أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكف تناطح المخرز - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب - الفصل الرابع















المزيد.....



الكف تناطح المخرز - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب - الفصل الرابع


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1609 - 2006 / 7 / 12 - 08:57
المحور: الادب والفن
    



الفصل الرابع
( 4 )
الساعة تسير بخطى وئيدة .. بطيئة ، لا تريد أن تتحرك ، حتى الفجر ! فجر تلك الليلة الملعونة لا يريد أن يقترب ، عقرب الثواني سلحفاة بطيئة ، أين ذلك الجندب القافز باستمرار ؟ جالت دمعة حيرى في عيون زوجته ، صوت الصراصير موسيقى جاز همجية تلاحق سكون الليل ، عرسة تصرخ بألم ، ورائحة الأزهار اختلطت بندى الليل ، والليل .. الليل طويل.. طويل .
نظر إلى الساعة التي تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل لتوها، بريق الدمعة الحيرى في عيون زوجته يتألق رغم ظلمة الليل ، ترى بماذا تفكرين ؟
أنا شخصيا أفكر في لا شيء ..لا شيء مطلقا!
استلب من شفتيه ابتسامة وتظاهر باللامبالاة :
- كان يجب أن تزغردي ، انتي بهاليوم ، حكومة بحالها خايفة من أولادنا .. من أطفالنا ، اغتصبت ابتسامة تطورت إلى ضحكة في مرحلة الولادة ، جالت الدمعة الحيرى في عينيها ، سكتت ولم تتكلم ، فكثيرا ما يكون الصمت أبلغ من الكلام .
خرج إلى الشارع ، النوم غادر الحارة إلى غير عودة ، الجيران يجلسون على الأرصفة ، أحاديث أشبه بالوشوشة تختلط بسكون الليل ، نور المصابيح المعلقة على أبواب المنازل في الحارة تصنع بؤرا ضوئية تحاصرها العتمة ، تصنع جداراً سميكا يحيط بالبؤر الضوئية ، ولسان الفجر يطل من بعيد ، يحدث عن اقتراب إطلالة النهار .
تمطى الكون وتثاءبت الطبيعة ، صحا النهار من غفوته ، شقشقت العصافير ، صوت بلبل بلون السعادة يهبط من أعلى شجرة في حوش المنزل ، تمترست الشمس خلف الأفق، أطلت بحذر وكأنها ترقب ما يحدث ، تتابعه بفضول ، غسل وجهه، أحس نشاطا غريبا في جسده، فتاء الشباب يعود إليه، رغبة في الصراع تلف كيانه ، كور قبضة يده بعنف ، لوح بها في الهواء ، بصق، صافح شعاع الشمس عينيه، كأنما ليذكره بواجباته ، لم يكن بحاجة إلى لبس ملابس الخروج، لم يستبدل ملابسه منذ تلك الزيارة اللعينة ، لبس ملابسه في لمح البصر فعل ذلك بآلية غريبة أذهلت زوار الليل ، فهم .. جنود الجيش الذي لا يقهر ، لا يستطيعون استبدال ملابسهم بمثل السرعة التي استبدل بها ذلك العربي ملابسه .
نظر إلى زوجته، اختلطت العبرة الحيرى في عينيها بلون السهر ، شحوب باهت يغطي وجهها ، ابتسم مشجعا :
- لا تقلقي إن تأخرت .
كانت لديه أفكار كثيرة ، لا بد من التوجه إلى مكتب الصليب الأحمر ، إلى مديرية التعليم ، إلى مكتب محام ، إلى .. إلى .. إلى ، إلا أنه لم يفكر في ذلك الشيء الذي فكر به جاره، أن يوسط احدهم لبحث الأمر، وإطلاق سراح الأولاد .
***
شارع البحر في خان يونس لم يصح بعد من غفوته ، تلاصقت بيوت المعسكر كأصابع اليد الواحدة ، استلقت البيوت على جانبي الطريق، وكأنها لم تأخذ نصيبها من الراحة ، المدارس ساكنة ، خالية من أية حياة ، شلال الحياة لم يتدفق نحوها بعد، مدرسة الشهيد مصطفى حافظ إلى يساره تقابلها المدرسة الإعدادية التي تربض إلى الشرق منها مدرسة عكا الإعدادية للبنات ، تقبع في حزن وسط مكان منخفض لافت للنظر ، ترى لماذا اختاروا لها هذا المكان الواضح الانخفاض ؟ هل كانوا يفكرون في وأد هذا الاسم أم في إحيائه ؟ ولماذا وضعت عكا بالذات في هذا المكان المنخفض ؟! ألأنها أم الجزار ؟! ألأنها لفت ساقا بساق وامتنعت من نابليون ؟ تلك العذراء التي لن تشيب .. ستظل عذراء حتى تأنس بعريس ترتضيه .
