|
تجربة -ورشة التحرير- الفكرية في القاهرة
حسام أبو النصر
الحوار المتمدن-العدد: 6734 - 2020 / 11 / 16 - 14:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بدأت علاقتي بورشة التحرير في اللحظة الأولى التي عرفت فيها الأخ الكبير المؤرخ عبد القادر ياسين حين هاتفته عام 2011 وطلبت لقاءه لأول مرة، فأخبرني أنه سيكون في ندوة مسائية في بيت طه حسين الذي يتبع القصور الثقافية في شارع الهرم، وفعلاً وتوجهت هناك ومنذ اللحظة الأولى بدأ الحديث وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ سنوات طويلة، فرغم انفتاح ياسين على الجميع إلا أنه يبقى متوجساً بعض الشيء حتى يطمئن قلبه دون أن يظهر هذا التوجس، لكن في حالتي كان الارتياح من اللحظة الأولى وظهر ذلك جلياً في مدى العلاقة التي توطدت بعد ذلك ولا يغمرها سوى الصراحة المطلقة، فهو من الشخصيات التي تكره اللف والدوران، وصريح جداً ولا يجامل، المهم أنه دعاني لزيارته في ورشة التحرير و قلت له أنني أتشرف بتكريمكم بإسم مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية، وفعلا توجهت إلى مقر بالقرب من ميدان التحرير بإتجاه باب اللوق إسمه مركز النيل، ومديره عبد الخالق فاروق، في شارع البستان، وكان فعلاً فرصة للقاء نخبة من الكتاب والمثقفين الذين تجمعهم الورشة التي يقودها عبد القادر ياسين بديمقراطية محدودة، وكان معي محمد عماد وفعلاً كرمته بشهادة تقدير من بيت القدس لجهوده في اثراء المكتبة الوطنية والعربية، وعرفني خلالها بعدد من الشخصيات، وخلال هذا اللقاء دعاني أن أقدم شي عن الآثار الفلسطينية في الندوة القادمة، واعتقد كانت تعقد الورشة كل ثلاثاء ثم أصبحت كل أربعاء، وفعلا حضرت الأسبوع الذي يليه وقدمني للنخبة الموجودة وقدمت شرحا وافياً عن الآثار الفلسطينية وما تتعرض له من سلب وانتهاكات من الاحتلال الإسرائيلي، وأعتقد أنه كان اختبار منه ليعرفني أكثر، وفعلاً أشاد والحضور بهذه الندوة القيمة وأصبحت من المرتادين الشبه دائمين للورشة كل أسبوع طوال فترة تواجدي في القاهرة مع تأكيدي له أني لا أستطيع أن أكون عضواً دائما وإنما صديق للورشة كي يكون لي مساحة في الغياب، لانه كان صارماً في موضوع الالتزام لدى الأعضاء وحضورهم وتأخرهم ومواعيدهم، فدخلت عليه إحدى المرات في مركز النيل وجدته يوبخ اثنتين من أعضاء الورشة وإحداهما كانت تجهش بالبكاء، فإضطررت للتدخل والتطفل في محاولة لتهدئته وتهدئتها، وأن الموضوع لا يحتاج لكل ذلك، فأوضح لي أنه نبههم مراراً بالالتزام بالمواعيد وأن يكونوا جاهزين لتقديم المحاضرة حين يطلب منهم، حيث يتم تحديد في كل لقاء من سيلقي الندوة في الورشة القادمة ويتم تزويع المهام بحيث ان يكون اثنين أو ثلاثة متداخلين، على ما أذكر، فأي خلل في ذلك وعدم التحضير يضرب مسار الورشة كما هو محدد، لذلك كان دقيقا جداً ويحب الالتزام بالمواعيد خاصة أنه في مصر قلما تجد الملتزمين بالمواعيد، ودائما تكون الحجة الطريق والمواصلات وكذا وهذا عايشته بنفسي. وكان مكان الورشة متنقلا