أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مولود بن زادي - الإمبراطورية الرومانية: كاليغولا الإمبراطور المجنون!















المزيد.....

الإمبراطورية الرومانية: كاليغولا الإمبراطور المجنون!


مولود بن زادي

الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 18:27
المحور: الادب والفن
    


يعتقد كثيرون أن المؤلفات الخيالية تستهوي المتلقي أكثر من الأعمال الواقعية والسير الذاتية. فهي فضاء يسبح في أجوائه المتلقي المتعطش إلى الهروب من واقعه الدرامي المفعم بالهموم والمآسي والصراعات والأخبار الحزينة. غير أنّ السنوات الأخيرة كشفت عن أقبال متزايد على الأعمال الوثائقية أو غير الخيالية، والمذكرات الشخصية، وسير حياة المشاهير لا سيما في المجتمعات الغربية. ويمكننا بلا ريب تفسير هذا التحول بضجر الإنسان المعاصر من الأعمال الخيالية التي صار ينظر إليها على أنها مصطنعة ومستهلكة، لا تعبّر سوى عن أفكار وتوجهات صاحبها، الراوي العليم، الذي يوظف فيها شخصيات وهمية، يتحكم في لغة حوارها، ويحدد بدايتها ونهايتها، ويتدخل في مجريات أحداثها. صار المتلقي ينجذب بشكل متزايد نحو أعمال واقعية تلعب أدوارها شخصيات حقيقية، لا يحدد المؤلف أفعالها، ولا يملي عليها أقوالها، ولا يتدخل في سير وقائعها. من جملة ذلك المذكرات الشخصية وسير المشاهير التي عادة ما يتم تسجيلها من خلال مخطوطات وكتب. والسؤال الذي يطرحه كثيرون الآن هو ما إذا كان يمكننا أن ننظر أيضا إلى الفيلم السينمائي على أنه وثيقة تاريخية في وسع المؤرخ اللجوء إليها واعتمادها مصدراً موثوقاً؟

الإمبراطورية الرومانية
الإجابة على هذا السؤال تكمن بلا ريب في السلسلة الدرامية التاريخية في موسمها الثالث بعنوان "الإمبراطورية الرومانية: كاليغولا الإمبراطور المجنون" التي تُعرض حلقاتها في هذه الأوقات في الشبكة الأمريكية (نتفليكس) Netflix. السلسلة تصوير دقيق، ووصف صادق لأحداث حقبة في سجل تاريخ الإمبراطورية الرومانية الحافل بالبطولات والأحداث. وهي منبثقة من أحداث واقعية اعتمادا على حقائق تاريخية متفق عليها. ورغم الكم الهائل للأفلام والمسلسلات التي يجود بها موقع نتفليكس، فقد استطاعت هذه السلسلة أن تخطف كل الأنظار لترتقي إلى قائمة أفضل عشرة أفلام في هذا الموقع الترفيهي العالمي.

البنية والموضوع
تطبع هذه السلسلة حوارات قصيرة يتخللها صوت الراوي الذي لعب دورا كبيرا في تقديم حبكة مشوقة وتعميق البعد الدرامي، فضلا عن الصور الغنية بعناصرها السينوغرافية والمصحوبة بموسيقى تصويرية أضفت على أطوار السلسلة الإثارة والرعب.
السلسلة ترحل بنا إلى بدايات الإمبراطورية الرومانية وإلى عهد تيبيريوس، الإمبراطور الثاني الذي خلف القائد الكبير أغسطس حيث كانت الإمبراطورية في أوج توسعها، تمتد حدودها إلى هيسبانيا وسورية ومصر وشمال إفريقيا. يسلط الفيلم الضوء على سيرة كاليغولا، إحدى الشخصيات الشهيرة الأكثر غرابة وجدلا في التاريخ. الفيلم في حد ذاته لم يخل من الجدل والنقد لما تضمنه من مشاهد جنسية صادمة في فيلم تاريخي بالدرجة الأولى.

