|
العولمة وتحدياتها للعالم العربي
فوزي نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1610 - 2006 / 7 / 13 - 07:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لم تكن العولمة شعارا ترفعه القوى الرأسمالية من أجل سعادة الشعوب ، ولا رمزا لمساعدة الدول الضعيفة ، بل هي نتيجة متقدمة للإمبريالية ، وهدفا للهيمنة الرأسمالية على دول العالم الثالث ، وصيحة لإستنفار جميع القوى الرأسمالية من أجل سلب كافة الدول التي لا تتمتع بإقتصاد قوي 0 إن النزعة نحو توحيد العالم وإقامة نظام عالمي جديد يسيطر على النظم الإقتصادية ، والسياسية ، والثقافية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد تفكك الإتحاد السوفييتي 0 لقد جاءت نظرية فوكويوما بعد إنتهاء المعسكر الإشتراكي بالوصول إلى نهاية التاريخ حيث رفعت الولايات المتحدة الراية بإنتصار معسكرها وبأن التاريخ ينتهي بها وهي التي سوف تكون سيدة العالم ، بعد ذلك قام هنتنجتون بنظريته ( صراع الحضارات ) الحضارات الغربية مع بقية الحضارات في العالم مثل الكونفوشية والهندوسية ، والبوذية وغيرها وركز خصوصا على الحضارة الإسلامية التي لا بد من الوقوف بوجهها خشية نهوضها 0 والعولمة تتجلى بعدة أشكال لكن هدفها واحد هو إزالة وإلغاء الحدود بجميع أنواعها وأشكالها سواء كانت سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية ، والسيطرة والهيمنة على العالم بأجمعه وإختزال هذا العالم الواسع الشاسع في قرية كونية صغيرة 0والعولمة بإختصار هي أمركة العالم أجمع في كافة مظاهر الحياة بحيث تكون جميع الدول تابعا للنظام الأمريكي 0 فهي تتمثل في السيطرة على الإقتصاد ، السيطرة على الثقافة ، السيطرة على المعلومات والإتصالات وهي ما سميت بثورة التقانية والعلمية ( وتتمثل في التطور في وسائل الإتصالات ووسائل نقل المعلومات والصور والأفكار ) ، والسيطرة على التفوق العسكري والتكنولوجي ، وعلى جميع مسارات الحياة 0 وقد لعبت المنظمات الإقتصادية دورا كبيرا بعد أن تزايد دورها على المسرح الدولي ، وأثبتت وجودها عاملا قويا في بروز ظاهرة العولمة ومن هذه المنظمات : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، ومنظمة التجارة العالمية 0 وقد أصبحت هذه المؤسسات بمثابة سلطة دولية تملك حق وضع الأسس والضوابط والإجراءات ضد من يخل أو لا يلتزم بها 0 الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تهيمن على هذه المؤسسات ، وفي أحيان كثيرة تستعملها كأدوات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وفرض الشروط التي تريدها 0ورغم أن العولمة أثارت مخاوف الكثيرين وقد إعتبروها شكلا من أشكال الهيمنة والنفوذ والتبعية ، بينما رأى فيها البعض الآخر عدوانا على حرمات الأوطان والشعوب وإعتداء على خصوصيتها ، وغزوا لثقافتها وحضارتها 0 ثقافة الشعوب والعولمة : ثقافة الشعب وحضارته متمثلة في أعرافه وتقاليده وتراثه ، وأن لكل شعب ثقافته الخاصة به ، وفي حال التفكك الثقافي ، وفراغ الثقافة المكتوبة نشأت ثقافة الصورة التي حلت محل الثقافة المكتوبة وتمكنت العولمة من جذب وإستقطاب الأجيال الصاعدة وأصبح تعريف ثقافة العولمة بالقول إنها ليست الثقافة المكتوبة إن مبدأ العولمة من المنظار الأمريكي كان يتخذ مسارا بين الحرب العالمية الأولى والثانية حيث كان الصراع بين الولايات المتحدة وألمانيا من أجل الحلول محل الهيمنة البريطانية الآيلة إلى السقوط وإنتزاع دور أوروبا القيادي لتحل هي قائدة للعالم 0 وقد إنتهت بإنتصار الولايات المتحدة وإخضاع ألمانيا واليابان ومعها أوربا للمخطط الأمريكي ، لكن قيام الإتحاد السوفياتي آنذاك حال دون تنفيذ المشروع