيا حتما، فإن سيناريو الأحداث أبرز أن إجراءاته في هذا الشأن تمت بإرادة أمريكية بحتة، سواء على مستوى المعلومات المعتمدة من قبل المجلس أو على مستوى تكييف القضية أو تقديم مشاريع القرارات الصادرة بخصوصها بالشكل الذي لم يكلف المجلس عناء مراجعتها أو تعديلها.
وهكذا فإن إدارة الأزمة تمت على حساب الشرعية الدولية، حيث ترامى المجلس على اختصاصات محكمة العدل الدولية بالنظر للطابع القانوني للقضية ، وقطع الطريق على إعمال مقتضيات اتفاقية مونتريال (1971). وبهذا السلوك يكون المجلس قد خالف الأصل العام في حل المنازعات الدولية والذي نصت عليه المادة 2/3 من الميثاق، بحيث أنه قطع الطريق على جهود التسوية السلمية للأزمة التي تجسدها المادة 33/2 من الميثاق، ولم يوصي أطراف النزاع بما يراه ملائما من إجراءات وطرق للتسوية، ولم يراع ما اتخذته ليبيا من إجراءات وتدابير لحل النزاع - المادة 36/2-، كما خالف المجلس نص المادة 33/2 والمادة 52/3 عندما قطع الطريق أيضا على مبادرات جامعة الدول العربية بوصفها منظمة إقليمية لتسوية النزاع بالطرق السلمية وأسرع بتطبيق العقوبات على ليبيا، هذا فضلا عن مخالفته الواضحة والصريحة لأحكام المادة 2/7 من الميثاق التي تلزمه بالامتناع عن التصدي لأية مسألة تعد من صميم السلطان الداخلي للدول -مسألة التسليم- وكذا أحكام الفقرة الثالثة من المادة السابعة والعشرون التي تحظر على الدول الغربية الثلاث التصويت على قرارات مجلس الأمن الصادرة بخصوص الأزمة باعتبارها أطرافا رئيسية فيها لأن من شأن ذلك أن يجعل منها خصما وحكما في قضيتها الخاصة ....
وإذا كان دور مجلس الأمن في هذه الحالة- أزمة لوكربي- قد اقتصر على إعمال عقوبات زجرية غير عسكرية – عقوبات اقتصادية - ضد ليبيا بدعوى "مكافحة الإرهاب"، فإنه في حالة أفغانستان أعطى – ولنفس الغرض- الضوء الأخضر للولايات المتحدة الأمريكية للقيام بعمل عسكري للرد على العمليات "الإرهابية" التي كانت ضحية لها في الحادي عشر من شتنبر 2001 ، وهو ما سنركز عليه في المطلب الموالي.
ب- العمليات العسكرية ضد أفغانستان بدعوى مكافحة "الإرهاب" (2001)
عرفت الولايات المتحدة الأمريكية في الحـادي عشر من شهر شتنبر 2001 - وفي سابقة خطيرة- أحداثا مرعبة وقعت في عمق التراب الأمريكي ومست مراكز تجسد رمز القوة لهذا البلد بتجلياتها الاقتصادية - مركز التجارة العالمي- والعسكرية – وزارة الدفاع - . وفي هذه الأثناء وقف العالم مشدودا لشدة الدمار الذي لحق بهذا البلد ومترقبا طبيعة الرد الأمريكي عليها، بحيث لم تكد تمر سوى أيام قلائل حتى جاء الرد الأمريكي عنيفا ضد دولة أفغانستان المتهمة باحتضان بن لادن- المتهم الأول في هذه العمليات- وأعضاء جماعته " القاعدة "، خاصة بعد أن امتنعت حركة الطالبان الحاكمة في أفغانستان آنذاك عن تسليم زعيم تنظيم القاعدة.
