حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6722 - 2020 / 11 / 3 - 10:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حين نحا المرحوم علي الوردي في بعض مؤلفاته إلى تناول وسرد وقائع تاريخية، أخذ عليه بعض النقاد تحوّله، وهو عالم الاجتماع إلى التاريخ، حيث أصبح مؤرخاً وأهمل الجانب الاجتماعي الذي يفترض فيه العناية به، كون هذا هو حقل اختصاصه، كأن لسان حال المنتقدين يقول: ما شأنك بالتاريخ، دعه للمؤرخين .
بروحه السجالية المعروفة ردّ الوردي على هؤلاء قائلاً إن فهمهم لعلم الاجتماع محدود أو مغلوط، فبرأيه لا يوجد فاصل حدي بين التاريخ والاجتماع، فكلا الأمرين مترابطان، أو هما وجهان لشيء واحد، موضحاً أن الزمن تجاوز التقسيم الصارم الذي يحصر الباحث في العلوم الاجتماعية في حقل بعينه، مستكثراً عليه الاهتمام بحقول معرفية أخرى .
يصح هذا بشكل عام، لكنه يصح، خاصةً، على العلاقة بين علمي التاريخ والاجتماع، فلا يمكن فهم الحاضر من دون دراسة خلفياته التاريخية، وعاب الوردي على بعض مدارس علم الاجتماع ميلها إلى مماهاته بعلم الطبيعة حيث صاروا يستندون في دراساتهم إلى مناهج الإحصاء والاستبيان وما أشبه، لكن سرعان ما تبين للكثيرين منهم أن هذه الطريقة ناقصة وقد لا تصل بهم إلى نتيجة مجدية .
لذا أخذت الفجوة بين التاريخ وعلم الاجتماع تضيق، حين أدرك علماء الاجتماع أن لظواهر الحاضر جذوراً في الماضي، فلا يعود بالوسع فهم هذه الظواهر وتحليلها من دون تقصي جذورها التاريخية، رغم أنه ليس الجميع يوافق على مقولة إن التاريخ يعيد نفسه، فحتى لو تشابهت الظواهر بين الماضي والحاضر، فإن للراهن منها ملابسات تختلف عن تلك التي أحاطت بالماضي منها .
تنسب إلى هيغل عبارة أن التاريخ يعيد نفسه على شكل مأساة، ولكن كارل ماركس قال إنه كان على هيغل أن يضيف: وعلى شكل كوميديا أيضاً .
والحق أن من يجول ببصره فيما يجري حولنا من أحداث جسام وكوارث وحروب وغزوات، يجد أن من يقف وراءها إنما يستعين بما في الماضي من عدة اجتماعية أو سياسية ومن مفاهيم وأفكار، ليعيد توظيفها في معارك الحاضر، وهي معارك دنيوية صرف، تحركها المصالح والدوافع المتناقضة للبشر وشهواتهم للسلطة والمال وما إليهما من متاع الدنيا، لكنهم لا يجدون غضاضة في توظيف الماضي، بما فيه، وربما خاصة، الحيز المقدس منه، لخدمة أهدافهم .
وفي زمنه قال إبن خلدون: "التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق" .
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