|
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 15:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ كان الاعتقاد العام على هذا الشكل ، وبشكل خاص لدى العربي بأنه ممنوع من النهوض والإنماء ، وايضاً ممنوع من توحيد جغرافيته لأن ذلك إساءة للفكر الاستعماري أو لهيمنته على النظام الدولي ، وخير دليل على هذا الإختلاق ، أن النظام العالمي لم يعترض مثلاً على بناء مستشفى نموذجي ، بل بالأحرى ، أغلب المستشفيات في المناطق المعدومة قد بنيت بماله وأيدي أبناءه ، في المقابل لم يعدم المرء قراءة أخرى للمشهد ، هي قراءة تتكئ على الحدود الدنيا للمقارنات إذا صح لهذا النموذج إدراجه في خيار أوسع ، كان قد إنعطف منذ البداية على الإنتاج من أجل تحقيق توازن للحياة ، ومنذ ذلك اليوم ، وبعد ما قالها ، بدأت من بعده البشرية ترددها ، نعم ، أكثر مقولات يرددها محبي ساعة رولكس هي مقولة رجل الإعلانات الفرنسي جاك سيغيلا ، يقول ( إذا لم تملك رولكس في سن الخمسين ، فهذا يعني أنك فشلت في حياتك ) ، ومع تهاوي العملات المحلية في كل من لبنان وإيران وتركيا واليمن وقبل ذلك التعويم الذي حصل في مصر ، وايضاً التعثرات الذي خلقها فيروس كوفيد 19 ، يقف العالم بتقسيماته الاعتيادية ، غني ومتوسط الحال أو مدبر حاله وفقير أو معدوم ، عند سؤال جوهري ، لماذا يغيب بصفة عامة عن التعليم درس التفكير الاستباقي ، وبالتالي التخبط الذي يجتاح العالم سببه فقدان الخطط الذكية التى وظيفتها التعامل مع كل طارئ ، على الرغم أن كلمة الطوارئ تقرأ على كثير من الجدران ، وهنا إذ ما أخذ المرء جمهورية مصر عينة ، سيجد المراقب خلال 220 عاماً إزداد تعداد ساكينيها من 2,5 مليون إلى 110 مليون ، وهذا يعود فضله إلى التحضر المدني التى شهدته المناطق النائية وايضاً مع دخول الخدمات الصحية والتعليم المجاني باتت الوفيات في سن الطفولة تتراجع بشكل ملحوظ ، لكن مع إرتفاع أعداد السكان باتت العملة المصرية تشهد تراجع خطير ، في البدء كان بسيط إلى أن وصل حالها إلى هذا المنحني من المستوى ، فمنذ عهد الملك فاروق حتى عهد الرئيس المخلوع مبارك خسر الجنيه المصري تقريباً سبعة أضعاف من قيمته ، بالبطع الملفت إيضاً ، لم يخسر الجنيه أثناء حكم الرئيس عبدالناصر سوى 4 قروش بالرغم من هزيمة 67 في القرن الماضي والحصار الذي فرضه البنك النقد الدولي على المشاريع الإنمائية .
ليس مدهشاً وإن كان مرعب الدلالة في الواقع ، عندما أمة عريقة تغفل بالكامل عن أشياء أساسية ، إذن هناك شيء أساسي يتحول مع الزمن لشيء جوهري ، فالإنتاج يعزز العملة المحلية ويحافظ على قيمتها ، في المقابل ، الاستيراد من الخارج يمهد لتأكلها ، بل يوجد قاعدة في الاقتصاد تسمى العوائد الاستقرارية التى بفضلها تستقر العملة ، على سبيل المثال ، سويسرا بلد كما هو معلوم للأغلبية ، صغير الجغرافيا لكنه في كل عام الشركات الخاصة بصناعة الساعات تنتج ما يقارب 35 مليون ساعة في بلد يقدر تعداد سكانه لا يتجاوز 9 مليون إنسان ، وبالرغم أن إنتاجات سويسرا متواضعة بالنسبة لدول أخرى ، وهنا تكمن خصوصيتها التى بها تسيطر على نصف الأسواق العالمية ، في حسبة بسيطة سيجد الحاسب ، أن 95 ٪--- من الساعات الثمينة هي إنتاج سويسري ، بل حتى الساعات المقلدة التى يتم صناعتها في الصين أو فيتنام ، أغلبها موقعَّ بأسماء سويسرية ، وتبقى الطرافة في المسألة ، الانتاج المزيف أكثر بكثير من الأصلي ، وبالتالي عائدات سويسرا المالية من الساعات فقط ، وللتوضيح الضروري ، هنا نتكلم عن نوع واحد ، ( رولكس ) بلغت 5,3 مليارات دولار سنوياً والملفت ايضاً أن عائلة ويلسدوف المالكة لرولكس ، تجنبت تاريخياً تداول شركتها في البورصة والذي وفر لها الاستقرار والتحكم بالأسعار وإدارة الشركة بالتوجهات التى تراها مناسبة ، في جانب أخر ، حسب ما هو معروف عن سويسرا ، تشتهر في صناعة الدواء ( الصيدلة ) وتعتبر من أهم دول التى يعتمد العالم على صادراتها ، فإذا كانت ورش الساعات تستوعب 100 ألف وظيفة وتقدر عائد صادراتها ب 25 مليار دولار سنوياً ، فإن مصانع الأدوية يشتغل فيها قرابة 200 ألف عامل وتدر صادراتها سنوياً على البلاد ب84 مليار دولار .