وقد جاء هذا الرد بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1368 الصادر بتاريخ 12 شتنبر 2001 الذي منح الولايات المتحدة المرجعية والشرعية للرد العسكري الذي كانت تهيئ له، حيث نص هذا القرار على أن المجلس: "يعتبر العمليات الإرهابية التي تمت بتاريخ 11 شتنبر 2001 مثل أية عملية للإرهاب الدولي، بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين"، كما اعترف لها – الولايات المتحدة الأمريكية - أيضا بالدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي طبقا للفصل 51 من ميثاق الأمم المتحدة . فما هي أهم الملاحظات التي تثار بشأن مضمون هذا القرار؟ وما هي على ضوء قواعد القانون الدولي حدود الشرعية والتجاوز في تطبيقه؟
إن ما يتبادر إلى الذهن لأول مرة عند استنطاق هذا القرار هو السرعة الفائقة التي اتخذ بها والإجماع الذي حظي به داخل المجلس (51)، حيث جاء بعد يوم واحد فقط من وقوع العمليات، وهو ما لم يعهد في هذا الجهاز خاصة عندما كان يتعلق الأمر بمباشرة أزمات خطيرة ومتعلقة بدول صغيرة أو لا قيمة لها من منظور المصلحة الأمريكية والغربية.
الملاحظة الثانية المرتبطة بمضمون هذا القرار هي أنه اعتبر العمليات "الإرهابية" التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين، وارتكز عليها – استنادا إلى أحكام الفصل السابع من الميثاق- لشرعنة التدخل العسكري الأمريكي. وهو بذلك جعل هذه العمليات غير العسكرية وغير النظامية والتي تتجاوز الميثاق ذاته، معادلة للقصف بالصواريخ والطائرات والبوارج الحربية، قاطعا بذلك الطريق على إعمال الاتفاقيات الدولية الواردة في هذا الشأن، رغم أنها عمل اتفاقي يجسد إرادة المجتمع الدولي نحو مكافحة قضايا من هذا النوع.
حقيقة أن نتائج العمليات جاءت مدمرة ومعادلة في تجلياتها لأعمال عدوانية عسكرية، لكن المشكل الذي يطرح عند تكييف بنود الميثاق المرتبطة بإعمال حق الدفاع الشرعي وإعمال مقتضيات الفصل السابع منه تصطدم بطبيعة الطرف- الشبح الذي ارتكب هذه العمليات، وكذا الآليات العسكرية الجديدة المستخدمة في إنجازها والتي تتجاوز منطوق المادة 51 من الميثاق مما يصعب معه هذا النوع من التكييف. كما أن القرار سمح للولايات المتحدة وذلك بناء على معلوماتها الأمنية والمخابراتية الخاصة وليس بناء على معلومات لجان وبعثات المجلس، بالتدخل عسكريا في إطار ممارسة حق الدفاع الشرعي ضد طرف خارجي مفترض وغير معلوم ما زالت التحقيقات جارية بشأن معرفة هويته. ولاشك أن موقف مجلس الأمن سيكون حرجا وستتحمل الأمم المتحدة مسؤولية دولية جسيمة وستفقد المزيد من مصداقيتها إذا ما أثبتت الأيام القادمة ضلوع أطراف داخلية أمريكية أو أطراف دولية أخرى (52).
ونخلص- على أساس هذه الملاحظات- إلى أن الولايات المتحدة قد هيأت المناخ الدولي اللازم داخل المجلس لإصدار هذا القرار اعتمادا على سياستها المعهودة في الترغيب والترهيب عند التعامل مع أزمات تمس مصالحها. كما نعتقد أن القرار من حيث صياغته والأهداف التي يسعى لتحقيقها والخلفيات المرتبطة به لم يكن قرارا أمميا- يعبر عن إرادة كافة أعضاء المجلس-، بل كان قرارا أمريكيا أملته الاعتبارات السياسية والمصلحية الأمريكية بالأساس ، وهو ما يكرس مرة أخرى و بشكل واضح الهيمنة الأمريكية على سلطة اتخاذ القرار الدولي.
