أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زهدي شاهين - النباهة والبلاهة وثقافة الاستحمار















المزيد.....


النباهة والبلاهة وثقافة الاستحمار


محمد زهدي شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 6722 - 2020 / 11 / 3 - 21:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بداية لا بد لنا من الإشارة إلى أن النباهة تعني الفطنة والذكاء (الوعي والإدراك)، أي إدراك الفرد لدوره من خلال وضوح رؤاه ووضوح دوره في المجتمع أيضا، وإدراك المجتمع كذلك لواقعه ولما يدور من حوله. أمّا البلاهة فمن مرادفاتها: الجهل، والحماقة، والغباء، وهي بطبيعة الحال نقيض النباهة.

أمّا الإستحمار فيقول عنه أستاذي الراحل علي شريعتي علما انه استشهد في نفس العام الذي ولدت فيه، فَعَملُ العبد ينقطع بعد موته إلا من ثلاث، إحداها (علم ينتفع به) لهذا أصفه بهذه الصفة).

يقول شريعتي: الإستحمار هو تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره، وحرف مساره عن النباهة الاجتماعية فردا كان أم جماعة. وأيّ دافع عمل على تحريف هاتين النباهتين أو فرد أو جيل أو مجتمع عنهما فهو دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية وأقدسها اسما. ومن سوء الحظ ن لا ندرك ما يراد بنا، فيصرفوننا عما ينبغي أن نفكر فيه كمصير مجتمعنا أو أفكر أنا بمصيري كإنسان الى أن نفكر بأشياء نحسبها راقية جدا وعظيمة ومشرفة فيصيبون الهدف دون أن نشعر! ومن أجل هذا قلت إذا لم تكن حاضر الذهن في الموقف فكن أينما أردت.

المهم أنك لم تحضر الموقف، فكن أينما شئت واقفا للصلاة أم جالسا تحتسي الخمرة. والمستعمرون لا يدعونك لما تستاء منه دائما، فيثيرون انزجارك فتنفر منهم الى المكان الذي ينبغي أن تصير إليه. بل يختارون دعوتك حسب حاجتهم، فيدعونك أحيانا إلى ما تعتقده أمرا طيبا من أجل القضاء على حق كبير، حق مجتمع أو إنسان، وأحيانا تدعى لتنشغل بحق آخر فيقضون هم على حق آخر هو أولى)، وهنا يضرب لنا شريعتي مثالا لتقريب وتوضيح الصورة فيتابع ويقول “عندما يشب حريق في بيت، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع الى الله فينبغي عليك أن تعلم أنّها دعوة خائن؛ فكيف الى عمل آخر؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه الى عمل آخر ما هو الا استحمار، وإن كان عملا مقدسا أو غير مقدس؛ فتنبه! حتى لو كانت مناجاة مع الله، أو وقوفا للصلاة، أو انشغالا بمطالعة أحسن الكتب العلمية والأدبية، أو أكبر اكتشاف علمي، أو أي عمل تقوم به، أو شيء تنشغل به، كل ذلك يدل على أن الداعي استعمرك وألغى وجودك.”

فالاستعمار أو الاحتلال وكلاهما سيان يريدان ابدالنا الوعي والادراك الثقافي ومعرفة دورنا المنوط بنا بالجهل والغباء والعبثية، ويمارسون ذلك بطرق شتى؛ فيقومون بنشر وبث الثقافة الإستحمارية بوسائل مختلفة، وايهامنا بوصولنا إلى المعرفة أو إلى الحضارة الكاذبة، فيما نحن ما نزال نستهلك ما يقومون هم بإنتاجه؛ فالحضارة التي يدعي البعض منا الوصول إليها في عالمنا العربي تحديدا هي حضارة زائفة وصورية وبعيدة كل البعد عن مضمون الحضارة، كإنتاج المعرفة والعلوم والصناعات، والقوة الذاتية إلى غير ذلك، وأهمها الوصول الى مرحلة النباهة أو الثقافة الواعية، والتي سقفها القيم والضوابط الأخلاقية باحترام القانون والنظام.

