|
بانوراما الرعب العراقي حدود بلا حلول
طالب الوحيلي
الحوار المتمدن-العدد: 1614 - 2006 / 7 / 17 - 07:32
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
من اولى المعضلات التي كان يعانيها الشعب العراقي في العهد الصدامي هي معضلة العدالة وغربتها عن الواقع اليومي بالرغم من توفر مناخ عام لتطبيق القانون بصرامة لا متناهية ،فضلا عن سهولة اصدار النصوص القانونية الملزمة التي كانت لا تحتاج الى التعقيد الذي ينبغي ان تمر به كآلية معترف بها في العالم المتحضر ،لغياب السلطة التشريعية أصلا وانحصارها بأمزجة وردود أفعال الطاغية وحاشيته ،فيما بقي مجلس قيادة الثورة المنحل كسلطة عرفية بحكم الظروف الطارئه التي قامت اثر انقلاب 1968 من القرن الماضي ولم تنتهي الا بانتهاء نظام الحكم نفسه ،دون ان يترك( للمجلس الوطني) أي سلطة تشريعية سوى التصفيق والاهازيج للقائد ومعاركه وقراراته العجيبة . الظروف الطارئة التي حكمت سياسة النظام ،كانت كفيلة بإنهائه لولا لجوئه للقوة المفرطة التي استغل فيها البعد التشريعي استغلالا بشعا ،فكان لابد له ان يعالج الأزمات الاقتصادية بقوانين عقابية توصل مخالفها الى الاعدام مثال ذلك إعدامه 25 تاجرا او قطع ايدي العديد منهم بحجة تعاملهم بالدولار في وقت ابيح به التداول من خلال البنوك العراقية ،او إصداره قرارات بتحريم بيع او تصنيع الحلويات حفاظا على النسبة الدنيا لتداول مادة السكر خلال مدة الحصار الاقتصادي ،ناهيك عن فرض الإتاوات ومصادرة الأموال الخاصة للتجار الكبار والسيطرة على السوق من خلال شركات المقبور عدي وبقية افراد العائلة ،وما دام الأمن العام هو الوعاء الذي يمكن ان تستقر به الحياة ،لاسيما معالجة الجريمة العادية التي تقع على الاموال والافراد وفرض احترام النظام العام ،فقد سادت القواعد الصارمة والمغالاة في تطبيق اقسى العقوبات وابتكار عقوبات لامثيل لها في القوانين المشابهة او التي هي من جنس القانون العراقي كعقوبات قطع الايدي وصواوين الآذان وقطع الالسن ووسم الجباه وقطع الرؤوس والاعدام العلني في الاماكن العامة .وهي جميعها قادرة على فرض أمن مشوب بالخوف من سلطات رجال الأمن والمخابرات والاستخبارات والجهاز الحزبي ،مادامت كلها تنظر الى التهمة كجريمة تمس الطاغية بذاته قبل ان تكون اعتداءا على النظام العام ،وويل لمن مس شعرة من جلد ذلك النظام حتى ولو في الحلم . قد يحلو لبعضنا ممن آرقه الواقع العراقي الجديد ان يتجرأ فيقيس على الماضي ،ويبتغي بعض المعاذير لدعوا الاستفادة من تجارب النظام البائد في معالجة الازمات المتفاقمة والتي استفحلت كثيرا بمرور الايام دون ان يتمكن احد من معالجة ابسطها او أقربها الى حياة المواطن اليومية ،بالرغم من ان سقوط صدام وجلاوزته كان بمثابة الخلاص الأبدي من كل أنواع الظلم والاضطهاد ،لكن بقايا النظام البائد ومن منطلق جمع بين النزعة الطائفية التكفيرية وبين السعي من اجل العودة الى الحكم بالرغم من الإرادة الشعبية التي حققها الشعب بأغلبيته المطلقة من عرب وكرد واقليات أخرى ،وقد أعلنت ثورتها الدستورية وأسست لدستور دائم لا مثيل له في العالم المحيط على اقل تقدير ،هذا القياس يأتي من حقه الشرعي والقانوني كون مصلحته العامة هي اولى به ان تدفعه الى عدم التسامح او المساومة على مصيره وما قدمه من تضحيات ،لاسيما وانها صارت وسيلة لقتله اليومي وما يفقده من حياته وماله وآماله .. الواقع والقانون وقواعد حقوق الانسان يجب ان ترجح كفة الشعب الذي فقد الالاف من الابرياء بين ذبح دون ذبح الشياه وقتل وحشي وتفجير يذهب بارواح العشرات في رمشة عين وفي كل يوم ان لم يشهد اليوم الواحد اكثر من حادثي تفجير انتحاري او عن بعد ،ومصير الشعب العراقي وما يهدده من حرب اهلية ترجح كفة القبض على كل من تسول له نفسه مس امن المجتمع والنظام السياسي بادنى جرم ،واحالته الى القضاء العادل لكي تطبق عليه احكام القانون العراقي الذي مازال محافظا على نصوصه التي ورثها