أما بخصوص تطبيق القرار، فإن تقييم السلوك الأمريكي في هذا الشأن في علاقته بالشرعية الدولية التي يجسدها قرار مجلس الأمن رقم 1368 والقواعد القانونية الدولية الأخرى، يثير مجموعة من الملاحظات الأساسية:
إن ممارسة حق الدفاع الشرعي هي شأن اختياري سواء بالنسبة للطرف الأمريكي المتضرر من الأحداث بشكل مباشر أو بالنسبة للدول الأخرى المتضررة من ذلك بشكل أقل، غير أن الولايات المتحدة مارست نوعا من الترهيب على الدول الأخرى للدخول معها- رغما عنها- في تحالف "دولي" لمواجهة "الإرهاب"، وهو ما جسدته قولة بوش الشهيرة" من ليس معنا –في مكافحة "الإرهاب"- فهو مع الإرهاب".
ومن ناحية أخرى جاء الرد الأمريكي منافيا لقاعدة التناسب، ذلك أنه تعدى الدفاع عن النفس وأضحى عملا انتقاميا بعدما تجاوز الحدود الزمانية والمكانية، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أن الرد العسكري في أفغانستان هو بداية لمحاربة "الإرهاب" في حوالي ستين بلدا أخر، وهو ما يجعلنا نتساءل في هذه الحالة هل القرار 1368 هو بمثابة تأشيرة على بياض تتيح لهذه الدولة التدخل بمقتضاه في هذه الدول في إطار الدفاع الشرعي؟ أم أن ذلك سيتم في إطار عمليات انفرادية بعيدة عن الأمم المتحدة وتتحمل فيها الولايات المتحدة مسؤولياتها؟
وعدم التناسب يظهر أيضا من خلال خطورة العمل العسكري الأمريكي ضد هذا البلد الفقير، حيث لم يقتصر على ضربات تأديبية ومحدودة من حيث الزمان والمكان، وإنما تعداها إلى عمليات حربية مفتوحة بكل إمكانياتها ووسائلها الضخمة ، وهو ما يجعلها تتناقض مع مقتضيات القرار 1368 ذاته، كما أنها تتناقض مع مقتضيات القانون الدولي الإنساني التي أقرتها اتفاقيات لاهاي وجنيف والأمم المتحدة، خصوصا وأن الولايات المتحدة لم تتردد في استخدام مختلف الأسلحة الفتاكة والمحظورة دوليا - كالقنابل العنقودية- لبلوغ أهدافها، و كذا عدم التمييز بين الأهداف العسكرية و الأهداف المدنية، حيث طالت الضربات العسكرية الجوية المنازل والمساجد والمستشفيات والمدارس مما سبب في قتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء والأسرى، ناهيك عن السلوكات والممارسات الأمريكية التي لا تراعي الحد الأدنى من حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والإعلانات الدولية ضد أسرى تنظيم القاعدة الذين تم ترحيلهم إلى جزيرة "غوانتانامو" بكوبا بعيدا عن أنظار الرأي العام العالمي لمحاكمتهم هناك كمرتزقة، وعلى ضوء قوانين تحددها أمريكا وحدها، مما أثار حفيظة واعتراض منظمات حقوقية وإنسانية في أمريكا ذاتها وخارجها مخافة حرمانهم من محاكمة عادلة ونزيهة.
وبالرجوع إلى المادة 51 من الميثاق الأممي، نجدها تسمح بممارسة حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي في حالة الاعتداء "...إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين..."، أي أن رد الفعل الدفاعي ضد الاعتداء يجب أن يكون مؤقتا واحتياطيا في انتظار تدخل مجلس الأمن واتخاذه التدابير اللازمة في هذا الشأن، وهو ما لم يتحقق خلال هذه الأزمة، ذلك أن الولايات المتحدة احتكرت دواليب إدارة هذه الحرب منذ بدايتها في ظل غياب تام لمراقبة من المجلس سواء على مستوى تحديد زمان و مكان هذه العمليات، أو على مستوى الخطط والآليات المستعملة فيها، وكذا أهدافها التي ينبغي أن تكون محددة وواضحة (53).
