|
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية :( 8-8)
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 6738 - 2020 / 11 / 20 - 03:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الانتلجنسيا العسكرية العراقية وبعض من رموزها:
سوف لن يكون من المجدي دراسة وتحليل القوى الاجتماعية في عالم الاطراف ( وإن شئت النامية) دون التطرق إلى دراسة المؤسسة العسكرية، لما لها من دور في الحياة الاجتصادية والسياسية، وهذا الدور مشتق من الوظيفة الأراسية المناطة بالمؤسسة ذاتها من جهة ؛ وبما تمتلكه من عناصر التحكم والتغيير المادي من جهة ثانية ؛ وماهية وطبيعة انظمته المختلفة من جهة ثالثة. لكن هذا الدور المؤثر للمؤسسة العسكرية، سيكون نسبياً في بلدان المتقدمة، لانه "... هناك انطباع شائع وخاطئ باستقلالية وحياد المؤسسة العسكرية عن السلطة والنظام السياسي في الدول الغربية الحديثة. ويساهم في تعزيز هذا الانطباع ترسخ مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول، وانحسار دور الزعماء العسكريين الذين تبوأوا السلطة في العديد من الدول الغربية الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بإلقاء نظرة فاحصة على هذه الدول يتبين لنا أنها تشهد تدخلاً واضحاً ونفوذاً متزايداً من قبل القوات المسلحة في السلطة السياسية بصورة مباشرة أو عبر ممثليها أو حلفائها في المجتمع الصناعي الحربي الذي يحتل مرتبة الصدارة في توجيه الاستراتيجية العالمية لهذه الدول ... ". كما تنبع ضرورات دراسة فئة الضباط، لأنهم "... من إفرازات القرن التاسع عشر. فقد كان فارس العصور الوسطى، أرستقراطيا وهاويا فردياً، وكان ضباط الجيوش الاوربية حتى آواخر القرن 18 مرتزقة أو ارستقراطيين. ولم يبدا الضباط في تلقي تكنيك حرفي خاص والتحول إلى فئة متميزة إلا في الحروب النابليونية.. فالجندي المحترف بوصفه نمطاً اجتماعيا، شأنه شأن رجل الصناعة بالمجتمع الحديث.. وحتى ما قبل 1880، لم تكن توجد تلك الطائفة من الضباط المحترفين. أما في 1900، فقد كانت هذه الفئة موجودة بالفعل في كل البلاد الكبرى... "، ومنها الدولة العثمانية ولذا أصبح للمؤسسة العسكرية دوراً سياسياً كبيرا. في الوقت نفسه لابد من التوكيد المعرفي والمنهجي على أن الجيش لا يشكل طبقة بالمجتمع لأنه متكون من ممثلين لطبقات معينة متتوئمة مع ماهيات التطور ونسبيتها. لكنه يتبلور كفئة اجتماعية متميزة وكتنظيم خاص لا تتحدد مصالحه دوما وبشكل مباشر بمصالح الطبقة التي ينتمي إليها أغلب افراده وبخاصة الضباط المتحكمين بالقرار الرسمي للمؤسسة العسكرية. كما أن هنالك تماثل نسبي مع فكر وممارسة الفئات الاجتماعية الوسطى المدنية حاملة دورها في التنوير. ولهذا يعتبر الضباط، على الأقل حسب تصورهم, بأنهم جزءً من الانتلجنسيا الوطنية لكونهم "... يلعبون دوراً كبيراً في العصرنة والتحديث في بلدانهم" حسب قول المؤرخ أرنولد توينبي. أو ما بالغ فيه ميرسكي من كون الضباط في عالم الأطراف " افضل قطاعات الانتجلنسيا تثقيفاً... وهم يناضلون من أجل تحديث بلادهم المتخلفة ". كما " أختار سلك الضباط أن يعتبر نفسه- بل ويظهر أمام أعين المواطنين- حامل راية أفضل