اعتلاء العرش
ولد كاليغولا عام 12م، وكان الابن الثالث لأغريبينا الكبرى، حفيدة أغسطس؛ وجرمانيكوس يوليوس قيصر، الجنرال الشهير في الجيش الروماني. بعد وفاة جرمانيكوس في أنطاكية عام 19م، عادت أغريبينا وأطفالها إلى روما حيث تورطت في صراع مرير مع تيبيريوس أدى إلى نفي بعض أفراد الأسرة وقتل بعضهم الآخر بتهمة الخيانة ولم ينجُ من الأولاد إلا كاليغولا الذي اعتلى عرش الإمبراطورية لاحقا بعد وفاة تيبيريوس عام 37م، واستطاع بعد ذلك استعادة الاتصال بشقيقاته الثلاث العائدات من المنفى.
استطاع كاليغولا أن يكسب قلوب الجماهير في بداية حكمه حيث أطلق سلسلة من المشاريع مشيدا الموانئ والمسارح والمعابد وقنوات المياه وغير ذلك، ليصدمهم بعد ذلك بتصرفات غريبة. شعوره بالخوف على مكانه في السلطة دفعه إلى التفكير في إنجاب طفل يكون يوما خليفته. وفي محاولاته اليائسة لتحقيق ذلك ارتكب المحرم مع شقيقاته الثلاث إلى أن حملت منه أخته جوليا دروسيلا حيث أذاع خبر الحمل وأعلنها زوجة له. فأثار الخبر الصادم سخط الشعب الروماني الذي صار الآن ينظر إليه على أنه طاغية منحرف أخلاقيا. كان زنا المحارم يُعد أسوء محرم وأكبر فضيحة في روما.

كاليغولا المجنون
الخبر أثار أيضا حسد شقيقته أغريبينا الصغرى التي كانت تطمح إلى التربع على عرش الإمبراطورية الرومانية ونظرت إلى الخليفة المقبل على أنه خطر عليها. فاشتركت أغريبينا وشقيقتها ليفيلا وابن خالتها ليبيدوس في مؤامرة لاغتياله عام 39 للميلاد. لكن المحاولة باءت بالفشل، فأمر كاليغولا بإعدام ليبيدوس ونفي شقيقتيه إلى جزيرة بعيدة في المتوسط.
حلم كاليغولا بإنجاب الخليفة لم يتحقق حيث مرضت دروسيلا وعجز الأطباء عن إنقاذها وإنقاذ الجنين.
تأثر كاليغولا بوفاة دروسيلا فأصيب بالاكتئاب وساءت أحواله العقلية وتغيّر سلوكه، فكان على الشعب الروماني أن يتحمل عبء ذلك. أعلن الحداد معاقبا كل من خالف قواعده. وعمل على رفع زوجته الفقيدة إلى مقام الإلاهة تماما مثل فينوس، إلهَةُ الحب والجمال والرغبة والجنس والخصوبة والرخاء والنصر؛ أو جونو، أخت الإلاه جوبيتر وزوجته. وفرض على شعبه أن يقْسِم ب"الإلاهة دروسيلا"! تصرفاته الصادمة لم تتوقف عند حد الزواج من شقيقته. فبعد وفاتها صدم مرة أخرى روما بزواجه من امرأة كانت حامل من رجل آخر، تدعى ميلونيا كايسونيا، في بحثه اليائس عن خليفة. ومرة أخرى لم يدم فرحه طويلا حيث أنجبت له بنتا. كانت خيبة أمله كبيرة. فهذه البنت - مثلما كان يشعر - سيتزوجها يوما رجلٌ ما وهو من سيتولى الحكم من بعده.

حياة بذخ ولهو
راح بعد ذلك يحيا حياة عبث ومجون وشرب وجنس. وطفق يأمر ببناء التماثيل له في مختلف البنايات الشهيرة والمعابد غير مكترث بما كان يبذر من أموال الخزينة العامة. وبعدما سعى في الأول لتحويل زوجته إلى إلاهة صار اليوم يرغب في تحويل نفسه إلى إلاه، وهذا ما يجسده إقامة ما لا يحصى من التماثيل له في كل الأماكن، ما لم يحدث ابدا في تاريخ الإمبراطورية الرومانية. تبذير الأموال تعدى كل الحدود حيث بلغ 13 بليون سسترس في أقل من سنة واحدة، ما أحدث عجزا في ميزانية الدولة وأغضب مجلس شيوخ الإمبراطورية. رده على انتقادات مجلس الشيوخ كان عنيفا حيث أمر بمحاكمة عشرات الأعضاء وإعدامهم بتهمة الخيانة. فتخلّص الإمبراطور من خصومه ولم تتخلص الإمبراطورية من الديون. ولمواجهة الأزمة المالية، فرض كاليغولا المفلس ضرائب جديدة على المواطنين الرومان، ما أثار سخطهم واحتجاجهم.