وعلى هذا الأساس، تكون الولايات المتحدة – مع أنها في موقع المعتدى عليها- قد انحرفت عن الشرعية الدولية التي يجسدها القانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 1368 الذي جاء بدوره مشوبا ببعض العيوب، ذلك أن ردها العسكري هذا الذي اتخذ في إطار مكافحة "الإرهاب" اتخذ بدوره شكل عمل "إرهابي" لأنه جاء في صيغة عمل عقابي هدفه تلقين المعتدي المفترض درسا، وهي إجراءات انتقامية بعيدة كل البعد عن المنطق القانوني.
هذا على المستوى الدولي، أما على المستوى الداخلي الأمريكي، فالملاحظ أن المجتمع الأمريكي ذاته لم يسلم من التداعيات السلبية لسياسة بلاده في إطار حربها العسكرية والمالية والقانونية والسياسية والديبلوماسية ضد "الإرهاب". حيث تحولت تلك الحرب إلى ذريعة لتقييد الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين الأمريكيين والإجهاز عليها. فالحريات العامة وكما جاء على لسان السيتاتور الجمهوري « Trent Lott » ينبغي التعامل معها بشكل مختلف في وقت الحرب، وفي هذا الإطار ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يتم خلق منصب وزاري يعنى بالأمن الداخلي-الدفاع عن التراب الوطني-، هذا بالإضافة إلى صدور قانون يسمح لوزارة العدل الأمريكية بتمديد مدة الاعتقال الاحتياطي لكل مواطن أمريكي و غير أمريكي مقيم بأمريكا حتى في حالة عدم إدانته أو غياب الأدلة والبراهين التي تثبت هذه الإدانة. وفي سابقة خطيرة وغير دستورية، اتخذ الرئيس الأمريكي- في ظل هذه الأجواء- إجراءا يقضي بحجب المعلومات العسكرية عن أعضاء الكونغرس الأمريكي. وعلى مستوى التضييقات التي مست الإعلام الأمريكي، نذكر بالخطاب – الأمر الذي وجهه الرئيس الأمريكي للصحافيين الأمريكيين والقاضي بعدم نشر – لاعتبارات أمنية- تصريحات "بن لادن" وأتباعه، وذلك لكي لا تتحول – هذه التصريحات - إلى دعاية لقضية سياسية بالشكل الذي قد يؤثر على التعاطف الشعبي مع هذه الحرب المعلنة ضد "الإرهاب"(54).
هذا الأخير الذي زاد من تكريس غموض مفهومه قرار مجلس الأمن رقم 1373 الصادر بتاريخ 28 شتنبر 2001 الذي أعطى الشرعية الدولية لاستخدام كافة الإجراءات الزجرية لمكافحته، مسايرا في ذلك المفهوم الأمريكي "للإرهاب" الذي يخلط بشكل متعمد بين "الإرهاب" كعمل غير مشروع وكفاح الشعوب من أجل تقرير المصير كعنف مشروع .
خلاصة:
إن ما يمكن استخلاصه من هذه الدراسة، هو أن مكافحة "الإرهاب" في الممارسة الدولية المعاصرة لم تكن فعالة وناجعة، ذلك أنها لم تقض على الظاهرة "الإرهابية" بكل تجلياتها، بل وحتى لم تخفف منها،وذلك بالرغم من الترسانة القانونية والاتفاقية الدولية الواردة في هذا الشأن.
