|
وَهَم قَصْر سُلَيْمَانَ.. الآثار بين الدارِسين والهُواة.. بحث تطبيقي على الصفحات والمواقع الإلكترونية
ميرغنى ابشر
الحوار المتمدن-العدد: 6738 - 2020 / 11 / 20 - 17:41
المحور:
الادب والفن
خلاصة: غُرف التواصل الإجتماعي رفعت من وتيرة جدل الهويات الثقافية، وغدت منصات ذات خطراً نعيشه على الوعي الآثاري العلمي السليم، ليبرز ما يسمى بعلم اثار الهواة، أو علم الآثار الهامشي، وهو مجال يقوم بتفسير التاريخ الماضي على أسس لم يعترف بها مجتمع الآثار العلمي، وهكذا نجد أنفسنا أمام منظورين على طرفي نقيض، أحدهم يوصف بانه يهدد الأثر من حيث التناول الغير موضوعي في تفسيره، ومن حيث طرق التنقيب عنه، والآخر يدق ناقوس الخطر فيما ينتُج عن ذلك من مهددات ثقافية في مستوى العقائد حتى. فيما يوصف هذا الآخر (الطرف الاكاديمي) بالتحجر المهني، والصرامة البحثية التى لا تستجيب للحراك الثقافي والسياسي لمجتمعه. المقدمة: مع إزدياد غُرف التواصل المجتمعي على المستوى القاري، غبّ الثورة المعلوماتية الذي يشهدها عالمنا المعاصر، ازداد التباري في عرض المجتمعات لثقافتها المحلية من باب التعريف بها بصورة عامة، وأيضاً من باب التدليل على مائزتها وأسبقيتها وإسهامها الحضاري على وجه التحديد، الشيء الذي جعل من الميراث الآثاري لهذه المجتمعات مادتها الأولى في سوق هكذا تنافس حضاري، مما أنعكس إيجاباً في أحيان كُثر، وسلباً في بعض الأحيان على طريقة التعاطي مع المادة الآثارية. وعلينا أن نُنبه باكراً أنه ليس من أهداف هذا المقال تعديد وإستعراض المواقع والغُرف المُنشأة عبر الوسائط المتعددة، ولا التقصي في مادتها. وهو شيء لا يتثنى لهذا المقال إنجازه، إنما سنعرض لبعض النماذج الدالة علها توفي المقصد. مصطلحات: • علم الأثار الهامشي: و المعروف أيضا بعلم الآثار البديل والآثار الجانبية والآثار المذهلة و أثار العبادات، هو مجال يقوم بتفسير التاريخ الماضي على أسس لم يعترف بها مجتمع الأثار العلمي، الذي يرفض أساليب تجميع البيانات بطرق تحليلية غير مقبولة. تنطوي هذه التفسيرات (العلمية) الزائفة على إستخدام القطع الأثرية أو المواقع أو المواد المكتشفة لبناء نظريات لا أسس علمية لها لإثبات ادعاءاتهم الزائفة. وتشمل هذه الأساليب المبالغة في الأدلة، والاستنتاجات المثيرة أو الرومانسية، وحتى تلفيق الأدلة(فاجان وفيدر،2006). • علم الآثار الوقائي: وهو يعلم يعني (حفريات الإنقاذ أو الحفريات الوقائية)، وفي بعض الحالات التدابير الوقائية. تطور علم الآثار الوقائي بشكل خاص في فرنسا منذ 1970م (الموسوعة الحرة). • ملاحظة: مادة هذا المقال غير متوفرة في اي مصدر أخر ،عدا بعض التعريفات والملاحظات التي تناولها بعض علماء الأثار حول الأثاريين الهامشيين ،وقد ضمنا خلاصة ارائهم في اجزاء متفرقة من هذا المقال ،لذا سيعتمد هذا المقال وبوصفه مصدراً اولياً على جهد الكاتب.