من الأنظمة السابقة واقرها دستوريا لتكون ملكته العقابية ضد مخالفي القانون والمتمردين عليه. ومع كل ذلك صدر قانون مكافحة الارهاب بحدود معتدلة لا تبعد كثيرا عن النصوص التي تضمنها قانون العقوبات العراقي ،لكن المجحف حقا ان القانون العراقي بقديمه وجديده قد اركن جانبا ،وكأنه قد عطل هو والسلطة القضائية امام مستوى الجرائم الارهابية التي لم تذعن لقانون ولا لدين ،ولعل الحديث في هذا الامر اصبح نوعا من البطر ،مادامت السمة السائدة هي التمرد على القانون بل ان مصيبة القاضي العراقي اليوم هي عدم تمتعه بنعمة الامن والاستقرار النفسي الذي يشترط لكي يفصل بالقضايا التي تعرض امامه ،ولنا في ذلك اكثر من شاهد وهم رعيل القضاة الذين استشهدوا في سبيل تحقيق العدالة ،وتلك مصيبة يتحمل وزرها القائمون على المؤسسات الامنية بين داخلية ودفاع وامن وطني ،ناهيك عن قوات الاحتلال التي اخفقت بقصد او بدونه في وضع الخطط الصحيحة والطبيعية لمعالجة الملف الامني ،وقد اختلط على المرء توزيع قواطع عمليات ومسؤوليات تلك الجهات ،حيث الخلل الكبير في تداخل تلك القواطع واختلاف تحركاتها مما يسهل على قوى الارهاب الحركة والمناورة ويفسح مجالا كبيرا للاختراقات بين صفوف تلك الجهات ،فيما نجد ان الترهل قد صاحب عمل الشرطة المحلية وقواطع النجدة وتلك معضلة اخرى تثير حنق المواطن وقلقه بدل شعوره بادنى حدود الامان . ويبقى القصور ينتاب فعل ورد فعل مجلس النواب مادام يحمل في جنباته اكثر من نفس مدافع عن الارهاب صراحة او تورية ،ومادام يفتقر الى الحد الادنى من الانسجام العصري الذي ينبغي ان يضع مصلحة الدولة العراقية فوق مصلحة الطائفة التي اجبرت ان تتبنى هوية المعارضة السياسية التي تضمحل كثيرا امام خطاب الإرهاب ومتبنياته،فما أجملها لو تبرأت بصدق من قتلة الشعب العراقي ومستحلي دمائه وحرماته ومبيحي القتل على الهوية..
#طالب_الوحيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوات حماية المنشئات ميليشيات حكومية!!
-
مستحقات واستحقاقات في جوهر العملية السياسية
-
إفراط بالتفاؤل أم إفراط بالقتل؟!
-
متى تفتح مخابئ أسرار النظام البائد؟!
-
تجليات في زمن الانتصار والخوف من المجهول
-
محاور حادة في هشيم الحدث اليومي
-
جدلية الصراع والانتصار عبر طوفان الدم العراقي
-
اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في الدستور الدائم
-
جذور الارهاب في العراق وخفايا العامل الدولي
-
موازنة بين الحوار الوطني وتداعيات الارهاب الاخيرة
-
مصرع الزرقاوي بين الحدث وتكتيكات المستقبل
-
رافضة) الظلم والاستبداد أقوى من كل قوى الظلام)
-
جرائم بلا عقاب ودماء اراقها المجهول !!
-
القواعد العامة في الرقابة القضائية على الدستور
-
شهود الزور وخداع محامي صدام ملاذ الطاغية الاخير
-
مطالعات في الواقع الدستوري للعراق الجديد
-
محاكمة الطاغية ام مهرجان خطابي!!
-
الثروة الوطنية بين الحيازة الغير مشروعة وآفة الفساد الاداري
-
عراق بلا معادلات ظالمة
-
العراق بين الحدث الدموي اليومي ومن وراءه
المزيد.....
-
وزير خارجية أمريكا يفسر رغبة ترامب في شراء غرينلاند: -ليست م
...
-
مصر.. هل ستحل الاكتشافات الجديدة وعودة الحفر بحقل ظهر أزمة ا
...
-
استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين، واقتحامات لمدن
...
-
تونس: احتجاز 11 روسيا بشبهة -أنشطة إرهابية- بعد العثور بحوزت
...
-
سوريا: الشرع يتعهد بإصدار إعلان دستوري للمرحلة الانتقالية وع
...
-
المغرب.. كشف تفاصيل ضبط خلية -الاشقاء-
-
الجيش الأمريكي يعلن استهداف -أحد كبار قيادات- تنظيم تابع لـ-
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تعيين دوغ بورغوم وزيرا للداخلية
-
مباحثات إيرانية قطرية حول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة ولبنان
...
-
ترامب يعلق على تقارير سحب القوات الأمريكية من سوريا
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|