أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -عناقيد الثلج- مدينة المحرق القديمة














المزيد.....

-عناقيد الثلج- مدينة المحرق القديمة


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6745 - 2020 / 11 / 27 - 19:53
المحور: الادب والفن
    


مقطع من رواية "عناقيد الثلج" ثمرة هذا الخريف وتصدر قريبًا...
- لا أفهم خوْفي وأشعرُ بتهديدٍ من الحياة، من كلِّ شيءٍ، أخشَى أن تتَركيني، أهابُ أن ينْضُبَ المال الذي معي ولا أملكُ عمل أقوم به، أخاف العودَّة للغوصِ ثانية، أخاف من وجودِ ميتٍ دُفنَ هنا بصَحنِ الدار، حتى أننا لم نُعْلِم سكان الحي ولا أحدٌ يعرفُ بأنَها رحَلتْ...أخاف
- كفى إدريس.
انْزلَقتْ من فوق السرير ووقفتْ أمامه، كان الليلُ ساكنًا والهدوءُ يسود، والعِتمة تخفي كلّ شيء في الغرفة إلا من ضوءٍ ضئيلٍ من بقايا شمعةٌ تكادُ تذْبَل، تنهَّدتْ وحدَقتْ فيه وهي تحمل صينية الطعام وتضَعها على الفراش وتجلس على طرفه... حَدجَتهُ بسهمٍ بنظرةٍ حادة وقالت بنبرةٍ صارِمة.
- انْظر لهذه الصينية من الأكلِ الذي ظلَّ طوال الوقت بالأرض، هل تراهُ؟ لقد أمْضيْتُ حياتي كلَّها منذ وُلدتُ وحتى الساعة لا أخافُ من شيءٍ سوى أن افْتقدَ هذا الطعام...كلّ ما أخافنِي طوال عمري هو الجوع، لم أخْشَى حتى الله وفَعلتُ كلّ ما يُغضِبهُ ولكني خشَيتُ يومًا يأتي من دونِ طعام...وحدثَ ذلك كثيرًا، قضيتُ أيامًا بلا كسرةِ خبز، كنت التهم بقايا ما كان يُرمى بزبالةِ بعض الجيران دون علمهُم ولم أجدَّ من أتوَسَّل لكي ينقذني من الجوع، لا تَسأل ماذا فعلتْ؟ أسْألَنِي كم كان الخوفُ يأكُلَني حتى كِدتُ أتوَّفى من الخوفِ قبل أن أفْطسَ من الجوعِ...إدريس طالمّا أمامُكَ هذه الصينية من الأكل لا تخشَى من شيءٍ.
لْملَمتْ شعرها وعقَصَتهُ ووضَعتهُ خلفَ رأسها واسْتدركتْ.
- عندما كنا نجوع منذ طفولتنا والخوفُ يتَعقَبنا، التَصقَ بنا الخوفُ مع الجوع، حين تُحدثُني عن مدينة المحرق، سأقْرِنُ مدينة المحرق بالجوعِ، كان يُفترضُ أن تُسمى بمدينةِ الجياع، اما الذين يجِدون ما يأكلونهُ فيها فهم محظوظون، وأما أمثالُنا فقد خُلِقوا ليخافوا من الموتِ جوعًا...كانت تمُرُّ أيامٌ طويلةٌ بالشتاءِ، تغرقُ فيها المدينة بالمطر ونُحْبَسُ بالأسابيعِ، لا نخرجُ إلا إذا غَرقَت بيوتنا بالمياه، لا نجدُ الطعام ونكْتفي بالصومِ وتخَيَّل يَهِلُّ علينا شهرُ رمضان ويُطالِبُنا الله بالصومِ شهر...هههه...كنا قبْلَها صيامٌ ولا حاجة بنا لأمرٍ إلهي لكي نصوم...هذه المدينة تكادُ تصوم طوال السنة، صيفٌ وشتاءٌ وخريف، لا نجدُ ما يسدُّ رمقُنا سوى بقايا تكفينا لكي نتجاوْز الموت...هل ما زِلتَ إدريس حتى الآن خائفٌ؟ لا تخفْ إلا من الجوع.
هبَطَ من فوق الفراش، جلسَ على السجادةِ وأسْندَ ظهرهُ على الحائط، شعرَ ببرودةِ الجدار، فأبعد ظهره، حَملتْ الصينية ووضَعتها أمامهُ وجاءتْ بالشمعةِ المُشْتعلِة التي أوْقدَتها للتوِ وحطتها بقربهِ وجلَستْ إلى جانبهِ وقالت.
- تعشَى وسيزول خوْفُك.
بعد أن تناولا الطعام، أخرَجتْ صينية وطبق العشاء ووضعتهُما خارج الحجرة وعادتْ تحملُ إناءٌ معدني به الماء وخرْقة قماش وضعتها امامهُ ليغتَسل ويُجفَّفَ يديه، ثم خرَجتْ ثانية وغابَتْ لفترةٍ وعادتْ ومعها رَزمَة فحم وضعتها في المَنقلَة وسَكبتْ فوقه الكيروسين ثم أشْعلتْ النار، فوق ما تبقّى من جمرٍ لم يتَحوَّل لرمادٍ بعد ليشْتَعل الفحم من جديد، وتخْتنقُ الغرفة برائحةِ الدخان الذي تصاعد وأحدث سَحابة لوهلَةٍ وجيزة ثم تلاشَى وظلَّت رائحةُ الفحم المُحترق تطْبع المكان.
- سنَدفَأ لننام حتى اليوم التالي، فقد بذَلنا منذ الأمس طاقتنا كلَّها بالدَفنِ والتنظيف، كان يومٌ طويلٌ للغايةِ.
عندما صعدا الفِراش، وإثر محاولة ثانية مسْتمِيتَة بذَلَتْها معهُ جوري لتُعيدهُ لوَهجِ الشَبقْ الذي كان عليه، أخْفقَ مرّة أخرى وتَغَطى بالبطانية، ليُخْفي وجههُ عنها، ترَكَها سارِحهً ترْنُو لسَقفِ الحجرة بذهُولٍ كمّا لو كانت تُحدقُ بسماءٍ تكْسُوها آلاف النجوم.



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تدفع الصين الثمن؟! هل أفلتت من العقاب؟
- مجرد خبر!!
- لغة الضاد بالفرنسية!!!
- علمانية بلا علمانية!!!
- أبو العلاء المعري وخليلهُ المتعري في رواية القرنفل التبريزي. ...
- يسرا البريطانية (22) الأخيرة
- خريف الأخبار الغامضة!!
- يسرا البريطانية (21)
- يسرا البريطانية (20)
- يسرا البريطانية (19)
- يسرا البريطانية (18)
- كعبة الشمس البرتقالية...!
- يسرا البريطانية (17)
- أنا والله وتغاني ...
- يسرا البريطانية (16)
- يسرا البريطانية (15)
- أي نحس ثقافي؟!
- يسرا البريطانية (14)
- رؤيتي المغايرة لأيلول الأصفر....!!
- يسرا البريطانية (13)


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -عناقيد الثلج- مدينة المحرق القديمة