ف"الإرهاب" كما نرى هو في تزايد مستمر، سواء على مستوى القائمين به أو على مستوى الآليات المستخدمة فيه والفئات المستهدفة به والنتائج المدمرة التي ما فتئ يخلفها. فلقد أضحى "الإرهاب" يستفيد من التطورات المعلوماتية والتكنولوجية الهائلة، ويتحايل بشكل كبير على كل الفجوات الميدانية والقانونية. فمن اختطاف الطائرات والرهائن وإلقاء القنابل تطور إلى تحويل الطائرات المدنية نحو أهداف استراتيجية عسكرية ومدنية واستعمال السلاح البيولوجي والكيماوي، وهناك مخاوف تثار بشأن إمكانية استعمال السلاح النووي أيضا....
إن المقاربة القانونية والميدانية-العسكرية التي توخت احتواء الظاهرة "الإرهابية" ركزت في مجملها على الجانب العلاجي فقط، أي التدخل بعد استفحال الداء، وهي مقاربة – تضع العربة أمام الحصان - ولن يكتب لها النجاح الكافي طالما يتم إهمال الجانب الوقائي خاصة في علاقته بمعالجة الأسباب المؤدية إلى ممارسته-"الإرهاب"- في تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية.... هذا بالإضافة إلى صياغة مفهوم دولي اتفاقي " للإرهاب" لقطع الطريق على بعض القوى الكبرى التي تحاول استغلال غياب تعريف دولي موحد له لخدمة أغراضها ومصالحها، وهذا ما تبين لنا في دراستنا هذه.
فخلال فترة الحرب الباردة كانت بعض الدول تتدخل بصفة فردية لمواجهة بعض أشكال العنف التي تعتبرها "إرهابا" ضدها دون الاستعانة بالمنظمة الأممية في هذا الإطار، من خلال تأويل منحرف لميثاق الأمم المتحدة وقواعد الشـرعية الدولية- أي ضرب" الإرهاب" ثم البحث عن المبررات والذرائع – وذلك في إطار سياسة إنصاف الدولة نفسها بنفسها، فيما أصبحت هذه الدول – وبعد انتهاء الحرب الباردة- تتدخل زجريا – سواء بعمل عسكري أو غير عسكري- لمواجهة القوى التي تعتبرها "إرهابية"، وذلك بناء على أساس قانوني مسبق وغالبا ما يكون في شكل قرار من مجلس الأمن، وهو ما يضفي الطابع "الدولي والجماعي" لهذه المواجهة –قانونيا على الأقل-، وغالبا ما يتم ذلك أيضا من خلال تكييف منحرف لبنود الميثاق لكن هذه المرة من خلال البحث عن الذرائع والأسس ثم التدخل بناء على ذلك.
وأخيرا, وفي إطار المزيد من التفاعل مع الموضوع نود طرح بعض الأسئلة التي نعتقد بشرعيتها وأهميتها وهي: هل التدخلات العسكرية منها و غير العسكرية التي تمت في إطار الرد على "الإرهاب" ما بعد الحرب الباردة - حالة لوكربي، والتدخل الأمريكي في أفغانستان 2001....- هي بداية لترسيخ عرف دولي سيقبل بموجبه المجتمع الدولي بمشروعية هذا النوع من التدخلات ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد حالة خاصة أملتها الاعتبارات السياسية للقوى الكبرى والقيمة الجيوستراتيجية للمناطق المستهدفة بها، بحيث لا يمكن تعميمها على غيرها من الحالات الأخرى المماثلة ؟ ثم، ألا يتجه التدخل لمكافحة "الإرهاب" إلى تقويض سيادة بعض الدول – الدول الضعيفة- وتقوية سيادة دول أخرى خصوصا القوية منها بما أنها الوحيدة التي تمتلك من الوسائل ما يتعدى حدود الكفاية للقيام به– التدخل لمكافحة الإرهاب-؟ وأخيرا وليس آخرا، ألا يعتبر التدخل لمكافحة "الإرهاب" الذي يستعمل القوة كوسيلة شكلا جديدا من أشكال الاستعمار، خاصة فيما ينتج عنه من تمييع لحركات التحرر الوطني ونضالها المشروع ضد الاستعمار؟.

