|
أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويجي بيرغ نموذجا- الجزء السادس: تحريف أخطاء الالتفات -3-
عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)
الحوار المتمدن-العدد: 6747 - 2020 / 11 / 29 - 22:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الالتفات ظاهرة لغوية طبعت القرآن بشكل لا تخطئها عين قارئ، فالانتقالات العبثية في صيغ الكلام المختلفة تتعدّى ألْفَ انتقال. نعم إنَّ نَقْلَ الكلام من صيغة إلى أخرى مع مراعاة القواعد بلاغةٌ في جميع اللغات، لكن المتتبع لهذا النقل في القرآن يجده في الغالب عبثا بالأسلوب وتلاعبا عشوائيا بالتركيب، فالجملة: "قُمْتُ في الصباح وبعد أن تَنَاوَلْتِ فُطُورَكِ يَذْهَبُونَ إلى العمل" لا تُعدّ بأي حال من الأحوال جملةً سليمةً فضلا عن اعتبارها إعجازا لغويا. وقد ذكرنا في المقالين السابقين أمثلة من الالتفات الضميري والالتفات العددي والالتفات الزمني، وفي ما يلي أمثلة تتعلق بالالتفات الجنسي، حيث قام كاتب القرآن بتذكير ما يؤنث، وتأنيث ما يذكر، عدة مرات. فانظر إلى قوله: ﴿ .. فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ .. ﴾[1]، وتأمّل تحوّلَ الكلام من المذكر ( جاء ) إلى المؤنث ( موعظة )! والصواب: ( جَاءَتْهُ ). وانظر كيف التفت عن صيغة المؤنث إلى صيغة المذكر في قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ﴾[2]! والصواب: ( دَلِيلَةً )[3]. وانظر كيف انتقل بالكلام من صيغة المؤنث إلى صيغة المذكر في قوله: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾[4]! والصواب: ( قريبة )[5]. وانظر كيف صرَفَ الكلامَ عن المذكر للمؤنث في قوله: ﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾[6]! والقول الصائب: ( تَلْتَقِطْهُ )[7]. وانظر كيف التفت عن المؤنث إلى المذكر في قوله: ﴿ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾[8]! والصواب قوله: ( أُوتِيتُهَا ). وانظر لقوله: ﴿ ..فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ.. ﴾[9]، ولاحظ كيف أورد مصدرا مؤنثا ( بَيِّنَةٌ ) بينما جاء بفعله مذكرا ( جَاءَ )! وصواب القول: ( جَاءَتْ ). والغريب أنه جاء بنفس الآية سليمة معافاة في موضع آخر من القرآن، حيث قال: ﴿ ..قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ.. ﴾[10]. وانظر كيف التفت عن المؤنث إلى المذكر في قوله: ﴿ وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾[11]! وكذا في قوله: ﴿ لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً.. ﴾[12]! والصواب: ( بَلْدَةً مَّيْتَةً )، لأن الأصل أن توافق الصفة الموصوف تذكيراً وتأنيثاً[13]. وانظر كيف التفت عن المؤنث إلى المذكر في قوله: ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾[14]! والصواب: ( ذَكَرَهَا )[15]. وانظر كيف التفت عن المذكر إلى المؤنث في قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[16]! والصواب أن يقول: ( فيه ). وانظر لقوله: ﴿ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ.. ﴾[17]! ولاحظ كيف أنّثَ ( خالصة ) وحَقُّها التذكير لكونها عائدة على معنى مذكر، وهو قوله: ( ما )! وانظر لقوله: ﴿ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾[18]! ولاحظ كيف التفت عن المؤنث ( تَكُ) إلى المذكر ( مِثْقَالَ )! قال المبرّرون أنه أنَّث الفعل ( تك ) وحقه التذكير، لأنه مُسْنَد لـ ( مثقال ) المضاف إلى مؤنث ( حبة ) فاكتسب منها التأنيث، وبالتالي ساغ تأنيث فعله! وانظر لقوله: ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ.. ﴾[19]! ولاحظ التفاته من مذكرٍ ( قَالَ ) إلى مؤنثٍ ( نِسْوَةٌ )! قال الزمخشري مبررا خطأ القرآن: [ النسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة، ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث ][20]. وانظر كيف التفت من مبتدإ مذكر ( ٱلإِنسَانُ ) إلى خبر مؤنث ( بَصِيرَةٌ ) في قوله: ﴿ بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾[21]! ابتدع شرعيو الإسلام أقوالا لتبرير هذا الالتفات، فقيل أن التاء في ( بصيرة ) للمبالغة كعلّامة، وقيل أن الإنسان محمولة على معنى النفس، وقيل أن بالآية حذفا مقدّرا بِعَيْنٍ أي أن المُراد: بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ عَيْنٌ بَصِيرَةٌ. وقيل أن الحذف مقدر ب ( جَوارِحُ ) فمراده: بَلْ جَوارِحُ ٱلإِنسَانِ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ.