هنا لا بد من التسليم للأسباب التى أدت بالتخلف ، وهو منصف وليس افتراءً أبداً ، لقد نشأت الدول العربية الحديثة في بنيويتها على ثقافة الانتظار ، إنتظار الحدث ، وهو نشوء أشبه بضربات مسبقة وجهتها لذاتها ، فائقة الاستهتار والجسارة ايضاً ، عندما غيبت بقصد وبعامد مُتعمد عن سلوكها التخطيط العام ، وهذا يفسر ببساطة المعني الدفين للمثل العربي الشهير ، الذي يقول ( لما يجي الصبي منصلي على النبي ) على الرغم أن الثقافة النبوية دعت عكس ذلك تماماً ، الصلاة على النبي اولاً ، شرط لمجيئ الصبي ، بل يأتي بكامل صحته وعقله ، إذن ثقافة اللاتخطيط مهدت لاستنزاف الموارد الطبيعية بشكل جنوني تماشياً مع المثل إياه والأكثر يشوعاً بين الناس ( أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) ، وعلى هذا النحو والمنوال ، حكمت الطبقات السياسية الدول العربية دون استراتيجيات إنتاجية تنافسية ومستدامة ، وهذا المصطلح الأخير تحقيقه ليس بالبساطة التى يعتقدها البعض ، لأن فعلياً يهدف إلى تأمين التوازن بين الإنتاج والاستهلاك للدولة ، وبدورهما تتشكل الحماية ، حماية العقل من الاعتماد على الاستهلاك الخارجي وبفضله يصنع البديل الذي يحد من استنزاف الموارد الطبيعية ، بل اليوم العالم المتحضر ينتقل إلى الخطط الذكية بكل شيء ، وفي مقدمة ذلك المدن والعواصم ، حسب التقارير الدولية ، تشير بعضها عن أرقام باتت شبه مؤكدة ، هناك نحو 58% من سكان العالم يقطنون المدن ، وبالتالي يستخدمون الطاقة بشكل كبير والذي يشكل ضغطاً على المنظومة الطبيعية ، مثل المياه والكهرباء والإدارة التى توظف لإدارة السكان ، إذن مهمة الدولة توفير حلول سريعة ومؤمنة للحد من الاستهلاك المنفلت والذي يعتبر سبب في تراكم الدين العام الخارجي وهو سبب رئيسي في تراجع قيمة العملة .
كل الصلوات والأدعية لم تنفع في دفع الدولة إلى التخطيط الذكي ، إلا إذا هي ذاتها قررت إستخدام ذكائها ، بالطبع أغلب العواصم تعاني من ازدحام مروري والحلول التى يتم اللجوء إليها ليست ذكية على الإطلاق ، ايضاً تكلفة التعليم باهظة وأرقامها تتزايد صعوداً ، أما المواصلات العامة حدث ولا حرج ، تحتاج إلى طاقة ذكية تقلل التكاليف ، وبالتالي تشير المتغيرات أن الدول الذكية بدأت تضع نظام صارم للزراعة ، باعتمادها على الطرق الحديثة ، فالمعالجات الاستباقية عادةً توفر الحصانة للعملة من التآكل ، على سبيل المثال عالم المخدرات ، هذا العالم يستنزف العملة لأنها تستورد بالعملة الصعبة ، لكن هنا الاستنزاف هو ثلاثي ( تربل ) ، اولاً لأن الحصة الأكبر من مردود تعاطي المخدرات يعود للخارج وايضاً لا تخضع للضريبة بحكم القانون واخيراً ، تستنزف صحة وعقول أبناء الشعب ، إذن الدولة تتكبد خسائر كبرى وعلى صعد مختلفة ، ابتداءً بعملتها وليس انتهاءً باستنزاف مواردها ، بل الضرائب التى تذهب في مسارات غبية لو وظفت بطرق ذكية ، كانت الدروب المحرومة من التمويل تاريخياً شهدت إنماء وحداثة ، إذن الخلاصة ، لم تكن على مر الأزمنة هناك ضيق حال بقدر أنه كان دائماً يوجد افتقار للتخطيط الذكي ، وهو سبب رئيس في خلق الأزمات . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
-
واحة الإحساء ...
-
أخطاء من الصعب تصحيحها ...
-
الرئيس ترمب والعالم ...
-
وكالة سي آي أيه CIA نقلت البشرية بخفة من التملك الطبيعي إلى
...
-
أنه يحدث كل يوم ...
-
ماذا يحتاج الأردن في ظل محيط يغلي غلي ...
-
الاعتماد على قصور الناس للإدراك ، من حرق سوريا ...
-
موليير الفرنسي وموليير العربي ابن البلد ...
-
تونس فرصة العرب في التجديد ...
المزيد.....
-
اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب
...
-
أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع
...
-
بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين
...
-
السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق
...
-
حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا
...
-
مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب
...
-
الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد
...
-
الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق
...
-
بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط
...
-
نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|