*** في هذا المقال سنحاول فقط مقاربة موضوعتنا من خلال أربعة محاور، لتبيان الأوجه الإيجابية والسلبية في هكذا منحى، بما يخدم الغرض العلمي لهذا المقال. • المحور الأول: تناول ظاهرة التعدي على الآثار في وسائط الإعلام مؤخراً . - المناقشة. • المحور الثاني: مفهوم الآثار عند الهواة، ونظرة الاكاديميين. - النواحي الإيجابية في ظاهرة إهتمام الهواة بالآثار. - السلبيات التى تندرج تحت تعاطي الهواة مع اللُقى الأثرية والوثائق القديمة. - المناقشة. • المحور الثالث: طبيعة العلاقة بين الدارسين والهواة. - المناقشة. • المحور الأخير: أفق الارضية التصالحية والتعاطي الموضوعي مع الأثر.
المحور الأول: تناول ظاهرة التعدي على الآثار في وسائط الإعلام مؤخراً: بتاريخ السادس من أغسطس 2020م، أوردت صحيفة التغيير السودانية على صفحتها الالكترونية، خبراً عن الهيئة العامة للأثار في الخرطوم، تحت عنوان "هواة الآثار يلحقون الضرر بالمناطق الأثرية"، تناولت فيه حادثة "جبل مرّاغة"، المنطقة الأثرية التي تقع على الضفة الشمالية لوادي المقدم بين التمتام وكورتي، والموقع عبارة عن منطقة سكنية بها حاكم أو زعيم محلي يرجع تاريخها للفترة المروية (350ق.م)، وتضم بناءً راقي ولغة توضح تميز المنطقة. وقد جاء في الخبر أن مجموعة من هُواة جمع الآثار والكنوز قاموا بعمل حفريات بطرق غير علمية، أدت لتدمير وضرر كبير بالموقع الأثري الذي ينتظره الكثير من البحث العلمي. وقد ضبتت بحوزتهم مجموعة من الفخاريات عالية القيمة الأثرية. فواحدة من أكبر الاضرار فداحة التي قام بها هؤلاء الهواة والآثاريين الهامشيين في الموقع إستخدامهم لآليات ثقيلة في عملية التنقيب، مما ادى الى خلط طبقات وأُفق التربة، الشيء الذي يقود لضرر بليغ عند محاولة إجراء عملية تحقيب وتوريخ طبقات التربة لمعرفة العصور التى تنتمي اليها القى الأثرية، على سبيل المثال لا الحصر. ناهيك عن التدمير الفادح الذى حدث للموقع جراء هذا العمل غير المسؤول. وفي لقاء إذاعي في راديو البي بي سي قال كريستوفر مارينيلو مدير منظمة مجموعة إستعادة الفنون العاملة في نيويورك أن منظمته إستعادة ما قيمته 500 مليون دولار على مدار العشرة سنوات الاخيرة من الآثار المباعة من قِبل المنقبين الهواة. وبتاريخ 24/11/2012م وعلى صفحتها الالكترونية، ننشرت صحيفة الرياض السعودية حديثاً لدكتور عبد الرحمن الأنصاري أدْلَى به في الندوة العلمية المعنونة (آثار المملكة: إنقاذ ما يمكن إنقاذه)، والمنعقدة بالمملكة العربية السعودية، تحدث د.الأنصاري عضو اللجنة الاستشارية للآثار والمتاحف قائلاً: (نكاد لا نجد مكاناً في المملكة إلّا وقد نقَّب فيه هواة الآثار. الذين لا يحسون بالمسئولية ينبشون كل موقع أثري، ولا أدلَّ على ذلك مماحدث في قرية الفاو(الصورة،3) إذ أن الشاهد الأثري الوحيد على أهمية المعبد أُقتلع من مكانه ولا ندري أين ذهب).