ما في الثقافة الوطنية وكياناً يمثل مجمل الأمة ... ". ومن خلال دراسة الاصول الطبقية لمجتمعات عالم الاطراف لوحظ أن أغلب الضباط هم من فئات الطبقة الوسطى وشرائحها المختلفة التي تضم فئات عديدة أبرزها: موظفي مؤسسات الدولة، المثقفون، المدراء، العاملون في الإدارة الوسطى، التقنيون، ذوي المهن الحرة، الطلبة وأخيرا فئة ضباط المؤسسة العسكرية والامنية (قوى العنف المنظم) الذين لهم دور، كما قلنا، متميز مشتق لا من دورهم كذوات خاصة، ولا من موقعهم كفئة اجتماعية، في عملية الانتاج الاجتماعي المادي أو إعادة أنتاجه، ولا من أصولهم الطبقية، بل من: - الدور الأراس المناط بهم (مهنياً ) وهي الحفاظ على سيادة البلد والدفاع عنه ؛ - خلال تحكمهم وتصرفهم بوسائل التغيير المادي (السلاح) ؛ - الموروث التاريخي والسيسيولوجي الذي يضع المقاتل والمجاهد في المراتب الاجتماعية العليا ؛ - الدور التاريخي، الحقيقي او المتصور، للمؤسسة العسكرية (مؤسسة العنف المنظم ):
وفي الوقت نفسه يمكننا رصد جانب أخر من التوترات التي تقع في صميم تناقضات المؤسسة العسكرية ذاتها وبالأخص بين القيادات العليا ذات العقلية التقليدية أو المحافظة, التي ترى أن واجبها الأرأس يكمن في الحفاظ على النظام وجغرافية حدوده وطبقيته، بينها وبين القيادات الوسطية ( الآمرون) والصغرى ( المنفذون ) الذين غالباً ما يربطون بين المشروع الوطني والحفاظ على النظام. أي" ... ادراج الجدلية محل الطرح الاستاتيكي التجميدي. إن الدولة المعاصرة تتكيف من جديد بصورة ميسورة نسبياً من حيث أبعادها الاقتصادية والثقافية. ومكان التناقضات – بين النظام والحركة, بين المحافظة والجدلية- يقع فعلاً في قلب الدولة, أي في الجيش, من هنا مناخ التناقضات, والتوترات القصوى وعدم التفهم والهامشية ". طالما أن المؤسسة العسكرية تنمو ضمن تطور مركزية الدولة ومؤسساتها التي اوجبتها إطار الحاجات الخاصة بها كدولة وبأليتها ضمن ما فرضته العوامل الداخلية والخارجية من توجهات وضرورات, وأولويات الصراع الاجتماعي ومدى حراكيته. ويتميز ضباط الجيش في عالم الاطراف ومنها العراق، من الناحية الاجتماسياسية والسيكولوجية بجملة من الخصائص مشتقة من ذاتية مهنتهم، من اهمها: - إن الأغلبية المطلقة منهم من غير ذوي الملكيات وبالتالي سيعتمدون بالأساس على الدخول المتحصلة من اشغالهم في المؤسسة العسكرية ؛ - تعتبر الدولة الحاضنة الأساسية لهم وبالتالي أخذوا ينظرون إلى السيطرة عليها منذ تكوينها في 1921؛ - انفصالهم عن القاعدة الاجتماعية التي قدموا منها في سياق ارتقائهم المهني وما ينسجنوه من علاقات مع النخبة الحاكمة ؛ -سيادة الانضباط التام لقواعد التنفيذ والسلوكيات الأمرة وسايكولوجية الثكنة العسكرية ومقتضياتها. وانطلاقا من هذا الظرف، تتمتع المؤسسة العسكرية بإستقلالية نسبية بالنسبة للطبقات الاجتماعية من جهة وبالنسبة للدولة، بل في الكثير من الاحيان في عالم الأطراف يحدث العكس إذ ان الدولة هي التي تتبع الجيش وتتشكل تحت نأثيرها من جهة ثانية. وأعتقد أن اسباب ذلك تكمن في ماهية وأهمية الدور الفريد والمتميز المنوط بالمؤسسة العسكرية وهو الدفاع عن الوطن. لقد اوضحت التجارب العملية لهذه