|
تحيا جمهورية الزعارب!!
زياد النجار
الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 10:07
المحور:
كتابات ساخرة
لا أعتقد أن أحداً من جيل السبيعينات في قريتي لا يذكر الشيخ "زعرب"، أو لم يذهب إلي كُتابه، التي لم يكن يوجد غيرها في البلدة في الاساس، كنا نحفظ عنده القرآن الكريم، نذهب من الصباح في الثامنة، فنجلس معه ساعةً نردد ورائه ما يتلوه علينا من آيات، وهو ممسكاً بيده سوطٍ صغير، كان يجلد به كل من يزعجه، أو من لم يحفظ الورد الذي كان يُلزمنا به، أو من يفتح فمه أثناء تلاوته، حتي كنا نشعر عندما يجلد أحداً أنه يجلد كافراً شتت جمع الأمة الإسلامية، أو يُقيم عليه حد الزني!!. كنا نذهب في مجموعات، أي أن كل من يعرف بعضه، يُكوّن مجموعةً ويتفقوا علي الذهاب معاً، ولمّا نذهب ننتظر حتي يأتي البقية، وتكتمل المجموعة، ولما تكتمل، لا يجرؤ أحدنا علي التنهد بصوتٍ عالي؛ حتي لا يتذوق سوطه اللعين!. حتي إنني أذكر في مرة، لمّا وصلت مع مجموعتي المكونة من ثلاثة طلبة آخرين، ولم تكن المجموعة أكتملت بعد، جلسنا في أماكننا، وبدانا نتسامر قليلاً بصوتٍ منخفض، فسوطه لا يُمثل خطراً علينا، طالما لم تكتمل المجموعة بعد، حتي جذبنا الحديث إلي التكلم حول فيلم "الكرنك" الذي عمل ضجةً كبيرة وقتها، وما كدنا نُكمل حديثنا، حتي وجدناه هب واقفاً في وعلي وجهه علامات الغضب والاستفزاز: -ماذا؟!، أتشاهد التلفاز؟!!، آه يا كافر يا زنديق!!. وأنا أنظر له فاغراً فاهي، لا أفهم شيئاً!، حتي وجدت سوطه اللعين يهل علي جسدي، لأتذوق بعدها سوء اللسع حرفياً!!، فهب رفاقي من جانبي بسرعة البرق، وتراجعوا للخلف، وظلوا ينظرون لي في ثبات، وأنا أبكي وأمزج البكاء بالصراخ، لم يُحرك لهم جفن، كانوا يتفرجون عليّ بثبات كبير، ما ثبتوه لو كانوا يُشاهدون أمرأةً في وضعٍ مخل!!!. باعوني أولاد الكلب!. ولما سئله أحد الصبية السؤال الشهير الذي يدور في رأس أي طفل في مثل عمره: من خلق الله؟!، فوقف في سرعةٍ، وزجره زجرةً عنيفة: -كيف تجرؤ؟!، أنت مرتد لعين!!!. وبدأ يجلده حتي صاح الفتي باكياً، وظل يعتذر ويتذلل حتي يكف عن ضربه، ولكنه ألقي بالسوط، ثم أحضر العصا التي تُدعي عندنا "خرزانة"، وكان يضعها بجانبه، ولا يستعملها إلا في حالات استثائية، فقام الفتي وتراجه عدة خطوات للوراء مرتعباً، ودموعه علي وجنتيه، فطالته ضربات العصا العنيفة، حتي جذبه الشيخ، وأطرحه أرضاً، ثم خلع له جزمتيه، وأمسك قدميه بإحكام، وأخذ يضرب عليهما باليد الأُخري، حتي أدماهما!. ولكن دعك مني، لنعد لحكاية الشيخ الجليل "زعرب"!. سمعت في إحدي خطبات الجمعة في جامع البلدة الكبير، لا أذكر اليوم تحديداً، ولكني سمعت فتوةً من الشيخ "زعرب" علقت بذهني منذ حينها، كانت الفتوي تعقيباً علي غلاء الأسعار، قال فيها: ((أن الحكومة قد غلّت الأسعار كنوعٍ من العقاب للمواطنين، لأنهم لا يُحسنون التصرف تجاه حكومة بلادهم، ومن يغضب تجاه الحكومة بسبب الغلاء خارج عن الملة))!!!!!!!