أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمان السيد - التهام














المزيد.....

التهام


أمان السيد
كاتب

(Aman Alsayed)


الحوار المتمدن-العدد: 6755 - 2020 / 12 / 8 - 10:32
المحور: كتابات ساخرة
    


ظاهرة الالتهام التي تستشري في هذه البلاد، عفوا في هذا المجتمع الذي أصبحت من أفراده تدهش حقا، وتستوقف الفكر للغوص فيها ليقف على الدوافع إلى ذلك الالتهام.
لأول وهلة سيخطر الطعام للبال، وهو قد يكون المنطلق إذا خصصناه باللحم تحديدا، فرائحة الشواء التي تتعالى هنا في سائر الأوقات، وتخترق على أمثالنا ثقوب سكينتهم، ستردّ إلى بخلاء أهل "مرو" الذين وصفهم الجاحظ، وهم يقلّبون أرغفة خبزهم على رائحة شواء جيرانهم، وستستثير في الذاكرة أيضا المقامة البغدادية، واحتيال بطلها لتسوّل غداء شهيّ يتقاطر منه الدّهن على حساب التاجر السواديّ، وستوقد في الذّهن أيضا فلسفة التوحش على مر العصور، وإن كانت الذبائح محللة في الشرائع الدينية تحت شكل أو آخر، يشذّ عنها بالطبع المنادون باحترام الطبيعة بحيوانها، وبالاقتصار على نباتها، ويُساق "المعري" هنا مناديا بتحريم ما يخرج البحر ظالما، أو اقتناص الطيور الوادعة في مرابعها، وإلى ما ذلك من التحريمات عند بعض طوائف من الهندوس، وما تقرّ به" الرجفيدا" أقدم النصوص الهندوسية بعدم التمييز بين أطعمة بعينها من حيث التحريم، لكن في الوقت نفسه توصي بعدم إيذاء أي كائن حيّ. هنا قد نتحسّس مناشدة ما إلى صيام أبدي، فهل يمكن أن يخمّد الالتهام اللحميّ بصيام أبديّ مثلا؟!..
أمس كانت الشرارة لهذا البوح الذي هو تراكم غزير التلصّص مُحلّل لكاتب مثلي، بقصد، أو دونما قصد، على ما أراه هنا من الانكباب على الطعام، والشواء تحديدا، وإن سبق ذلك معاشرة السرير بدقائق معدودة!.
المرأة التي جالستها البارحة مع حشد من السُّهّار استوقفني سؤالها حقا، وهي تستحثّني على الطعام، ومتابعة سهر قد يمتد إلى الفجر: لماذا لا تأكلين، أتخشين السمنة، وماذا ستفعلين في البيت وحدك؟!
السؤالان في الحقيقة يشرعان على اللامتناهي من الإجابات. المرأة التي كانت تحشو فمها حشوا، والساعة تصبّ في جوف الليل، وبالطبع لم يكن ذلك طعامها الأوحد منذ باكورة يومها، كانت تستغرب عدم محاكاتي الضيوف في التهامهم، وسهرهم المطوّل.
شعرت أني أيضا كنت مجالا لتلصّص قديم، لأن سؤاليها أوحيا إليّ بمدى استهجانها سلوكا مني يتكرر!

الشعور بالخواء. أعتقده المشكاة للاستفسارات كلها. الخواء الروحي، شبكة العنكبوت المريعة حين تشتبك بشرايين النفس، فلا تدع ممرا ضيقا يمكن أن يتنفس منه صاحبها الرؤية، حتى أن الالتهام ستتنوع صوره وأشكاله، من التهام للأحاديث الفارغة، والنميمة، وتشريح البشر طولا وعرضا، التهام للوقت الذي يتربّص بصاحبه حزينا يائسا، وانتهاء بالتهام الحرية حين ينحرف البشر عن مسارها المضيء. افتراس يحوّل البشر إلى تراكمات من الأنياب، ونصال من الشفرات لا تهدأ باتجاه بعضها.
لا يقتصر الأمر بالطبع على تلك المرأة كنموذج، فمن الرجال كثيرون أيضا اختلت بهم الموازين في هذا المجتمع الذي قد ينتأ عن غيره بالاتساع أرضا، وتكاثفا، وحرية، وتسامحا، والذي نماذجه لا تعدّ، ولاتحصى. كان الناس قديما يتبارون بفروسية النبلاء، حتى المجرمون كانت لهم كلمة شرف. "روبين هود" كان يسرق من أجل أن يهب الفقراء، يلتهم لغيره، كما يدّعي، لا يلتهم من أجل أن يردم خواء صاعقا، كالذي يهيمن اليوم!
في بعض الأحيان ينتابني التساؤل حول الحرية التي أراها تسرح في هذا المجتمع بثوب يتبرّأ منها، وهل العيب فيها، أم في الأشخاص الممارسين لها، أم العيب في الجهات التي تسمح بحريات لا تُحدّ بضوابط، أم مردّها أمور أعمق مما يطفو على السطوح؟!
الشّرف الذي يُهتك عفافه أمامي على مناضد اللحم، والذي وثقتُ أنّ الأعراف والمنطق، إن لم نقل الشرائع أيضا تعتبره إثما يلزم أن يُدارى إلى أن يبرأ منه صاحبه، يبيتُ أكثر من طبيعيّ، وعادي، بعد أن يُصيّر مادة للتّندر مع فرقعة اللبّ إثرَ أسياخ من الشواء يكتوي بها الجمر صامتا أخرس..



#أمان_السيد (هاشتاغ)       Aman_Alsayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة التوقيع في الاحتفال بكتاب -نزلاء المنام - في سيدني - أس ...
- تعويذات
- ومن الأبيض تندلع الحياة
- كورونا الأكذوبة السورية
- حقائب سوريّة في متحف إيطالي
- الدنيا ريشة في هوا
- سلّم لي على الباذنجان
- حول رواية كافكا في مستوطنة العقاب
- منافسات، ولكن..
- كورونا يسقط حكم العسكر


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمان السيد - التهام