الهوامش:
1- مقتبس عن إسماعيل الغزال: الإرهاب والقانون الدولي, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1990 (مصر) ص:13
2- أدونيس العكرة: الإرهاب السياسي، بحث في أصول الظاهرة وأبعادها الإنسانية، دار الطليعة- بيروت - الطبعة الأولى 1983 ص: 93.
3- إلهام محمد العاقل: مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية (دراسة مقارنة) سلسلة الدراسات القانونية – مركز دراسات العالم الإسلامي- مالطا –الطبعة الأولى 1993، ص: 110
4 - عبد الناصر حريز: الإرهاب السياسي – دراسة تحليلية- الطبعة الأولى 1996-مكتبة مدبولي (مصر)، ص: 181.
5-المرجع نفسه ، ص: 174.
6- إسماعيل الغزال: الإرهاب والقانون الدولي, مرجع سابق, ص:19.
7- عبد الناصر حريز: الإرهاب السياسي- مرجع سابق ذكره، ص:124.
8- انظر: - Wehberg-H : « L’interdiction du recours à la force, le principe et les problèmes qui se posent » R.C.A.D.I , T 78, 1951. P 15/24 .
9- انظر: -Virally-Michel : la charte des Nations Unies, commentaire article par article, sous la direction de Jean-Pierre cot et Alain Pellet, Article 2/4, ED, Economica, Paris, 1985, P :123.
10- انظر-Zourek-Jarozlar : L’interdiction de l’emploi de la force en droit international public-Genève, 1974, P :73
11- بطرس بطرس غالي: الأمم المتحدة ومواجهة الإرهاب- مجلة السياسة الدولية ع 127 يناير 1997، ص: 10.
12- انظر: -Cassese, A : « Violence dans un monde divisé ». PUF, Paris1990-P :57 .
13- انظر: - ALIBERT.Christiane : « Du droit de se faire justice dans la société international depuis 1945» -L.G.D.J –Paris- 1983 p : 34 et ss.
14- الحسان بوقنطار: حول بعض حالات العدوان في الوطن العربي –مجلة الوحدة- محور "العنف في العلاقات الدولية "- عدد 67 أبريل 1990، ص: 104.
- Serge Regourd : Raid « anti-terroristes » et développements -15 récents des atteintes illicites au principe de non intervention » A.F.D.I.TXXXII.1986.P :84.
16- إسماعيل الغزال: الإرهاب والقانون الدولي ، مرجع سابق, ص: 80.
17- p :85 REGOURD-S op.cit
18- انظر: Le monde du 3 Octobre 1985. P : 6.
19- انظر: SICICIANOS, linos, Alexandre : « les réactions décentralisés à l’illicité. Des contres-mesures à la légitime défense »-L.G.D.J
- Paris 1990, p :324.
20- محمد الهزاط: النظام الدولي المعاصر بين قوة القانون وقانون القوة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا (قانون عام) بكلية الحقوق فاس 1997 ص: 187.
21- انظر: SICICIANOS. L.A op : cit p : 328
22- انظر: . op-cit- P :87 REGOURD.S
-23انظر: Stanly.HOFFMAN : « une doctrine qui ne saurait tenir de politique étrangère »- Le monde diplomatique du juillet 1986
24- انظر: . op-cit- P :81 REGOURD.S
25- انظر: Documents D’actualités internationale, N° 11 Juin 1986-P :202.
26- انظر: -CIJ. Receuil : 1949. Affaire du détroit de Corfou
27- انظر: .- CIJ. Receuil 1986, P :94
28- تجدر الإشارة في هذا الصدد أن عدد الطائرات التي شاركت في هذه العملية كان هو 18 مقاتلة من طراز ف 111 والتي انطلقت من القواعد البريطانية، بالإضافة إلى 16 طائرة من نوع أ6 و أ7 محمولة من الأسطول السادس الأمريكي المرابط في البحر الأبيض المتوسط، ولقد تسببت هذه العملية في قتل وجرح العديد من الليبيين زيادة على الخسائر المادية الكبيرة.
