ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 6754 - 2020 / 12 / 7 - 22:30
المحور:
كتابات ساخرة
ما إن سمع تصريح وزير الزراعة من على شاشة التلفزيون والذي ينصح به على أنه ينبغي على كافة المواطنين مساعدة الدولة، وأن يزرعوا ويخبزوا في بيوتهم، حتى هرع إلى المطبخ وأحضر كافة الأواني البلاستيكية القديمة، والتي لم يعد يستخدمونها إلّا نادراً ووضعها على الشرفة. ونزل إلى الأرض القريبة من بيته وأحضر منها كيسين كبيرين من التراب ووزَّعها على تلك الأواني.
لدى انهماكه بإعداد التربة تمهيداً لزراعتها بالقمح، وصلت زوجته من دوامها وضبطته وهو يقوم بنثر البذار. فصاحت بلهجةٍ مرتابة وقد اتّسعت عيناها دهشةً:
- بالله عليك ماذا تفعل؟!
- أزرع القمح حسب توصيات وزير الزراعة.. فقد نصحنا اليوم بزراعة كل شبر من أراضينا، وأن نخبز في بيوتنا.. وها أنذا أنفّذ ما تفضَّل به.
- هل أنت مجنون؟ لو زرعتَ كافة الأواني بالمدينة كلها لما سدّت ربع حاجتنا السنوية من القمح. ثم كيف سنخبز ولا يوجد لدينا موقد ولا مازوت ولا غاز ولا ضرّاب السخن..؟!
قعد على أرض الشرفة مسنداً ظهره على الجدار وأجابها بصوتٍ واهن:
- لقد أهاب بنا أن نقف إلى جانب الحكومة في ظلّ المؤامرة الكونية التي تنشب مخالبها في البلاد والعباد منذ عشرة سنين.. وللصراحة، فقد أوجع كلامه قلبي، وأحسستُ أنه من الواجب علينا أن نستجيب لاستغاثته, و..
وضعت يديها في خاصرتيها وابتسمت قائلةً بتهكّم:
- ومنذ متى كان قلبك على الحكومة وعلى مسؤوليها يا بعدي؟! فأنت كل يوم تجلدها بمنشور لا أتجرّأ لا أنا ولا الأولاد حتى على قراءته..
اعتصم زوجها بالصمت وقد تكالبت عليه نوبة من الارتعاش. وشعر بقطرات العرق تندي جبهته. ومن بين أسنانه التي بدأت بالاصطكاك همهم قائلاً وهو يضمُّ ساعديه إلى صدره:
- اححح.. اححح ياي شو بردان!
حملقت فيه وقد تجهّم وجهها فجأةً تتناهبها الظنون. شاهدت تقاسيم وجهه المتعبة في هيئة شبحيّة، وكأنه قد شاخ عدة سنوات في ليلة واحدة. اقتربت منه متوجسّةً ولمست جبينه براحتها، وسرعان ما قطّبت حاجبيها وهتفت بصوتٍ يركض فيه الفزع:
- يا إلهي، حرارتك مرتفعة جداً! ألله يجيرنا من الكورونا! ولكن على حدّ علمي فإن المصاب بها لا يُهلْوس! (رفعت يديها إلى السماء وهي تهمس متضرّعةً وقد أغمضت جفنيها منذرةً بالبكاء) يا ربّي دخيلك تثبّت عليه العقل! ألا يكفي ما نحن فيه؟!
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