المناقشة: ما سبق آنفاً نماذج حاضرة تبين إلى أي مدى يمكن أن يصل التنافر بين المختصين والقائمين الرسميين على الآثار(الأكاديميين)، وبين هواة الآثار، وهو ليس إنتخاب متعمد للأخبار التى يتعدى فيها الهواة على الآثار، بقدر ماهو رصد حقيقي للمتداول من إخباريات. إذ لم نتوفر على موقف ميداني إيجابي يمكن أن يكون مشرقاً في حق المنقبين الهواة. وفي ذات السياق ننبه الى أن هواة الآثار قد تعدوا حدود التبني النظري لإطروحاتهم حتى ولو كانت في حدود النظرة الإقتصادية والتجارية الضيقة، وأخذوا مبادرة محاولة التدليل عليها حقلياً، مما يعني إعترافاً ضمنياً بأنفسهم كآثريين لا يكنون كبير إحترام للمؤسسات الاكاديمية المتخصصة. ومما يشجع التعدي على المواقع الأثرية، عدم العناية الكافية من الدولة بالمواقع الأثرية، حتى تكون مزاراً سياحياً مطروق يعزز حضور الناس فيه حماية الموقع من تعديات الهواة أو لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز. ومن هنا فقط تأتي أهمية هذا المقال. المحور الثاني: مفهوم الآثار عند الهواة، ونظرة الاكاديميين : يبدو أن في تعريف الكلمة وأصلها يتضمن وبصورة تدعو للدهشة، الفرق بين الدارس والهاوي، في الأصل جاءت الكلمة من اللغة اليونانية (Arkhaiologia )، وتعني الحديث عن الأشياء القديمة، لكنها أصبحت اليوم تعني دراسة الماضي البشري من خلال الآثار المادية التي نجت من التدمير والتلف. إلا إن مصطلح "الماضي البشري" يحتاج إلى بعض الدقة، لأن علماء الآثار يشتغلون أيضاً على بقايا الديناصورات، أو الصخور في حد ذاتها. وهي أشياء تنتمي إلى حقل علماء الحفريات والجيولوجيين. فقد انقرضت الديناصورات قبل عشرات الملايين من السنين قبل تطور أول البشر(بول،2000). في الواقع، تبدأ الآثار عندما ظهرت أول "الأدوات" التي تم التعرف عليها في شرق إفريقيا والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 2.5 مليون سنة مضت، إن ما ألقاه إنسان الماضي في القمامة، بغض النظر عن مدى جدواه وقتها، أصبح الآن جزءًا من السجل الأثري المعاصر. و على الرغم من أن غالبية علماء الآثار يدرسون الماضي البعيد (قرون أو آلاف السنين إلى الوراء)، فإن الأعداد المتزايدة تحولت إلى فترات تاريخية وحتى ظواهر حديثة نسبياً، فعلى سبيل المثال تمت دارسة موقع التجارب النووية في نيفادا من منحى آثري، وأكواخ المستكشفين القطبيين، كما وقد اجتذبت المخابئ النازية وجدار برلين انتباه علماء الآثار في الآونة الأخيرة! (بول،2000). فتعريف أصل الكلمة يتضمن نظرة الهواة للآثار فهي لاتعدو أن يكون كلام وحديث ،وإن استعانوا بإطروحات وجهود الدارسين لتعضيد نظرتهم لدلالة الأثر، في الوقت الذي يشتمل عليه التعريف أيضاً على جوهر مفهوم الآثار وهو الدراسة، والأخيرة هي التي تؤسس لنظرة ومفهوم الآثاريين للآثار. وحتى لايبدو ما سبق قوله حكماً إعتباطياً لا يتأسس على قرائن واقعية، سنستشهد بحادثة تناولتها الأسافير ومواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً على المستوى المحلي في السودان، بالإضافة لواقعة اُخرى ذات طبيعة دولية. وتكمن أهمية حادثتنا المحلية، ليس من حيث التدوال الواسع لوقائعها بين الناس فحسب، بل من خلال دخول مؤسسات الإعلام الرسمي طرف فيها، ولأن الحادثة ايضاً تشتمل على ما كل ما يميز الهاوي من الآثاري الدارس يمكننا من خلال التطرق إليها وإستعراض