أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سنية الحسيني - لماذا السودان؟















المزيد.....

لماذا السودان؟


سنية الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 6719 - 2020 / 10 / 30 - 15:34
المحور: القضية الفلسطينية
    


تم الإعلان يوم الجمعة الماضي عن انتهاء حالة العداء بين السودان وإسرائيل حيث وصف السودان ذلك بانه اتفاق تاريخي. ويمكن اعتباره بالفعل اتفاقاً تاريخياً خصوصاً بالنسبة لإسرائيل، لأن تطبيع العلاقات مع السودان يرسم نقطة تحول هامة في منظومة تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية والتي لم تعد مقصورة على محور دول الاعتدال العربي، بل فتحت الأبواب واسعة على جميع الدول العربية. كما أن هذا الإنجاز الكبير لإسرائيل بمعاونة الولايات المتحدة يشرع استخدام الابتزاز السياسي ضد دول المنطقة التي يعاني معظمها من ضغوط سياسية واقتصادية بعد فشل ما عرف بثورات الربيع العربي، سواء لاجبارها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل أو للقبول باتفاقات مجحفة بحق بلادها وشعوبها. كما سيمكن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني إسرائيل من امتلاك أوراق قوة إضافية سياسية وأمنية واستراتيجية في منطقة حيوية في الساحة الأفريقية تشكل البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي ودول حوض نهر النيل.

على الرغم من أن السودان تحول عن تحالفه مع إيران عام 2016 في عهد الرئيس الأسبق عمر البشير، الا أن السودان لا يشبه الامارات أو البحرين بالنسبة للفلسطينيين. فهو بلد اشتبك بالفعل مع العدو الصهيوني، ووقف إلى جانب مصر في حروبها الثلاثه معه. واستضافت الخرطوم قمة الجامعة العربية بعد هزيمة عام 1967 والتي رفعت شعار اللآت الثلاث. وطالما دعمت السودان شعباً وحكومة القضية الفلسطينية ، واتهمت بتصدير السلاح لحركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله عبر البحر الأحمر، وكانت أحد أقطاب حلف الممانعة مع إيران. ولم تخف إسرائيل عداءها للسودان، فدعمت حركة التمرد في جنوبه منذ عام 1968، وكانت من أوائل من اعترف بانفصاله عام 2011. كما كانت السودان هدفاً لغارات إسرائيلية استهدفت مخازن للذخيرة ما بين عامي 2009-2012. فالسودان تعتبر أولى الدول المطبعة مع إسرائيل من خارج محور دول الاعتدال، وثاني دولة عربية إفريقية تطبع علاقاتها مع إسرائيل بعد مصر وبعد أكثر من أربعين عاماً.

إن ذلك يفتح باب التطبيع للدول العربية الأخرى في اطار جديد عابر للمحاور، كما أنه يمكن إسرائيل سياسياً على المستوى الأفريقي. فالسودان بسقوطه في براثين التطبيع أسقط الحرج عن أية دولة أفريقية لا تقيم علاقات مع إسرائيل بسبب القضية الفلسطينية. وكانت إسرائيل قد حققت نجاحاً ملحوظاً في التجاوز التدريجي لمقاطعة الدول الافريقية لها، والتي كانت تشكل أكبر كتلة داعمة للفلسطينيين في المحافل والمنظمات الدولية بعد عام 1967. وكان لتطور العلاقات العربية مع إسرائيل دور كبير في ذلك الأختراق الذي حققته إسرائيل في إقامة علاقات مع أكبرعدد ممكن من الدول الافريقية، بدأً باتفاق كامب ديفيد عام 1978، ومرورا باتفاق أوسلو عام 1993، وانتهاءً باتفاقات تطبيع العرب الأخيرة مع إسرائيل.

كما سيمكن اتفاق التطبيع مع السودان إسرائيل من الحضور بشكل أكبر على المستوى الأمني في منطقة الساحل الشرقي الافريقي والبحر الأحمر ودول القرن الأفريقي، خاصة في ظل الموقع الجغرافي الهام الذي يحتله السودان في هذه المنطقة. ويشكل البحر الأحمر والمنطقة الافريقية المطلة عليه أهمية استراتيجية ضرورية لامن إسرائيل وتجارتها، لاسيما في ظل عدم وجود منظومة عربية واضحة تحكم الأمن في البحر الاحمر. كما ستمتلك إسرائيل بعلاقتها مع السودان ورقة جديدة في اطار دورها الاستراتيجي كوسيط في صراع دول حوض نهر النيل وبالتحديد بين مصر والسودان وأثيوبيا. وتعتبر إسرائيل شريكا رئيساً لأثيوبيا في انشاء السدود والتي تشكل نقطة الخلاف الرئيسة بين دول الحوض. وتعتبر السودان ذات أهمية خاصة ليس فقط لانها واحدة من دول الحوض، وانما لانها الدولة الوحيدة التي تمتلك حدوداً مع جميع تلك الدول.

جاءت موافقة السودان على إقامة علاقات مع إسرائيل في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة، فساومت الولايات المتحدة السودان، الذي وضع على قوائم الإرهاب منذ عام 1993، على رفع اسمه من قوائم الإرهاب مقابل التطبيع مع إسرائيل. إن رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب يعني تخفيف أعباء ديونها وتسهيل حصولها على التمويل والقروض وجذب الاستثمارات الأجنبية وتجاوز أزمتها الاقتصادية. ويعاني السودان من احتجاجات عارمة تجتاح البلاد، بعد مرور عام من سقوط حكومة عمر البشير الإسلامية، واستلام حكومة انتقالية لإدارة شؤونها لمدة ثلاث سنوات تمهد لانتخابات ديمقراطية. تأتي تلك الاحتجاجات في ظل استمرار تدهور الحالة الاقتصادية، خصوصا في ظل جائحة كورونا والفيضان الأخير، فارتفع مستوى الدين العام إلى حوالي 60 مليار دولار، وانخفضت قيمة العملة. يأتي ذلك في ظل استمرار انقطاع الكهرباء ونقص البنزين والغذاء وانعدام الامن. اذ اعتبرت الأمم المتحدة أن حوالي خمس السودانيين يعانون الفقر.

