فتحي البوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6744 - 2020 / 11 / 26 - 22:42
المحور:
الادب والفن
الخريف:
فصلٌ تشرب فيه الرّياحُ الدّمَ من وجوه الرّاحلين.
الجلوسُ على مقعد رخاميّ في حديقة عموميّة..
مراقبةُ الأوراق الشّاحبة تتناثر على ممرّات الذّاكرة..
الأمر يشبه كثيرا السّير على أصابع عينيْكَ في مقبرة دفنتَ فيها كلَّ أحبابكَ.
أخاف
أن أدوس الموتى بنظرةٍ تلومهم لِمَوتهم!
لم أكن أظنّ أنّ الجبال تسقُط إلى أن ودّعتُ جبلا وُلِدْتُ من ظهره.
نطفةٌ..
ذرّةُ تراب:
صارتْ شاعرا يخبز قصائدَ سمراءَ بالغبار و الدّموع.
أنا
لا أستطيع الكتابةَ بغيْرِ لون بَشْرَتي.
أنا
أخشى السّير
على القبور..
على أوراق الخريفِ.
لكنّني
على رأس كلّ شاهد في المقبرة أضع قطعة خبز كتبتُها
بجلْدي النّاضجِ في فرنٍ ورِثَتْ جدّتي عن "تيهيا":
طريقةَ عجنه من طينِ قريةٍ بربريّةٍ..
طريقةَ إشعاله بعظامِها.
أغصانُ أشجار الخريف تصلُح أيضا لإيقاد مدفأةٍ.
لذلك
أحتاج كسر ضلوعي
لإطعام الجياع..
لتدفِئةِ خيام الرّعاة و اللّاجئين.
أظنّ أنّه كان عليّ مغادرةُ مقعدي الرّخاميّ لولا خوفِي
من السّير على القبور..
من دوْس الأوراق الشّاحبة.
نسيت إذن أن أجمع
حزمةَ ضلوعي..
حطبَ جدّتي..
عظامَ "تيهيا"..
نسيت أن أقطع الطريق
إلى "جبال عُرْباطة"
إلى "سباسب القصرين"
إلى "مغاور مطماطة"
و جلست على المقعد الرخاميّ
أودّع وجوها شربت دمَها الرّياحُ
جلست..
أراقب طيورا
تنقُرقلبي..
تلتقطُ قصائدَ خبزتُها بلون بشرتي السّمراء.
#فتحي_البوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