البلدان النامية، أن القوى الاجتماعية فيها مهما كانت منظمة، فأنها لم تتمكن من إبعاد الضباط وتأثيراتهم على القرار المركزي للدولة.. طالما في مثل هذه المجتمعات المتخلفة يصبح الجيش عامل تصليب إلى الأمة، وانطلاقا من وعي ضباطه لموقعهم الفريد، يبدأ الجيش بتنمية دورهم كحامل لمهمة تاريخية. ونستنتج مما تقدم أنه لا يمكن فصل صيرورة الفعل السياسي للمؤسسة العسكرية "... عن الواقع السياسي وتأثرها بالمشاكل والأوضاع السيئة التي كان يعاني منها الشعب العراقي، لأن أفراد الجيش هم من أبناءهذا الشعب ومن طبقاته المختلفة، لذا فإنهم يحسون بهذه المشاكل والأوضاع المتردية بكل تفاصيلها ... وقد بدأت عوامل عديدة تؤدي دورها في جر الجيش إلى معترك الحياة السياسية... ". ولهذا أصبح للضباط القادة (دون الأمرين ولا المنفذين) على وجه الخصوص، أداة أرأسية، في حسم الصراع الاجتماسياسي أو/ و ترجيحه لهذا الطرف أو ذاك، في اغلب احوال بلدان عالم الاطراف، عبر الانقلابية العسكرية المباشرة أو غير المباشرة من خلال الضغوطات والتلويح باستخدام القوة . وهذا ما تدلل عليه التجارب التاريخية في أغلبية أقطار أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأسيا، ومنها العراق: وما نراه مستنتجا من تاريخية الدولة العراقية المعاصرة منذ تأسيسها: حيث امتلك الجيش الدولة ولم تمتلك الدولة الجيش بمعنى تركز السلطة السياسية الحقيقية بأيدي الضباط، . وهذا ما دلل عليه دور الضباط العراقيون في الجيش العثماني في تأسيس الدولة وادارتهم للسلطة من جهة، ومن جملة الانقلابات العسكرية التي حدثت في العهد الملكي وعددها 7 وآخرها الحركة العسكرية في 14 تموز 1958، وما اعقب ذلك في الزمن الجمهوري حيث بلغت المحاولات الانقلابية بالعشرات، سواءً في زمن الجمهورية الأولى ( 14 تموز 1958- 9 شباط 1963) أو في الجمهورية الثانية (9 شباط 1963- 9 نيسان 2003) . فمن جهة، وتاسيسا على ما ذكر فمن الضروري التأكيد على أن الظروف التي سادت أثناء وقبيل تأسيس الدولة قد أجبرت الاعتماد على الضباط العاملين في الجيش العثماني بإعتبارهم من الفئات الاجتماعية الأكثر احتكاكا بالحضارة الاوربية والعلم عامة والعسكري بصورة خاصة . ومن جهة ثانية أما بعد تأسيس الدولة ف "... يجب التأكيد على الحقيقة المتجسدة في أن الجيش كان في واقع الأمر المؤسسة الوطنية العامة الوحيدة في مجتمع لا تزال فيه الأمة بالمفهوم المعاصر للكلمة في مرحلة التكوين، حيث يلاحظ ضعف الروابط القومية العامة وحيث لا تزال الروابط العائلية والقبلية والعشائرية والدينية تحدد إلى درجة كبيرة إدراك الناس أكثر مما يحده شعور الانتماء إلى جماعة واحدة... فالجيش هو الذي غرس في نفوسهم وعي الذات وإدراك النفس. لذا فقد أصبح الجيش رمز وحدة الأمة وحامل أفكار السيادة. وهذا ما حوله إلى مؤسسة متميزة في الدولة وأضفى عليها طابعا فريدا وأكسبه الغلبة على جميع التنظيمات الأخرى ". ومن جهة ثالثة كان الضباط العاملون في الجيش العثماني قد أطلعوا على المعارف الحديثة وعلى الاوضاع الحياتية في الدول التي حاربوا فيها .. وقد تعمق ذلك بعد تأسيس المؤسسة العسكرية وفتح الكلية العسكرية ومن ثم الاركان، حيث تم التواصل