حيث أنه في كل مرة يتم تحديد المكان الذي سيتم التجمع فيه في الورشة القادمة وكان ياسرني المقرات القديمة وعبقها رغم ضيقها، والتي كانت تسافر بي إلى التاريخ وإلى مصر العتيقة وأذكر أن إحداها كان في مقر حزب التحرير في شارع فرعي من شارع عدلي يقابله المبعد اليهودي، وكانت هذه الورشة يلقيها المفكر والكاتب الكبير غازي الصوراني وهي المرة الأولى التي التقي به هناك رغم أنه في غزة لكن لم نلتقي سابقا، وأيضا في نفس المكان أعتقد تعرفت على الباحث في التاريخ والصديق القانوني أحمد الدبش، وتوطدت العلاقة فيما بعد، وحقيقة كانت الورشة فرصة لنتداول بيننا قصصنا ومعاناتنا في شتاتنا وكل له حكاية، وفعلا تشعر أنك في بيتك وتقول كل ما لديك بحرية في وقت كان الامن يراقب كل زواريب وزاويا وشوارع القاهرة خاصة في فترة الثورة، رغم ان الأمور اخذت نوعا من الحرية بعض الشيء في مصر، لكن يبقى الفلسطيني فلسطيني، إلا أن الورشة بما تضمه من فسيفساء الأحزاب المصرية والتي كان أوجها في تلك الفترة أعطاها زخماً كبيراً فهناك تعرفت على كثير من الأعضاء ورؤساء الاحزاب من اليسار حتى اليمين والوسط والاسلاميين وكانت واحة للنقاش المفتوحة وورشة لتبادل الآراء والأفكار بحب واخوية فعلاً جسدت الروح العربية الجامعة بعيداً عن الفئوية وحبهم واجتماعهم جميعاً على القضية المركزية فلسطين، والاختلاف كان يثري أي نقاش، والفت هنا إلى شيء مهم أن هناك مواقف في التاريخ المعاصر كان لها قراءات متعددة ادعي ان قراءة عبد القادر ياسين لها اعطى زاوية أخرى قد نختلف أو نتفق معها لكنه فتح الباب للتدقيق أكثر في كل ما يقال ويكتب، وأن لا يؤخذ كما هو، خاصة فيما يتعلق بالمواقف التاريخية المفصلية، وأن الحكم على الأشياء ليس مطلقاً، خاصة وأنه عاصر جزء كبير منها، وكنت في كثير من النقاش معه أكتشف حقائق مغايرة لما كنت أعرفها عن شخصية ما أو عن المنظمة، وطبعا هذا لا يجعلني أسلم بما يقول بالعكس ولكن يفتح مدارك البحث والتحقق أكثر، وكثيراً من نقاشاتنا تستمر حتى بعد إنتهاء الورشة حيث كنا نركب محطة المترو سويا ونقطع التذاكر الصفراء حتى ينزل هو في في محطته حلمية الزتون، وأنزل بعده في محطة عين شمس،(وقد زرته مراراً في منزله الكريم والمتواضع الذي يعج بالكتب في كل أركانه وزواياه وكانت أم جميل رحمها الله تعد لنا الشاي وأكلت من يدها المسخن الفلسطيني)، لذلك أعتبر أن أراء ياسين في كثير منها تمثل الوجه الآخر لما نريد أن نجمله، هو يقوله بلا مواربة وبلا مجاملة وهذا مهم في وقت يصعب أن يكون الكاتب موضوعي، فيما كان أساس الورشة يقوم على اختيار كتب لنقاشها، وإعداد قراءات لها وأذكر في إحدى المرات أن عبد القادر ياسين أعد لي كميناً، حين كنت حاضراً في إحدى الورشات، وفي نهايتها طلب مني إعداد قراءة لكتاب (ثورة 25 يناير ثورة شعب حر)، الذي أعده عدد من كتاب وهو الذي يقدمه، وقال أن من سيقوم بهذه المهمة الشيخ حسام (ممازحا طبعاً)، فأنا إعتقدت أنه يمزح، فقال مصراً: "إنه وقع الاختيار عليك وهذا رأي الجميع