29- انظر: - Serge Regourd-OP- cit. P : 95
30- قرار مجلس الأمن رقم 180 بتاريخ 9 أبريل 1964 بخصوص الغارة البريطانية على اليمن.
-Charles- Phlippe David : La guerre du golfe ,l’illusion de la victoire ? -31
édt : ART.Global Montréal Canada 1991, p : 334
32- لمزيد من التوسع انظر: عبد الخالق عبد الله, النظام العالمي، الحقائق والأوهام-مجلة السياسة الدولية-عدد 124 أبريل 1996، ص: 43.
33- لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع, راجع , محمد الهزاط: " التدخل الإنساني في الممارسة الدولية المعاصرة ", أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق –قانون عام – كلية الحقوق , جامعة الحسن الثاني, الدار البيضاء, 1999.
34- بطرس بطرس غالي: الأمم المتحدة ومواجهة الإرهاب، مرجع سابق، ص: 10.
35- أحمد شرف: مسيرة النظام الدولي قبل وبعد حرب الخليج- دار الثقافة الجديدة (مصر) يناير 1992، ص:26.
36- إدريس لكريني: إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات، أزمة لوكربي نموذجا، أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه في الحقوق-كلية الحقوق أكدال الرباط 2001- ص: 187.
37- حول هذه الاتهامات ومبرراتها، يراجع: جون كوولي- الحصاد، حرب أمريكا الطويلة في الشرق الأوسط، ترجمة عاشور الشامي- شركة المطبوعات للتوزيع والنشر-بيروت 1992 ص: 269 وما بعدها.
38- لمزيد من التفاصيل حول الصراع الليبي-الفرنسي في إفريقيا، يراجع: أحمد الصاوي, الأبعاد غير المعلنة للحملة الغربية ضد الجماهيرية، السياسة الليبية في إفريقيا نموذجا، المرجع: قضية لوكربي ومستقبل النظام الدولي-مؤلف جماعي- سلسلة الدراسات السياسية والإستراتيجية-الطبعة الأولى شتاء 1992، مركز دراسات العالم الإسلامي (مالطا) من ص: 157 إلى ص:189.
39-هناك من يعتبر أن بيان قمة الأعضاء هذا، لا يعدو أن يكون من حيث قيمته القانونية، مجرد إعلان سياسي أو "إعلان للنوايا" لما ينبغي أن يكون عليه النظام الدولي الحالي، أنظر أحمد الرشيدي, بعض الجوانب القانونية لأزمة الطائرتين الأمريكية والفرنسية وعلاقة الجماهيرية بها. مجلة شؤون عربية، يونيو 1998-عدد 94, القاهرة, ص: 38.
40 - انظر: -Jean Chappez : Questions d’interprétations et d’application de la convantion de Montréal de 1971 résultant de l’incident aérien de Lokerbie, A.F.D.I, 1992 P : 471.
41- للإشارة فإن جميع أطراف هذه الأزمة (ليبيا، فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية) وقعت على هذه الاتفاقية وأقرت التزامها المسبق بأحكامها.
42- لمزيد من التفاصيل بشأن تسليم المجرمين، يراجع إلهام محمد العاقل: مرجع سبق ذكره.
43- محمد الغمري: الحملة الأمريكية ضد الجماهيرية الليبية في ضوء أحكام القانون الدولي، في: قضية لوكربي ومستقبل النظام الدولي، الأبعاد السياسية والإستراتيجية والقانونية-مركز الدراسات العالم الإسلامي، مالطا 1992، ص: 350-351 .
44- مراجعة القرار كاملا، انظر: قرارات ومقررات مجلس الأمن (1992) منشورات الأمم المتحدة، وثيقة رقم: S/Res 4731 .
