|
-المغامرة - الإسرائيلية الجديدة.. تحلم بنهاية التاريخ وامتلاك الجغرافيا
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
وقعت الواقعة.. وعادت لبنان لتحتل بؤرة الضوء بعد تطورات دراماتيكية دامية بلغت ذروتها بعدوان إسرائيلي شامل علي بلاد الأرز. وإزاء هذه الحرب العدوانية الإسرائيلية تلعثم النظام العربي الرسمي ـ كالعادة ـ في قراءة خريطة الأحداث. وكانت بداية التلعثم متمثلة في تحديد جوهر هذه التطورات الخطيرة، حيث اقتطع البعض حادثا جزئيا من سياقه العام »وحاكموه« واشبعوه نقدا باعتباره المقدمة والنتيجة معا. هذا الحادث الجزئي هو اقدام »حزب الله« علي شن عملية فدائية ضد موقع عسكري إسرائيلي، نجح خلالها في قتل سبعة جنوب إسرائيليين واصابة العشرات فضلا عن أسر اثنين وإعلان الاستعداد لإطلاق سراحهم مقابل الافراج عن عدد من الاسري اللبنانين في السجون الاسرائيلية. بعض الحكومات العربية اعتبرت هذا العمل »مغامرة« طائشة لم يهتم من أقدم عليها علي »التشاور« علي الحكومات العربية بشأنها وبالتالي فإن عليه أن يتحمل تبعاتها دون أن يطلب من العرب التضامن معه. وبافتراض صحة هذه المقدمة فإن النتيجة خاطئة فما بالك إذا كانت المقدمة والنتيجة قد جانبهما الصواب. فمن الخطأ ـ أولا ـ نسيان كل الاعتداءات الاسرائيلية الغاشمة أو تناسيها، ثم استيقاظ خلايا الذاكرة العربية فقط عند هذه الحادثة الجزئية المتعلقة بحزب الله. فلماذا ظلت الذاكرة العربية الرسمية تغط في سبات عميق طالما كانت الاعتداءات الاسرائيلية تتوالي من كل حدب وصوب، وأين كانت الحكومات العربية الغاضبة من حزب الله عندما كانت الطائرات والدبابات وجميع الأسلحة الاسرائيلية تعيث فسادا ضد الفلسطينيين واللبنانيين؟ وهل من المنطقي مطالبة حركة تحرر وطني بإفشاء أسرار عملياتها »السرية« قبل القيام بها؟ والأهم ليس هو فقط الاستغراب من الاستئساد العربي الذي لا نري تجلياته إلا ضد الجزء النابض بالحياة من الجثة العربية الميتة والمتعفنة، إنما الاستغراب أصلا من تعمد تشويه تفسير ما يحدث بالتركيز علي ما هو جزئي والتغاضي عما هو كلي وشامل. والجزئي في حالتنا هو قيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين وقتل سبعة واصابة عدد اَخر. .. وهو في كل الاحوال عمل بطولي يستحق الاشادة ويستحق أن يدافع عنه بكل اعتزاز أي عربي وأي إنسان محب للعدالة لأنه عمل تم ضد هدف عسكري، وليس ضد مدنيين وبالتالي فإنه عمل يستحق بكل جدارة وصف »المقاومة« ولا يمكن لكائن من كان أن يتهمه بشبهة »الارهاب«. ومع ذلك فإنه من قبيل استغفال العرب وغير العرب اعتبار أن هذا العمل البطولي، الجزئي، هو المسئول عن التصعيد الذي وقع بعد ذلك ووصل إلي حد الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل ضد لبنان. هو بالتأكيد ليس »السبب« بل هو في أكثر الكثير مجرد »ذريعة«. وربما كان الكاتب اللبناني طلال سلمان قد عبر عن ذلك تعبيرا دقيقا بقوله »هي الحرب الاسرائيلية حتي لو رغب بعض القادة العرب في أن يتنصلوا من عبء »التضامن« وموجباته هاربين إلي تضخيم الذريعة حتي تطمس الهدف الأصلي المقرر والمدروس والموضوعة خطط تنفيذه إسرائيليا منذ زمن بعيد، في انتظار التوقيت المناسب الذي لا يمكن فصله عن توفر المناخ المناسب، علي