|
الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قبل الحماية
حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ
(Hamid Handouri)
الحوار المتمدن-العدد: 6724 - 2020 / 11 / 5 - 18:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عانت بلدان شمال إفريقيا والعالم العربي، خلال القرن 19م. ومطع القرن 20. من أطماع استعمارية تمثلت في الهجمات التي قامت بها الدول الإمبريالية، وخاصة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا. ومن بين الدول التي عانت جراء هذه الهجمات، وكانت أرضها مسرحا لعمليات فرنسا وإسبانيا هي دولة المغرب. فقد تعرض المغرب لاحتلالين اقتسما أرضه، إضافة إلى جعل الاحتلالين الفرنسي والإسباني مدينة طنجة منطقة دولية. وهكذا تم تشتيت وحدة المغرب حيث قسم إلى مغرب شمالي وآخر جنوبي. كما عمل الاستعماران على طمس هويته الإسلامية، وإنكار تاريخه، ومحو أثار هيبته وسيادته. واستماتت الدولتان الإمبرياليتان في استكمال إخضاع المغرب وإضافته إلى مستعمراتها. وشرعتا في استغلال موارده الطبيعية والبشرية. وكان التمهيد للاستعمار عبر إغراق المغرب بالديون، وتكبيله بالاتفاقيات التجارية والسياسية اللامتكافئة. وساهمت الثورات والانقسامات في المغرب إلى تسهيل الأمر على الدول الأوربية. وتأتي لفرنسا وإسبانيا السيطرة على المغرب من خلال عدة تفاهمات بين الدول الأوربية المتنافسة. وبدأ الاحتلال لإحكام السيطرة على المغرب منذ 30 مارس 1912م. فكيف كانت الأوضاع العامة في المغرب في بداية القرن العشرين؟ وكيف أسهمت في تيسير دخول المستعمر؟ عاش المغرب خلال نهاية القرن 19م. وبداية القرن 20م. وضعا سياسيا مزريا، حيث عرف عددا من الثورات والاضطرابات تصاعدا كبيرا. وقامت بها جهات المغرب تقريبا. وكان ذلك لأسباب متنوعة، أضرت بنفوذ المخزن وقدراته على تسيير وإدارة البلاد بشكل طبيعي. وضاعف هذا الوضع استعمار الفرنسيين للجزائر وتونس. فأصبح أمن المغرب في خطر كبير، كلما ازداد النفوذ الأجنبي قوة، وعمل الأوروبيون على تشجيع الثورات والمشاكل داخل المغرب. إلى أن تشخص الخطر عمليا في حرب تطوان سنة1859ـ 1860م. ثم في توقيع الحماية القنصلية مع الفرنسيين. وكان المخزن هو من ينتهي بتأدية تعويضات باهظة. وكان يضطر إلى توفيرها من القروض، التي يأخذها من البنوك الأوروبية بفوائد كبيرة.1 وتعتبر سنة 1908م. سنة ثورة لتجديد السلطة في المغرب، وسميت بالثورة "الحفيظية". اعتبرها العديد من المغاربة أنها ستكون نقطة تحول في العلاقات المغربية الأوربية. غير أن المولى عبد الحفيظ الذي استفاد، على نقاط واسع، من التأييد الشعبي، ومن تأييد العلماء في فاس ومراكش، فبويع من طرف علماء فاس بإجازة الشيخ محمد الكتاني. كما أفتى علماء مراكش بسحب البيعة من المولى عبد العزيز، ومنحها لأخيه عبد الحفيظ. لأن المولى عبد العزيز وضع يده في يد أعداء الله والدين. وكان شرط الأمة على السلطان الجديد عدم الاعتراف بمؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م.. وكذلك بشرط استرجاع المناطق المغتصبة، والشطب على امتيازات الأجانب، وعدم إشراكهم في قضايا الأمة، وعدم إبرام أي معاهدات معهم سلمية أو تجارية بدون الرجوع إلى الأمة. يبذو أن السلطان الجديد الذي كان أمل الشعب المغربي، ما لبث أن تنكر لالتزاماته، مما عرضه لسخط الشعب. وخاصة الشيخ محمد الكتاني، الذي قاد ضده ثورة. مما دفع بالسلطان إلى الاستنجاد بالفرنسيين لتخليصه بعدما حوصر في فاس