الأمريكي في إرساء مشروع العولمة في صيغته هذه 0 وإنتقل الصراع بدلا من أوروبا إلى إلاتحاد السوفييتي وإتخذ شكل الحرب الباردة بين القطبين لوجود توازن في القوى الإستراتيجية 0 وبعد أن إنتهت الحرب الباردة بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة برزت هذه الأخيرة كقوة رأسمالية متقدمة في صناعة السلاح والتكنولوجيا ، وتصاعدت القوة العسكرية وممارسات الهيمنة على النظام العالمي 0 وقد عزز تفوق الرأسمالية المراكز الرأسمالية الناجم عن إحتكارها للتكنولوجيا العالمية ، وإحتكارها لقدرات مالية إستطاعت من خلالها التوجيه الحر للأموال بما يخدم مصالحها مؤكدة عولمة مالية فرضت نفسها كحل لمشاكل الراسمالية 0 ولا بد من الإشارة إلى أهم أهداف العولمة التي تبحث عنها الولايات المتحدة : 1 ـ هدف العولمة الأساسي هو سعي الولايات المتحدة الحثيث للسيطرة على العالم ، والهيمنة المطلقة على جميع دوله 0 2 ـ السعي لكسر الحواجز الإقتصادية ، والقضاء على جميع الدول القومية ، وتشجيع الشركات المتعدية الجنسية لتقفز فوق الحدود ، وتلغي أي أثر لها 0 3 ـ تشجع العولمة الإنقسامات القومية والدينية والعرقية والثقافية ، وإشعال الحرائق في العالم ، وتأجيج المناطق الساخنة باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، مؤكدة على تفتيت الكيانات الكبيرة القائمة على التعدد الثقافي والقومي والديني 0 من أجل العمل على توحيد العالم على أساس ثقافة أمريكية واحدة 4 ـ إعادة صياغة العالم بعد تفكيكه وتدميره وجعله تابعا لثقافة واحدة ، ولإقتصاد واحد ولدفع قطار العولمة لتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية للدول بالإعتماد على الشركات المتعدية الجنسية من أجل القضاء على التجمعات الإقتصادية الإقليمة الكبرى 0 فهي من الجانب الإقتصادي أو العولمة الإقتصادية : عملية سيادة نظام إقتصادي واحد يشمل العالم ضمن منظومة من العلاقات ، وهي ليست إلا مرحلة متقدمة من تطور وسائل الإنتاج 0وتسعى دائما إلى تسهيل حركة الناس والمعلومات والسلع والأيدي العاملة ، كما تسعى لتحرير الأسواق ، والإعتماد على الشركات المالية متعدية الجنسيات 0 وتسعى لإزالة الحدود ، وفتح الأسواق 0 ويرى الأستاذ محمد الأطرش بأن العولمة هي : ( إندماج أسواق العالم في حقول التجارة والإستثمارات المباشرة وإنتقال الأموال والقوة العاملة والثقافة والتقانة ، ضمن إطار رأسمالية حرية السوق ، وهي خضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى إختراق الحدود القومية وإلى إنحسار كبير في سيادة الدولة ) 0 2 ـ الجانب الثقافي أو العولمة الثقافية : هي نوع من الإيديولوجيا الأمريكية تهدف إلى السيطرة الثقافية الأمريكية وتعميم الثقافة الأمريكية على سائر ثقافات العالم ، وذلك بواسطة سيطرتها على وسائل الإتصال المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة ، مع إرادة الهيمنة والإختراق الثقافي للوصول إلى التطبيع والقبول بمبدأ الهيمنة 0 ومن أهم خصائصها كونها ثقافة ما بعد المكتوب أي ثقافة الصورة ، بينما يرى فيها عبد الإله بلقزيز فعلا إنتقائيا ثقافيا عدوانيا بينما العولمة من وجهة نظر أحمد ثابت (( مجرد مطية لخدمة القوى العظمى بحجة دمج الثقافات في ثقافة العولمة حيث يتم الترويج للثقافة الغربية وتشجيع من يتمثله كمحفز للغير ) 0 وتجدر الإشارة إلى أن إلاختراق الثقافي ظاهرة من ظواهر العولمة الخطيرة تجعل الوطن ( البلد ) المخترق ثقافيا يفقد هويته ويصبح مهشما ثقافيا وتغدو ورود الثقافة بدون رائحة ، وأشجارها بدون أغصان ، وحدائقها بدون أشجار فعندما تخترق الثقافة تفقد أصالتها ، وتبعد عن قدرتها على الإستمرار والإبداع ، وتسقط في مستنقعات الإستسلام العولمي 0 هل أن مقولة (( الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا )) مازالت قائمة بحيث لا يمكن أن يلتقيا حضاريا ولا ثقافيا ، وفيها إيحاء لإخضاع الشرق لإرادة القوى الإستعمارية الغربية 0 هذه بدعة رأسمالية من أجل أن يبقى الغرب مهيمنا على الشرق ومسيطرا على مقدراته 0 3 ـ الجانب السياسي : إن الهيمنة المطلقة على العالم هي المشروع والهدف الأمريكيان في الوقت الراهن ، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من إعادة صياغة العالم من جديد ، فالعولمة من جهة تشجع على الإنقسامات القومية والدينية والعرقية والثقافية باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان إستنادا إلى نظرية صراع الثقافات مؤكدة إلى تفتيت الكيانات الكبيرة على أساس التعدد الثقافي والعرقي والديني والطائفي ، ومن جهة ثانية تعمل على توحيد العالم على أساس ثقافة أمريكية مسيطرة 0 وهذا إستنادا إلى مقولة : (( لكي تعيد تشكيل العالم عليك تفكيكه )) 0 وهذا هو جوهر السياسة الأمريكية في هذا الزمن 0 لذلك ما نراه في العراق ليس مستغربا من تفكيك لكافة البنى الإجتماعية ، والدينية ، والثقافية ، والمظاهر السياسية وذلك باسم الحرية ، وحقوق الإنسان ، والديموقراطية ، ومن بعد ذلك تسعى لتعيد تشكيل المجتمع العراقي على أساس طوائف وقبائل ، وشيع تهيمن عليها جميعها وتفرض ثقافتها وتفرض حرية السوق فيه وتسوق بضائعها ، بينما تنهب أمواله وإقتصاده ليسهل عليها إبتلاعه 0 وهذا ما سوف ينتقل الى جميع الدول العربية التي مازالت لا تعلم طريق خلاصها ، حيث تسعى الولايات المتحدة لإبقاء التخلف وفرض السيطرة والهيمنة من أجل ربط كافة الدول وتذوبها في محلول العولمة لذلك يرتبط نظام العولمة بمفهوم التخلف والتطور ، حيث فرضت الدول الإستعمارية التخلف على دول العالم الثالث عن طريق إستعمارها ونهب خيراتها وسرقة جميع كنوزها ، وبعد إستقلال هذه الأمم راحت تطرح مشاريع لتطوير الدول المتخلفة والتي هي بالأحرى ( كانت مستعمرة ) ومد يد المساعدة لهذه الدول بطريق التدخل أو الهيمنة ، أو تفكيك الشعوب من أجل إعادة تشكيلها 0 وكذلك تتدخل بالتذرع لحماية حقوق الإنسان ، أو من أجل الديموقراطية ، أو الإصلاح 0 وليست هذه المشاريع التطويرية ، إلا كمين نصب لهذه الأمم من أجل تجريدها من كل ما تملك من طاقات وإعادة الهيمنة والسيطرة عن طريق العولمة ( أو حرية نظام السوق ) ومن أجل إبتلاع هذه الأمم وهضمها بحجة المساعدات ، وبحجة تحقيق حرية المواطن ، وبهذه الذرائع وصلوا إلى إصطياد الشعوب لأنها ترغب في الحرية والديموقراطية وفي تحقيق العدالة والمساواة 0 الهوامش : 1 ـ مجلة عالم الفكر لعام 2004 ص68 ـ 2 ـ ذات المرجع السابق ص 85 ـ 3 ـ مجلة الفكر السياسي ص98 لعام2001 ـ سنة رابعة عدد 11,12 ـ 4ـ النهج عدد 19/99 ص52 ـ 5 ـ مجلة المستقبل العربي ص 161 العدد 9/2003
#فوزي_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العولمة ومونديال عام /2006
-
النظم الحاكمة والتعامل مع الآخر
-
من هو الآخر وكيف نتعامل معه
-
الإعلام العربي إلى أين
-
الإعلام السلطة الرابعة
-
المثقف وادارة الوعي 2 2
-
الثقافة وإدارة الوعي 1 2
-
الثقافة وإدارة الوعي (1 2)
-
الثقافة والوعي
-
امتلاك الثقافة مؤشر لإمتلاك القوة
-
لقاء مع العدالة
-
الثقافة بين الحركة والجمود
-
هل الشفافية ضرورة للقضاء على الفساد
-
لماذا لا نرفع راية الإصلاح
-
في الوطن العربي الفساد هل يتقلص أم يزداد
-
الديموقراطية الأمل المفقود لدى الأنظمة العربية
-
القطب الواحد ( عالم اليوم ) إلى أين يسير
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|