مع العلوم العسكرية وتقنيتها. ومن جهة رابعة ومنذ نهاية العشرينيات وبالتحديد عام 1928 تم تأسيس كلية الأركان العراقية كنتيجة لتطور المؤسسة العسكرية "... وزيادة قوته الضاربة، ينمو دور جهاز الأركان فيه ويزداد عدد ضباط هذا الجهاز. وهؤلاء المثقفون العسكريون مضطرون بحكم نشاطهم الاسترشاد بالنماذج الاجنبية والتعرف على التقدم التكنيكي في البلدان الأخرى. وضباط الأركان الذين من مصلحتهم ومن طبيعة نشاطهم التجديد، يمثلون لأنفسهم ما يشبه عنصر التحديث في المجتمع المتخلف، وهم يشعرون بمرارة خاصة بالفرق بين متطلبات التطور المعاصر وبين المستوى المنخفض الذي فرض على مجتمعهم طالما لم يتحرر من النفوذ الاجنبي ولم يسلك طريق التصنيع، طريق التحويل الجذري لمجمل التركيب الاقتصادي والاجتماعي ... ". ومن جهة خامسة ومن منطلق البعد التاريخي للموروث الديني/السيسيولوجي للمجتمعات العربية الاسلامية، حاولت جيوش هذه الدولة ان تعطي لذاتها حالة (شبه موضوعية) تكمن بدورهم في الميدان السياسي كقوة مستقلة، وبذلك ستكون المنطلقات الوطنية والقومية عندئذ هي من العناصر الأولى في عقيدة المؤسسة العسكرية. كما ستستنبط بعض من مركبات هذا الموقف من الناحية الذاتية للضباط الذين يضخمون من ذاتهم المهنية "... فصورته الذاتية المهنية تتضمن مركباً بطوليا لا مرد له من حيث أن على العسكري أن يجابه الخطر.. وها هو يتحول إلى استاذ ... ". كل هذا وغيره ولَّد لدى الضباط حالة نفسية مضخمة بكونهم قوة عصرية منظمة وقادرة على التحرك السريع والتصرف بالوسائل الفتاكة، فأيقظ فيهم ثانية (الدور التاريخي أو المسلك الطبيعي ) باعتبارهم طليعة ذات رسالة تاريخية، كما تصوروا انهم أصحاب طريق خاص في التنمية ولهم مشروعهم التنموي. وعند إستقراؤنا لماهيات الظروف الاجتماعية والقوى السياسية وتوازناتها في بلدان عالم الاطراف ومنها العراق، لم نجد، بصورة مكثفة، سوى قوتين حاسمتين للتغير هما: - مؤسسة العنف المنظم (المؤسسة العسكرية) ؛ - والجماهير الشعبية. إن الظروف الموضوعية للتطور ولذات المجتمع، والذاتية لمؤسسات الدولة وبخاصة العسكرية والأفراد في بلدان عالم الأطراف، سترجح الكفة إلى العنصر الأول لقدرتها على التعبئة المنظمة الفعالة وانضباطيتها العالية وفي قدرتها التحكمية في ترجيح مصادر القوة لصالحها .. وهو نتاج تخلف المؤسسات الجماهيرية ومنظماتها المدنية، أو على الاقل في انتسابها إلى مؤسسات ما قبل الدولة ( كالعشيرة والقبيلة والافخاذ او التجمعات الحرفية البدائية وغيرها).. وانعدام تأثيراتها الفعالة.. وهي بهذا تفسح المجال للمؤسسة العسكرية في ان تصبح قوة اجتماسياسية مستقلة نسبيا. لهذا الاسباب وغيرها مجتمعة، علينا أن نسلط الضوء على هذه الانتلجنسيا العسكرية طالما أن مؤسستهم الحاضنة، في ظرف تاريخي معين، يصبحون قوة اجتماسياسية مستقلة نسبياً. وهذا ما يوضحه تاريخية تشكل الدولة العراقية المعاصرة.. فالانتلجنسيا العسكرية هي الاقدم بالتشكل والتبلور على المسرح العملي مقارنة بالمدنيين، إذ لعبوا الدور الأراس في قاعدة الحكم الملكي وفي ـتأسيس الدولة العراقية وقادوا السلطة الملكية.. حيث كان لبعضهم دورا (أيجابياً أو سلبيا) في