أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - العنوسة الهلامية ظالمة من حكاوى الرحيل - الاولى















المزيد.....


العنوسة الهلامية ظالمة من حكاوى الرحيل - الاولى


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


العنوسة الهلامية ظالمة
من حكاوى الرحيل - الاولى
في يومٍ كانت سماؤُه صافية، ونسماته مثقلة برائحة الليمون والجوافة ، كُنْتُ تلبيةً لدعوةِ صديقي طبيب العيون الأشهر في إربد، برفقة رائعة عبد الوهاب دعاء الشرق: يا سماء الشرق طوفي بالضياء، وانشري شمسك فى كل سماء. ذكّريه واذكري أيامه. أرضه لم تعرف القيد، ولا خَفَضَتْ إلاّ لِباريها الجَبينا. كيف يمشي في ثَراها غاصبٌ، يَملأُ الأفقَ جِراحاً وأنينا ؟ كيف من جناتِها يَجني المُنى ، ونُرَى فى ظِلِّها كالغرباء؟
بهدوءٍ مشوبٍ بغضبٍ حزينٍ مُسْتّفّزٍّ، كنت أهبط مرتفعات أم قيس في الشمال الأردني، بإتجاه قريةِ لِمْخِيبه على الضفة الشرقية لنهرالأردن، ألمجاورةِ للجولانِ السوري المُحْتَل، على الضفة الغربية منه.
وصَلْتُ الإستراحةَ المقصودة، قبل الموعدِ المُحدَّدِ للغداء بساعتين. فإنتبذتُ مكاناً شرقيا قصيّاً فيها. وإستقرَّ بيَ المقامُ هناكَ على صخرةٍ، تتيحُ لِساقيَّ مُداعبةَ ما تبقى من ماءٍ، شِبْهَ جارٍ في النَّهر. وما أن إستقر بيَ المقامُ، سمعتُ مِنْ جهةِ الغربِ مِني ، دَنْدنةً أنثويةً خافتةً شجيَّةً ، لرائعة كامل الشناوي – فريد الأطرش : عُدْتّ يَا يَوْمَ مَوْلِدِي ، عُدْتَ يَا أَيُّهَا الشَّقِي. ليتكَ كنتَ يوماً بِلا غدِ. سَلَمْتُ أذنايَ للدندنةِ . وتَتَبعتُ الصوتَ حتى وصَلَتْ الى مَصدَرِه. تَنبَّهتُ لوجودِ إمرأةٍ كانتْ تَجلسُ على مسافةٍ ليْسَتْ بِبَعيدة عني. ظلَلْتُ صامِتاً مُؤْثِراً الإنصاتَ إليها. لَمْ أشَأ أنْ أقاطِعَها، بل تَعمَّدتُ التحليقَ في بُحَّةِ الحُزْنِ فيما كانت به تًدَندِنُ، وهي شاخِصةَ العينين ألى الجولان المُحتل، على مرمى البصر.
ظنَنْتها توقَّفَتْ فتَنَحْنَحْتُ تَأدُّباً. تَلَفَّتَتْ قَلِقَةً. في با دئِ الأمر، جابَتْ عيناها المكانَ وهي تستكمل دندَنَتها ، فَلمحتُ بقايا دمعٍ في عينيها، تُجاهِدُ لِلَمْلَمَتِه.
نَظَرَتْ بإتجاهي وهي في حالةٍ من الذهول، غيرَ مُصدِّقَةٍ ما تراه واقِفاً أمامها. إقترَبَتْ بِوُدٍّ لم تُحاوٍل إخفاءه، وكأنَّها كانَت تَسْتَعِدُّ لِضَمّي. تَبَصَّرْتُ في ملامِحِها وفي صوتِها، فعرفْتُها في الحال. أمْسكتُها مِنْ كتِفَيها، ثم قُلتُ لا شيء. ناظرا إلى عينيها بفرحٍ شديدٍ، تقدَّمْنا معاً إلى صخرَتين مُتقابِلتين لنجلسَ فوقَهما. فحديثُ الذكريات يطول، ولا يصِحُّ وقوفاً. لم أبْصِرُها منذ أكثر مِنْ ثلاثين عاما، حين كانت من أنجب تلمِيذَاتي، في جامعة بيروت العربية، في لبنان.
أخَذَتْ نَفَساً عميقاً، قبل أنْ تُجيبَ على حُزَمِ أسْئِلَتي ألمُتلاحقة، ثم نْكْوشَتْ خُصْلةً غجرية من شعرها الطويل الناعم ، تهدلت فوق عينِها اليُسرى قبل أنْ تُخبِرَني: أنا هنا منذ أقلّ منْ عامٍ، شريكة ومديرة لهذه الاستراحة السياحية. وأنت يا أستاذي ما الرِّيح الطيب الذي أتى بك إلى هنا، في مثل هذا اليوم الجميل؟!