وقائعها أن نستخلص هذه التمايزات بين المختصين في علم الآثار والهواة. جاء في تسجيل صوتي مأخوذ من برنامج "حوار خاص" والذي بثته قناة الخرطوم الفضائية بتارخ 11/مايو 2020، وجاء التسجيل على خلفية سلسلة محاضرات قدمها "منتدى الحكمة" الذي تستضيفه وكالة الانباء الرسمية السودانية "سونا"، ونُشر التسجيل على نطاق واسع فيما حظي بردود أفعال متباينة بين مؤيد ومستهجن، جاء فيه الإعلان عن العثور عن مسجد لنبي الله سليمان وعلى أحد محرابيه، في موقع لم يتم تحديده بدقة في منطقة بشمال السودان، يسمى الكُنيسة، بحسب ما أورده الرحالة التركي أوليا شلبي، وقد حدد فيه المتحدث نوع الدعم المطلوب والآليات (بوكلين) التى تساعد في العثور على ما أعلن عنه. وعقب هذا الإعلان المثير للدهشة وبعد ردود الافعال الواسعة قامت قناة الخرطوم الفضائية الرسمية بإستضافة المعنيين بالأمر على مدار حلقات، ليتضح أن من يقف وراء ذلك الكشف المزعوم هواة غير مُجازين أكاديمياً في أي فرع من فروع الدراسات التاريخية والآثارية، مما اثار سخط وحفيظة الأوساط الأكاديمية، وسنستعرض في هذا الجزء من المقال عينة مختارة من هذا السجال حتى نخلص في النهاية للغرض الذي نهض من أجله المقال. من أهم ما ورد في تسجيلات قناة الخرطوم أن "نهر النيل" لم يكن هذا مجراه الحالي قبل نبي الله موسى بل كان يعبر الصحراء عبر منطقة (النِمر)، وأن نهر "جيحون" المذكور في اسفار التوراة هو "وادي هور" وقد كان نهر دائم الجريان فيما مضي من أزمنة قديمة (يوتيوب،2020)، وقد بنا المتحدثون فرضياتهم على أساس صور فضائية وبعض الخُرط لمستكشفين ورحالة من قبل مائتي عام على الاقل، كما ورد في بعض هذه التسجيلات والمساجلات. و"النكتة" في موضوعة الصور الفضائية ،إن صاحب هكذا إدعاء اكد قبلاً ومن خلال هذه الصورعلى وجود جدار ضخم وطويل في صحراء الشمال، ليكتشف طلاب البعثة الأثرية لجامعة الخرطوم ان هذا الجدار ماهو الا خط سكة حديد قديم ومهجور.
إنتقد هذا الإدعاء، الاكاديمي والآثاري المعروف بروفيسور "أزهري مصطفى صادق" موضحاً أن (كل الحديث عبارة عن تراهات لا دليل لها وأن نهرالنيل أخذ مجراه الحالي قبل 30,000 سنة (واتس اب،2020)، في إشارة ضمنية إلى أن عمر "آدم التوراتي" نفسه لا يتعدى الثمانية ألف سنة، وإن أشار في رده على أن "نهر النيل" قد تعرض خلال تلك السنين الى تغيرات مناخية عدة، وأن "وادي هور" كان جافا مع الالف الثالث قبل الميلاد، والثقافات التي قامت عليه معروفة وموثقة، وأن نهر "جيحون" معروف للقاصي والداني انه في آسيا وليس أفريقيا (واتس اب2020)، وأضاف برفيسور أزهري الى أن الآثاريون لا يستخدمون "البوكلينات" في تنقيبهم عن الآثار.ومن أخطر التداعيات التي افرزها هكذا إدعاء موقف اهالي المنطقة المتشدد والحازم تجاه اي محاولة للتنقيب عن (ملك لسليمان) في منطقتهم ،مما أنعكس وبالاً على أيّ مسوحات علمية جادة تقوم بها مؤسسات متخصصة في المستقبل إذا ما ظهر ما يستوجب ذلك حتى في موضوع اخر مغاير(مقابلات). أما نموذجنا الثاني ذو الطبيعة الدولية ، فهو أيضاً سجال آخر بين علم الآثار الزائف أو أطروحات الهواة ،وبين علماء الآثار الأكاديميين. ولكن هذه المرة نأخذه من بريطانيا حتى تكون موضوعتنا أكثر شمولية وعلمية. يشكل تفسير الأساطير المختلفة بأنها إنعكاس لأحداث تاريخية شكلاً آخر من الدلائل التي يستخدمها عدد من علماء الآثار