|
ميوشة تعتكف عن اللطم
محمد الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 1613 - 2006 / 7 / 16 - 11:12
المحور:
كتابات ساخرة
لم تظهر "ميوشة" للجيران منذ اكثر من خمسة ايام، وهي فترة غير طبيعية لامرأة تعودت ان تزورهم كل يوم تقريبا، تسأل عن صحة هذا، وحال الطفل ذاك وتتابع اخبار ولادة "ام محمود" و"نفاس" حليمة ومشاكسات المراهقة عبير. كانت بالنسبة لهم كوب الشاي الذي يشربونه في الصباح. ونادرا ما كانت"ميوشة"تعد الاكل في غرفتها فهي تشرب الشاي عند " كاظمية" في الصباح ثم تنتقل الى " ام سمير" لتثرثر قليلا قاضمة قطعة من الصمون لتسرع الى " ام زهير" لتتذوق طبختها قبل ان تكتمل. وفي العادة تضحك "ميوشة" وهي تقول لأم زهير: - كالعادة الاكل مالح. وتضحك ام زهير معها فهي تعرف ان "ميوشة"لاتقصد ذلك بل تريد فقط ان تضحك. في احدى المرات نصبت ام زهير لها فخا جعلها تضحك اسبوعا. في ذلك اليوم لم تضع ام زهير الملح في الطبخة ناوية بذلك ان تمتحن تذوق "ميوشة" وكالعادة سمعت ام زهير "ميوشة" تقول وهي تضحك: - الاكل مالح كالعادة. ضحكت ام زهير هذه المرة بشكل مختلف وكانت لهذه الضحكة نبرة خاصة لم تشعر بمثلها منذ سنوات طويلة وردت على "ميوشة" وهي تشرق بضحكتها: - يا "ميوشة" اليوم فقط لم اضع الملح في الطعام. ولكن "ميوشة"لم تنتبه لذلك بل اصرت على قولها ان " الطبخة" مالحة وحين احست باصرار ام زهير على نفي ذلك -وهو امر غريب لن تعتده من قبل- ادركت ان ام زهير قدعملت مقلبا لها. تجمعت النسوة في اليوم الخامس على غياب "ميوشة" في بيت ام زهيروقررن بعد نقاش طويل ان يذهبن الى غرفة "ميوشة" للتأكد من وجودها قبل الذهاب لابلاغ " الحرس الوطني" الذي ينتشر افراده في جميع ازقة الحي والاحياء المجاورة. حين وصلت النسوة الى غرفة "ميوشة" تبرعت ام زهير بفتح الباب ولم تستطع الاخريات صبرا فتدافعن كلهن نحو الغرفة فيما كان لهاثهن يكسر الصمت. رأت النسوة "ميوشة" وهي تتربع في ركن من الغرفة، ساهمة شاردة. رأيناها- كما وصفت ام زهير بعد ذلك- بسحنة غريبة، منفوشة الشعر، جمعت اطراف اصابع يديها مع بعضها فيما تركت يداها تسترخيان على فخذيها تماما كما يفعل "البوذيون" في ساعة تأملهم. لم تستطع ام سمير صبرا فارادت ان تصرخ ولكن ام زهير اسكتتها باشارة من يدها. اقربت ام زهير بهدوء نحو "ميوشة" وحين استقرت الى جانبها قالت ضاحكة: - الاكل مالح هذا اليوم، اقسم لك ان وضعت كمية كبيرة من الملح في الطبخة اليوم من اجل عيونك. لم تجب"ميوشة" بل لم يرمش لها حاجب ولم تتغير سحنتها ابدا. ملامحها ظلت جامدة كأنما تعيش في عالم آخر. اعادت ام زهير الكرة ولكن بسؤال آخر: - ميوشةن قلقنا عليك اليوم، هل تشكين من شيء؟ وهنا اسرعت ام سمير بالقول: - اعرف طبيبا يمكن ان يكشف عليم مجانا. ولم تسمع النسوة سوى همهمة قصيرة ندت من "ميوشة"التي ظلت مستغرقة في الضغط على اصابع يديها. فجأة وبعد دقائق معدودات سمعت النسوة "ميوشة" تسأل بصوت جامد: - متى لطمتن آخر مرة يابنات ؟ ساد الصمت ولم تجب اي واحدة منهن بل ظلت كل واحدة تنظر الى الاخرى ببله لايمكن تصوره. صرخت "ميوشة": - سألت،متى اشتركتن في آخر لطمية؟؟ تشجعت ام زهير التي كان وجهها قريبا جدا من وجه "ميوشة" بالقول: - ولك ياميوشة لماذا تصدعين رأسك انت تعرفين اننا نلطم كل يوم ولم يعد لدينا وسيلة غير الطم في التنفيس عن احزاننا. سمعت النسوة "ميوشة" تسأل بحدة هذه المرة: - متى لطمتن آخر مرة اكراما "لآل البيت"؟ عادت ام زهير الى القول وكأنها احست بالذنب: - قبل ثلاثة ايام يا ميوشة. - ولكنها لم تكن ايام عاشوراء. اغتصبت ام زهير ضحكة وهي تقول: - تعرفين اننا نلطم في كل ايام السنة وعاشور من ضمن ايام السنة. صاحت "ميوشة": - سؤالي محدد يابنات. كان صوتها هذه المرة اقوى من السابق. تابعت: - لو لم تكن فقيرات لما لطمتن. توسلت ام زهير قائلة: - ماهذا الكلام يا ميوشة، بالله عليك هل توضحين لنا ما تريدين. جاءصوت "ميوشة"قويا اكثر هذه المرة حتى ان النسوة اصابهن الرعب. - على مدى عشرات السنين والفقير وحده الذي يلطم. هل رأيتم في حياتكم امرأة غنية تلطم، هل رأيتم رجلا تبدو عليه النعمة يلطم، هلرايتم شاعرا او كاتبا او فنانا او حتى مذيعا يلطم، هل رأيتم طفلا في العالم يندهش لرؤية الدم تخر من روؤسكم مثل اطفالنا؟ لم تستطع "ميوشة" ان تخفي دمعتها وهي تتابع : - منذ سنوات .. سنوات طويلة هاجر احد احفادي الى استراليا. وفي يوم ما علمتمن احد اصحابه بانه تزوج واصبح ابا لطفل اسماه "يعرب"، فاستنجدت بجاري "ابو صالح" ليكتب لي رسالة له واتذكر اني قلت له فيها، هل تتذكر حينما كنا نشاهد "توم وجيري" سوية، كنا نضحك من كل قلوبنا. سكتت "ميوشة" برهة ثم تابعت: - رد علي بعد فترة طويلة برسالة اتذكر انه قال فيها ان التلفزيون الاسترالي منع مشاهد "توم وجيري" لانه يولد العنف لدى الاطفال كما يقولون. ضحكت "ميوشة" بمرارة وقالت: - اذا كان كارتون "توم وجيري" يولد العنف لدى الاطفال فماذا عن رؤيتهم لضرب القامة واللطمية؟ ظلت النسوة ساكتات فيما عدا ام زهير التي ظلت تسأل نفسها: هل كنت الطم لوكنت ثرية؟؟.
#محمد_الرديني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميوشة تسأل في عيد ميلادها
-
بعبع المخابرات
-
هذا العصفور لا احبه
-
الى محكمة العدل الدولية.... اني طالق ،طالق، طالق
-
قاتل الله الجاجيك
-
رسالة غير مكتوبة الى رب العزة
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|