ألقى مستشفى ناصر ذراعا نحو مدرسة عكا الإعداية للبنات يريد أن يحتضنها ، أن يرفعها من ذلك المنخفض التي وضعت فيه رغما عنها ، الأنوار ما زالت تطل من نوافذ المستشفى ، للمستشفى رائحة خاصة تميزه عما حوله ، بوابة المستشفى الغربية مفتوحة على الدوام ، يفتح المستشفى صدره للناس ، بقلبه يحتضن آلامهم، غرفة الاستقبال تبدو من خلال البوابة ، أشاح بوجهه ، هل أجد لديهم علاجا لمثل حالتي ، هام ببصره في الفضاء ، مدارس الوكالة إلى يساره ، الإستاد الرياضي غير بعيد ، يقابله خزان المياه القديم قدم هذا المعسكر ، قدم المأساة التي عاشها بكل جوارحه، كانت هذه المنطقة إلى وقت قريب خالية إلا من أشجار الكازورينا والكينيا ، اقتلعت تلك الأشجار ، زرعوا بدلا منها بيوتا قرميدية بائسة ، أنبتت معسكرات اللاجئين .
الطريق تمتد أمام عينيه، بعض الناس يتوجهون إلى أعمالهم، سيارة هنا وأخرى هناك ، رائحة الفلافل المقلي تندفع عبر منخريه إلى رئتيه ، شعر برغبة حادة في تناول رغيف بالفلافل ولكنه لم يفعل بل تابع الخطى، دقت الساعة السادسة والنصف هنا دار الإذاعة الإسرائيلية ، إليكم موجزا لأهم الأنباء .. المجالس المحلية العربية تعلن الإضراب اليوم ، المساواة وما أدراك ما المساواة ، المساواة بعد أربعين عاما من نزول بركات الاحتلال التي يتحدثون عنها ، لم تتحقق المساواة لعرب الداخل .. المساواة ..الديموقراطية ، مجرد المساواة بين البشر ، حلم صعب المنال، يجب على الإنسان أن يناضل لتحقيقه ، لا تستطيع أن تحلم بالنهار كما تريد ، وفي الليل يصادرون الحلم ، كوابيسهم المزعجة تلاحقنا في أثناء النوم ، وفي النهار تصفعك حقيقتهم كل لحظة ، توقظك رغما عنك، تشدك من حلمك ، تلاحق أحلامك، تبعدها عنك ، تطاردها ، تقتلها ، عرب الداخل يطالبون بالمساواة ، وفي الخارج يحيون عرب الداخل ، عرب الخارج .. عرب الداخل .. الخط الأخضر ، ونحن ؟ من نحن ؟ عرب الداخل أم عرب الخارج؟ أم عرب اللاداخل واللاخارج ؟ أم عرب منطقة تقع في منتصف المسافة بين الداخل والخارج ؟ سكان المناطق المدارة ..المحتلة .. المحررة .. الضفة والقطاع.. القطاع والضفة .. يهودا والسامرة .. خيبل عزة " قطاع غزة " .. أين نحن ؟ في الداخل أم في الخارج ؟! عندما جاءوا الليلة قالوا يوم المساواة ، وقبله يوم الأرض ، وقبلها قالوا لبنان وما أدراك ما لبنان .. أنتم تؤيدون المخربين ، نحن همزة وصل بين الداخل والخارج .. نحن الداخل والخارج معا ، مع المساواة ، مع التحرير .. المساواة .. التحرير ، بعد أربعين سنة لم تتحقق المساواة في واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط، يا حلما أفسد روعة الزمان والمكان ، يا حلما داهم صفاء عقولنا ، لوث جو الطمأنينة في النفوس ، لم تتحقق المساواة لعرب الداخل رغم انتمائهم لأب ليسوا من صلبه ، رغم حملهم بطاقات ليست لهم ، لم تتحقق المساواة لهم فكيف تتحقق لنا نحن ؟ نحن الذين يريدون لنا أن نكون نَوَر التاريخ، حتى النَوَر طالتهم نعمة الاحتلال، حدت من حركتهم، قيدتهم ببطاقات شخصية ، المساواة الانتماء ، واللانتماء ، اللامنتمي ، نحن بلا هوية حقيقية، نحمل بطاقات تائهة ، يخشون فلسطينيتنا ، ويخشون اعتبارنا مثل عرب الداخل ، يخشون تركنا في حالنا ، يخشون ، يخشون ، ولهذا لاحقتهم حالة اللاقرار عشرين عاما متتالية .
رائحة مسلخ البلدية تزكم الأنوف ، دم الحيوانات المذبوحة يتجول بحرية في شارع البحر ، يتحف السكان برائحته ، والمارة بقطراته التي ترسلها السيارات المسرعة ، ولون الدم يلوث شعاع الشمس المستلقي على الأرض ، وبيوت المعسكر تتجمع في وضع احتجاجي على هذه الرائحة الهمجية التي تصر على البقاء وسط السكان ، يجب أن يتمتع السكان برائحة ما ، فهم محرومون من حديقة عامة ، فلا أقل من التمتع بمرأى الحيوانات المذبوحة والمنقولة على عربات تجرها الحمير أو البغال ، ورائحة طفح الدم تصدمك على الريق ، تصد نفسك عن الطعام ، تجعلك تتقيأ أمعاءك ، تتقيأ جوفك .
قفز بعيدا فوق الرصيف ليتفادى رذاذ الدم المتطاير من عجلات سيارة عسكرية مرت بسرعة ، دق باب منزل المحامي الذي وجده مستيقظا .