الزائفة والهواة، لكن عند قيامهم بذلك سيجري إخراج تلك الأساطير عادة من سياقاتها الثقافية. على سبيل المثال إدعى عالم الآثار الزائفة "إيمانويل فيليكوفسكي" ان أساطير الهجرات وآلهة الحرب في ثقافة "الازتك" في أمريكا الوسطى تمثل كارثة كونية حدثت في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. إنتقد هذا الإدعاء الأكاديمي والآثاري "ويليام اتش"، وأشار إلى أن مثل هذه الأساطير قد تطورت بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر الميلاديين، بعد أكثر من ألف عام على ادعاءات "فيليكوفسكي" بحصول هذه الاحداث، وأن مجتمع "الازتك" نفسه لم ينمو إلا بحلول القرن السابع قبل الميلاد (ويليام،ص3). المناقشة: يمكننا أن نخلص من خلال النظرة المتأنية لهذه النماذج لعدة إستنتاجات يمكنها أن تشكل في مجملها نظرة كل من الدارسين والهواة للآثار: • تأتي أهمية الآثار بالدرجة الأولى عند الهواة كدليل مادي على المركزية الثقافية. • ينظر إليها كمعضد للتفوق العرقي، والتميز الذهني التاريخي على مر العصور. • يميل لإستشهادات قطعية، مستدلاً بالأثر كمصداق لوجهة نظر معينة في احد القضايا ذات الأهمية الكبرى، من حيث إهتماع قطاع واسع من الناس بها. ومن عيوب هذا المنظور: • يستند في الغالب على أسس غير علمية. • يميل لتدعيم الفروض العلمية غير المرجحة بتوسيع دائرة إنتشارها عند الناس. • يميل لتصديق وترويج ميوله النظرية المتوهمة. • ينقب في الأدلة القديمة ويتخير منها ما يناسب اطروحته، حتى لو كان هذا القديم غير متفق على صدقيته وأهميته العلمية. • عدم مراعاته للأسس العلمية ،وثقافة المجتمعات المحلية يؤدي لمواقف متشددة من قِبل الاهالي تجاه عمليات المسح والتنقيب الآثاري في المستقبل. • ومن أخطر ما أنتجه هذا المنظور ما بات يعرف عند الآثاريين بعلم الآثار الهامشي، والمعروف أيضا بعلم الآثار البديل، وهو مجال يقوم بتفسير التاريخ الماضي على أسس لم يعترف بها مجتمع الآثار العلمي، الذي يرفض تجميع البيانات الأثرية وتحليلها بطرق غير مقبولة، وتشمل هذه الأساليب المبالغة في الأدلة والإستنتاجات التلفيقية والمثيرة. وقد قامت جماعات دينية بتبني العديد من الآثار الهامشية في عقيدتهم وأنشأوا نظماً دينية مبنية عليها، مثل جماعة "علم الأهرامات" وجماعة "علم ورموز الآثار". ومن أعتمد أيضاً على علوم الآثار الهامشية في دياناتهم "أعضاء العصر الجديد" "وأنظمة المعتقدات الوثنية المعاصرة" (فاجان وفيدر،2006). كما تبنت مجموعة الكوشيين السودانية سودنة الحضارة الإنسانية ،كذلك فعلت الجماعة المُناوية لها من أنصار الكيان النوبي والذي يدعي إيضاً نسبة الحضارة (الكوشية) له مناقضاً بذلك السجل الأثري المعروف والمدونات القديمة للمؤرخين . كما أن ضعف التشريعات القانونية المحلية الرادعة لإدانة عمليات التنقيب غير العلمية، قد أدت لبروز ظاهرة التنقيب التجاري الذي يتسيده في الغالب اثاريون هواة تحت غطاء البحث عن الذهب. مما يؤدي للتلف أو الفقدان للقى الآثارية وإلحاق الضرر الفادح بالموقع. إيجابية هذه النظرة: • توسيع دائرة الإهتمام بعلم الآثار و"الآثار" عند الناس، مما يساهم في الوعي بالأثر ومدى أهميته. • يمكن عبر إثارة الجدل العلمي كسب بعض الهواة لصالح الدوائر العلمية لتأهيلهم . • الترويج للنظريات والفروض العلمية المختبرة التي وضعها الدارسين، والتي تتفق في بعض نتائجها مع ميول الهواة. وبالتالي نشرها خارج دوائر الإختصاص الاكاديمي. في مقابل ذلك يمكننا الوقوف مستعينين بهذه النماذج على منظور الآثار عند الدارسين، أو أهل الإختصاص:
• تأتي أهمية الآثار عند الدارسين كدليل مادي على ما كان عليه إنسان العصور القديمة وكشاهد يمكن أن يكشف عن طبيعة نشاط الكائن الحي منذ عصور سحيقة. • ينظر اليها كقيمة معرفية في حد ذاتها . • لا ينجرف وراء المزاج العام، وفي الغالب يركز إهتمامه على مساره العلمي وتطويره. • ينظر الى الأثر في سياقاته العلمية وكمشترك إنسانوي تتضافر عوامل عديدة في صنعته وإنتاجه من بينها الهجرات والإنتشار والتداخل الثقافي ...الخ. • ينظر إليه كتراث إنساني يجب المحافظة عليه تحت ظروف علمية أين ما وجد وحيث ما كان. ومن عيوب هذا المنظور: • الحياد الثقافي قد لا يلعب الدور المنشود في تعزيز الهوية عند مجتمع الدارس . • قصور المنتج المعرفي على دوائر ضيقة في مجتمعات الدارسين. • النظرة الأكاديمية البحتة والمتعالية في أحيان، لما يتداول في مجال إختصاصه من قبل الهواة تغيب مشاركته العلمية المطلوبة. • إهتمامه البحثي بموضاعات بعيدة عن سياقاته المجتمعية والثقافية والسياسية، مما يشكل هدر لطاقته العلمية في مصب لا يكترث له مجتمع الدارس وليس من أولوياته الثقافية. المحور الثالث: العلاقة بين الدارسين والهواة: إنتقد علماء الآثار الاكاديميون بشدة علم الآثار الهامشي، وأعتبر عالم الآثار والاكاديمي المرموق "جون ر. كول" بأنه علم يعتمد على الإيثار(هوى النفس) وليس الآثار، وسوء إستخدام المنطق والأدلة، وسوء فهم المنهج العلمي، والتناقضات الداخلية بين الحجج. كما يستخدمون عادة المقارنات الثقافية المعممة ويأخذون العديد من الآثار والتحف من مجتمع واحد، ويسلطون الضوء على التشابهات مع مثيلاتها من مجتمع اخر، ليدعموا إستنتاجاً مفاده ان لهما أصل مشترك كحضارة قديمة ضائعة مثل اطلانطس وقارة مو. أو تأثير من خارج الأرض، ويُخرج هذا الآثار والتحف بشكل كامل من سياقاتها الاصلية (كول، 1980م)، وهذا شيء محرم بالنسبة لعلماء الآثار الاكاديميين الذين يرون السياق ذا أهمية قصوى. المناقشة: ناقش الاكاديمي والآثاري "ويليام إتش ستيبينغ جونيور" الخصائص الرئيسية التى تشترك فيها تفسيرات الآثاريون الهواة الزائفة للاثر واجملها في الأتي: • الطبيعة غير العلمية لمنهج ودليل علم الآثار الزائف. • تاريخه في تقديم إجابات بسيطة وموجزة للمسائل الصعبة والمعقدة.
• وميله لتقديم نفسه على أنه مضطهد من قبل مؤسسة علم الآثار. وعامة يمكننا إجمال نظرة الآثاريين الهامشيين والهواة للمنقبين والآثاريين الاكاديميين فيما اسلفنا من سلبيات تحت عنوان "عيوب منظور الاكاديميين لعلم الآثار". والتى تضمنت حيادهم الثقافي ،وإهتمامهم البحثي بموضعات بعيدة عن مزاج العامة ،وقصور منتوجهم البحثي على دوائر اكاديمية ضيقة، والتعالي المعرفي على خطاب العامة الآثاري. المحور الأخير: أفق الأرضية التصالحية والتعاطي الموضوعي مع الأثر: إن أرض السودان الواسعة، وتعدد الحضارات والممالك التى قامت على أرضه منذ فجر الإنسانية، وحتى ممالكه الدينية الأخيرة (سنّار،المهدية) لا يمكن لاي جامعة أو معهد أوهيئة متخصصة في الآثار أن تغطيها بالبحث والدراسة والحفريات المنتظمة. فكثير من الكشوفات الآثارية المتأخرة توضح أن أرض السودان ما تزال تنتظرها الكثير من عمليات