ونعتز برأيك"، فقلت له أنا صديق الورشة ولست عضواً، قال لي: "عشان كده وعشانك صديق عزيز سنوكل لك هذه المهمة وننتظر"، فقلت في نفسي "شكلو عايز يورطني"، ولكن أنا قبلت التحدي، المهم عدت إلى بيتي المستأجر في عين شمس قرب شارع أحمد عصمت وقريب من مترو الانفاق، وأصارع الوقت في محاولة لقراءة الكتاب وكما نعرف جميعا أن ذلك يحتاج لقراءات متعددة للكتاب وكل قراءة تشمل شكل ومضمون الكتاب، والمتن والمراجع والفصول وغيرها، المهم بعد صراع مع الوقت لأني كنت منشغل في الدراسات العليا في معهد البحوث والمحاضرات وكنت ملتزم بتقديم القراءة في موعدها، وفعلاً عُقدت الورشة وحضرت في الموعد، فإفتتح عبد القادر الجلسة بالتأكد من الحضور والسؤال عن البعض الغائب، ثم قال: "إحنا طلبنا من الشيخ حسام (وطبعاً عندما يقول الشيخ يمازحني لأنه والجميع يعرف أني فتح، وكان دائماً يقول حين أحضر جاءت فتح الشرفاء وكان يعتز بي وبوطنيتي في وقت هو يختلف كثيراً مع قيادات فتح واوسلو وتشكلت بيننا علاقة صادقة والاختلاف لا يفسدها مطلقاً) المهم فقال طلبنا من الشيخ حسام يعمل قراءة: "عملت ولا طنشت الموضوع"، فرديت: "هو هذا كلام كيف أطنش" وأخرجت من جيبي ورقة صغيرة بحجم كف اليد، فإنفجر غاضباً: هي دي القراءة؟! فرد الأخ فتحي (أحد أعضاء الورشة): "اديلوا فرصة إسمعوا الأول"، فقال على مضض: "تفضل"، وبدأت بقرائتي النقدية التي جائت من أولها نقداً لعبد القادر ياسين في مقدمة الكتاب، ثم قراءة لكل باب ولكل كاتب وما قدم والمصطلحات المستعملة، والمراجع، وكانت قراءة نوعية ومفاجئة أعجب بها ياسين والحضور لموضوعيتها الكبيرة، وقاطعني فتحي موجها الكلام لياسين: "أهو جالك إلي يفهمك" فرد ياسين بشغف: " كمل كمل"، وفعلا كانت من أهم القراءات التي قمت بها وقد اعترف أنها أول إعداد قراءة كتاب دون أن يعرفوا ذلك حيث اعتقدوا أني أعددت كتب سابقاً رغم أني كاتباً، ولكن لم أعد قراءات كتب من قبل، بل أنها بداية القراءات النقدية لي، وكان الفضل لورشة التحرير ولعبد القادر ياسين في ذلك دون أن يعرف، لأنه حين طلب هذا الطلب اعتقدت أنه اختبار آخر من إختباراته الغير معلنة، واعتبرت أنه تحدي لايمكن القفز عنه وسأواجهه، بعد انتهاء القراءة طلب عبد القادر أمام الحضور أن أطبع هذه القراءة بالكامل لأهميتها وأسلمها له لنشرها في إحدى الصحف المصرية، وكان الكتاب من تقديم عبد القادر ياسين، وكتب فصوله كل من أحمد بهاء الدين شعبان، عبدالخالق فاروق، خالد سعيد، ورضوى عبد القادر وريهام رافع وآخرون. وفي ورطة أخرى جميلة دعاني أبو جميل عبد القادر ياسين لالقاء ندوة عن باب المغاربة في القدس والانتهاكات الإسرائيلية في مقر نقابة الصحفيين في القاهرة، في أواخر عام 2011 وطلب مني أن أرد على أسئلة الصحفيين والتي جاء منها عن دور جامعة الدول العربية نشرت على اليوتيوب لاحقا من قبل تلفزيون المحيط. وأستطيع القول أن تجربتي في ورشة التحرير (التي هي امتداد للورشة التي كان يقيمها ياسين في سوريا سابقاً حسب ما قال لي الكاتب الكبير هاني حبيب على ما أذكر ذلك) كانت غنية رغم قصرها، وتعرفت من خلالها على كثير من الكتاب والنخب والأحزاب فهناك تعرفت على الراحل زياد أبو شاويش، وتعرفت على أحمد الدبش وغازي الصوراني، ود.