الثقافة الاستعمارية الاستحمارية خطيرة جدا، والأخطر منها هي الثقافة الاستحمارية الذاتية. قد يكون الكثير منا قد مارس هذا الجانب يوما ما، فحالة اللاوعي والثقافة العمياء يمارسها السياسي ورجل الدين من خلال الاحتكار للقرار السياسي أو احتكار التمثيل الديني والغاء الآخر، وقد يمارسها المسؤول الإداري في المؤسسة بأشكال مختلفة؛ فغياب وتعطيل سياسة الثواب والعقاب مثلا تقع ضمن الثقافة العمياء. لماذا إذن خلقت الجنة والنار؟ ويا ليت الأمور تقف عند المساواة بينهما بل تتخذ صورة أسوأ من ذلك بكثير بتقديم المسيء على من سواه، ويحضرني هنا مثل شعبي يعبر عن هذه الحالة بدقة تامة، وبشكل واضح وهو: “المقري والمخري واحد.”

والثقافة العمياء يمارسها بعض أرباب العمل كأن يقوم أحدهم باستغلال موظفيه أو ومستخدميه ويبخس الناس أشيائهم (واشياء الناس قد تكون بضاعة أو مهنة أو مهارة)، أو سائق المركبة من خلال مخالفته القانون، كالسرعة الزائدة وغير ذلك .

لقد اشار الكاتب المقدسي محمد زحايكة في مقالة له تحت عنوان (أرض الفساد والنفاق) إلى أحد جوانب الثقافة العمياء وهي الثقافة الاستحمارية التي أرمي اليها، مطلقا عليها ثقافة الكراهية، متسائلا من أين جاءت هذه الجرثومة. وللإجابة على هذا التساؤل أقول أن هذه الجرثومة أو حالة الانحطاط في عالمنا العربي والإسلامي ليست وليدة اللحظة، بل قد تكون متجذرة بعض الشيء، لهذا لا بد من الاطلاع على كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي، والذي يقول فيه بأن حالة الانحطاط” أو الفتور في العالم العربي والإسلامي آنذاك الوقت هي نتيجة للاستبداد السياسي، ويقول: (وحيث أني قد تمحص عندي أن أصلَ هذا الداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية….بعد بحث ثلاثين عاما بحثا أظنه كاد يشمل كل ما يخطر على البال من سبب يتوهم فيه الباحث عند النظرة الأولى، أنه لم يظفر بشيء، أو أن ذلك فرع لأصل، أو هو نتيجة لا وسيلة . فالقائل مثلا: إن أصل الداء التهاون في الدين؟ والقائل إن الداء اختلاف الآراء يقف مبهوتا عند تعليل سبب الاختلاف. فإن قال: سببه الجهل يَشكُل عليه وجود الاختلاف بين العلماء بصورة أقوى وأشدّ.

وهنا أخالفه الرأي فجلّ الأمر والانحطاط المستشري في مجتمعاتنا سببه الجهل والحماقة والغباء، أي البلاهة والثقافة العمياء العقيمة اللا واعية، أمّا الاختلاف بين العلماء إن لم يكن مبنيّا على أسس علمية، فيعتبر احتجاجا واهيا للاستدلال به بأن الانحطاط غير عائد على الجهل، إذ أن اختلاف العلماء في غير محلة، والاستبداد (الجهل + السلطة) كذلك، ضرب من ضروب الجهل، وفرع من أصل، وهما نتيجة للجهل لا سبباً له.

إن أبشع صور الثقافة الاستحمارية الذاتية هي السخرية من ذواتنا والاستهزاء من أنفسنا، وبالطبع لها نتائج كارثية كخلخلة شبكتنا الاجتماعية، بإفقادنا الثقة بأنفسنا، وإحساسنا الدائم بالعجز. وما الثقافة العمياء إلا فراغ وفقدان المضمون والجوهر والتمسك بالمظاهر والقشور. وبما أنها اصبحت فكرا يمارس من خلال السلوك وجب علينا محاربتها؛ فالفكر إذن لا يحارب ولا يدحض الا بالفكر والتنوير، بمعرفة وتحديد مسؤولياتنا، ودورنا في مجتمعنا، وفي عملية بناء الوطن.