صيرورة النظام السياسي من امثال: نوري السعيد وجعفر العسكري وجودت الايوبي وتحسين العسكري وتوفيق الخالدي وجميل المدفعي وشاكر الوادي وعمر نظمي وطه الهاشمي وياسين الهاشمي ومحسن السعدون ومصطفى العمري ومعروف الرصافي وعبد الحميد الشالجي وتوفيق وهبي وسامي شوكت وفهمي المدرس ومحمود سلمان وصلاح الدين الصباغ وفتاح باشا وسامي فتاح وناجي الاصيل وناجي شوكت وعبد الغفور البدري وماجد مصطفى ومولود مخلص وتحسين قدري وغيرهم بالعشرات، لغاية التغيير الجذري في 14 تموز. وفي الوقت نفسه توضح تاريخية المؤسسة العسكرية العراقية إلى أنه "... ما أن وضعت الحرب آوزارها وأحتل العراق بأكمله، حتى برزت الانقسامات بين مجموع الضباط حول الإشكالية السياسية الأرأسية الساخنة آنذاك التي تمحورت حول: استقلال العراق وماهية مستقبل نظامه السياسي اللاحق من جهة؛ وماهي الأساليب الواجب اتباعها لتحقيق ذلك من جهة ثانية؛ ومدى درجة التماثل والمواقف من بريطانية ومشاريعها المطروحة آنذاك، سواءً بخصوص العراق أو/و آفاق اقامة الدولة العربية الموحدة، التي وعدت بريطانيا بإقامتها في المشرق العربي من جهة ثالثة... ". لقد أثرت ظروف تلك المرحلة التاسيسة، الموضوعية للبلد والذاتية للمؤسسة العسكرية، وبتأثير من العوامل الخارجية والاقليمية، أفرزت ثلاثة مجاميع، حسب ما نعتقد، من هؤلاء الضباط وهم : 1- التيار الموالي : وهو الذي يوالي بريطانيا ومشاريعها بوصفها آمل العراق، ونواتهم الساسية متمثلة بالاساس بالضباط الشريفيون من أمثال جعفر العسكري ونوري السعيد ومزاحم الباجه جي وجودت الايوبي وجميل المدفعي وطه الهاشمي وياسين الهاشمي وثابت عبد النور وغيرهم. لقد نفذ هذا التيار المفاصل الأكثر خطورة من المشروع البريطاني/ الفيصلي، ليس في العراق فحسب بل في عموم المشرق العربي عامة والقضية الفلسطينية بخاصة من خلال التحقيق المادي لوعد بلفور وبقية مشاريعها على امتداد المرحلة الملكية كحلف بغداد. 2- التيار المساوم : وهم الذين كانت تساورهم بعض الشكوك، إزاء جدية بريطانيا في الايفاء بوعودها المعلنة آنذاك ومدى واقعية ومصداقية تصورها لعراق المستقبل وبصورة خاصة التحقيق الموضوعي للفكرة الاستقلالية. لذا كانوا يترددون في منح التأييد الكامل لها أو لمشاريعها ورؤيتها، إذ كانون يشترطون بعض الشروط قبل منحها أو يوافقون على بعض مفردات الموقف. ولكن بعد استقرار الدولة فقد حسم هذا التيار موقفه وانخرط أغلب مناصريه مع التيار المساوم وليصبحوا جزءً منه ومن النخبة الحاكمة. 3- التيار الراديكالي: وهو التيار الرافض للمشاريع البريطانية كافة، إذ كان يطالب أولاً بالجلاء التام وتأسيس الحكومة الوطنية المستقلة استقلالا حقيقيا وليس شكليا. وكان أغلب المنتمين لهذا التيار في مطلع عشرينات القرن المنصرم ،هم من الرتب الصغيرة (الآمرون) من أمثال صلاح الدين الصباغ وبكر صدقي وكامل شبيب ومحمد علي جواد وغيرهم. وبالرغم من أن حجم هذا التيار صغيراً، لكنه كان له صدى واسعا في الشارع السياسي العراقي. ومن جانب آخر فقد مثل هذا التيار خير تمثيل، هي كتلة الرئيس الأول توفيق حسين ذو النزعة الاسلاموية مازجا اياها بالاتاتوركية العلمانية.. ومن هنا يكمن السر في