سامي الكيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 6756 - 2020 / 12 / 9 - 14:17
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
في الثامن من كانون الأول 1980 كان قد تبقى على انتهاء فترة حكمي بالسجن ثلاثة أيام. بعد الظهر تم استدعائي إلى إدارة السجن، فاعتقدت أن ذلك سيكون كالعادة لقاء مع ضابط مخابرات ليسمعني الاسطوانة التي يسمعونها “ستخرج ولكن ستكون عيوننا عليك، وسيكون حكمك في المرة القادمة قاسياً …إلخ”. قابلني ضابط من إدارة السجن، عربي، تحدث بلهجة مختلفة تماماً، وقال إنه آسف لإخباري خبراً سيئاً، أن والدي قد توفي.
مرت لحظات، كانت صورته في آخر زيارة حضر فيها لزيارتي تحتل كل كياني، لم يحضر بعدها وكنت كلما سألت عنه أجابتني الوالدة بأنه مشغول أو تنازل عن حقه بالزيارة من أجل أحد الأخوة. طلبت كأس ماء، ولم أتحدث بشيء. واصل الضابط “سمح لك بحضور الجنازة، وستأتي سيارة عسكرية لأخذك هناك”. حضرت دورية من “حرس الحدود”، تم تقييدي مع شرطي.
وصلت البيت، استقبلتني الوالدة بكل الصبر وشدت من أزري، كعادتها، قبلت جبينه، ثم تحركت الجنازة وأنا مقيد مع شرطي وتباريها السيارة العسكرية. كان المشيعون بأعداد كبيرة، منظر لا أنساه.
بعد الدفن ارتجلت كلمتين عن ألمي وعن عزائي بأنني أنتمي لهذه البلدة ولهؤلاء الناس.
عدت إلى السجن لأقضي اليومين المتبقيين من الثلاث سنوات، ولأخرج بعدها لأجلس في بيت العزاء في اليوم الأخير لأستقبل المعزين الذين يمزجون في السلام عليّ بين تعزيتي بوفاة الوالد وتهنئتي بالتحرر.
تجربة حاولت كثيراً أن أكتب عنها، ولكنني أفشل في كل مرة في أن أعطيها حقها في كتابة إبداعية تستحقها.
أربعة عقود مرت على ذلك اليوم وصورتك يا أبي حاضرة حية، أربعة عقود لحق بك أحمد وعدنان والوالدة وتجرعنا ألم فراقكم ممزوجاً بطيب ذكراكم.
عليك الرحمة ولروحك السلام يا أبو سامي، يا محمد الحاج سليم، كم تمنيت أن أخرج من المعتقل وأحضنك وأسدد لك بعضاً قليلاً مما صنعته لي من عرقك وكدّ يدك.
#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