الهوامش: [1] سورة البقرة. من الآية 275. [2] سورة الفرقان. الآية 45. [3] قال القرطبي: [ ولم يؤنث الدليل -وهو صفة الشمس- لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان، والشمس حق ] ( الجامع لأحكام القرآن ). وقال اسماعيل حقي: [ ولم يقل دالة لأن المراد ضوء الشمس ] ( روح البيان في تفسير القرآن ). وذهب اطفيش إلى أن المراد طلوع الشمس، إذ قال: [ "ثم جَعَلنا الشَّمس" أي طلوعها "عليه" على ظهوره "دليلا" ] ( تيسير التفسير ). [4] سورة الأعراف. الآية 56. [5] ادعى أهل التبرير أن المراد بالرحمة هنا المطر. [6] سورة يوسف. الآية 10. [7] وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: «تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ» بـالتاء. ( نقلا عن الطبري ). [8] سورة الزمر. الآية 49. [9] سورة الأنعام. من الآية 157. [10] سورة الأعراف. من الآية 73. [11] سورة الزخرف. الآية 11. [12] سورة الفرقان. من الآية 49. [13] برّر الفقهاء هذا الخطأ فقالوا: إن لفظة ( بلدة ) تؤول بمعنى المكان، فيكون التذكير هنا اعتباراً للمعنى لا للفظ، وكأن الآية قالت: مَكَاناً مَيْتًا! [14] سورة عبس. الآيتان 11 و12. [15] قال الفقهاء أن الاعتبار هو على المعنى في هذه الآية، لأن المراد: فمن شاء ذكر هذا الشي! [16] سورة المؤمنون. الآية 11. [17] سورة الأنعام. من الآية 139. [18] سورة لقمان. الآية 16. [19] سورة يوسف. من الآية 30. [20] الزمخشري. الكشاف. تفسير الآية 30 من سورة يوسف. [21] سورة القيامة. الآية 14.
#عبدالإلاه_خالي (هاشتاغ)
Abdelilah_Khali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويجي بيرغ نم
...
-
أخطاء القرآن البلاغية وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويج
...
-
أويهامن
-
أخطاء القرآن البلاغية وأثرها في تحريف ترجماته -ترجمة النرويج
...
-
عذرا لن أكتب الآن أدبا..
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
العنوان: أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
رهائن العبث ( الفصل الأول )
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
وداعا أيها القطار..
-
أخطاء القرآن وأثرها في تحريف ترجمته إلى اللغة النرويجية
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية -ترجمة إين
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية ‹‹ ترجمة إ
...
-
أخطاء القرآن وأثرها في ترجمته إلى اللغة النرويجية ‹‹ ترجمة
...
المزيد.....
-
ترامب يأمر الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية في الصومال
-
تظاهرات في مدن ألمانية ضد سياسة الهجرة المدعومة من البديل
-
نتنياهو: سنواصل العمل لتحقيق أهداف الحرب
-
شاهد.. نيران وحطام طائرة متناثر في الشوارع إثر الحادث الجوي
...
-
مصر.. اجتماع عربي لرفض تهجير الفلسطينيين
-
صحيفة: في الغرب يدركون أن بوتين يعرف نقطة ضعفهم
-
اختفاء معلومات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من
...
-
السودان.. الجيش يعلن استعادة السيطرة على عدة مدن في ولاية ال
...
-
دانماركي يحرق مصحفا أمام السفارة التركية في كوبنهاغن (فيديو)
...
-
واشنطن: يجب إجراء انتخابات في أوكرانيا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|