|
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية في بوتقة الرأسمالية .
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6725 - 2020 / 11 / 6 - 16:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ ليس من الحكمة وفي ضوء التضاربات أن يعتقد البعض أنه شخصية إعتيادية فحسب ، بل هو اشتراكي ماركسي عمالي بالغ التركيب والتعقيد ، كان ومازال حاضر في واقع يتحمل المسؤولية لعولمة العدم قبل الوجود ، إذن اليوم حزب العمال أقدم بالفعل على قرار تجميد عضوية جيرمي كوربين وايضاً يسير بخطوات ثابتة لكي يتمم خطوة طرده ، وهذا الصنع في الواقع يستحق استطراداً وقفه عند لغة الحزب التاريخية والمعقدة ، ولأن اللغة أيضاً تعتبر ميكانيكية التى تتيح لنا إمكانية فكفكة الخطابات والتصريحات ، فبعد مجموعة من الإجراءات الحزبية ، استطاع توتي بلير زعيم حزب العمال سابقاً ورئيس حكومة بريطانيا لولايات ثلاثة على التوالي ، تصفية حزبه من كل شخصية قوية ولديها حضور ميداني أو فكراً يسارياً تقليدياً ، وهذا يفسر كيف دفع أعضاء حزب العمال ، بالنقابي والسياسي وابو المهاجرين كما يلقب في بلاده جيرمي كوربين إلى قيادة حزبهم ، لكن سرعان ما انقلبوا عليه تماماً حتى بات اليوم مجمد ومتهم ورهن التحقيق ، وبالتالي يتساءل المرء وهو سؤال مشروع وجوهري ، هل المشكلة بكوربين أو أنها تتعلق بالماركسية والبرولتيارية التى أخفقت في تحقيق أهدافها ، بل ايضاً البيريسترويكا عجزت في إعادة هيكلة وإصلاح القطاع الاقتصادي تحديداً قبل السياسي ، وهذا أنعكس بشكل صريح على الأحزاب الاشتراكية في أوروبا وحتى أمريكا الشمالية التى واجهت هي الأخرى أزمات في إنتاج بديل فكري أو ايجاد مخرج جديد إنقاذي ، وبالتالي اليوم زعيم الحزب العمال الجديد كير ستارمر ، قرر تعليق عضوية كوربين ، بالطبع السبب الأسهل أو التهمة المعلبة هي معاداة السامية ، والذي كشف عن ذلك هو تقرير مفوضية المساواة وحقوق الانسان ، يؤكد التقرير تجاهل كوربين 170 شكوى قدمت عام 2018م ولم يتم معالجتها ، إذن التساؤل الآخر ، هل الرجل يدفع ثمن مواقفه وهي استحقاقات تأخرت كان من المفترض شيطنته قبل هذا التوقيت ، ابتداءً من انتقاداته اللاذعة لتوني بلير ، حول فساده المالي والسياسي ، تحديداً في الشرق الأوسط وفي مقدمتها فربكته لحرب الخليج وإسقاط نظام البعث وتدمير العراق وتسليمه للحرس الثوري ، أو لأنه اشتهر في دعم القضية الفلسطينية ودافع عن حقوق شعبها من خلال انتقاد إسرائيل على الدوام وفضح الاستيطان غير الشرعي والذي يهدف إلى تدمير حل الدولتين ، في إعتقادي المتواضع ، المسألة أعمق من كل ذلك ، ربما يكون كل ذلك جزء من الحملة التى يتعرض لها ، لكن تبقى المشكلة الرئيسية تكمن في أيديولوجية الحزب .