إن جوهر الوجود هو الإنسان، لذلك تم تسخير كل شيء لخدمته، حتى الدين. وكل ثقافة أو سلوك يقلل من شأن هذا الجوهر، بقتله دون وجه حق، أو ابتذال كرامته، ومحاربته برزقة، واستغلاله على سبيل المثال هي ثقافة استحمارية عمياء مسحت وقامت بإلغاء كلمة الإنصاف من قاموسها. وأيّ سلوك غير حسن أو قبيح، كتهميش الآخرين، والاستعلاء عليهم، والاستخفاف بعقولهم، لا يعدو كونه ضربا من ضروب الاستحمار، أو الثقافة العمياء.

يقول ابن خلدون: (إن الانسان إذا طال به التهميش يصبح كالبهيمة لا يهمه سوى الأكل والشرب والغريزة) . وهذا الكلام لا يعمم فأصحاب النباهة والبصيرة والمؤمنون مستثنون من ذلك, فاحذر وتنبه أيها القيم أيّا كنت مسؤولا أو سياسيا أو ربّ أسرة من تهميش الآخرين فإن ممارستك للثقافة العمياء يتأثر بها الكثيرون، والمسؤولية إذن مضاعفة.

وهنا لا بد لي من التطرق لقضيتنا الفلسطينية؛ فإن أيّ دعوة من بعض الدول التي تقوم بدفع الإتاوة لأسيادهم ومستحمِريهم، حتى وإن بدت في مصلحتنا لمواجهة صفقة القرن والعار والذل والخنوع التي يسعون الى تمريرها، لا تعدو عن كونها دعوة وتوجيه من خائن يدس لنا السم بالعسل، يجب علينا وعلى قيادتنا الحذر والتوجس منها. إن الذي لا يستطيع التمييز بين العدو الحقيقي والفعلي والأخ والصديق لا يؤتمن، ومن يقوم بدفع المليارات لقيادتنا الرافضة والصامدة في وجه الطغيان والإرهاب العالمي للتنازل عن القدس وقضيتنا العادلة، وقبولنا لتمرير صفقة العار، لا يريد لنا هذا الدعي سوى التنعم بالذل.

وفي الختام أقدم اعتذاري للحمار لإقحامي إيّاه في هذا الأمر دون الرجوع إليه لأخذ الإذن منه مسبقا، فجل حياته مكرسة لخدمة البشرية منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا، والحمار بطبعه يتعلم من المرة الأولى ولا يعاود تكرار الخطأ على خلاف بعض البشر، وهذا خير دليل على فطنته وذكائه، لهذا أستميحه عذرا الى أن يجد لنا المختصون في اللغة العربية بديلا عن مصطلح الاستحمار.



#محمد_زهدي_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام في مواجهة الإرهاب من كل حدب وصوب


المزيد.....




- -9 آلاف مجزرة وأكثر من 60 ألف قتيل- في غزة.. أرقام مرعبة يكش ...
- الرئيس الكولومبي يصعّد انتقاداته لسياسات الهجرة الأمريكية وي ...
- الجيش الإسرائيلي يفجر 23 مبنى سكنيا في مخيم جنين
- كيف نطق الإنسان؟ أهم الفرضيات حول أصل لغة البشر
- ملك الأردن يلتقي ترامب بواشنطن في 11 فبراير
- نائبة أيرلندية: إسرائيل دولة فصل عنصري والعالم بدأ يدرك ذلك ...
- دفعة ثانية من الجرحى والمرضى تغادر قطاع غزة عبر معبر رفح
- عاجل | رئيس بنما: قناة بنما ستبقى تحت إدارتنا ولم أشعر خلال ...
- نيويورك تايمز: الحياة في غوما لا ماء ولا غذاء وكثير من عدم ا ...
- مكتب الإعلام الحكومي: غزة تحولت إلى منطقة منكوبة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زهدي شاهين - النباهة والبلاهة وثقافة الاستحمار