خالد سعيد، ووليد محمد علي رئيس مركز باحث وقد زرناه مع أعضاء الورشة بمعية الاخ عبد القادر ياسين في مقر اقامته حين حضر من لبنان، ونجوى، وتحرير الاعرج، ونعيمة أبو مصطفى ورانيا المدهون التي دعتني الى زيارة المقر الناصري في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر مع عدد من أصدقاء الورشة وأوكل ياسين لنا هذه المهمة، وأيضا تعرفت على أصدقاء أعزاء شاركوا فيما بعد في كسر الحصار عن غزة عام 2012 من خلال وفد زار غزة بعد الحرب الثانية، ومنهم هشام عبد الرؤوف (حزب الحرية والعدالة)، عصام عساف (مصر القوية)، وعمر محمد (حزب الوسط) فتحية أحمد (الحزب الاشتراكي)، أمل فرج (لجنة القدس في الأطباء العرب)،حمدي محرم (لبيك يا اقصى)،آمال الخزامي (حزب التحالف الشعبي)، أميرة الشهاوي (لجنة القدس)، هاني طلبة (لبيك يا اقصى) ريهام رافع (لجنة القدس) وقد استقبلتهم في بيتنا في غزة وزاروا عدد من المواقع والامكان وسعد ياسين لهذا الاستقبال وقد أوصاني بهم وكان على اتصال معي قبل حضورهم ورتبنا ذلك، واستمرت علاقتنا القوية لدرجة ان حتى أمن غزة الذي كان متشدداً في أمن الوفود لم يتدخل أو يمنع أي فعالية لنا لادراكهم أن العلاقة سابقة مع الوفد والتي كان أساسها ورشة التحرير، وقد أعددنا خلالها ندوة مهمة بعنوان العلاقات المصرية الفلسطينية تاريخ مشترك، وحضرها من غزة أيضا الكتاب توفيق أبو شومر ومحمود زعيتر وخضر محجز، وعدد من طلاب الدراسات العليا في القاهرة. بل أن تجربة الورشة نقلتها إلى بيت القدس في غزة وأصبح هناك فعلاً قراءة كتب وورشات بشكل أسبوعي إضافة للندوات والفعاليات التي كانت تقيمها المؤسسة سابقاً. ومن خلال المعرفة الكبيرة التي توطدت بيني وبين ياسين طلبت منه أن يضع مقدمة كتابي ثورة الكف الأخضر لما يمثله ياسين من قيمة تاريخية ومرجع مهم في التاريخ المعاصر أغنى المكتبة الفلسطينية والعربية بمؤلفاته ومداخلاته، وفعلا لم يتردد في ذلك، وصدر الكتاب في عام 2014 عن مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية في غزة، وقد انقطعت علاقتي بالورشة بعد أن عدت إلى غزة ولم أعد للقاهرة بعدها لظروف سياسية، إلا أن علاقتي بعبد القادر ياسين ضلت حتى كتابة هذه السطور.
#حسام_أبو_النصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشت في زمن احمد عبد الرحمن
-
دولة انيس صايغ
-
المثقف الفلسطيني بين سلطتين واحتلال
-
استقالة الشاذلي بن جديد 1992 وتحول الحياة السياسية في الجزائ
...
-
محمود أبو النصر في صفحات الثورة المنسية
-
اوباما في أحضان هافانا
-
تاريخ المسرح في فلسطين
-
- آثار فلسطين - ... احتلال ، سرقة ، تدمير
-
فتح صراع الوظيفيون والثوريون
-
واقع المقدسات الاسلامية والمسيحية في ظل الاحتلال
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|