ابتسم :
- صباح الخير
- صباح النور
وابتسامة عريضة تجلت على الشفتين ، استطرد المحامي وما زالت آثار الابتسامة تقبع فوق الشفتين :
- أراك تحمل الندى على رأسك ؟ إلى أين العزم ؟
- لدي مشاوير كثيرة .. أخذوا الأولاد .. أرجو أن تذهب إلى مكتب الصليب الأحمر في خان يونس ، أبلغه بالأمر ، حياد وسلام أخذوهم الليلة .. الساعة الثانية عشرة .
- كيف حدث ذلك ؟ولماذا ؟ أولادك في حالهم لا يفعلون شيئا.
- ليس مهما .
قالها ومد يده مصافحا ، زكمت أنفه رائحة طفح الدم المنبثق من مسلخ البلدية ، تحرك مسرعا ، حث الخطى ، الشارع ينحدر إلى الشرق ، وكأنه صمم خصيصا ليسمح لطفح الدم بالتدفق إلى وسط المدينة ، ليتحف أكبر عدد من السكان برائحته ، وصل إلى آخر الشارع ، نظر إلى الجنوب عله يجد سيارة قادمة من رفح فيها متسع لراكب ، لاحت له قلعة برقوق التي تتشبث بالأرض ، تقاوم محاولات الاقتلاع ، قديمة هذه القلعة قدم الأمل في نفوس البشر، جديدة متجددة مثل الشوق ، قبتها التي حطم الإنجليز معظمها، تقف شامخة، ترنو إلى السماء ، تبثها شوقها إلى الشمس بعد ليل طويل ، بوابة القلعة مفتوحة ، ساحة التاكسيات أمامها تبدو خالية بعد منع سيارات الأجرة من الوقوف فيها، حاجز من المواسير الممتدة إلى يساره ، مبنى البلدية يرقد في تراخ وهو ما زال يرنو إلى الجنوب ، تبدو سيارة مرسيدس قادمة من بعيد ، قلعة برقوق تطل عليه ، برقوق ، قطز ، المماليك، التتار ، الصليبيون ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، وصلاح الدين، وما أدراك ما صلاح الدين ؟
اقتربت السيارة ، أشار بيده اليمنى . توقفت السيارة .
- غزة ؟ وفتح الباب ، صعد إلى السيارة ، اتخذ مكانه في المقعد الأوسط ، صافح سمعه صوت مارسيل خليفة يأتي عبر شريط مسجل ، وقفوني على الحدود، قال بدّون هويتي ، سرح بعيدا، الحدود ، الحدود، الحدود والهوية ، في كل شارع يريدون أن نثبت هويتنا ، عند كل منعطف يفاجئك جندي ، يفتشك من الرأس إلى القدم ، يدقق في هويتك ، يسألك عن اسمك ، كأنه لا يعرف القراءة ، وكأنك لا تعرف اسمك أو تنتحل شخصية غيرك ، وكثيرا ما يطلب منك أن تذكر رقم هويتك عن ظهر قلب،وقفوني على الحدود قال بدّون هويتي!التفت،الكتيبة تستلقي على يسار الطريق ، الكتيبة ! أصر الناس على إطلاق هذا لاسم على أول مشروع إسكان تقيمه سلطات الاحتلال بعد أن فتحت عدة شوارع أمنية في المعسكر ، أطلقت عليه اسم حي الأمل "أ" ، وسماها السكان " الشقيري والكتيبة " ، فقد كانت كتيبة القوات الفلسطينية قبل هزيمة حزيران تقبع هنا، هبت رائحة أشجار البرتقال من البيارات المحاذية للطريق ، توقفت السيارة عند مفترق القرارة ، جوش قطيف ، ناحال حازاني ، في هذا المكان وقعت معركة رهيبة ، ومع ذلك خسرنا ، وقبعت في المكان وإلى الغرب ناحال حازاني وجوش قطيف قذىً في عيوننا، الدوريات العسكرية تنتشر على جوانب الطريق أقل من المعتاد ، بدت مستوطنة كفار داروم عن بعد ، عرفها من رائحتها ، رائحة مجاريها ، فقبل أن تنبت كفار داروم في هذه المنطقة لم يكن المرء يشم سوى رائحة زهر البرتقال ، أما الآن فمياه المجاري تتسلل عبر وادي السلقا من تحت جسر السكة الحديد متجهة إلى الغرب وكأنها تحاول الالتقاء بطفح الدم الوارد من مسلخ البلدية في خان يونس لاحاطة السكان بسياج واق من الرائحة الغريبة ، والسيارات تسير، مارسيل خليفة يغني، وقفوني ع الحدود، المعسكرات الوسطى تقبع في هدوء، معسكر المغازي يقابلك أولا من على يمينك، ثم النصيرات يقع في حضن البحر عن يسارك،وقبل وادي غزة وعلى اليمين يرقد مخيم البريج، يتذكر مستشفى الأمراض الصدرية ، زيارته لصديق له رقد فترة هناك ، في هذا المستشفى شعر بخوف غريزي يومها، كان يشعر أن الهواء يحمل ميكروبات السل إلى رئتيه في كل شهيق ، كان يود لو يكتم أنفاسه فلا يتنفس إلا بعد خروجه من المستشفى ، بل من منطقة البريج كلها، الواقف أمام مدخل المستشفى يستطيع مشاهدة الحدود.. الخط الأخضر .. بوضوح وبالعين المجردة ، حتى مستشفى الأمراض الصدرية لم يسلم من القصف المدفعي قبل حرب حزيران ، وادي غزة يستلقي تحت عجلات السيارة، ها قد اقتربنا، ما أبطأ هذا السائق! لافتة كبيرة تطل من بعيد، تقترب،سهم يشير إلى الشرق، بئر السبع، وسهم يشير إلى الغرب ، نتساريم ، هذا الطفح الجلدي الذي شوه بشرة الأرض ، وانطلقت السيارة، قوس كبير يفحج ساقيه فوق الطريق، وكلمات ترحيب باهتة ، غزة ترحب بكم، ويلكم تو جازا " مرحبا في غزة " ، بروخيم هابائيم" أهلا بالقادمين " ،التفت إلى الوراء ، الوجه الثاني للقوس يقول للخارجين رافقتكم السلامة ، جود فوييج " رحلة طيبة " .