أخبرتُها حكاية الدعوة. ثم سَكَتُّ في حالةٍ من التأمُّلِ. وتابعتُ مُتسائلاً بهمسٍ، وقدْ تمكَّنَ منِّي قلقٌ وحيرةٌ، لما تشي به عيناها من حُزْنٍ وبقايا دَمْع: ما بِكِ دامعةَ العينينِ يا عزيزتي؟!
صمتَتْ بِحيرةٍ، ثم همسَتْ وقد تمكّن منها شيءٌ منَ التوتر: أولَمْ تُعلِّمنا ذات يوم، أن البعض منا حبيس عقله أو قلبه. وأنا في هذه السن ما زلت حبيسة عنوسة هلامية مستبدة. ألشعور بها يُرافقُني ويُضايقُني، وأحيانا تكْسرُني كوابيسُها. إرْتحَلَ منذُ أمَدٍ الصِّبا والشباب، وما زلتُ مُستَغرَقة في عنوسةٍ كئيبة مُحيّرة. ظاهِرُها كباطِنِها، تعجُّ بالكثيرِ مِنَ النّقائصِ والمُتناقضات. ولا أشعرُ بالارتياح للمسارات التي تتخذُها. أعلمُ أنَّ للعنوسةِ أسبابٌ، بعضُها أعجبُ مِنْ بعضٍ.
صَمتَتْ قليلا، ثم أكملَتْ بصوتٍ مرتجفٍ دون أنْ تُحاوِلَ انتقاء ألفاظها: قُلْ لي بربك يا سيدي، واليومُ يومُ مَولِدي، أمَحكومٌ عليَّ أنْ أبقى أسيرةً لهذه العنوسة اللعينة، مُصارعةً لِتَبِعاتِها الَّلزِجَة، في كلِّ ما قد تبقى لي من عمر؟! أنا حبيسةُ الوحدةِ والصمتِ. الخوف منها يا يتغلغل قلبي وروحي.
فأنا منذُ أنْ أعْلَنَتْ مُبكِّرا تضاريسُ جسدي ألعصيانَ والتمردَ، على قوانينِ ما كان قد مضى من عَدِّ السنين من عمري، تَسَيَّدَتِ الأنثى بدواخِلي ، خِشيةً مِنْ شماتةِ العُنوسة. فبدأتُ تأهيلَ عقليَ ونفسي، للفستان الأبيض بكلِّ مُقدماته وتبعاته ومقتضياته.
وبَدأتُ رِحلةَ بحثٍ مستحيلٍ، عن فارسٍ مُحتملٍ يُرضيني، ويُرضي مَرجِعياتي الأسرية وحواضني الإجتماعية. بِدايةً قُصاديَ في الحيِّ الذي كنتُ فيهِ أقيم. ثم تجاوزتُ إلى ما جاوَرَه من أحياءٍ قريبةٍ أو بعيده. ومن ثم في الجامعة، وفي كل عمل كنت أنتَسِبُ إليه.
أرى حياتيَ ناقصةً بلا أمومة. صَمْتُ العنوسةِ هو أوَّلُ عتبةٍ في الحُزْنِ المُمِضِّ. أتمنى في قرارة نفسي، أنْ أوظِّفَ أنوثتي لِما خُلِقَتْ من أجله، وأنْ أصبحَ مثلَ أمّي إمرأةً وَلُوداً. وأنْ أشاغِبَ شَعْرَ بناتي وأنا أسَرِّحُه لهن.
وقَفَتْ وابتسامة ماكرة تعبر وجهها. نظرَتْ بحزمٍ في عينيَّ، ثم أكمَلَتْ حديثَها بتساؤلٍ: أتُساعِدُني على إزاحةِ قلقيَ وحيرَتي؟! أتَذْكُرُ يا أستاذي ما كُنتَ تقول لنا وهو بالحق كثير؟! أذكّرك بشيءٍ كنت تُحذرنا منه. مبكرا قلت لنا: ما أسوأ أن يكون المرءُ حَبيسَ وِحدَةٍ ، أو حبيسَ يأسٍ ، وفي الوقتِ ذاتِه حبيسَ عجز.
قُلتُ جلوساً ، وأنا لا أتمالك نفسيَ منَ الأبتسامِ الحَزين: كلُّ شيءٍ يُصبح معَ اليأسِ ككلِّ شيء. لذا عليكِ أنْ تتذكري دائما، أنَّ الزواجَ ليسَ المهمة الوحيدة للأنثى، بل ليست مُهمتَها من الأساس، فالزواج حياة يمكنك السير فيها، واختيارها أو العزوف عنها إلى لأبد. لا يوجد ما يسمى قطار واحد للزواج ، لا بد من الأسراع للحاق به. الزواج نصيب. تعلمي واعملي وانطلقي واقرأي وتجولي. لا تتزوجي خوفا من لقب ”عانس”، أو بعدما مَلَلْتي من سماع سؤالٍ حُشَرِيٍّ أبْلَهٍ : متى حَنَفْرَحْ بك؟ لسْتِ في سباقٍ: من سَيتزوج قبلَ مَنْ؟!
أمْسَكَتْ بِيَديْ المُمْتدة بإتجاهها، لتُساعِدَني على الوقوف وهي تقولُ مبتسمةً: هيَّا فقَدْ وصلَ صَحْبًكَ.
وأكمَلَتْ وهي تقولُ بتأفُّفٍ: مراتٌ كثيرةٌ لا أصدِّقُ أنَّهُ النصيب، ومرَّاتٌ أكثرُ أسْتَسلمُ لهذا الهراءِ الواهِمْ.