من قبل القبائل الثائرة، وبذلك وجد نفسه مجبرا على التوقيع، على معاهدة الحماية في 30مارس 1912م. والتي أبقته جالسا على العرش.2 ولكن جلوسه على العرش، كان فقط ليعطي مظهرا من المشروعية للسلطة، التي استولت عليها فرنسا في البلاد. وبالرجوع إلى بعض الأحداث، وبعد حرب تطوان، والمعاهدة المهينة الناجمة عنها والتي علق عليها بعض المهتمين بأنها "حرب كبيرة وسلم صغيرة". طلب المخزن من القبائل المجاورة للثغور المحتلة، التخلي عن بعض الأراضي، وسحب الجيش حتى لا تحدث أي مناوشات. وكان هذا سببا دفع القبائل إلى التجند للقيام بالدور الجهادي بدل المخزن. وكان الجيلالي إدريس الزرهوني الملقب ب" بوحمارة" أول من حمل مشعل الثورة من سنة 1902إلى 1909م. وانضمت إليه قبائل محور تازة3 ثم مليلية. وبعدها المنطقة الشرقية. وفي سنة 1904م.، استقر بوحمارة في سلوان، وبعدها بدأ في التفاوض من أجل الحصول على الامتيازات من الأجانب، في مقابل استغلال معادن بني بويغرو. وإلى جانب ثورة بوحمارة، قامت ثورة أخرى بجبالة تزعمها أحمد الريسوني، الذي ظهر في البداية كمعارض لسياسة المولى عبد العزيز، وانضمت إليه قبائل منطقة "اجبالة"، وقسم كبير من قبائل الريف لدعوته إلى الجهاد ضد الأوروبيين. وقد تم تعيينه باشا على أصيلة، وقام بعدة مناوشات، كان الغرض منها الشهرة للحصول على صفة قائد جبالة.4 وبالريف قام المجاهد محمد أمزيان بثورة في وجه المستعمر الإسباني. ودعا قبائل الريف إلى الجهاد سنة 1909م. وعلى الصعيد الديبلوماسي فإن القوى الاستعمارية الأوروبية تجاهلت حقوق إسبانيا، وبدأت تحصل على الامتيازات في المغرب. وفي هذا السياق، اعترفت ألمانيا لفرنسا بالامتيازات السياسية في المغرب، مقابل اعتراف الثانية للأولى بامتيازات في إفريقيا. هذا الاتفاق عارضته بريطانيا لأنه مخالف لاتفاقية الجزيرة الخضراء. ولم تحصل إسبانيا، وبعد معاناة، إلا على اعتراف ألمانيا بحقوقها في احتلال شمال المغرب. كل هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية الاقتصادية، فإن المغرب كان يعيش حالة مزرية، وغير مستقرة على المستوى الاقتصادي. سواء بعد فرض نظام الحماية عليه، أو أثناء الضغوطات الاستعمارية، ومحاولة احتلاله. وفي خضم الفوضى والاضطرابات التي أصبح يعيشها المغرب جراء الاحتلال الفرنسي والإسباني لأراضيه، زادت مطامع ألمانيا في أراضيه الطينة بلة. مما ضاعف عدم الاستقرار السياسي، بعد وفاة السلطان المولى الحسن الأول. وقد كانت أبرز الأطماع تتجلى في الأطماع الإسبانية التجارية سنة 1898م. وبعدها كان اهتمام رجال الأعمال بالسوق الإفريقية، باعتبارها وسيلة لتحقيق الطموح المادي، والمزيد من الربح. وشكلت السوق المغربية أحد المجالات المهمة لترويج بضائعها، والحصول على المواد الأولية المعدنية، نظرا لسهولة نقلها إلى السوق الاسبانية والأوروبية. ورغم ذلك، فإن هذا التدخل لم يكن سهلا، نظرا لرفض المغاربة لهذا النوع من الاستغلال. وفي هذا الإطار مارست قبائل المنطقة ضغوطا على إسبانيا للتراجع عن مخططاتها، وذلك بدون إذن المخزن. لكن سلطات الاحتلال عملت على كسب مزيد من الأرض، لاستكمال الهيمنة.5 إن إسبانيا وهي تحاول استغلال ثروات المغرب، وجدت صعوبة في تحقيق هذا الغرض لمقاومة السكان لها، وكان هذا المشكل يخلق جدلا كبيرا داخل الساحة السياسية بإسبانيا، ولحل هذه المعضلة التجأت الحكومة الإسبانية إلى التعامل مع الثوار بدل التعامل مع المخزن، فهم من لهم الحق في التفاوض على مصالح