*******
شارع عمر المختار يبدو شبه خال من المارة ، سوق فراس بمحاله المتلاصقة إلى اليسار ، حاجز من الشبك والمواسير الحديدية يقسم الشارع إلى نصفين أعمدة النور تحتمي بقواعد إسمنتية ضخمة تقف شاهدا على الاحتلال ، تذكر بالكفاح المسلح، شركة الكهرباء القطرية تأبى رؤيتنا نضيء بيوتنا بطريقة بدائية تعلمنا معنى الاستقلال ، ويمتد الطريق ، منتزه بلدية غزة، السور الجديد للمنتزه يصافح أشعة الشمس فتنعكس إلى العين مزيجا من نور الأشجار والأزهار داخل المنتزه لم تستيقظ بعد ، ود لو يوقظها من سباتها ، ولكن..، ارتفع صوت بارد من المذياع، نوماتسين.. ودعاية للرشح أو ضد الرشح! لم ينتبه ، ودعاية أخرى لمادة تنظيف الصحون ، للجلي، ها هو شارع الجلاء ، سينما الجلاء ، عيد الجلاء ، طلب من سائق السيارة البيجو أن يتوقف، ترجل من السيارة، صفعه منظر السجن المركزي وهو يحتضن مسجدا صغيرا، ترى كيف يتعايش المسجد مع السجن؟! وكيف احتضن السجن المسجد؟! برج المراقبة يقف على الناصية الشمالية الغربية للسجن، يمسح مفترق الطرق ويتحكم في شارع عمر المختار من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق وفي شارع الجلاء من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال ، هنا دار الإذاعة الإسرائيلية .. إليكم الآن نشرة الأخبار أستهلها بالموجز..إليكم الأنباء بالتفصيل ، ألقيت زجاجة حارقة على سيارة عسكرية ، ولم يصب أحد بأذى، وتقوم قوات الأمن بأعمال التمشيط في المنطقة ، وصلت إلى قطاع غزة أمس البعثة المصرية للإشراف على امتحانات الثانوية العامة ، يوم المساواة ،الإدارة المدنية، التفت إلى الشرق قبل أن يقطع الشارع إلى الجنوب ، مبنى الإدارة غير بعيد.. بدت الأسلاك الشائكة والبوابة الواسعة التي أغلقت ببراميل ملئت بالباطون بعد العمليات الانتحارية في لبنان استبدلوها ببوابة تفتح على الغرب ، صوت إسرائيل ما زال ينبعث من المقهى المجاور ، عاليا، صاخبا، كأنما يريد إيقاظ أولئك الذين ما زالوا يغرقون في النوم ،إليكم الآن عناوين الصحف المحلية ، عبر الشارع بعد أن التفت إلى يساره ناحية الشرق ثم إلى يمينه ناحية الغرب ، أصبح على الرصيف الآخر ، تحت برج المراقبة مباشرة ، وبمحاذاة الأسلاك الشائكة التي استولت على الرصيف ، بكامله لتحمي البرج - هذه النبتة الغريبة- من أية رياح محلية ، اضطر إلى المشي على الاسفلت ، دار يسارا متجها نحو الجنوب ، برج آخر يقبع على بعد حوالي مائة متر ، وبوابة أخرى لا يدري إلى أين تفضي، لم يهتم بقراءة اللافتة، لاحت لافتة بيضاء كبيرة ..مديرية التربية والتعليم، كانت اللافتة قبل يومين ذات لونين يتقاسمانها إلى مثلثين ..أخضر وأصفر ، وها هي الآن بلون أبيض مجرد تغيير ألوان وصياغة العناوين من جديد، ثم يبقى كل شيء على حاله لا يتغير ، ضحك على الذقون لا أكثر، جندي يجلس على كرسي بظهر إلى يسار الداخل تقابله غرفة صغيرة ، في الواجهة باحة صغيرة، درج إلى اليمين يصعد إلى الطابق الثاني ، حيث مكاتب مديرية التربية والتعليم ، والباحة الصغيرة تقود إلى باحة داخلية أوسع، تجاوز الدرج إلى الباحة الداخلية، في جنوب الباحة توجد غرفة الامتحانات ، موظفان كبيران في الإدارة يجلسان عند مدخل قسم الامتحانات كأنهما ينتظران أحدا ما ، تقدم نحوهما :
- صباح الخير
هبا واقفين، صافحاه بحرارة ، ربما اعتقدا أن له صلة بالامتحانات أو بالبعثة المصرية ، قال أحدهما :
- تفضل اجلس .