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تُسْعِدُني قِراءتُكْ ، فما بالُكِ لوْ حدّثْتُكَ ؟! عشوائيات ...
- إن غابَ الأمَل ، عشوائياتٌ في الحب
- إضاءة على الجريمة الزرقاء مثلا
- فَرَحٌ حزينٌ ثرثرات في الحب
- لا أتْقِنُ النِّسيانَ ولا أريد ، عشوائيات في الحب
- إنَّهُم يَصرحزن عشوائيات في الحب
- أشتري الحَزَنَ والحُزْنَ ، فَمَنْ يَبيع؟!!! يا أمَّةً يَضْحك ...
- عشوائيات في الحب طَمِّنْ بالَكْ
- التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب
- لأمة تضحكُ منْ جهلها الأمم أقول : شُكراً لكلّ مَنْ لَمْ يَخُ ...
- فضفضة في منام – سؤال يبحث عن بوح عشوائيات في الحب
- ولأحرار العرب قولُ الفَصْل ... إضاءة على المشهد العربي
- يا أمّةٌ تضحك من جهلها الأمم أمريكا لا تذهبُ الى الصيدِ إلا ...
- قاماتٌ وهاماتٌ لن تموت ناجي العلي ، لم يأكله ذِئبٌ ولا ضبعٌ ...
- أياصوفيا ، ملهاة جديدة إضاءة على المشهد في فلسطين
- مّسْخَرَةُ الضَّمِّ ملهاة وسراب إضاءة على المشهد في فلسطين ا ...
- قامات وهامات لن تموت أُسودُ رام الله الخمسة– رحيل من الشرق ا ...
- فلسفة الصِّرْصار !!!
- أمُّ هارونٍ - سوقُ نِخاسةٍ البائعُ فيه تابِعٌ -
- يا أمة تضحك من جهلها الأمم المسؤولية المجتمعية اهتمام ايجابي


المزيد.....




- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - العنوسة الهلامية ظالمة من حكاوى الرحيل - الاولى