التنقيب والموسحات الآثارية الواعدة، هذا التحدي يمكن أن يشكل أرضية مشتركة من أجل تقريب الشقة بين الآثاريين الهامشيين الهواة وبين الأكاديميين المختصيين بعلم الآثار، وذلك بقيام الورش المتخصصة ودعوة روابط وجمعيات الهواة للإنخراط فيها. والتي يمكن أن تعقبها مباشرة مجموعة من المسوحات والتنقيبات الآثارية الميدانية، تحت عناوين بحوث تجد القبول والإهتمام في تجمعات الآثاريين الهواة. فبإستدامة هكذا حلول واستمراريتها يمكننا أن نجعل من الآثار غرض مجتمعي نشط، وفي ذات الوقت تشكل هكذا حلول حماية مجتمعية للآثار، بالمحافظة عليها وذلك بالإقتراب منها على أسس علمية، ويعزز ذلك مجتمِعاً السياحة والثقافة الآثارية. الخاتمة: لا يمكن للآثاريون الدارسين أن يظلوا في البعيد، حتى إذا ما شاع حامل ثقافي ثقيل يشغل العامة نجد صوتاً خفيض لهم في هكذا مناسبة يجترحها هواة الآثار والآثاريون الهامشيون، اذ لابد من علم الآثار الوقائي، الذي يحد من مخاطر تنقيب واطروحات الهواة التى تهدد هذا الإرث الإنساني المشترك وتحوير قيمته المعرفية لهويات عصبية تضيف بنداً ثقيلاً على جدول التناحر المجتمعي. بالإضافة لمخاطر تشوهه المادي وتلفه إذا ما ظلت التشريعات الحكومية لا ترتقي لمستوى هكذا تهديد.
المراجع: Archaeology: A Very Short Introduction. n Oxford University .2000.p2 , Paul Bahn/1 Archaeology: A Very Short Introduction. n Oxford University .2000.p3 , Paul Bahn/2 3/ محمد جلال هاشم،ورقة عمل قدمت للندوة التي نظمها تضامن القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ببريطانيا مع جبهة الشرق بلندن في السابع من يناير 2006. 4/موقع صحيفة التغيير السودانية على الانترنت. 5/ موقع صحيفة الرياض السعودية على الانترنت. 6/ المنصة العالمية على الانترنت "يوتيوب". 7/ أنظر أيضاً الموسوعة العالمية "ويكبيديا ": /8/فاجان وفيدر 2006م –صراع مع رجال القش: رد على ادعاءات هولترف" المملكة المتحدة ص 718-29 المجلد الرابع . 9/ كول، كول1980 علم الآثار العبادي والطرق والنظريات اللاعلمية . ويليامس س علم الآثار الزائف ماذا يجب أن نفعل به (بالنجليزية)دار نشر جامعة ايوا. 10/ 11/ مقابلات مع عدد من المواطنين من المتابعين للأمر بتاريخ 16،18،22/9/2020م.
#ميرغنى_ابشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شَجْوٌ السَمَنْدَل
-
الوظيفة العيادية لبطل -الطيب صالح-، سايكولوجيا الإبداع في -م
...
-
في مقاماتِ لَيْلَى
-
(خليك مع الزمن)، محمد يوسف الدينكاوي يحكي عن رمضان زايد!!.
-
المحمول الثقافي لمسمىّ الأمكنة في عمائر السودان القديمة مؤان
...
-
رسالة لطيف هنْريّ وِلكَم !!
-
بوابات امدرمان في القرن التاسع عشر - ذواكر للإجتماع الإنساني
...
-
القرآن بين إليهن.. مقال في الإدّكار العرفاني وقضايا التشريع
...
-
ما لم يُكتب في الشريف حسين الهندي -اقيونة النضال العربي والإ
...
-
آخر ما قال - فارس-!
-
عن ماذا أكتب؟
-
الاخطاء التاريخية في القرآن
-
دونجوانية محمد الرسول
-
حوارية الياسمين والابنوس
-
الأخطاء النحوية والبلاغية في القرآن
-
ربى ورسولي في خمر المعاني
-
النَّصُّ الإدانة.. رفع الْقُرْآن وَجَنَّة - ميركل -
-
بكاء أرميا
-
الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-
-
عودة المسيح
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|