مناهضة هذه الكتلة للمشروع البريطاني/الفيصلي في العراق. لقد تطور هذا التوجه الراديكالي في الجيش العراقي بعد الحرب العالمية الثانية حيث أصبحت، بحكم ضعف القوى السياسية المدنية وقوة قمع السلطة التسلطية، الانتلجنسيا العسكرية واحدة من أهم عناصر التغيير الاجتماسياسي المنتظر، نظرا لما تمتلك وتتحكم بوسائل التغيير المادي، بخاصة عندما اقترن تنظيمهم بالتكتل الغائي ذي الملامح الجذرية، إذ استهدفت النظام السياسي برمته وتوجهاته الاجتصادية والسياسية والفكرية. لقد تبلورت هذه الغائيات وتجسدت من تراكم تاريخية المؤسسة العسكرية من جهة ومن جهة أخرى منذ حرب فلسطين الأولى (1948-1949) وفيها كدلالة مادية ورمزية ايضا. إذ بدأ أول التكتل الغائي ان يجسد ذاته في (تنظيم الضباط الوطنيين)، وتطورت فكرة التكتل الغائي في عدة تنظيمات عسكرية ، تماثل اغلبها مع هورمانية واقع الحركة الوطنية ، وفي خضم الصراعات الاجتماعية الداخلية والاقليمية والدولية ، كذلك معادلات الحياة وتناقض مصالح المشروع السلطوي مع ماهيات وضرورات الحياة منذ خمسينيات القرن المنصرم، وانعكس ذلك في جملة الانتفاضات الشعبية والاضرابات العمالية، مما عمق من الازمة البنيوية لنظام الحكم. وهكذا صاغت الظروف الحسية للبلد (كعامل موضوعي) وللمؤسسة العسكرية ( كعامل ذاتي)، دورها في تكوين هذا التكتل الغائي والمتمثل فيما عرف بإسم ( حركة الضباط الأحرار)، حيث كانت تضم مجاميعا متنوعة من الكتل، ذات غائيات عامة متفق عليها: كالاطاحة بالنظام الملكي، وأراسيات من الاهداف المختلف عليها : كماهية مستقبل العراق ؛ ولمن الاولوية لعراقية العراق أم عروبته ؛ ومدى عمق الاجراءات الاصلاحية وغيرها . وهكذا برز من هؤلاء الضباط الغائيون من ذوي الاتجاهات السياسية والفكرية المتعددة التي كانت سائدة في الساحة العراقية في خمسينيات القرن المنصرم ، من أمثال : عبد الكريم قاسم، محي الدين عبد الحميد ، جلال الاوقاتي، ناظم الطبقجلي، رفعت الحاج سري، ناجي الحاج طالب، عبد الوهاب الشواف، عبد اللطيف الدراجي، عادل جلال، إبراهيم عباس اللامي، عبد الستار عبد اللطيف، عبد الوهاب الأمين، داود الجنابي، هاشم عبد الجبار، إسماعيل علي، سلمان الحصان، عبد الباقي كاظم، فاتح الجباري، كافي النبوي، لطيف حسن، عبد السلام عارف، محمد سبع ، عبد الرضا عبيد، موسى إبراهيم، طه السلطان، ماجد محمد أمين، جلال بالطة، كاظم مرهون، فاضل عباس المهداوي، إبراهيم حسين الجبوري، وصفي طاهر، إبراهيم الموسوي، طه البامرني، رجب عبد المجيد، عبد الرحمن عارف، إسماعيل العارف، عبد الكريم فرحان، صبيح علي غالب، أحمد صالح العبدي، طاهر يحيى، عبد الكريم فرحان، محسن حسين الحبيب، أحمد حسن البكر، عزيز عبد الهادي، وخليل إبراهيم العلي، جبار خضير، سلمان الحصان، حامد مقصود، عبد اللطيف الدراجي، عبد الكريم الجدة، ، خليل سعيد، عبد المجيد سبع، سعيد مطر، غضبان السعد، سليم الفخري، فاضل البياتي، عطشان ضيول الازيرجاوي، قاسم الجنابي، حافظ علوان، فتاح سعيد الشالي، نعمان ماهر الكنعاني، فاضل البياتي، حسين خضر الدوري، خزعل السعدي، جاسم العزاوي، صبحي عبد الحميد، راغب السماوي، شاكر محمود السلام، أسماعيل تايه