المنطقة. وهكذا فاوضتهم السلطات الإسبانية لإيجاد موقع داخل البلاد. كما عمل الإسبان بزعامة الجنرال مارينا على مساعدة المخزن للقضاء على ثورة بوحمارة. ثم عاد الإسبان بزعامة رئيس حكومتهم أنطونيو ماورا وشرع في التفاهم مع بوحمارة في يونيو 1907م. فسمح لها بوحمارة باستغلال مناجم6 جديدة في جبال ويسلان، وأزرا،7 وكتب لهم عقدا باستغلالها لمدة 99 سنة. فأسس الإسبان والفرنسيون رسميا شركة مختلطة قصد الاستغلال سنة 1908م.. وأطلق عليها اسم شركة شمال إفريقيا. وقد كان رأسمالها فرنسيا. وظلت شركة إسبانيةـ فرنسية. وحاولت إسبانيا الذهاب أبعد من ذلك، كما أوضح ذلك المهندس المشرف على مخطط السكك الحديدية بربرا فرنانديس سنة 1909م. 8 وقد كانت تريد تحويل مليلية إلى المركز التجاري الرئيس في شمال المغرب، وفي منطقة الريف بصفة عامة. إن مليلية ستصبح نقطة الانطلاق لخط السكة الحديدية، والذي يجب ربطه بالجزائر. إلا أن هذا المخطط هدد بالفشل بعد تنصيب السلطان المولى عبد الحفيظ، واعتراف جل الدول الموقعة على مقررات الجزيرة الخضراء بهذه البيعة، الأمر الذي فرض على إسبانيا الدخول في مفاوضات صعبة مع مخزن السلطان. خاصة بعد انتصاره على ثورة بوحمارة، ورفض القبائل التي ساعدت المخزن للقضاء على ثورة بوحمارة الاعتراف بالامتيازات الإسبانية. وفي سنة 1909م. سجل الضغط الأجنبي على المغرب موقفا جديدا، لم يكن متوقعا. وذلك على إثر واقعة حدثت بين عناصر ألمانية وأطراف فرنسية، بالدار البيضاء. بسبب تهريب القنصلية الألمانية لأفراد ألمان، من السجن الفرنسي الخاص بمساجين الجيوش الأجنبية. بعد تسوية هذا الحادث اتفق الطرفان على احترام استقلال وسيادة المغرب على ترابه، وصيانة وحدته الترابية. مع الاعتراف لألمانيا بمصالحها الخاصة. وتقديم تنازلات اقتصادية لها. وفي 4 نونبر 1911م. تم التوصل إلى اتفاق سري، يسمح فيه الطرف الألماني لفرنسا ببسط حمايتها على المغرب دون عرقلة من ألمانيا. والحق أن واحدة من مرسلات الطرف الألماني حول الاتفاق، تؤكد سيادة المغرب على واد الذهب، واتصال حدوده بإفريقيا الغربية. ومن جهة أخرى فقد أعلنت ألمانيا عدم تدخلها في الاتفاقيات الفرنسية الاسبانية. وذلك مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية بالمغرب، وترابية في إفريقية الغربية. الإحالات ـ 1برادة عبد الرحيم، إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية 1931ـ 1956م.، الدار البيضاء، تم الطبع بمطابع إفريقيا الشرق، 2007م، ج.1، ص. 169. ـ 2الخلوفي محمد الصغير، بوحمارة من الجهاد إلى تآمر ـ المغرب الشرقي والريف من 1900ـ 1909م.، الرباط، دار نشر المعرفة، د.ت.، ص.29. ـ 3الخلوفي محمد الصغير، المرجع السابق، ص.1093 ـ 4نفســــــــــــــــه، ص. 1114 ــ 5الخلوفي محمد الصغير، المرجع السابق، ص. 338.5 ـ. 6حركات إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الدار البيضاء، دار الرشاد الحديثة، 98 شارع فيكتور هيغو، 1958م. ج.3، ص. 326 7ـبرادة عبد الرحيم، المرجع السابق، ص. 113 ـ8 نفس المرجع، ص. 114
#حنضوري_حميد (هاشتاغ)
Hamid_Handouri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب- منهجية البحث- للكاتب الفرنسي ماثيو جيدير
-
قراءة في كتاب: -قبائل أيت سكَوكَو في مواجهة الاستعمار الفرنس
...
-
التاريخ وعبوره للتخصصات من أجل الكشف عن الحقيقة والقيام بمهم
...
-
مرتكزات الحداثة في أوروبا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|