شكره ولم يجلس ، وصل إلى المكان رجل وامرأة ،قالت المرأة :
- صباح الخير .
رد أحد الرجلين :
- يا صباح الورد، انتظرناكم بالأمس مدة طويلة، فماذا حدث؟
ابتسمت المرأة:
- تأخرنا في نقطة العبور
قال أبو حياد:
- أريد التحدث إلى السيد المسئول .
بابتسامة عريضة قال الرجل :خدمة ؟
- لقد أخذوا أبنائي الليلة ، وأنت تعرف أن الامتحان على الأبواب .
ماتت الابتسامة على شفتيه لحظة ولادتها :
- وماذا أستطيع أن أفعل لك؟!
- أولادي لم يفعلوا شيئا، إنهم يفعلون ذلك مع مئات الطلاب كل عام يعتقلون الطالب بضع ساعات في أول أيام الامتحان أو بضعة أيام قبله أو خلاله ، وببساطة يضيع جهد سنوات.
- وماذا أستطيع أن أفعل ؟
- أدرك أنك لا تستطيع فعل شيء، إنه منصب فخري ، تماما مثل الدكتوراه الفخرية، ولكني أتساءل كيف تقبل ذلك ؟ أبناؤنا هم أبناؤكم، يحطمونهم كل يوم، وبدون أسباب ثم يدعي كل منكم أنه عبد مأمور .. طرطور أو ما شابه، قولوا لا ولو مرة واحدة ، وانظروا ماذا يمكن أن يفعلوا ؟!
بان الذهول على وجه السيدة المصرية ، لم تنطق بكلمة واحدة ، لكن عينيها نطقتا بكل ما يجول في خاطرها.. هؤلاء الفلسطينيون يناطحون قوة تخيف العرب كلهم ، يناطحونها دون كلل، يشتمون ويزعقون، يلقون الزجاجات الحارقة ، يتظاهرون، وأنا يكاد يسقط قلبي بين قدمي، أنتظر بفارغ الصبر العودة إلى مصر، أنا أخاف من اليهود رغم كامب ديفيد، رغم الاتفاقيات التي بيننا .. كل عند اليهودي ونام عند النصراني .. هكذا تعلمت وهي صغيرة، وبدلا من أن نحذر من اليهود، بدءوا يزرعون فينا الحذر من النصارى،يخلقون المشاكل بيننا وبينهم ، ترى هل نحن على الطريق الصحيح؟
استمر صوت الرجل يدق طبلتي الأذن :
- لا أريدك أن ترجو أحدا، فقط أردت أن الفت النظر إلى خطورة الأمر .. يكفيهم استفزازا لنا ، سأذهب إلى الصليب، إلى مراسلي وكالات الأنباء ، إلى المحامين ، سأتحدث ولن أخشى شيئا.
عند تقاطع شارع الوحدة مع شارع الجلاء يقع مكتب الصليب الأحمر بغزة تحرك ببطء، قطع شارع عمر المختار من الجنوب إلي الشمال، ترك بُرجَي المراقبة خلفه ، التفت يسارا، والتفت يمينا، ثم عبر الشاعر، أصبح على الرصيف الآخر ، نظر جهة الشمال، سينما الجلاء وما أدراك ما الجلاء، أفضل صابون للجلي .. ترى هل اشتقت كلمة الجلاء من الجلي، وما هو أفضل صابون لتحقيق الجلاء ؟ هل يأتي يوم تذيع فيه الإذاعة الإسرائيلية دعاية لمثل هذا الصابون، الجلاء والجلي ، النحو والاشتقاق النحو والصرف، اللغة، الدعاية والادعاء ، التنظيف والقاذورات، أفضل صابون للجلي .. هنا دار الإذاعة الإسرائيلية، رائحة الفلافل المقلي تلاحقه، المعدة الخاوية تلاحقه، مشاويره تلاحقه.. إلى أين؟ استمر في المشي ، مكتب الصليب الأحمر ليس بعيدا، ارتفعت الشمس قليلا، غطى النور أرض الشارع، ظلال المنازل العالية تفترش الأرض ، رائحة الياسمين ما زالت تهب مع نسمة الصباح يقترب منه مكتب الصليب الأحمر، يدلف إلى الداخل ، يسأل أحدهم:
-أخذوا أولادي الليلة، فماذا أفعل؟
انتظر في هذه الغرفة، بعد قليل تحضر المسئولة عن مثل هذه الحالات.