النعيمي، حسن مصطفى النقيب، خليل إبراهيم حسين، شكيب الفضلي، محسن الرفيعي، حسن عبود، عربي الخميسي، محمد مرهون الصفار، حردان التكريتي، خالد حسن فريد، فاضل محسن الحكيم، عبد الحبار عبد الكريم، ذياب العلكاوي، إحسان البياتي، عبد الستار العبوسي... وغيرهم الذين قدرت عددهم في حدود 320- 400 ضابطاً في دراستي التقديرية لاحصائهم وذكر اسمائهم . وهكذا برزت هذه الفئة التي ضمت مختلف الاطياف والمكونات الاجتماعية والاثنية ومن مختلف الديانات والمذاهب، كما اتسمت بتعدد منافذها الفكرية ومدارسها الفلسفية.. فكان التنوع في الوحدة وكانت الغائية الاجتماعية من سماتها المتميزة . الهوامش: 115 - منذر سليمان، مستل من : الجيش والسياسة والسلطة، ص. 88 مصدر سابق. 116- اليعازر بعيري، ضباط الجيش والسياسة، ص.295. مصدر سابق. 117 - ميرسكي, الماركسية ومشاكل التحرر الوطني, مجلة الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية, موسكو العدد 5 سنة 1963. بالروسية 118 - إليعازر بعيري, ضباط الجيش في السياسة، ص. 295, مصدر سابق. 119 - هناك من لا يميز منهجيا بين فئات الطبقة الوسطى والفئات البينية التي هي : تلك العناصر ما قبل البرولتاريا وشبه البرولتاريا والباعة و الحرفيين وصغار أرباب العمل ، اي الفئات الدنيا من السكان التي تشغل المكانة الوسطى بين الطبقتين الأكثر حداثة: البرجوازية والطبقة العاملة. أما فئات الطبقة الوسطى فهي عبارة عن خليط غير متجانس من المجموعة المهنية بل والمتناقضة، في بعض الحالات ، والتي تتأرجح بين مختلف المصالح والقوى الاجتماعية، وهذا مرتبط بطبيعة الظروف الملموسة العيانية . إن عدم التجانس أستوجب أن يطلق عليهم بالجمع (الفئات الوسطى).. وهو ما حدا بجمهرة من علماء الاجتماع نفي صفة الطبقة على هذا الجمع غير المتجانس والمتسم بعدم إدراك مشترك لموقعها في التركيبة الاجتماعية وبالتالي انعدام وعي طبقي موحد لديها. 120 - تسود المؤسسة العسكرية ثلاثة مستويات على وفق مستوى التخطيط وهم : - الضباط القادة وهم من رتبة زعيم ( عميد) فما فوق؛ - الضباط الآمرون من رتبة رئيس لأول (رائد) إلى عقيد؛ - الضباط المنفذون من ملازم ثاني إلى رئيس (نقيب). 121 - انور عبد الملك وآخرون. الجيش والحركة الوطنية، ، بص. 65, دار الطليعة بيروت التاريخ بلا. 122 - " يقول عالم النفس الايطالي إميليو سيفاديو: أن التعود على الحياة في الثكنات، حيث الانضباط والمراتب لا جدال فيها، وحيث اوامر لا تناقش مطلقاً، ولا موجب إلى التفكير الانتقادي، يؤدي إلى الاستبداد. ويسفر الطموح إلى الاستبداد عن رغبة حتمية في جعل مثل هذا النظام المطلق يشمل الحياة الاجتماعية ايضا...". مستل من ميرسكي، الجيش والمجتمع والسياسة في البلدان النامية،ص. 46، دار التقدم ، موسكو 1987 123 - د. عدنان عزيز، تنظيم الضباط الأحرار، مستل من جمهورية الزعيم عبد الكريم قاسم، دراسات ومقالات جمعها ودققها، محمد سعيد الطريحي ص. 400، مجلة الموسم العدد 102، هولندا 2013. . 