الصعيد الدولي أساسا ومن ثم علي الصعيد العربي بالتبعية.. علما بأن هذا البعض من العرب يبدو أكثر تعجلا من »الدول« للخلاص من كل ما يدل علي المقاومة، أي مقاومة، وما يرمز إليها، فكيف إذا ما استشعروا، بل هم قد أبلغوا، أن القرار الاسرائيلي مغطي بتأييد دولي كثيف، وصلت ضغوطه إلي بيروت، ولكنه بحاجة إلي غلالة عربية للتمويه، من أجل أن يبدو كأنه حرب العالم جميعه ضد جماعة من »المغامرين« الذين يهددون أمان الجميع أقربهم فالأبعد« إذن.. نحن ازاء هدف أصلي مدروس وموضوع منذ زمن بعيد كان ينتظر التوقيت المناسب فقط. لكن.. لماذ اختارت إسرائيل هذا التوقيت لفتح معركة شاملة؟ يقدم المفكر والسياسي الفلسطيني عزمي بشارة الاجابة علي هذا السؤال بقوله: »الجواب عند العرب وأمريكا الذين لم يتمكنوا من تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم ،1559 وهو ما تبقي من الشرعية الدولية عند أنظمة تنقصها الشرعية الوطنية والانسانية وجاءت إسرائيل للتنفيذ والغطاء قائم. والفرق بين هذه الأيام وأيام القصف والغضب من أيام الحساب إلي عناقيد الغضب 1993 ـ 1996 هو وجود مشروع سياسي بديل مطروح للبنان، لبنانيا وعربيا وقد تعثر المشروع في الاشهر الأخيرة، ولم يعد قادرا علي طرح ذاته بأدواته. علي هذا تراهن إسرائيل، والرد العربي القادم من دول رئيسية يؤكد رهانها. أما الساحة اللبنانية فسوف تفاجئهم«. فإذا كنا ازاء خطة موضوعة سلفا، وتوقيت يري من ينفذون هذه الخطة حاليا أنه مناسب، فماذا عن أهدافها؟ الهدف الاسرائيلي الرئيسي هو تغيير »قواعد اللعبة« بين إسرائيل ولبنان، وفي داخل لبنان أيضا.. بما يعني ـ بصراحة ودون لف أو دوران ـ تحويل لبنان من قاعدة لشكل من أشكال »المقاومة« إلي ساحة »صديقة« لإسرائيل، أي اخضاعها وتدجينها وادخالها بيت الطاعة الأمريكي والاسرائيلي، وأن تحقق حرب 2006 ما عجز عن تحقيقه اجتياح 28__ استنادا إلي التحولات التي حدثت في لبنان والمنطقة خلال الأربع وعشرين عاما الماضية. وللوهلة الأولي.. واستنادا إلي مقارنة موازين القوي التي تميل بشدة لصالح إسرائيل، والتأييد السياسي والعسكري الأمريكي الكثيف بكل ثقله العالمي وتواجده المباشر في المنطقة.. تبدو المعركة محسومة سلفا لإسرائيل (وأمريكا). لكن التدقيق في ملامح الصورة وتفاصيلها لا يجعل هذا الحكم نهائيا ولا يقبل النقض. فميزان القوي كان لصالح إسرائيل عند اجتياحها للبنان عام 1982.. ورغم ذلك فان احتلالها للجنوب اللبناني تحول الي جحيم لم تتحمل الاستمرار في تكبد خسائره فاضطرت الي الانسحاب عام 2000 بفضل المقاومة الوطنية التي وصفها الكثير من العرب الرسميين في بدايتها بإنها »مغامرة«! ثم إنه إذا كانت هناك أوجه تشابه بين أوضاع 1982 وأوضاع 2006 فإن هناك أوجه اختلاف، ولعل الاختلاف الأهم -كما تقول سحر بعاصيري في »النهار« اللبنانية- هو ان الطرف الآخر في المواجهة أي »حزب الله« هو طرف لبناني لا يمكن »ترحيله« كما جري ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية قبل 24 عاما. وهو طرف له تمثيله الواسع ويعبر عن شريحة كبيرة من طائفة اساسية في المجتمع اللبناني وله مشروعيته نتيجة دوره في تحرير الجنوب. ولا يقلل شأن هذا الواقع أو يغيره ان لدي الكثير من اللبنانيين مآخذ علي