أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نوفل شاكر - مفارقة التقدم














المزيد.....


مفارقة التقدم


نوفل شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 6758 - 2020 / 12 / 11 - 21:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ـــــــــــــــــــــ

في أوج عصر النهضة، و في غمار تلك الثروة الهائلة، و تعاظم القوة، و تزايد السرعة في الحضارة الغربية،قال مكيافيلي: "كان عالم الإنسان في جميع العصور واحداً، ولكنه يقدم على الدوام المظهر نفسه عن بعض المجتمعات المتدرجة نحو الازدهار، و بعض المجتمعات الأخرى المنحدرة إلى الانحلال".
فما هي الغاية من التقدم إذن؟ و هل حققت الحضارة الغربية التقدم حقاً؟ ما جدوى التقدم العلمي، و التأخر الأخلاقي؟ لماذا قال الفيلسوف الألماني (فريدريك نيتشه) بأنّ الإنسانية لا تتقدم؟ لماذا تشاءم الفيلسوف الفرنسي (أناتول فرانس) من مصير الإنسان فقال: " الإنسان أشقى مخلوق على ظهر الأرض. ولقد قيل إن الإنسان سيد المخلوقات، كلا يا صديقي ، الإنسان هو سيد العذاب"؟!

كان السياسي البريطاني الحكيم (بنيامين دزرائيلي) أول من لاحظ المفارقة بين التقدم الطبيعي والأخلاقي، و في ذلك يقول: " يتحدث الأوربي عن التقدم؛ لأنه استطاع بمعونة بعض الاكتشافات القليلة أن يقيم مجتمعاً يحسب خطأً أن الراحة هي الحضارة". لقد اعترف أدباء كبار ك (توماس كارليل) و ( ليو تولستوي) بالتقدم الهائل في وسائل الإنسان لتحقيق أغراضه، ولكن أي نفع لهذه القوى مادامت قاصرة على مضاعفة قدرة الناس على تحقيق أغراض تبلغ من التناقض والغباء و الضرر الذي يبلغ حد الانتحار، مالم تبلغه قط من قبل.

عندما تفوقت الآلة على الصانع اليدوي الماهر، ذهبت المهارة معه. وعندما بحثت الآلة عن أسواقٍ واسعة لتسويق انتاجها، و كيّفتْ بين منتجاتها وبين ما تطلبه تلك الأسواق، حلّتْ النماذج الشعبية و الموحدة محل النماذج البديعة والجمال. وانحدر الذوق، و أصبح السعر والحجم هما معيار القيمة.

و جاء "الجنون الأكبر" - بحسب توصيف ديورانت_ فاكتشف الناس كم كان رداء الحضارة مهلهلاً؛ فقد قل عدد الحروب، ولكن بشاعتها كانت أفضع وأوسع انتشاراً من الحروب السابقة. فألقى الطيارون القنابل الذرية على النساء والأطفال، وأبادوا مدناً بكاملها و مسحوها من على وجه الأرض. و تباهى علماء الكيمياء بفضائل الغازات الكيماوية و السامة. و تأزمت العلاقات الدولية، و انعزلت أوربا في القرن الماضي إلى قوميات متعادية، فلما وضعت الحرب أوزارها تبيّن بأن الغالب والمغلوب قد فقدا الأشياء التي تحاربا من أجلها. و أن الدكتاتوريات المستبدة، حلّتْ محل الحكم بالنُظُم الدستورية، و أن الديمقراطية لم تحقق ما بشرت به، وطغت موجة من الاستخفاف و الاستهجان على المزاج العام البشري؛ إلى الحد الذي حدى بفيلسوف و مؤرخ عميق، ك (ول ديورانت) بأن يقول: " اليوم أصبحت فكرة التقدم تبدو من أتفه الأفكار التي سخرت من تاريخ الإنسان، أو رفعته إلى مثالية باطلة وسخافة عظيمة".

لقد أصبحت الحياة _ برغم التقدم العلمي والحضاري الهائل الذي صبغ القرن العشرين _ عبئاً ثقيلاً، وهمّاً كبيراً على الإنسان، إلى الدرجة التي جعلتها تُتَرجم بشكل مرض أو آفة خطيرة مرعبة في أعمال أشهر الأدباء والفلاسفة العالميين، فإذا هي تبدو ك "غثيان" لدى (جان بول سارتر) أو "طاعون" لدى ( ألبير كامو)، و تحول الإنسان في ظل هذه الحضارة الغربية، إلى "مسخ" كما عبّر عنه الأديب الألماني (فرانز كافكا). فما هي قيمة التقدم العلمي، و الثورة التكنولوجية، و كل وسائل الحضارة الغربية، إذا لم تحقق هذا الاستقرار النفسي، والاطمئنان الروحي؟ بل إنها زادت من شقاء الإنسان وتعاسته، و جعلت البشرية تُصاب بالاكتئاب واليأس، و قديماً قيل "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".



#نوفل_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحتقار المرأة في تأريخ الفلسفة ( من سقراط إلى نيتشه)
- خلجات (نص شعري)
- من المادية إلى الميتافيزيقا
- عندما تغدو الشتيمة الجنسية، معياراً للوطنية!
- لانريد وطن- بقيادات دموبة بعثية
- تشرين من الغضب إلى اللطم
- كلمة الملك سلمان، رقصة موت أفريقية.
- حائكُ السجادة الفارسية، يسخرُ من رجل المارلبورو.
- ديمقراطية على طريقة الويسترن الأمريكي
- نوستالجيا وطنية!
- الويل لثقافةٍ تقودها شخصياتٌ بوفارية
- لن ننسى... كيلا يتناسل الشر!
- القرن الأميركي لن يكون أميركياً


المزيد.....




- حرائق لوس أنجلوس.. رفع تحذيرات الراية الحمراء -الحرجة- جنوب ...
- مشادة حادة بين سيناتور والمرشح لمنصب وزير الدفاع بسبب اتهاما ...
- رد فعل أقارب رهائن على طبيعة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وت ...
- بالفيديو.. انضمام أول مدمرة استخباراتية إلى قوات البحرية الإ ...
- الألغام تهدد حياة السوريين العائدين إلى أراضيهم
- الهدنة في غزة.. المباحثات تتسارع وباتت في -مراحلها النهائية- ...
- ألمانيا .. غرامة قدرها 5 يورو مقابل كل تأخر عن الدوام المدرس ...
- مراسل RT: إبادة عائلة كاملة في قصف إسرائيلي على دير البلح
- مراسلتنا: 30 قتيلا على الأقل في قصف إسرائيلي على قطاع غزة
- انفجارات وقطع للكهرباء في عدد من المناطق الأوكرانية


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نوفل شاكر - مفارقة التقدم