لكن بمعزل عن هذا ، بعد الحرب العالمية الثانية ترسخت الرأسمالية في الغرب أكثر من قبل ، في المقابل تحولت الماركسية إلى حالة رمزية لا أكثر ، إقتصر فهمها ودورها على النخب كنظرية دون أن تستشعر بتطبيقاتها بين الطبقات الشعبية ، ولأن عندما تغيب التطبيقات الفعلية ، بالتأكيد الناس أتوماتيكياً سيميلون للقوة المهيمنة ، كالرأسمالية وهذا يلاحظ في أمريكا ، فالأمريكيون يعشقون الأفكار الاشتراكية في السينما تماماً كما يعشقون صنع الخير المطلق أو الدفاع عن حقوق الآخر ، لكنهم لا يستطيعون التعايش معها لأنها لم تسجل في تاريخها نجاحاً جاذباً ، وهذا يفسر لماذا الحزب أعاد خياراته بعد الهزيمة الكبرى التى تلقاها في المرة الأخيرة ، بل يعتبر إنتخاب أحد تلاميذ بلير كزعيم لحزب عمالي اشتراكيي ، ينتمي فكرياً إلى اليمين ، إنقلاباً على جميع الخطوات التى حققها كوربين في السنوات الأخيرة ، من بناء قواعد حزبية بين الطلاب والقوى العمالية والموظفين في عموم بريطانية ، لكن يبقى إخفاقه بالوصول لكرسي رئاسة الحكومة هو الذي نزع عنه الحصانة القاعدية للحزب ، وهذا يعني أنه حزبياً أستطاع ملامسة عقول الناس فكرياً ، لكنه شعبياً أخفق بجدارة في إقناعهم ، وبالتالى المفارقة بين الانتصار الداخلي والإخفاق الخارجي ، تكشف عن مشكلة جيرمي التى تكمن في خطابه المتشدد خارج بريطانيا دون أن يقدم بديل في الداخل ، فالرجل كشتراكي ملتزم ، اثبت مراراً غير قادر على تطبيق النظرية على الأرض وبالتالي الناس فقدت ثقتها منذ زمن بإمكانية ملامستها واقعياً ، كأنها تحولت إلى شيء رمزي فقط ، وهذه الخصوصية بصراحة تحتاج إلى وقفات وليست وقفة واحده .
للتأكيد الضروري ، الذي سعى لتجميده أو من يتولى التحقيق معه ، وبوسائل يقال عنها متسخة لا يبيحها المنطق قبل النظام الداخلي للحزب ، جميعها تميط اللثام عن مساعي حثيثة لإيقاع عليه عقوبة تحمل في خفاياها الاذلال المقصود ، بل أيضاً تكشف الحادثة عن دور هؤلاء في وضع العصي الغليظة أمام مشروعه الإصلاحي والتغيري ، لأن جيرمي حاول إظهار الفارق بين القوة والهيمنة التى تتمتع بهما الرأسمالية والماركسية الاشتراكية التى تنحصر بالخطاب التقليدي ، وبالتالي فكفكة عناصر المادة التى تتحكم بالناس وتمريرها للذهنية كفكر مضاد للايدولوجية الاشتراكية ، ليس بالأمر اليسير كما يتخيله البعض ، هذا ممكن نظرياً ، أما عملياً وأمام نفوذ الغريزة المنفلتة ، يحتاج إلى نبي ، إذن لم يخفق حزب العمال فقط بعهد كوربين في خلق قاعدة اجتماعية قادرة على إيلاد سياسات مختلفة عن الحزب المحافظين ، بل في جميع المراحل كان الحزب لا يمثل أفكاره في الميادين ، وهذا بالفعل ، إلتقته توني بلير عندما حرق منابر العمال بالخطابات إياها ، التنظير حول حقوق العمال كالصحة والضمان الاجتماعي والخدمات والمواصلات وغيرهم ، لكن عندما تولى الحكومة انتقل إلى صقر من صقور اليمين ، فأصبح للبريطانيون حزبين لا يمثلون في الواقع الأغلبية الساحقة منهم ، لأن من بديهيات الوظيفية لحزب العمال ، انهاء عداوات الطبقة المتنافرة ، فبدل أن يكون الحزب جداراً يشكل حمايةً للأغلبية من الطبقة الحاكمة ، أصبح جزء أصيل منها .
