حيدر عصام
(Hayder Isam)
الحوار المتمدن-العدد: 6745 - 2020 / 11 / 27 - 02:03
المحور:
الادب والفن
ظهيرةٌ غائمة، اُصاحبُ نديمي بها وهو يتكئ برأسه على جدارٍ بقربه مُغمض العينين مُنتشياً، طاولة وكأسين وزُجاجة نبيذ ونادلةً وضعت على يدها وشماً اختصر كُل المشاعر التي كنتُ اكُنّها لمن اُحب، بحوزة نديمي الكلام الكثير، وأنا لم يك بحوزتي إلا كأساً وافكارٍ عديدة، يطلب مني تلاوة ما اكتب خلال فترة جلوسنا فاخبرهُ كيف صارَ يُستعصى عليّ تأويل ما اكتبهُ، ينكمش وجهه ثمُ ينبسط ضاحكاً، يقُص عليّ حادثة نجاة احدهم منه قبل قليل، كان على وشك الدخول بعلاقةٍ عابرة لكنه تصرف بغباءٍ كعادته في الآونة الاخيرة، كانَ مُتعباً من مدّ يدهِ المبتورة للمارة دون أن يأخذ بها احد، يُهمهم ثم يلوذ بالصمت، يُدخن سيجارته بُنية اللون ثُم يناديني بـ"صديقي الجميل"، طالباً مني مواصلة الكِتابة، اخبرهُ بأنني ما زلت ابحث عن عِلاجٍ لتخفيف إدمانها، الكِتابة، تلك المُعضلة الجميلة، رسم الحرف على حائط المبدأ والترنم على إيقاع المعنى، يبتسم نديمي مجدداً دون فم، كان مُنتشياً لدرجة انه صدّق نفسه وهو يهمس بإذني بأنه لم يك مُصاباً بالعظمة، لأنه العظمة بذاته، ابتسمُ مُجاملةٌ لئلا يعرف بأنه بدأ يفقد وعيه، أخبرهُ بأن العَظمة لدي لها تفسيرٌ اوحد، العَظمة في هذهِ الدنيا هو ان نمتلك من نُحب، يسألني كعادته عمّن اُحب فلا احدثهُ عنه، يحاول إغرائي ثملاً كما كُل مرة بأنهُ مُستعدٌ لإتخامي بالسعادة في الوقت الذي لم يزل فيهِ بخيلاً مع نفسه، الوذ بالصمت وانظر الى الاعلى، فقد قرأتُ قديماً كاتباً ذكرَ ذات مرة في قصصهِ بأن الانتشاء بالخمر يجعله يكنسُ اوجاعه ويُخبئها اسفل السِجاد ثُم يستمتع بالنظر الى الاعلى، اخبر نديمي تفاصيل ذلك بتعابير وجهٍ مُنبهر، احدثهُ وأنا عينايّ عنبتان عفنتان يحاول اكلهُما غُراباً لكنه شَمم رائحة الخمر فبصقهُما، اخبرهُ؛ بسبب افكاري، كيف اندلقت من كوب المجتمع، غير مأسوف عليّ، كيف مضّ النبيذ بنديمي لينتشي نشوته تلك، وانا لم ازل حَبيس مَن اُحب، بيني وبينه كان الفرق جباراً، كما الفرق بيني وبين من اُحب، فأنا بتاريخ الأمس بلغتُ الستين من العمر، أما هي؛ فقد بلغتَ العشرين للمرة الثالثة.
#حيدر_عصام (هاشتاغ)
Hayder_Isam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