(لو ظللت أُضيف علامات التعجب هنا إلي ما لا نهاية لن أستطيع التعبير عن مدي تعجبي). ولمّا تمت إقامة الصلاة، ومر الوقت، إلي أن انتهت الصلاة، وجاء وقت الخروج، خرج الشيخ بالتهليلات، والتكبيرات، وأُناسٌ من هنا وهناك يقبلون يديه ورأسه، كأنه أعاد فتح القسطنطينية، أو بلاد الفرس!!. ولمّا أُشتكي له مرةً من أن الضرائب باهظة، والعيشة كرب، والمال الذي ندفعه لا يعود علينا بفائدة، أفتي بعظمته المعتادة: ((والله إن المال الذي دفعتموه لفي صالحكم، وصالح أبنائكم، وتم عمل الكثير به لكم، ولكن غُشيت إبصاركم؛ لضعف إيمانكم))!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!. وأذكر أيضاً أنه جاءت أشهراً شُكي له فيها من الأداء الضعيف للحكومة بشكلٍ غير مسبوق في الآونة الأخيرة، فأفتي الرزين: ((من شدة جد واجتهاد حكومتكم، وكثرة ما أنجزتها لكم حسدتمونها يا قوم الحُساد، ألا لعنة الله عليكم))، حتي صاح واحداً من بين الجموع: -واحكم منك يا شيخنا لم تلد النساء!!. ثم هرعوا بعدها للتوبة إلي الله خاشعين، مقتنعين بشناعة فعلتهم!!!!. ولمّا سُئل عن حكم نقد التراث: ((أنه ليس من حق البسيط أن يشغل رأسه بهذه الأشياء، وعلل ذلك: بأن هذه الأمور تحتاج إلي تفكير كثير، ومجهود عقلي، مما يضر بصحة المواطن البسيط ويسبب الوفاة؛ لذلك أقترح فردٌ من الحشود أن يُكتب هذا علي الكتب الدينية التي تُطبع، كمثل عُلب السجائر، كنوعٍ من الإرشاد مقدم من الشيخ العبقري، وليس بالضروري أن يُكتب علي الغلاف، بل من الممكن أن يُوضع الكتاب في علبة علي حسب حجمه، ويُكتب عليها هذا الإرشاد العظيم، الذي سيُنقذ البشرية من خطرٍ مؤكد!!، ومن يُخالف ذلك كالعادة كافر))!!!!!. وهذا كثيرٌ من قليل عن عظمة شيخنا "زعرب" رحمه الله، ومن يرغب في الاستزادة بعلمه، يأتي لقريتنا في أيام الأحد والخميس، أو يصلي في مسجد البلدة الكبير يوم الجمعة؛ ليحضر دروس وخُطب ابنه "مزعرب بن زعرب"، الذي ورث عرش المشيخة بدلاً من والده، وناب عنه في كل شئٍ بجدارة، حتي إنني لم أعد أستطيع التفرقة بينهم، فإذا وقف "مزعرب" أمامي، أشعر أن والده "زعرب" هو من يقف!!!!.
#زياد_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مكبث- رائعة -شكسبير- الخالدة!!
-
شذور الأسبوع(3)
-
تصريحات لاعب!(قصيدة عامية)
-
شعر -فان جوخ- المصور!!
-
3 أعمدة في الأزمة الفرنسية الإسلامية!!
-
شذور الأسبوع (2)
-
ستري(قصيدة)
-
من أجل لا شئ!
-
شروط الطاغية عند ميكيافيللي
-
أحلام العم حنفي!!
-
الكل يري نفسه الأتعسَ(قصيدة)
-
خواطري هذا الأسبوع
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|