45 - تنص المادة 2/3 من الميثاق الأممي على أنه: "يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر".
أما المادة 33 منه فتنص على أنه: "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجئوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك".
46- انظر القرار كاملا في: قرارات ومقررات مجلس الأمن، منشورات الأمم المتحدة-إدارة شؤون الإعلام (1992) وثيقة رقم: S/23762.
47- انظر مقتضيات القرار كاملة في: قرارات مجلس الأمن- منشورات الأمم المتحدة, إدارة شؤون الإعلام 1994، الصفحات: 187,188,189 و 200.
48- استثنى القرار من ذلك، الأموال الناتجة عن بيع أو توريد النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي ومنتجاته ومنتجات الزراعة الليبية، شريطة أن تودع في حسابات مصرفية خاصة بها.
49- زيادة على الاستجابة للمطالب الفرنسية بشأن تفجير طائرة (U.T.A) فوق صحراء النيجر.
50- إدريس لكريني: إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات، أزمة لوكربي نموذجا-مرجع سابق، ص: 223.
51- إذا كان موقف كل من بريطانيا وفرنسا المؤيد للقرار باعتبارها دولا دائمة العضوية بالمجلس وحليفة للولايات المتحدة الأمريكية أمرا عاديا، فإن الموقف المشابه للصين يبدو أنه جاء بمثابة رد جميل سابق للولايات المتحدة بخصوص قبولها-عدم الاعتراض عليها- كعضو ضمن منظمة التجارة العالمية وكذا ثمنا لغض الطرف الأمريكي-الغربي على ملف حقوق الإنسان في الصين.
أما بخصوص روسيا فإن ذلك مكنها من كسب الدعم الغربي في الحرب التي تخوضها في جمهورية الشيشان، وخاصة تجفيف الغرب للمنابع المالية التي تمول المقاتلين الشيشان هذا بالإضافة إلى تلقيها وعدا أمريكيا لتأييد انضمامها السريع للمنظمة العالمية للتجارة وتمهيد الطريق أمامها للاندماج في الاتحاد الأوربي وخصوصا الشراكة الجديدة مع حلف شمال الأطلسي: لمزيد من التفاصيل حول التعاون الروسي مع الحملة الأمريكية لمكافحة "الإرهاب" راجع:
NINA BACHIKATOV « Pourquoi Moscou a saisi la balle au bond »- le Monde Diplomatique, N° 572 Novembre 2001 p :14 et 15.
52- وقد تمخض عن هذه العمليات الإطاحة بالنظام السياسي بأفغانستان وتشكيل حكومة جديدة بموجب اتفاق بون الذي أقره مجلس الأمن. للمزيد من التوسع بخصوص مؤتمر بون هذا، انظر: « A , Bonn, la conférence de l’espoir Afghan », Dossier Spécial, le Monde (France) N°176 79 du 18 Novembre 2001.
53- إدريس لكريني: التدخل العسكري الأخير في أفغانستان بين الشرعية الدولية والتعسف الأمريكي- جريدة القدس العربي- (لندن) السنة الثالثة عشرة، عدد 3931 السبت /الأحد 6/5 كانون الثاني (يناير) 2001، ص: 18.
54-انظر: -Michel Patner : « les libertés sacrifiées sur l’actuel de la guerre ». Le Monde Diplomatique. N°572-Novembre 2001, P :20-21

ملحوظة:
نشرت هذه الدراسة المشتركة في ثلاث حلقات, ضمن جريدة القدس العربي, لندن، الأعداد: 4123,4124,4125 بتاريخ 19,20,21 غشت 2002



#إدريس_لكريني_ومحمد_الهزاط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
- مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما ...
- سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا ...
- مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك ...
- خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض ...
- -إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا ...
- بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ ...
- وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
- إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس لكريني ومحمد الهزاط - مكافحة -الإرهاب- في الممارسة الدولية المعاصرة