حسن كعيد لواخ
كاتب وتربوي من العراق
(Hasan Gaeed)
الحوار المتمدن-العدد: 6728 - 2020 / 11 / 10 - 23:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اما بريطانيا فقد نظرت الى الانقلاب ، بإنه لا يؤثر على العلاقات التركية مع الدول الغربية ، لإنه مسألة صراع سياسي داخلي بين الحزبين السياسيين الكبيرين في تركيا ، حزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي ((42)). اما ردود الفعل السوفيتية ، فقد جاءت من راديو موسكو الذي نقل خبر الاإنقلاب كما أوردته وكالات الانباء العالمية * .. اما الموقف العربي الرسمي من الاإنقلاب فكان يتمحور ويتجسد في إتجاهين (( 43 )) ... الاول مع الانقلاب العسكري ... وهذا الموقف مثلته الانظمة الكولونيالية ( ذات الصبغة العسكرية )... فهذه الانظمة رأت في الانقلاب العسكري التركي تزكية ومحاكاة لانقلاب . وأعلن العراق من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الزعيم عبد الكريم قاسم * ، اعتراف العراق بالحكومة الجديدة في تركيا في 31 آيار عام 1960 ((44 )) ، أكد رئيس الوزراء العراقي : ( إن ما حدث في تركيا يعتبر تطورا داخليآ يهم مصلحة الاتراك ) . . الثاني / الرافض للإنقلاب العسكري ( المغرب - تونس - اليمن ) وغيرها ، وهذه الدول لم تؤيد الانقلاب العسكري التركي ولا تشرعنهى ، خشية إعطاء ضوء اخضر وسابقة جديدة لانفلات العسكر والإطاحة بالحكومات المدنية .. بغض النظر عن توجهات هذه الحكومات ( ديمقراطية او اوتوقراطية ) ..
بعد نجاح الانقلاب إتخذت حكوكة الوحدة الوطنية عدة إجراءات منها :
1 - إجراء حملة تطهير واسعة لعناصر الجيش التركي ، بدأت في كانون الاول عام 1960 م ، حيث تم إقالة خمسة آلاف ضابط بين عقيد ومقدم . لقد ظلت عمليات التطهير (( 45 ))في صفوف الجيش حتى بعد الانقلاب الاول * والثاني ** التي قام بها العقيد ( طلعت أدمير )***آمر الأكاديمية العسكرية في أنقرة ، وقد تم التطهير بذريعة ( تنظيف ) الجيش من العناصر الفاسدة والعاجزة وإعطائه زخمآ ودمآ جديدين .
2 - القيام بعملية تطهير الجامعات ، حيث شملت اساتذة الجامعات (( 46)) الذين اقيل منهم ( 147 ) أستاذآ في مختلف الكليات ، والاقتصادية وكليات التاريخ والاداب ، ولا سيما كلية الحقوق والعلوم السياسية ، بذريعة ان هؤلاء الاساتذة من اليمين المتطرف ومن انصار الحكم السابق ، او يساريين وشيوعيين يزرعون المباديء الهدامة في صفوف الطلاب ، كما شمل التطهير كبار موظفي الادارة والقضاء (( 47)) .
شكلت الحكومة لجنة للتحقيق مع المسؤولين والوزراء السابقين كما اسست محكمة عليا لمحاكمتهم ، وقد انتهت المحكمة من اجراءاتها في ايلول / سبتمبر 1961 م ، بعد ان مثل امامها ابتداء من 14 تشرين الاول 1960 م ( 592 ) شخصا ، وقد وجهت الى المتهمين تهمآ سياسية ، منها إنتهاك دستور 1924 م بإقامة نظام دكتاتوري ، واتهامات جنائية تتعلق بالتحريض والعصيان وارتكاب اعمال القتل ، وتهم تتعلق بقضايا الفساد والرشوة والمصادرة غير المشروعة للممتلكات (( 48)) ، وتهم اخرى الى ( عدنان مندريس ) رئيس الوزراء .
4 / إطلاق سراح السجناء السياسيين المناوئين لحكومة الديمقراطيين .
5 / منع الاحزاب موقتآ، بعد إعلان الحظر على انشطتها الحزبية بأشكالها كافة .
6 / إقرارتعديلات في قانون المطبوعات ، منعت فيه صدور صحافة الحزب الديمقراطي ، وسمحت بإصدار ما كانت قد منعت صدوره حكومة مندريس .
7 / الغاء دستور عام 1924 م .
8 / إعلان الأحكام العرفية في مدينة أنقرة ومدينة اسطنبول .
9 / الاعلان عن فترة انتقالية أمدها ثلاثة أشهر ، تعود بعدها الحياة السياسية الدستورية - ولكن بقيت تلك الفترة ما يقارب من 18 شهرآ خاضعة للاحكام العرفية ، اي من 27 آيار / مايو الى 16 تشرين الاول 1960 م .
10 / تشكيل لجنة من اساتذة الجامعات ومن فروع القانون ، من اجل وضع دستور جديد للبلاد ونظام انتخابي جديد .
11 / تشكيل جمعية تأسيسية * ، عرض عليها الدستور والقانون الانتخابي ، وقد بدأت الجمعية التأسيسية اعماله في 6 كانون الثاني 1960 م . وخلال الاجتماعات التي كانت تعقدها لجنة الوحدة الوطنية ، جرت مناقشات حول المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد ، ولا سيما مسألة تسليم الحكم للاحزاب السياسية .