انتظر ، الثواني تمر بطيئة جدا، والمسئولة لم تأت بعد، نظر إلى ساعته للمرة العاشرة ، لم يتحرك عقرب الدقائق خطوة واحدة ، وبعد فترة خالها سنة كاملة حضرت المسئولة ، حدثها في الأمر ، حياد في التوجيهي، سلام قدم الامتحان، في الصف الأول الثانوي، أمسكت ورقة وقلما ، سجلت المعلومات، وعدته أن تبذل قصارى جهدها في سبيل الإفراج عن حياد حتى لا يخسر الامتحان .
اختنق صوته وهو يشكرها،صافحها وخرج مسرعا، كاد يضعف ، قاوم الضعف في نفسه ، حاول إخفاء دمعة انزلقت من عينيه ، خرج لا يلوي على شيء ، ولو يا أبو حياد، أنت أول واحد بياخذوا أولاده؟ بالتأكيد لا، ولن تكون آخر واحد يأخذون أولاده، شد حيلك يا راجل ، شدة وتعدي ، شارع عمر المختار يصافح ناظريه من جديد، عبور جديد نحو برج المراقبة والأسلاك المحيطة، عبور وعبور مضاد، ثم عبور جديد وصبرنا وعبرنا ، وفايدة كامل ، وبالبندقية رفعنا العلم ورفعنا، وربك نصرنا ، وربك نصرنا، وربك نصرنا، وربك نصرنا ، وهذا البرج الذي يبصق في عين السماء وهذه الأسلاك الشائكة التي تحرمنا نعمة السير على الرصيف، وهذا الجندي القابع خلف زجاج البرج يتفحص المارة في حذر، وذلك السجن الذي يحتضن المسجد، وهذا المسجد المتلفع بأسوار السجن، والعبور والعبور المضاد ، الدفرسوار، كبريت، فايد .. حرب أكتوبر ،السويس، الكيلو"101" ، ويا بيوت السويس يا بيوت مدينتي، واختراق الحاجز النفسي ، والعبور الجديد نحو السلام، مسيرة السلام ، إلى أين قادتنا؟ هل ذقنا طعم السلام؟ هل أنجبت حرب أكتوبر سلاما حقيقيا؟ تلك الحرب التي قالوا إنها آخر الحروب ، فهل كانت كذلك؟ بصق باشمئزاز، نظر الجندي إليه في ريبة، ربما اعتقد أنه يبصق عليه، على الرغم من أن لعابه انقذف إلى الأرض، ولم يتجه إلى أعلى، هؤلاء الجنود عندهم حساسية مفرطة تجاه أية حركة مريبة تبدو من أي عربي ، فربما كانت البصقة عملا تخريبيا يجب أن يعاقب عليه قانونهم العسكري ، ربما اخترعوا مادة يحاكمون بموجبها أولئك الذين يبصقون على الأرض في وجود أحد العسكريين.. ربما .
******
ساحة التاكسيات في غزة،أو ساحة فلسطين كما يكرهون تسميتها ، تكاد تخلو إلا من بعض السيارات ، بعض السائقين ينادي ، أصواتهم تختلط خان يونس ، رفح ، نابلس .. رام الله.. القدس سأله أحدهم:
- إلى أين؟
- إلى القدس .
أشار له السائق .. القدس ، فتح الباب ، ركب السيارة . باعة الصحف يتسابقون بين السيارات ، أطفال في عمر الزهور ، تركوا المدارس لسبب من الأسباب ، تسربوا في سن مبكرة ، لو أن لنا دولة لما تركت هؤلاء الأطفال يتوهون في الشارع .. القدس ، النهار ، القدس .. أخبار الإضراب ، يوم المساواة ، تقدم منه طفل ، قدم له جريدة النهار ، ابتسم للطفل: هل طلع النهار ؟ هز الطفل كتفيه ومد الصحيفة بإلحاح، سأله:هل معك الشعب ؟ هز الطفل رأسه علامة النفي، هل معك الفجر ؟ نفى الطفل، إذن أعطني القدس، تناول الصحيفة، أخذ يقفز ببصره بين العناوين كأنه يبحث عن شيء محدد!
تنفس الركاب الصعداء حين أدار السائق مفتاح السيارة، فأصدرت صوتا أشبه باحتجاج طفل يريد لعبة لم يحصل عليها بعد، تحركت السيارة ، ساحة الشجاعية تكاد تكون خالية من السيارات أو المارة ، العمال على غير المعتاد ، لا يوجد منهم أحد، السيارة تطوي الأرض ، مصنع السفن أب..مفترق جباليا يقترب ،آثار عجلات مطاطية مشتعلة ، بقايا متاريس ترقد على جانبي الطريق، المنطقة الصناعية تطل من بعيد، دخان يتصاعد من بعض المداخن، يختلف عن دخان المطاط المشتعل ، له طعم آخر غريب، حاجز إيرز، عين شيطانية تختلس النظر إلى كل من هب ودب ، جنود يتسكعون هنا وهناك، شخص بملابس مدنية يقف وفي يده أوراق ينظر إلى السيارات الرائحة والغادية بعين متفحصة، اقتربت السيارة من الحاجز، أبطأ السائق من سرعته حتى كاد يتوقف، انحنى جندي وأطل داخل السيارة ، طلب من أحد الركاب هويته، نظر إلى الهوية دون اكتراث، ثم أعادها وأشار للسائق أن يمشي، جسر ضيق يلوح عن بعد، يافطة تحمل اسم يد مردخاي .. " دير سنيد سابقا "،المجدل تقترب منهم بسرعة جنونية، فالطريق تكاد تكون خالية إلا من بعض السيارات ذات الرقم الأصفر، الرمزور " الإشارة الضوئية " يطل عليهم بعين حمراء تهددهم بالتوقف.. لو أنني أستطيع البصق في عينك، لو أنني أستطيع لفعلت، أشعر أن الرمزور يتعمد إيقاف من هو في عجلة من أمره، يتعمد أن يطيل فترة الوقوف، رفع السائق قدمه عن الفرامل، فقد انقلب اللون الأحمر إلى أصفر، ثم أطلت عين خضراء، فاندفعت السيارة في طريقها .
