أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - تلك الأيام من الرعب














المزيد.....

تلك الأيام من الرعب


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 6728 - 2020 / 11 / 10 - 21:29
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك في شهر نوفمبر من عام 2005 وقد مضى عام على فوز الرئيس جورج بوش الابن بولاية ثانية. كانت الأوضاع السياسية والأمنية قد ساءت جدا في العراق وباتت مصدر ربكة وعدم اطمئنان للإدارة الأمريكية .أرادت وكالة الأنباء التي اعمل فيها، الحصول على تقرير عن ما أفضى أليه الاحتلال الأمريكي للعراق بعد مضي هذا الزمن من عمر رئاسة بوش. لذا اختارتني الوكالة التي اعمل فيها وبسبب اجادتي اللغة العربية، الذهاب إلى بغداد كصحفي وإجراء مسح واستقصاء عن طبيعة ومجريات الأحداث هناك.سافرت جوا إلى دمشق، وتكفلت الوكالة بتجهيزي بالمعدات الصحفية مع سيارة وسائق كلف بنقلي من سوريا عبر الحدود إلى بغداد.
عند المعبر الحدودي، في الجهة السورية ، واجهت بمهمتي الصحفية أول عائق مزعج ومتعب في رحلتي، فقد أوقفني الحاجز العسكري السوري لعدة ساعات، وبإهمال ظاهر ووجوه عابسة، ودون أن يخبرني أحدهم عن السبب، تركوني والسائق مركونين جانباً دون أن يوجهوا لي أي سؤال عن الغاية من سفري . بعد أن تملكني الغضب والتذمر بالكامل، وبان على جسدي الإنهاك، جلست القرفصاء جوار باب غرفة الحرس. وجاورني السائق بصمته الثقيل . شعرت بأني محتجز ليس غير.
بعد كل تلك الساعات المتعبة البغيضة تقدم نحوي شاب برتبة نقيب بسلطة الحدود وسلـّم بصوت خافت جداً وكأنه لا يود أسماعي كلمة ترحيب. وبعجالة سألني عن طبيعة مهمتي الصحفية وإن كنت ضجراً، فضحكت ولكنه سارع وبادرني القول دون انتظار أجوبتي: لن تبقى طويلاً... مبلغ قليل للشباب وينفرج الموقف، وهناك أيضاً أصدقاء عليك أن تنقلهم معك . هذا كل ما يراد منك. وافقت بعجالة وأنا أدسّ بيده ورقة المائة دولار وأنفث دخاناً كثيفاً من سيجارتي بدا وكأنه كان حبيساً في رئتي طيلة تلك الساعات.
جلست بجانب سائق سّيارتي الصامت، وصعد إلى المقاعد الخلفية برشاقة وخفة ظاهرتين شابان أنيقان. وصلنا نقطة التفتيش في الجانب العراقي فطلب رجال الشرطة جواز سفري وهويتي. عند مشاهدتهم للجواز والهوية وباج وكالة الأنباء المعلق فوق صدري وصدر السائق، قالوا بترحاب وبصوت واحد : كَو مستر كَو....كَو ورحمة الله وبركاته. لم يطلبوا من الباقين جوازات سفرهم أو هوياتهم ولم ينشدوا نقوداً مثلما فعل الجانب السوري. ضحكت في سري وبدأت أدخن سيجارتي بشراهة ولذة فائقتين، وأطالع أفق الصحراء الممتد أمامي والذي بدأ يبتلع في جوفه المفتوح سيارتنا المنطلقة بأقصى سرعتها. بعد ما ولجنا مسافة ليست بالقليلة داخل الأراضي العراقية سمعت رنة هاتف أحد الركاب الذين حملناهم، وراح يهمس بهاتفه بتمتمة ولهجة غريبة لم أستطع فكّ شفرتها رغم ما بذلته من جهد. ولكن بعد مضي وقت قصير توضح لي كل شيء وعرفت مغزى تلك المهاتفة السريعة التي قام بها الراكب الجالس خلف مقعدي.
سيارتان حديثتان من نوع أوبل، إحداهما بيضاء والأخرى بلون أزرق داكن، يقف جوارهما سبعة من الملثمين اعترضوا طريق عجلتنا، وأجبرونا تحت تهديد السلاح على التوقف. رغم محاولاتي تمالك الأعصاب فإن وجه سائقي المصفرّ وجسده الذي كان يختضّ بشكل ظاهر، جعلاني أشعر بالخدر يسري في جسدي وبفقدان السيطرة على حركات عضلات وجهي وقدمي وأصابع يدي وأخذ العرق ينزّ من جسدي. هبط الراكبان من مقعد السيارة الخلفي وحشرا جسديهما بين مجموعة الملثمين وشاركا في طقوس التكبير والضحك والتهليل والقبلات المسموعة.
ـ إنهما صيد سمين ....
ـ لا.. دعهما يذهبان فقد قدما لنا اليوم خدمة جيدة.
أستلم سائقي إشارة الانطلاق، فراحت السيارة تلهب الأرض. صمتُّ تماماً دون أن أنبس بحرف واحد فقد كنت في ذروة الذهول من الصدمة، ولم أفق منها لحين اقترابنا من بوابة مدينة بغداد وبالتحديد عند نقطة سيطرة للشرطة العراقية.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشباح من عزلة كورونا
- دونية ووضاعة بعض الطقوس الدينية
- صوتك حلو ..ج الثاني
- صوتك حلو ..ج الأول
- مصطفى الكاظمي وأجندة الدولة العميقة
- فوبيا
- فلم سينمائي
- من أكل الطلي الهرفي
- مهام ليست بالسهلة ولكنها ليست مستحيلة
- هل هناك تحولات مرتقبة للانتفاضة العراقية
- الأكاديمي حين يخطئ
- ما آل أليه حال سائرون
- مطاردة الأشباح
- وحدة قوى التيار الديمقراطي هل من مرتجى؟
- الإطاحة بعمر أحمد البشير كان طبخة سعودية
- هل السيد عادل عبد المهدي رجل مجموعة مستقبل العراق؟
- شعار الصداقة بين الشعوب بين النظرية والمآل.
- شعار الصداقة بين الشعوب، بين النظرية والمآل.
- يقال تمخض الجبل فولد فارا
- الولاء والحراك الجماهيري


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة تثير الجدل بعد إجراء عملية تجميل لوجهها (ف ...
- سيكولوجية الطفل في شعر أحمد شوقي
- عمرو دياب يطعن بالحكم الصادر بحقه في واقعة صفع شاب
- -وزارة الزمن-.. محاكمة رواية للتاريخ
- وزيرة الثقافة الروسية تحضر مراسم جنازة البابا فرنسيس
- كييف.. الشرطة تحرر مخالفة بحق والدة طفل بسبب استماعه لموسيقى ...
- ما الثقافة ومن المثقف؟ رحلة في تجلية المفهوم بين العربية وال ...
- سفيرة الأناقة والتراث.. الدار العراقية للأزياء رحلة عبر التا ...
- -أفاتار: النار والرماد-.. كيف غيّر جيمس كاميرون مستقبل صناعة ...
- مدير التراث الفلسطيني: استشهاد أكثر من 130 فنانا وكاتبا بسبب ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - تلك الأيام من الرعب