المخاطرة بغزو بريطانيا
ومن أفعاله الغريبة قراره المفاجئ غزو بريطانيا. لم يكن هذا القرار وليد الصدفة ولا رغبة منه في المساهمة في توسيع حدود الإمبراطورية الرومانية، وإنما بحثا عن مخرج من الظروف الحرجة التي كان يمر بها. فبعد تدني شعبيته نتيجة إسرافه في تبذير الأموال العمومية ورفع الضرائب، خطرت بباله فكرة شن حملة عسكرية على بريطانيا وضمها إلى الإمبراطورية. لقد أدرك الآن أنه، بعد مرور سنتين من اعتلائه عرش أكبر إمبراطورية في العالم، لم يقدم شيئا مما قدمه القادة الرومانيون السابقون للمواطنين. ففي عهده لم تحقق الإمبراطورية الرومانية أي فتوحات جديدة ولم بشهد المواطنون منه غير التعسف والرعب والموت. فكل ما أحسن فعله هو تبذير الأموال لأغراض شخصية وإفلاس خزينة أعظم الدولة وإثقال كاهل هؤلاء المواطنين بالضرائب لسد العجز المالي الرهيب. فحتى يستعيد ثقة المواطنين ويثبت لهم أنه جدير بالحكم وأنه لا يقل عظمة عن الأباطرة السابقين، فكر في شن حملة لاحتلال بريطانيا سنة 41 بعد الميلاد. وإذا بالغزو ينتهي قبل انطلاقه نتيجة استبداده في الرأي وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة وهبوط معنويات أفراد جيشه وعدم استعدادهم المجازفة باجتياز البحر ومهاجمة بلاد محصنة خلف جروف دوفر البيضاء، في فصل الشتاء القاسي. وأمام تردد جيشه والخوف من تمرده عليه، اضطر في الأخير إلى التخلي عن مخططه والعودة إلى روما منكلا بأعداد من جنوده، المكبلين بسلاسل، في شوارع المدينة كما لو كانوا أسرى حرب!

سقوط كاليغولا
فازداد قلق مجلس الشيوخ على حال زعيمهم المجنون الذي لم يعد يفرق بين أصدقائه وأعدائه. فقد اقتنعوا الآن بضرورة تنحيته من السلطة لأنّ بقاءه سيضر بمصالح الإمبراطورية. فاشتركوا في مؤامرة بمساعدة الحرس الإمبراطوري أدت إلى اغتياله رفقة زوجته وابنته في أواخر يناير/كانون الثاني 41 م. وبموته، انتهت أسطورة كاليغولا الإله الجبار الذي لا يقهر.
واليوم، بعد مرور قرون طويلة على رحيله، ما زال اسم كاليغولا يقرن بالجنون والمجون، وما زال يذكر على أنه ذلك الإمبراطور المستبد والمنحرف الذي حوّل قصره إلى بيت دعارة واستغرق في اللهو والبذخ وارتكب المحرم مع شقيقاته وأوقع أكبر إمبراطورية في الدنيا في فخ الديون.
لكن رغم كل الآثار السلبية التي طبعت حكمه ورغم فشله في ضم بريطانيا، لا يمكننا أن ننكر فضل هذا الرجل في امتداد حدود الإمبراطورية الرومانية غربا إلى الجزر البريطانية حيث استفاد خليفته الإمبراطور كلوديوس من تحضيراته السابقة لتحقيق الفوز وغزو بريطانيا عام 43 م.

مولود بن زادي أقلام مهاجرة حرة بريطانيا



#مولود_بن_زادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمين الريحاني.. لأجل تقارب وتواصل وتفاعل بين الثقافات والحضا ...
- صراع الأجيال


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مولود بن زادي - الإمبراطورية الرومانية: كاليغولا الإمبراطور المجنون!