تفرد »حزب الله« بالقرار خصوصا انه نفذ العملية ثم أطل علي اللبنانيين مطالبا اياهم بعدم الاختلاف وبالتكاتف من اجل »مواجهة الاستحقاق« لكن الحكمة أملت عليهم تأجيل هذا النقاش. وحسنا فعلوا حفاظا علي الحد الممكن من تماسك داخلي يسمح للبنان بمواجهة المأزق بأقل اضرار ممكنة علي وحدته. ثم ان تعدد اوجه سلاح »حزب الله« يجعل المواجهة اكثر تعقيدا. فاضافة الي وجهه الداخلي هناك وجهه الاقليمي الذي له بعدان: بعد اسرائيلي وبعد سوري ايراني وهذا يجعل من الصعب القول بحل عسكري فقط لمسألة سلاح »حزب الله«. علي غرار الحل العسكري للسلاح الفلسطيني في لبنان عام 1982 وتجاهل مستقبل وضعه في لبنان. والأمران لا ينفصلان اليوم: لا حل لمسألة »حزب الله« بمعزل عن ايران وسوريا« وربما فوجئ من لا يفهمون المعني الحقيقي لكلمة »المقاومة« بالعملية الاسطورية لضرب البارجة الإسرائيلية التي كانت ترتع في المياه الاقليمية اللبنانية. هذه العملية »النوعية« التي قام بها »حزب الله« أطلقت صيحة فرح كبيرة ترددت في جنبات بيوت اللبنانيين، بل في معظم البيوت العربية من المحيط الي الخليج. هذه الفرحة ليست مجرد موقف عاطفي وإنما هو موقف سياسي ربما لا يمثل قوة ضاغطة ومؤثرة في اللحظة الراهنة لكنه مرشح لان يكون كذلك بالتوازي مع صمود المقاومة وتعاظمها يوما بعد آخر رغم وابل الغارات الاسرائيلية علي لبنان. ومع ان هذه المشاعر العربية المؤيدة لسياسة المقاومة والرافضة للاستسلام مازالت جنينية وحبيسة الصدور فانها قد أثرت علي اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة أمس الأول بل إن كثيرا من الوزراء العرب قالوا بصراحة انه ليس من الحكمة الاستمرار في سياسات تتحدي الرأي العام العربي. وكان هذا احد الاسباب الرئيسية في حرص بيان وزراء الخارجية العرب علي تجنب الاستمرار في نقد حزب الله بما يعني تبرير العدوان الاسرائيلي. رغم هزال موقفهم واتسامه بالعجز وفقدان الإرادة والاستمرار في الثأثأة الفارغة المعني. ومازلنا في بداية فصل جديد من رحلة سقوط الاوهام في »المغامرة« الامريكية الاسرائيلية.. التي تسبح عكس تيار المنطق وضد عقارب ساعة التاريخ.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يفضلونها -جارية- .. ونريدها -صاحبة جلالة-
-
من حق الجماعة الصحفية أن تفرح.. وأن تواصل مسيرة الأحلام
-
المساعدات الأمريكية تنتهى عام 2009 .. فما هو البديل .. وهل ق
...
-
لماذا يكرهون الصحفيين .. ولا يستغنون عن الصحافة؟!
-
مبادرة راجي عنايت
-
لماذا يتلذذ -ترزية القوانين- بحبس الصحفيين؟!
-
اغتيال مهنة الصحافة
-
»شاهد شاف كل حاجة« يعيد فتح ملفات المعونة الأمريكية
-
»أربعين مليار« يا أولاد الحلال!!
-
وزارة مرفوعة من الخدمة!
-
يا وزير التعليم .. ماذا أنت فاعل فى هذه الفضيحة؟!
-
هل يستسلم الوزراء لعبث الصغار؟!
-
الدكتور حسن سليم يكشف خفايا مفاوضات -المساعدات- الأمريكية
-
حسام بدراوي
-
نبيل الهلالى
-
بعد الرحيل الجماعي لرموز أجياله المتعاقبة.. اليسار يتشح بالس
...
-
اليوم .. الصحافة فى محكمة الجنايات 2
-
غداً .. الصحافة فى محكمة الجنايات
-
اختلفوا علي كل شيء.. واتفقوا علي معاداة العلمانية
-
معضلة أحمد عز
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|