|
مرثية رجل
البتول المحجوب
الحوار المتمدن-العدد: 1613 - 2006 / 7 / 16 - 00:10
المحور:
الادب والفن
إلى من ظلت عيناه تبحثان عن أمل ضائع..إلى من عاش على أمل الانعتاق ،إلى من تاق للخلاص..للحياة من جديد..الى من مات قهرا في أقبية الظلام..الى من انطفأ بعيدا عن أحبته..الى من احترق بنار الغياب والانتظار..
..عيناه نحو سقف زنزانة ضيقة..النوم يجافيه، يفكر في صغار تركهم..أي مصير ينتظرهم..؟
من يرعاهم بعده..؟ حرقة سؤال وألف سؤال تراوده لحظتها. يتأفف من ضيق المكان.يصرخ.. أكاد أ جن اشعر بالاختناق. ينظر إليه زميله بحزن قائلا: -لا داع لهذا..ستطول سنواتك هنا..اصبر ..لصغارك رب يحميهم..كن أكثر أملا..يبتعد به فكره يتذكر أسرته، يتذكر الأشياء الصغيرة..يبتسم بحزن.. تدمع عيناه..يخاف غدر الزمن..ذئاب الليل..يدعو الله في صلاة صامتة أن يحفظهم..يدخل أحد رفاقه قاطعا حبل انغماسه قائلا: -اطمئن الحياة تستمر هناك..ونحن نتعفن هنا في هذه القلاع المنسية.رحلة العذاب يا رفيقي يظهر أنها ستطول يرمى بنا من مخبئ سري لأخر ألا ترى رحلة العذاب من* اكادير* لورزازت* ،اكدز* وها نحن ألان نتعفن في *قلعة مكونة* جحيم أخر ومخبأ عذاب وتعذيب، يطول ويطول، يعصر مابين حاجبيه بقوة علّه يمسك بذاك الصداع المدمر الذي يصيبه..
-أما من وسيلة للخروج من القمقم..من رمى بنا في قلعة الجحيم المكونية هاته تبا لهم...أي مصير مجهول نساق إليه..؟
يستلقي على ظهره..ينظر للسقف هل ضاع أملنا في الخروج..؟ نتعفن هنا كعلب سردين نتن..أي مصير هذا.؟.يردد هاته الكلمات اليائسة في نفسه..عيناه يقظتين تبحثان عن خلاص.. ..تمر أيام، ليال وسنوات عجاف..يضيق ذرعا بكل شئ..يختنق..يصرخ..يئن من ضرب جلاديه
يرفسه أحد الكلاب بقدمه القذرة ،تكسر أضلاعه..يئن من الألم..يتذمر يسب يشتم يصاب بالصداع مرة أخرى لم يسعف..ولو حبة أسبرين واحدة.. ياالهي حبة أسبرين واحدة..كاد الصداع يفتت دماغه ذاك المساء وهي على الضفة البعيدة تئن لوجعه.. تمسك رأسها تشعر بنفس الصداع. .تردد في نفسها:
..تراك تألمت لتلك الضربات الموجعة.؟ فداك عمري...ما أكبر همك..أورثتني الوجع..وحرقة السؤال الملّح.
كبرت وكبر السؤال..أذكر يوم رأيت حرقة السؤال في عينيها..يوم شاهدتها تقف.بفرح حذر..آه أخيرا ستفرج مر على غيابك ستة عشر عاما وأشهر في غياهب الظلام، تفرح، تترقب تتساءل هل سيعرف الطفلة المدللة..؟ تبسم ساخرة ..الطفلة ،نعم الطفلة كبرت بعد أن دمرتها سنين الانتظار وحرقة الغياب، تنتظر مع طابور نساء أطفال وأهالي قدوم حافلة مجهولة .بدأ الرجال في النزول هياكل عظام، بقايا رجال.. زغاريد النساء تخنقها دموعهن، تحس بقلق ما..لازالت عيناها الدامعتان شاخصتين للبحث عنه لن تتوه، ملامحه محفورة في ذاكرة الطفلة.. لم تشأ السؤال تخاف الإجابة أخيرا لم يبق في الحافلة أحد لايمكن،كيف؟ ربما لم أتعرف عليه..لكن لا.
راودتها الهواجس بدأت تسأل..؟الم يأت معكم..؟ أين هو..؟أفي حافلة أخرى..؟ وابل أسئلة دون رد..أخذها احدهم بحنو ضمها إليه اسمعي...صرخت لا..لااريد أن اسمع . بل اسمعي كوني أقوى منهم..لاتنهاري لاتضعفي..الرجل العظيم مات شهيدا تحت سياط جلاد لايرحم..توفي شامخا..كوني أكثر فخرا به..لاتسمحي لهم أن يروا دمعة واحدة على خدك، كانت اضعف بكثير من وصايا رفيقه لحظتها..منكسرة وهشة من دونه،-قلبي معها- لم تصدق لحظتها أنها لن تراك مرة أخرى كيف يعقل هذا لا،لايعقل سنين العمر ذبلت في انتظارك..ابيضّ الشعرقبل أوانه،لماذا سمحت لهم أن يغتالوا حلمها الجميل..لماذا..لماذا..؟صراخها شق أذان الكل،.أظافرها تخمش وجه الحافلة اللعين..رفيقه لم يتحمل رؤيتها..هزها بقوة .. اسمعي
كان فخورا بك بيننا..يتذكرك دوما يتذكر غضبك، شغبك، فرحك، كان مشتاقا لك مشتاقا لبسمتك البريئة مشتاقا لدمعتك النقية..مشتاقا للخروج..للخلاص..للحياة..لكنه ضاع منا قبل أن يضيع منك..تذكريه كلا فجر تذكريه بفخر واعتزاز ،تذكريه كل مساء جميل بفرح،لكن ذاكرتها المتعبة لاتحمل الاّ تقاسيم فجر ضبابي القسمات ،فجر عاصف بحرقة الحرمان وغصة دمع جف في المآقي
مذهولة كانت..انفجرت تضحك..تبكي بيأس بحرقة..تمسح دموعها..تخرج مسرعة تقف بركن الزقاق تنظر وتنتظر..سألتها احدهن بحزن ما تنتظرين..؟
-أنتظره..يعانقني مبتسما..سيطل من ركن زقاقنا، واضعا يديه وراء ظهره. أعرفه من بين ألاف البشر كيف أنساه وأنا الصغيرة التي تمسكت به يوم حاولت الكلاب المسعورة انتزاعه مني
..يضع صديقه يده على رأسها مربتا..تبعد يده تنفرمن تلك الحركة لاأحتاج لحب أحد غيره،لاأريد أي كان غيره ،سيأتي إلي يوما..سأحدثه عن الوعد الجميل ،ونعبر الجسر معا..أليس كذلك ياأعظم الرجال..؟
تصمت في حزن..بصوت تخنقه العبرات..تردد:
كلماتي خرساء، عاجزة أن أقول في حقك كلمة أيها الرجل العظيم.. أنت أكبر من كلماتي الهشة، أكبر من انكساري.، أعظم من ألفاظي المنكسرة ومن عبارتي التائهة.. .تصمت،تغمض جفنيها علّها تحلم بيوم جميل..يوم لايخيم عليه فجر ضبابي القسمات..
البتول المحجوب-طنطان-
#البتول_المحجوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قالت اليمامة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|