وجه حديثه للسائق:
- لا توجد سيارات عربية على الطريق، ما السبب يا ترى؟
ابتسم السائق، نظر إليه من خلال المرآة،ونظر إلى الصحيفة نظرة ذات مغزى:
- ألم تسمع بالإضراب .
تجاهل الأمر :
- أي إضراب ؟
أجاب السائق: يوم المساواة ؟
ضحك : مساواة ؟ لمن ومع من؟
بدا الغضب على وجه السائق:
- بين العرب واليهود.
بسخرية: إذن لماذا لم تضرب اليوم؟
انفجر غضب السائق :
- تريدني أن أشارك في الإضراب، إذن اضمن لي دخلا بديلا، لا تقل لي انه مجرد يوم، أيام الاحتجاج أكثر من أن تعد، لو أن لنا نقابة حقيقية، لو أن النقابات تدفع لأعضائها أجرة نصف يوم عمل .. أو ربع يوم عمل ، لما وجدت أحدا يخرج عن الإضراب ، أريد أن أسألك:
- أين تذهب أموال الصمود؟ من المستفيد منها ، وهل يستفيد الفقراء منها شيئا؟ الأغنياء فقط هم الصامدون على غناهم، هم الذين تتسع جيوبهم لأموال الصمود ! لو أنني أدخلت بعضا من أموال الصمود أو حصلت على جزء منها لوضعوني في السجن، أما هم، هؤلاء الأغنياء ، يروحون ويجيئون دون أن يعترضهم أحد على جانبي الحدود،عِلق البر،عِلق البحر ، قال:
ومع ذلك لم يذهب العمال إلى أعمالهم اليوم.
استطرد السائق وكأنه يكمل حديثه:
- العمال أحسن من أنظف لحية في البلد، أنظف من أغنياء البلد، إضراب يعني إضراب ، فكرك أنا طالع الشغل بمزاجي، المعلم صاحب السيارة، رأسه وألف سيف إن ما سرحت اليوم ليطردني ويشغل غيري مطرحي ، السواقين زي الهم على القلب، ما قلتلك مالناش نقابة تسهر على مصالحنا وتحمينا من غول اسمه الطمع.
وهبت نسمة صباحية حملها شعاع شمس اقتحم السيارة لدى التفافها نحو اليمين، دير اللطرون يربض بين الأشجار،القدس تقترب ، وتلك الدبابة التي تقف فوق منصة عالية وكأنها تهدد السماء بسبابتها المعدنية، فهل خافت السماء وعيد تلك الدبابة التي كانت أول دبابة تقتحم الضفة الغربية في حرب حزيران؟ القدس تقترب.. القدس لنا يا فيروز .. القدس يا ابن الخطاب .. القدس تقترب، ترى هل أعطى الرب القدس ليعقوب بعد أن انتصر يعقوب عليه ، وهل حقيقة انتصر يعقوب على الرب ولم يتركه إلا بعد أن أعطاه القدس وما حولها من أرض فلسطين، القدس، الصمود والتصدي، أموال الصمود التي تتحول إلى عمارات يزرعها الأغنياء الصامدون مسامير في عيون الفقراء ، إلى معاصر زيتون لم تعد تجد ما يكفيها – لكثرتها- من ثمار الزيتون لتعصره، فتعتصر جهد العمال وعرقهم ، أموال الصمود التي اشترى بها الصامدون من الأغنياء أراض في مصر خشية ان تنجح سياسة الترانسفير " الترحيل أو الطرد " فيطردهم اليهود من هذه الأرض كما طردوهم أول مرة ، هؤلاء الأغنياء يأخذون أموال الصمود علنا، ويعبثون بأصابعهم الوسطى في إست الثورة سرا، يجاملون الاحتلال ويلعنون دين الثورة في السر، ويهتفون بحياة الثورة والقائد في العلن، ويحيون الأخوة قادة العرب وغير العرب .
تنحنح أحد الركاب في المقعد الخلفي وقال:
- أنت تظلم الأغنياء يا أخي ، ألم يشارك الأغنياء في صنع الثورة، الغنى ليس عيبا في الإنسان.
تنهد السائق بأسى:
- أنا أظلم الأغنياء ، أنا المظلوم أصبح ظالما، هل يمكن أن تخبرني كيف يصبح الغني غنيا؟
أجاب الراكب من المقعد الخلفي :
- رزقكم في السماء وما توعدون.