124 - لقد بلغت الانقلابات العسكرية في العالم العربي للفترة من 1936 إلى 1968، ما مجموعه 38 انقلاباً مما يعبر في الوقت نفسه عن ارتباط ظواهر التخلف والعنف والتسلط في هذه البلدان. أليعازر بعيري، ضباط الجيش والسياسة ، صص.243-246، مصدر سابق. أما في العالم الثالث فقد حدثت في الفترة 1960 إلى 1982، ما مقداره 108 انقلابا عسكريا. نزيه الايوبي، العرب ومشكلة الدولة، ص.28، مصدر سابق.. 125 - أن البنية التنظيمية للمؤسسة العسكرية تفرد دورا متميزا للضباط ، وبخاصة الكبار منهم، في التحقيق المادي للانقلابات العسكرية .. لكن هنالك تجارب في الدول النامية، لا تتعدى اصابع اليد الواحدة، نفذت مراتب ( ضباط الصف والجنود) المؤسسة العسكرية الانقلابات، ومنها العراق .. حيث لعبت المراتب دورا متميزا في الكشف عن الكثير من المحاولات الانقلابية، بل قادت محاولة انقلابية ردا على انقلاب شباط الاسود، وقد تجسد ذلك في حركة حسن سريع في تموز 1963، للمزيد راجع كتابنا، عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، مصدر سابق. ؛ د. علي كريم سعيد، البيرية المسلحة وحركة حسن سريع وقطار الموت ، دار الفرات ، بيروت 2002. 126 - مجموعة من العلماء السوفيت، التركيب الطبقي للبلدان النامية، ترجمة د. داود حيدو ومصطفى الدباس، ص. 412، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1972. 127 - المصدر السابق، ص. 414. 128 - أنور عبد الملك وآخرون، الجيش والحركة الوطنية ،ص. 35، مصدر سابق. 129 - للمزيد عن نظرية الدور التاريخي للضباط، يراجع : أليعازر بعيري، ضباط الجيش مصدر سابق. 130 - للمؤلف، الجيش والسلطة في العراق الملكي، 1921-1958، دفاعا عن ثورة 14 تموز، ط. 2، ص. 110، دائرة الشؤوون الثقافية ، بغداد 2005. 131 - للمزيد حول الضباط العراقيين في الجيش العثماني ومصائرهم والتيارات الاساسية لهم والاصول الاجتماثقافية لهم، راجع الفصل الثالث من المصدر السابق وكذلك الملاحق لتبيان دورهم في تأسيس الدولة العراقية . 132 - للمؤلف : حركة الضباط الاحرار التكوين والتكتل الغائي، في كتاب: من ماهيات السيرة الذاتية، صص 347-552، مصدر سابق. 133- راجع الملحق الثاني، في المصدر السابق، محاولة في التقدير الكمي للضباط الآحرار.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية : (7-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية :( 6-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية (5-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية (4-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية :( 3-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية :(2-8)
-
من تاريخية الانتلجنسيا العراقية : (1-8)
-
عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (3-3)
-
عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (2-3)
-
عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (1-3)
-
14 تموز سيبقى عيداً وطنياً
-
إبراهيم الخياط كمثقف عضوي
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
-
من ماهيات رفع شعار الوحدة الفورية الاندماجية :
-
لتحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الجم
...
-
التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج
...
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|