|
في ارتداد الأنا إلى العزلة والانعزال
هيبة مسعودي
باحث
(Messaoudi Hiba)
الحوار المتمدن-العدد: 6752 - 2020 / 12 / 5 - 12:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" الحب هو وحدتي مع الغير ووحدة الغير معي" هيغل عميقة هي المراجعات التي تحدثها الأزمات في المسارات الفكرية للإنسان. والأزمة بماهي وقف في مسار ما أو " الشّدة والقحط " تصلح للتوقّف والتشخيص لاتخاذ "القرار الحاسم " لذلك باتت حاجتنا إلى مراجعات عميقة مطلبا مُلّحا لأنّ الأوبئة كما الحروب الشاملة كانت ولاتزال أزمات تحدث نقطة فارقة في التاريخ البشري. فأيّ مراجعات ستجبرنا عليها الكورونا؟ وهل هذا الوباء كفيل برسم جادة مغايرة على الإنسان المعاصر تدبّر أمر السير فيها ؟ وأيّ إعادة تشكيل transfigurationعلى الأنا الخضوع إليها؟ أي هل الأنا ذاتها قبل وأثناء الكورونا بما أنّ الحديث عن مابعديات الوباء مازالت فراضيّة ضبابية؟ هي أسئلة لابّد أن نزّج بها داخل الحركة الفكريّة الفلسفيّة. فالأنا مدعوة في كل مرحلة إلى تنشيط ذاتها وإعادة التفكير في علاقاتها المتباينة في ظّل واقع متحوّل لأنّها ليست نفسها في كل مرّة. و لزام عليها أنْ تكون "وليدة عصرها" في بعث للقول الهيغلي من جديد. هذه الراهنية الفكرية المطالبة بالتحرّك وفقها تتطلب مراجعات قاسية في بعض الأحيان في علاقة بالآخر وبالأشياء وبالعالم. فأيّ رجّة ألزمت الأنا بإعادة التشكّل؟ كان العالم في ماقبل الكوفيد19 يسير على درب الكوجيتو الفينومولوجي المنفتح الذي أثّث الباحة التواصلية للإنسان المعاصر بعد تجاوز الكوجيتو الديكارتي المنغلق، فغدا التواصل مسلّمة حيوية لا نخشى استمراريتها لترتّسم "الأنا المركبة" لأنّ الأنا لم تعد متعالية أو مستقلّة عن الآخر كما خيّل لنا سابقا. فمسألة الاستقلالية لا نتحدّث عنها إلا في شيء من المجازية أو المثالية المنتهية الصلوحية قبل الوباء . فثّمة شيء من الاشتراك الداخلي أو ضرب من الاقتسام الحميمي المحرك للأنا لتكون ديمقراطية إلى أبعد ما نتصوّر في تنضيدها للعلاقات الممكنة مع الآخر. إنّ الأنا كانت محل إشتراك بين ذاتها والآخر الأكثر قربا دون أن تتخلى عن" الحديقة السرية" وفق عبارة غاستون برجيه. لكن هل مازال الانفتاح مطلبا إنسانيّا في ظلّ الأنا الموبوءة والآخر الحامل للفيروس؟ ههنا ثّمة كوجيتو ديكارتي منغلق نستعيده ضمن طرح الأنانة le solipsisme من أجل التنشيط وجعله مستجيبا لواقعنا. لم تعد" الأنا وحدي" خيارا بالنسبة إلى إنسان الحاضر، بل إلزاما يضمن البقاء وهي إستراتيجية ناجعة لكائن الكوناتوسconatus كما يعرفه سبينوزا بإعتباره قد قُدّ من" نزوع إلى الدوام إلى الاستمرارية في الوجود، هنا تصير ماهيته (الإنسان) محدّدة بوصفها ميلا إلى هذا الإستمرار "فما عاد الانفتاح مطلب الإنسان الكوني زمن الوباء وإنّما غدا الانعزال أمارة وجودية ضامنة للاستمرارية الحياتية. "أنا منعزل، أنا متوق، إذن أنا موجود" هو الكوجيتو الذي علينا اعتناقه في زماكنية كونية تتوجّس خيفة من نهاية أبوكالبسية . غير أنّ كوجيتو الانعزال كوقاية للوجود، يظّل ضبابيا، حينما يتعلق الأمر بالفضاءات الأكثر حميمية بالنسبة للأنا لأنّ الآخر ليس بالضرورة الغريب عنّي بل قد يكون محددا لهويّتي الشخصية. أيّ انعزال ستحافظ عليه الأنانة حينما تكون قبلة الاشتراك الأسري؟ هل ثّمة انعزال أكثر اجحافا سيرافقنا إلى فضاءاتنا الأكثر خصوصية؟ تكتب حنا آرنت في سياق التربية عن الأسرة ما يلي "الأسرة التي يعود أعضاؤها الكبار يوميّا من العالم الخارجي وينعزلون في أمن حياتهم الخاصة بين أربعة جدران. " منصصّة بذلك على أهمية البيت بإعتباره مأمن حميمي للأنا إلى حدود تاريخ قريب،" هذه الجدران الأربعة التي يحيا الناس بينها حياتهم الخاصة، هي بمثابة درع واقية، وخصوصا من الناحية العامة للعالم. إنها تحيط بمكان آمن، لا يستطيع شيء حي أن يزدهر من دونه. " ههنا نصطدم بطرح رومنسي للبيت قد أصابه الاهتراء ممّا يتوجب اخضاعه إلى التجديد لأنّ لا شيء بات آمنا في العالم غير السائل المطهر. ولا حصن تحتمي به الأنا حينما يكون عدوها لامرئيا. ثّمة مراجعات عليها أن تحدث حتى في مفهوم البيت الذي لم يعد قائما على شروط إمكان الراحة، وإنّما قابليته للتّطهر والتوقي في آن. إنّه فضاء آمن متى كان في منآى عن الحروب الجرثومية لكنّه ليس كذلك حينما تُفتح أبوبه وتدوس بلاطه أحذية مارست تمارين المشي في شوارع اليومي. إنّ الكورونا طاردت الأنا حتى طّبقت عليها الانعزال المتقع ضربا لكل قابلية للتوزيعية والإشتراك. إنّنا نقف على إلزامية الإنعزال في الفضاء الحميمي. فهل العزلة هي شرط المحافظة على البقاء في عوالم تنهشها الكورونا؟ وهل قدر الإنسان أن يرتّد إلى التقوقع من جديد؟
#هيبة_مسعودي (هاشتاغ)
Messaoudi_Hiba#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-التّعلم البيولوجي- أو في ترحيل التربية من المدرسة إلى البيت
-
تأمّلات في الصورة الفوتوغرافية المعاصرة - عثرات- لعبد الرحيم
...
-
أي عالم يخترعه الفنّ؟ قراءة في كتاب -الفنّ والمقدّس- لأمّ ال
...
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|