ثم أردف:
- لكل مجتهد نصيب يا أخي .
- ولكني أحرث طول عمري كالحمار ومع ذلك لم أصبح غنيا! فهل يجتهد الأغنياء أكثر مني ولذلك تأتيهم أموال الصمود! لماذا تنبت هذه العمارات وهذه المشاريع التي لا نستفيد منها باسم الصمود ؟لماذا؟
مسح الراكب في المقعد الخلفي لحيته بيده:
- تستطيع أن تأخذ قرضا وأن تبني عمارة مثلهم.
ضحك بمرارة : منين لي الأرض يا حسرة، شرط أساسي يكون عندك أرض حتى يوافقوا على القرض.
تدخل راكب آخر:
- يا جماعة : قيام الدولة سيحل كل المشاكل.
ضحك أبو حياد:
- أية دولة ؟ دولة الأغنياء ؟ أم دولة الفقراء ؟ دولة يتغير فيها الظالم ويبقى الظلم والمظلومون على حالهم، نريد دولة يتساوى فيها الجميع، ينال الجميع حقوقهم.
ابتسم السائق:
- والله ما بدنا دولة تخلي وضعنا على حاله، الموت أرحم من ظلم القريب وابن البلد، توقفت السيارة أمام حاجز شرطة ، إلى اليمين، تناثرت كلمات عشبية فوق منحدر بسيط، حروف عبرية قصوها في الأعشاب المزروعة .. بروخيم هبائيم ليوروشلايم " مرحبا بالقادمين إلى القدس" ، طلب الشرطي الهويات أخذ يسجل الأسماء في ورقة معه، طلب رخصة السائق ، حقيبة الإسعاف، الطفاية، فتح باب السيارة من الخلف، بحث فيها عن ممنوعات ،ألقى نظرة متشككة على الركاب ، ثم أعاد لهم هوياتهم.
انطلقت السيارة ، عبر السائق شارع يافا، اليهود المتدينون يروحون ويجيئون بلا عمل ، يبدو أنهم يقضون أوقاتهم في تمشيط لحاهم، وتجديل شعر سوالفهم.
وجه أبو حياد حديثه للسائق:
- أريد أن تدلني على مكتب المحامية فيليتسيا لانغر.
ابتسم السائق ابتسامة أكبر من الألم الذي يختزنه بين ضلوعه:
- سأوصل الركاب إلى الموقف وأحجز دورا ثم أعود بك إلى مكتبها.
خيم الصمت على الركاب ، سعل الراكب من المقعد الخلفي سعلة حادة، مسح لحيته بيده:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ثم وجه حديثه إلى (أبو حياد) :
- يا راجل غزة كلها ما فيش فيها محامين؟ مش لاقي إلا هالكافرة ؟
- وهل عندك أفضل منها.
- نعم يا أخي ، هناك محام له علاقة طيبة مع بيرس شخصيا، لو ذهبت إليه لساعدك كثيرا.
- يا أخي لو وقعت في محنة لا سمح الله ، وخيرت بين صديق بيرس وبين فيليتسيا لانغر فمن تختار ؟
قال راكب : فيليتسيا بالتأكيد.
توقفت السيارة ، قال السائق للركاب :
- حمد لله على السلامة.
ثم استأذن من أبي حياد، سجل اسمه ليحفظ دوره،عاد إلى السيارة ، أدار محركها توجه إلى مكتب المحامية في القدس الغربية، دارت السيارة عدة مرات ، عبرت أكثر من شارع، ثم توقف السائق، نزلا من السيارة ، صعدا إلى بناية لها عدة مداخل ، تجاوزا المدخل الأول والثاني والثالث ، توقفا قليلا، اعتقد أن المكتب هنا، قال السائق، وصعدا الدرج، صافحت عيونهما ورقة معلقة على باب المكتب .. المكتب مغلق بسبب المشاركة في إضراب يوم المساواة ، قفل عائدا، قرر أن يوصي صديقا له أن ينوب عنه في توكيل المحاميـة غـدا .



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكف تناطح المخرز - رواية /3
- 1 / 2الكف تناطح المخرز - رواية
- الطيارون الإسرائيليون واللعبة القذرة
- المخدرات وسيلة لتدمير المجتمعات النامية
- حول وثيقة الأسرى
- هجران
- الكوابيس تأتي في حزيرا ن 23 / 24 / 25
- الانتخابات الفلسطينية في الميزان
- الكوابيس تأتي في حزيران 21 / / 22
- الكوابيس تأتي في حزيران 19 / 20
- الكوابيس تأتي في حزيران 17 / 18
- الكوابيس تأتي في حزيران 15 / 16
- الكوابيس تأتي في حزيران 13 / 14
- الكوابيس تأتي في حزيران 11 / 12
- التلفزيون الفلسطيني والمصداقية العالية
- حول الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي
- الكوابيس تاتي في حزيران الفصل التاسع والعاشر
- ظاهرة التسول في المجتمع الفلسطيني
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثامن
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السابع


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكف تناطح المخرز - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب - الفصل الرابع