ان مسك العسكر للسلطة اخذ بالتشظي والانقسام حول نقطة جوهرية مهمة ، الا وهي ( كيفية ومنهجية نقل الحكم وإعادته الى السلطة المدنية )، اي بمعنى اخر .. ماهي الخطوات والاسس الواجب اتباعها لاعادة قيادة الدولة الى ( الحياة والصيغ الدستورية المعمول بها ) ، سيما بعد الغاء دستور 1924 م ... وقد تبلور ازاء ذلك اتجاهان ومعسكران :
الاتجاه الاول / ويسمى بتيار المعتدلين او الدستوريين في لجنة الوحدة الوطنية . وقد تزعم هذا الاتجاه ( جمال كوسيل ) و ( جمال أوغلو ) ، وقد تبنى هذا التيار فكرة اعادة وتسليم السلطة ، الى القوى السياسية المدنية ، وفق انتخابات برلمانية عاجلة ، و وفق ضوابط دستورية سابقة بهذا الاتجاه .
الاتجاه الثاني / ويسمى بتيار الكولنياليين ( اصحاب الميول الراديكالية ) بزعامة الكولونيل ( آلب ارسلان توركيش ) الذي يتطلع لإحتفاظ العسكر بالسلطة لمدة لا تقل عن اربع سنوات ، ثم يصار الى انتخابات نيابية ، بغية نقل الحكم الى السلطة المدنية ((50)) ...وقد اطلق الباحثون الاتراك على هذا الاتجاه ( تكتل الاربعة عشر) ، اشارة الى عدد الضباط والقادة العسكريين الذين ايدوا الكولونيل ( ارسلان ) في رؤيته هذه ...
وهنا نرى ان الجنرال جمال كورسيل احد قادة الانقلاب كان غير مؤيد البتّة ، مثل هكذا اطروحات وتوجهات قيادية - سلطوية ، كهذه ، ذات صبغة كولونيالية ، لعلمه اليقيني ، ان مسك العسكر للسلطة طيلة اربع سنوات سيجعل الدولة التركية ( العلمانية - الديمقراطية )تتجه نحو الدكتاتورية الكولونيالية ، وسوف يفسر الانقلاب على انه رغبة بالسيطرة على السلطة ، وليس لتصحيح المسار السياسي والحكمي للديمقراطيين بزعامة مندريس ؛ ويذكر ان الجنرال جمال كورسيل لم يتمكن من ثني هذه المجموعة او تغيير وجهة نظرها (( 51)) ، فلجأ الى اتخاذ قرار بطرد هؤلاء من لجنة الوحدة الوطنية ، وألف لجنة جديدة ضمّت ( 23 ) عضوآ، وتم تسفير ( توركيش ) ومن أيده من الضباط الى خارج البلاد ، حيث تم تعيينهم في السلك الدبلوماسي كلحقين عسكريين ، وكان ذلك في 13 تشرين الثاني 1960م .
سلطة العسكر ... الفترة الانتقالية ..
في يوم 28 مايس 1960 م وهو اليوم التالي للإنقلاب ، شكلت الوزارة الجديدة برئاسة الجنرال جمال كورسيل الذي اصبح رئيسآ للجنة الوحدة الوطنية ، وكانت بمثابة المجلس التشريعي - واشترطوا ان لا يكون اعضاء الوزارة من المنتمين الى الاحزاب السياسية (( 52)) ، وقول جلسة من جلسات لجنة الوحدة الوطنية ، وقد ضمت الوزارة التي وصفت بأنها (وزارة تكنوقراط ) سبعة عشر وزيرآ من العسكريين والمدنيين ، وقد احتفظ جمال كورسيل بحقيبة الدفاع ، كما اسندت وزارتي النقل والداخلية الى اثنين من الجنرالات . أما بقية الوزارات فقد اسندت الى شخصيات اختصاصية مدنية غير حزبية . وعند مناقشة التشكيلة الوزارية ، كان بعض الضباط يميلون الى إدخال ممثليهم لإشغال بعض المناصب الوزارية ، الا ان الجنرال ( جمال مادان اوغلو ) وقف ضد ذلك الاقتراح وتلك الرغبة ، من دون الاخذ به ..
خلال الفترة الانتقالية التي بدأت منذ تشكيل اول حكومة بعد الانقلاب ، اي في 28 /5 / 1960 م برئاسة الجنرال ( كورسيل ) - كما ذكرنا - والتي لم تعمر طويلا ، اذ استقالت في 31 / 8 / 1960 م ، -استمرت ثلاثة اشهر واربعة ايام - أعقبتها حكومة اخرى برئاسة جمال كوسيل ايضا ، واستمرت حتى 15 تشرين الاول ، اي ان الفترة الانتقالية استمرت حوالي سنة وستة اشهر ، حيث حلت لجنة الوحدة الوطنية نفسها ، وأجريت اول انتخابات برلمانية في 15 تشرين الاول عام 1961م (( 53)) ...
(( للموضوع بقية )) .
#حسن_كعيد_لواخ (هاشتاغ)
Hasan_Gaeed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