|
في أمريكا الجميع حبساء الدستور ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6743 - 2020 / 11 / 25 - 15:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ من جانبي ، أكرر إشادتي بالديمقراطية الأمريكية ، إلى أن كان ومازال إنجذابي الأول والثاني والعاشر نحو الوطنية الدستورية الامريكية ، وهذا الانشداد ليس في الحقيقة وليد المرحلة الراهنة ، بل قد يتساءل المرء لماذا سمحتُ لنفسي الإفصاح عن إعجابي بهذا دون تحفظ ، لأن باختصار ، الديمقراطية في الولايات المتحدة لا تحتاج لكثير من معاناة التأمل والتفكير ، فعندما دارت معركة الانتخابات الأخيرة وما صاحبها من سجالات ومشاحنات ومشادات حول النتائج ، كثيرون توقعوا من الممكن لشخص ما ، أن يتجاوز الدستور ، لكن ايضاً أقول ، وفي هذه المعركة الديمقراطية من يمتلك إمكانية تبصر الحقيقة لا يلجأ ابداً لظلها .
في الولايات المتحدة الأمريكية التنافس على السلطة ، حبيس أو محصور مسبقاً للدستور ، وبالتالي الحرية التى يتمتع بها الأمريكيون تعني في جوهرها ، حرية الانتماء السياسي وحرية العقيدة وحرية الكسب وحرية الإعلام وحرية التجمع وحرية القضاء وهذا هو الفارق الجوهري بين الدستور ( the constitution ) لديهم والدستور في دولة أخرى ، الذي لا يتجاوز كونه دفتر في أي متحف يحتضن مقتنيات تاريخية ، ففي المجتمعات الرأسمالية ، القائمة على حرية السوق وحرية التنافس ، لا يمكن لأحد له القفز على الدستور ، تماماً عكس ما هو حاصل في أغلب العالم ، فالدستور شيء جامد بين شعوب جامدة ، أحزابها مجرد ديكور ليست أكثر ، بل دستور هذه الدول من حيث الحجم ، ضخم لكن من حيث الفعل صغير ، لأن الشعوب لم تصل حتى الآن إلى عتبة الحرية ، وبالتالي حسب التصنيفات مازالت تصنف بأقل من شعب ، على الرغم أنها تدعي ذلك .
عبرت الانتخابات الأمريكية وبالأخص الأخيرة عن تجارب دامغة وأظهرت استجابات جوهرية حيال الظروف التى يعيشها العالم بواقع الجائحة ، ظروف متقلقلة ومتوعدة باطراد للحال الراهن ، لكن في الخاتمة ، الرئيس ترمب هو خريج الكلية العسكرية في المقام الأول وايضاً رجل من رجال الأعمال الذين يدرون جزء كبير من الاقتصاد الأمريكية واخيراً ، له صولات وجولات في الإعلام وبالتالي ، كل هذا يجعله في لحظة الحقيقة ، أن ينضبط للدستور .
جرت العادة ، عندما يقوم المرء بالبحث عن التناقص للرأسمالية ، سيجد من السهل الكشف عن ذاك الصراع بين السوق والديمقراطية ، أي أن الرئيس ترمب مثّلّ السوق في السوق وفي والرئاسة معاً، والشعب مثّلّ الديمقراطية في الإعلام وصناديق الاقتراع ، وهنا لا بد من تسجيل كيف احياناً السوق والديمقراطية يمضيين يداً بيد وسرعان ما يتواجهان وجهاً لوجه ، في تناقض يهدف في جوهره المحافظة على الديمقراطية والسوق ، إذن كيف لمثلي لا ينجذب للديمقراطية الأمريكية في كوكب يخلو تماماً لمثلها ، بل استوقفتني دائماً ، السيرة الذاتية للمفكر إدوارد سعيد ، فالأب وديع وليام ابراهيم سعيد الفلسطيني البروتستانتي ، كان قد ألتحق في صفوف الجيش الأمريكي وقاتل كجندي معه في الحرب العالمية الأولى ، الذي منحه ذلك الالتحاق الجنسية ( Citizen )، لكن في المقابل الأبن إدوارد ، أصبح لاحقاً من أهم الشاغلين بالنقد الحضاري والأدب ، وبالتالي في كتابه الاستشراق الذي ذاع صيته بين الأكاديميات الغربية والنخب ، أثبت للعالم الغربي بأن الدراسات الاستشراقية مرتبطة بالإمبريالية وخاضعة لسياسات السلطة ، وبالتالي لم تكن مهنية ومحايدة ابداً ، لكن الديمقراطية الامريكية استطاعت الجمع بين مهاجر تحول إلى مقاتل في الجيش وأبن مهاجر أصبح من أهم نقاد التاريخ الاستعماري والفكر الغربي بصفة عامة ، وهذا الجمع يدفع المرء للتبصر بتلك النظرة الأخيرة وليست الأولى ، نظرة النضوج وليست الطفولية ، للفارق بين حياة قامت على حرية التنافس وحبيسة الدستور وأخرى ، دستورها حبيس المتحف الوطني ، منزوع من التجربة والتاريخ ، لهذا يكثر في هذه الدول الظلم وهنا نستذكر أو بالاحرى نستحضر من الأدب العلوي ، لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، هو بيت شعري بالغ الأهمية ، ليس لأن قائله شاعراً بل لأن سيرته تسكن في وجدان البشرية حتى لو لم يقل حرفاً ، يقول ابو الحسن ( أما والله الظلم شؤمُ / ولا زال المسيء هو الظلومُ / إلى الديان يوم الدين نمضي / وعند الله تجتمع الخصوم ، ُوعند الله تجتمع الخصومُ ، وعند الله تجتمع الخصومُ ) . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المماطلة ستأتي بعقوبات أوسع وربما أبشع ...
-
المسكوت عنه ، الإدمان الأقدم في التاريخ ...
-
نظرية مطاردة الأرنب في المضمار البيضي ، الأمريكي يراهن على إ
...
-
كن معي وأصنع ما تشاء ...
-
أربعة مناسبات لا تقترب منهم ، تماماً كأيام الحظر الوبائي ...
-
إبليس والموت والسد بين مواريث آدم وذي القرنين / أمريكا الحدث
...
-
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
-
واحة الإحساء ...
-
أخطاء من الصعب تصحيحها ...
المزيد.....
-
ترامب يزعم بلا دليل: خصومي السياسيين -ربما حاولوا قتلي-
-
صممها -الموساد- وجمعت في إسرائيل.. تقرير يكشف تفاصيل مثيرة ح
...
-
رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان
-
غوتيريش يدعو إلى إنهاء المعاناة في الشرق الأوسط
-
ضابط ميداني في حزب الله يكشف آخر التطورات على جبهة جنوب لبنا
...
-
كيم جونغ أون يشرف على تدريبات مدفعية بالذخيرة الحية قبل مراج
...
-
??مباشر: قصف إسرائيلي عنيف يستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت وم
...
-
سحب الجنسية الكويتية من متورطين بقضية -سرقة القرن- في العراق
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو لاعتراض مسيّرات قادمة من الشرق
-
غارة إسرائيلية على مسجد في غزة.. وسقوط 21 قتيلا
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|