|
شاكر جواد القره غولي.... طيبة قلب.... وخفة دم.... و بديهية نكتة
يحيى غازي الأميري
الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:04
المحور:
كتابات ساخرة
في حياة كل مدينة تظهر شخصيات متميزة ، تبقى تتناقلها الآلسن في مجالسها ومحافلها ، حتى بعد رحيلها عن تلك المدينة أو وفاتها ، وفي مدينة العزيزية مئات من تلك الشخصيات ، فترى البعض منهم تميز بالورع والتقوى أو بالتضحية والشهامة أو بالثراء أو بالبخل أو بالعلم أو بالسياسة أو بأتقان الصنعة وغيرها من الصفات التي يمكن أن تميز هذا الشخص عن الأخريـن . وسوف أتناول في هذه المقالة أحد الاشخاص الذي أمتاز وتميز عن الأخرين بأسلوبه الخاص به وهو بديهية النكتة والفكاهة والمرح ، وقد كانت نكاته ( وخصوصا ً النكتة السياسية ) وتصريحاته أحيانا تصله الى السجن ولولا كثرة معارفة ومحبيه وتوسطاتهم لكانت أوصلته الى حبل المشنقة ! أنه المرحوم ( شاكر جواد القره غولي ) أحد أبناء مدينة العزيزية كان يعمل موظفا ً زراعيا ً ، ذا ثقافة جيدة ، كان يطلق نكاته وتصريحاته في كل الأوقات والأماكن في الجد والهزل في الدائرة أو المقهى أو الشارع ، كانت النكتة والفكاهة تلاصقه حيثما يكون فهو كثير المرح والمزاح، سريع البديهية في أتيان النكتة لايهدأ أحيانا ً من اطلاق الدعابة الواحدة تلو الأخرى ، كان رحمه الله وبـ مجرد وصوله الى أي تجمع من الناس يدخل الى قلوبهم المرح والمسرة . عند حضوره كان الجميع ينتظر أن يطلق( شاكر) أحدى قذائفه( المازحة ) المباغتة وغير المتوقعة أحيانا ً ، كان ذا رؤية في تحليل الوقائع والظواهر بأسلوب ساخر قوي في تأثيره على الناس لاينسى بسهولة !
في بعض الأحيان يعبّر عما يدور في خلده أو عن أحتجاجه ، بشكل غير متوقع كأن يكون حتى في ملبسه وطريقة ارتدائه للملابس !!! فمثلا ً عند حدوث تغيرات أو قرارات سياسية كبيرة على مستوى الدولة العراقية أنذاك كان لايصدر منه تصريح بل يعبّر عن ذلك بشكل أخر يمكن ان يكون أقوى من النكتة أو الحديث بالرأي ، ذات مرة لاأذكر بالضبط ( فلحوادث والمآسي كثيرات والحمد لله ) ، هل كان الحدث عند استلام صدام حسين السلطة من أحمد حسن البكر أو عند أعدام مجموعة من أعضاء قادة حزب البعث بعد استلام صدام السلطة (ما يسمى جماعة المؤامرة ) . في تلك الفترة كان صدام قد أفصح بشكل واضح عن خططه ونواياه المدمرة وقد أمتازبجدارة فائقة بقوة بطشه وأجرامه بحق القوى السياسية الوطنية مبتدءاً بحلفائه بالجبهة الوطنيه والقومية التقدمية !! مواصلا ً نهجه بثبات وعزيمة لتصفية رفاقه وشركائه في( الحزب والثورة ) وكذلك قادة وأعضاء التنظيمات الأسلامية !! ليستلم بعدهم الشعب بعربه وأكراده وأقلياته ليذوقهم الموت تلو الموت !! أعود لحديثنا عن شاكر، كنت أقف مع مجموعة من اصدقائي مقابل السوق العصري ( السوق الرئيسي في المدينة ) ـ كانت تلك الفترة مليئة بالحوادث الدراماتيكية وتصفيات القوى السياسية ــ في هذه الاثناء حضر شاكر، وترجّـل من سيارته : السلام عليكم ...... عليكم السلام أستاذ شاكر ..... ردت عليه المجموعة كان شاكر يرتدي دشداشته بالمقلوب سألته وفي حديثي شيء من الحدة والتنبه مع الأشارة بيدي على دشداشته ( شنو أستاذ شاكر متشوف أشلون لابس الدشداشة بهذا الشكل) أبتسم شاكر وأجابني بسخرية !! (( شوف أستاذ يحيى أني حاسبك مثقف وتفتهم )) (( ليش متعرف كلشي صار بالمكلوب )) (( ليش متشوف كلشي يمشي بالمكلوب ))
لذت ساعتها بالصمت فأنا أعرف شاكر كيف يخفي قنابله الموقوته داخله ، ورجال الأمن وأذانهم وعيونهم قد بثت في كل مكان ترصد الشاردة والواردة .