ثم لماذا يذهب المرء بعيداً ، الأخطر في نظري من كل ذلك ، لقد خاطر حزب العمال البريطاني بالأخص واليسار الغربي عموماً ، عندما ساهم في تخريب أفكار الناس وتشويه وعيهم من خلال وضعهم بين خطاب مثالي وواقع متناقض ، وبالتالي الجماهير عادةً تنصاع إلى التصرفات الاذعانية ، وهذا بدوره اختلاف جوهري بين المفهوم الأيديولوجي وممارسة القيادات الحزبية اثناء توليهم المهام المنوطة لهم ، بل بمراجعة عميقة لا تقل عن ما أسلفناه ، لقد سببت هذه التباينات أمراض نفسية لدى الأغلبية ، وبدورها رسخت هذه المزاولات مفاهيم لدى الأشخاص العاديين ، لا تنتظم مع العقل السوي ، لأن دائماً هؤلاء يبنون آمالهم على خطاب المنابر ، لكن عندما يلجأون إلى الميادين يجدون هناك نقصاً في رأس المال ، وهذا هو القاسم المشرك والمخفي بين توني بلير وجيرمي كوربين ، التنافس المتكافئ في توزيع رأس الثروة اللغوية من خلال إمكانيات ومهارات خاصة بالتعبير ، لكن الثاني فشل في صرف ذلك بمصارف تغيرية حقيقية وجذرية ، أما الأول استطاع تصريفها من خلال تكوين رأس مال شخصي ، إذن تاريخاً لم يكن حزب العمال بديلاً عن حزب المحافظين بقدر أنه كان شريكاً أصيلاً في تخريب الوعي العام ، وهنا دعونا نقر مسألة مركزية ، وبالرغم من خصوصية التوقيت الانتخابي في الولايات المتحدة وفي عبابه لا نغدق على أحد المصداقية طالما الحقائق التى يمكن التقين منها ، من خلال المقاربات والمقارنات هي حاضرة ، فهناك فارق عميق بين الاحزاب البريطانية والأمريكية ، فالحزب في امريكا يعتبر بحد ذاته دولة كاملة وبالتالي الناخب والمرشح يبحثان في كل انتخابات جديدة عن بداية جديدة وهذا هو سر تفوق الأمريكي .
إذن الصراعات على مرّ التاريخ كانت بين العدوى الصالحة والرديئة ، لهذا تحتاج الاشتراكية العالمية بصفة عامة وبعيداً عن دمجها بالشيوعية التى تعتبر طفلة العقل الديكارتي ، فالاشتراكية نظام اقتصادي بحتي ، أما الشيوعية كما هو معروف تجمع بين الاقتصاد والسياسة ، وهذا لا ينفع بالغرب بتاتاً ، لأن هذه التركيبة قائمة على الحزب الواحد وتحرم الفرد من الملكية ، إذن يحتاجون الاشتراكيين فهم التجربة وإعادة إنتاج المنظومة التفكيرية اولاً ، ومدى صلاحيتها على الذهنية الفردية ، فهناك تجاهل صريح لحركة الجسد التى تتغذى على المادة ، لأن في أي امتحان ، المادة دائماً لها الكلمة العليا . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
-
واحة الإحساء ...
-
أخطاء من الصعب تصحيحها ...
-
الرئيس ترمب والعالم ...
-
وكالة سي آي أيه CIA نقلت البشرية بخفة من التملك الطبيعي إلى
...
-
أنه يحدث كل يوم ...
-
ماذا يحتاج الأردن في ظل محيط يغلي غلي ...
-
الاعتماد على قصور الناس للإدراك ، من حرق سوريا ...
-
موليير الفرنسي وموليير العربي ابن البلد ...
-
تونس فرصة العرب في التجديد ...
-
لبنان في العناية الفائقة ...
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|