كان من صفاته الجميلة الأخرى( رغم مرضه المزمن الذي يحمله معه ) فهو ذو أخلاق حميدة ، كان شديد التأثر والحزن من أنحدار الوضع السياسي بهذا الشكل السريع والمخيف ، كان يشارك الجميع همومهم وأحزانهم . كان أنسانا ً لين العريكة كثير البشاشة، ضحوكا ً ، طيب المعشر، كان ( يعمل ) النكتة بالبديهية غير متكلف بأتيانها ، ولخفة دمه وسرعة بديهيته حلاوة وجمالية في اخراج طرائفه ونكاته. ومما يستحق الأشارة اليه ان له أخوة أشقاء أخرين لايقلون عنه ( أبتداعا ً ) للنكتة والفكاهة وخفة الدم ! فأخوه ( فرج ) كان يعمل عاملا ً زراعيا ً في أحدى الدوائر الحكومية كثير النكتة والمرح ذا صوت جهوري ، وقد مات رحمه الله في حادث سير وقد حزن عليه الجميع لطيبة قلبه ووسع علاقاته . وكذلك أخوه (عايد) الذي أستشهد في بداية الحرب العراقية الإيرانية وهو في مقتبل العمر كان رحمه الله كثير الحيوية جميل النكتة ، مكثر من إتيانها ، ذا ضحكة مجلجة جميلة متميزة . ومن مفارقات( المرحوم شاكر) أثناء تشييع جثمان أخيه (عايد ) والذي كما أشرت استشهد في الحرب العراقية الإيرانية ، ( من عادات أهالي ( مدينة العزيزية ) أن تخرج أعداد كبيرة من الناس في تشيع المتوفي ، وقد كانت تزداد جموع المشيعين وخصوصا ً عندما يعلموا ان المتوفي شهيد وشاب ، كانت تودعه الناس بالدموع والآهات ، يصل موكب المشيعين وهم يحملون الجنازة الى طرف المدينة الشمالي ومنها يوضع المتوفي فوق احدى السيارات ويتبعها رتل من السيارات منطلقة الى النجف الاشرف في أكثر الأحيان لكون غالبية سكان المدينة من الشيعة ). عند وصول المشيعين وهم يحملون جنازة (عايد) الى طرف المدينة وتجمعهم أعتلى( شاكر) أحدى السيارات ليوجه قذائفه اللاهبة الى الجموع المحتشدة وبأعلى صوته داعيا ً الناس ان لا تستكين على هذا الوضع عليها ان تدافع عن نفسها وأولادها(( ان موت عايد ماهو الا بداية لموت الجميع )) ، (( سوف يصل الموت والدمار الى كل بيت وعائلة )) ((اني اتحدث ليس لكونه أخي ، سينالنا جميعا ً مثل هذا الموت على يد هذه الحكومة ) . هرع نحوه راكضا ً أكثر من واحد ليكمموا فمه وينزلوه من أعلى السيارة ويدخلوه في أحدى السيارات التي أنطلقت به مع موكب المشيعين الى النجف .
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها شاكر هكذا حديث أذ حصل ذات مرة تحدث أكثر من هذا ، وكانت هذه الحادثة بعد وفاة أخيه ( عايد ) بفترة قصيرة ، كنت قد ذهبت إلى ( مقبرة النجف ) مع أعداد كبيرة من ابناء المدينة مشاركا ً في موكب تشيع أحد شهداء أبناء المدينة أحد ضحايا الحرب العراقية الإيرانية. وأثناء أجراء مراسيم الدفن في مقبرة النجف ذهب (( شاكر)) وجلس مقابل قبر أبيه وأخذ يبكي ويصرخ وبصوت مسموع وعندما أقتربت منه الناس وهم مستغربون من صراخه وصياحه المفاجىء هذا ــ اذ ان والده متوفى منذ زمن بعيد ــ زاد شاكر من نحيبه وبصوت مرتفع أخذ ينشج ويصيح و دون أنقطاع :
((راح أبوية عمت عيني عليه )) ((مات كبل مايشوف قادسية صدام )) (( عمت عيني عليك بوية متت وماشفت قادسية صدام )) وقف الجميع وهم فاغريين افواههم على هذا المشهد الغير متوقع !!
وبعد رجوعنا بأيام سمعت ان المرحوم ( شاكر ) قد أودع في مديرية أمن الكوت في محافظة واسط ! بقي شاكر فترة من الزمن في ضيافة الأمن ، وبعد أطلاق سراحه امسك عن التنكيت لفترة وجيزة ليعود بعدها الى حياته الطبيعية مشاركاً الناس همومهم ومأسيهم بقوة أكثر وهو يرى ما ألت اليه أحوال الناس والبلد من تدهور وظلم وجور وفقر، كان حزن شاكر يزداد كلما زادت المأساة ، لكن روحه المرحة وخفة دمه ونبل أخلاقة ونكاته بقيت متلاصقة معه حتى وفاته ! يخفف بروحه هذه عن همومه وهموم الناس وأحزانهم !!
يحيى غازي الأميري السويد في تموز 2006
#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأخوة والأخوات الأفاضل في اتحاد الكتاب العراقيين في السويد
-
لا تلومونا على هذا الحزن وكثر البكاء
-
جديد المناشدة بحقوق الصابئة المندائيين
-
الصابئة في مدينة واسط خلال العصر العباسي للفترة 324 656 ه أ
...
-
بين أمي .. وفيروز .. والإنقلاب .. شدة وفرج
-
الاشاعات ومروجوها ..... جيف وقمامة لا تستحق إلا الطمر
-
زهرون وهام .... رمزٌ جميل للصداقة ، والتواضع
-
العزيزية ...... سحرها بنهرها وشاطئيها وأهلها
-
مسودة الدستور الجديد ضربة موجعة للأقليات الدينية غير المسلمة
...
-
الى : أول صوت ( للصابئة المندائيون ) في لجنة كتابة دستور الع
...
-
تثبيت حقوق طائفة ( الصابئة المندائيين ) في الدستور يقطع عنهم
...
-
الصابئة المندائيون ....أخيراً ....في لجنة كتابة دستور العراق
...
-
أحداث من الماضي الأليم .... محفورة في الذاكرة
-
الصابئة المندائيون : حصتهم من الاضطهاد كبيرة ...ومن الغنائم
...
-
سلاما ً يا أحبتي
-
قديس أسمر من الناصرية أسمه سلمان منسي
-
من يضمــــــــــــد جراحنا ؟ من يوقف مآسينـــــــــــــــا؟
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|