ولا يمكن تجاهل دور الدول العربية المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها الامارات في تحقيق إسرائيل لاهدافها في المنطقة. فجاء اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني بدعم ومساندة إماراتية صريحة وسعودية ضمنية ومباركة مصرية. وكانت الامارات قد رعت في شهر شباط الماضي لقاء جمع عبد الفتاح برهان رئيس مجلس السيادة السوداني وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا، تبعه زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى السودان أواخر شهر آب في اطار المساعي التمهيدية لذلك الاتفاق التطبيعي. ورغم رفض عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني للحكومة الانتقالية الربط بين حذف السودان من قائمة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل، الا ان قرار التطبيع مع إسرائيل جاء بموفقة من برهان ونائبه والقادة العسكرين. فقد اعتبر حمدوك أن السودان يستحق بالفعل رفعه من تلك القائمة لانه غير من سياساته تجاه دول المنطقة، كما أن اتفاق سياسي حساس كاتفاق التطبيع مع إسرائيل يحتاج لاقراره من حكومة منتخبة وليس حكومة انتقالية على حد قوله.

ورغم اشتراط السودان موافقة البرلمان على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، الا أنه لم يشكل برلمانه بعد، الذي كان يفترض أن يعمل خلال الفترة الانتقالية التي تمتد ما بين عامي 2019 و 2022. وقد يمارس الاجتماع المشترك لمجلس السيادة العسكري ومجلس الوزراء المدني صلاحيات البرلمان لاقرار اتفاقية التطبيع، خاصة وأن الفصائل المدنية المعارضة للاتفاق لم تنظم احتجاجات ذات مغزى ضده كما أنها لم تنسحب من الحكومة، بالإضافة إلى مباركة حركة تحرير السودان، التي تعتبر أقوى فصيل من فصائل الجبهة الثورية السودانية المتمردة.

ويترأس حمدوك حكومة مدنية تم تشكيلها من خلال صيغة للشراكة مع القادة العسكريين، الذين يسيطرون فعلياً على البلاد. جاءت تلك الشراكة بعد توسط أميركي بريطاني سعودي إماراتي لابرام اتفاق لتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين، في أعقاب الاضطرابات التي جاءت بعد الإطاحة بالبشير عام 2019. وتدعم السعودية والامارات المجلس العسكري السوداني ورئيسه برهان، وقدمت البلدان للسودان في أعقاب الإطاحة بالبشير مساعدات مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وكانت السعودية والامارات قد ضغطتا على البشير لقطع علاقته مع إيران عام 2016 وقدمتا معونة مالية كبيرة للسودان في سبيل ذلك، وأجبرته على الغاء عقود مع تركيا وقطر لتطوير الميناء تم ابرامها في شهر آذار من العام الماضي. وتعتبر الامارات المستورد الأول لصادرات السودان من الذهب والسعودية المستورد الأول للمواشي.

السودان ذهب إلى التطبيع تحت وطأة ضائقته الاقتصادية تماما كما ذهب لبنان قبله إلى مفاوضات حول حدوده البحرية تحت عبء نفس الضغوط الاقتصادية تقريباً. وقد تذهب سوريا أيضا لمفاوضات مع إسرائيل في لحظة من اللحظات تحت ضغوط مشابهه. إن العديد من الدول العربية قد تكون الهدف القادم في استغلال انتكاساتها لاجبارها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل حسب تلك الاستراتيجية الامريكية والتي لن تتغير حتى وإن تغيرت الإدارة الحاكمة. وقد بات جلياً أن الدور الذي تأسس حلف دول الاعتدال من أجله مع إسرائيل وبرعاية أميركية في منطقة الشرق الأوسط لم يأت فقط لمحاصرة النفوذ الإيراني حسب ادعائهم، وإنما جاء ليرسخ وجود إسرائيل ومكانتها في المنطقة أيضاً.



#سنية_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن يهود الولايات المتحدة والانتخابات الرئاسية
- مفاوضات الحدود اللبنانية الإسرائيلية ...هل هي مقدمة لما هو أ ...
- هل اختلت معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ؟
- الانتخابات الأميركية...هل من مفاجآت!
- هل سيجلب انتخاب جو بايدن الجديد للفلسطينيين؟
- اجتماع الأمناء العامين... هل يمكن أن يشكل نقطة تحول؟
- انفجار بيروت: الجريمة التي وضعت لبنان على المحك
- الاستراتيجية الصهيونية للاحتلال في الضفة الغربية وآليات مواج ...
- خطوة الضم آتية ...ماذا بعد
- التباس العلاقة بين فتح وحماس
- إعلان بلفور أكبر جرائم هذ العصر
- الخيارات الفلسطينية المتاحة لمواجهة مؤامرات الاحتلال
- لماذا لم يعلن ترامب عن صفقته رسمياً من أمام الجمعية العامة !
- الشرارة الاولى تبدأ من المسجد الأقصى
- ‎اتفاقية أوسلو والنفق المظلم
- لماذا لم تلحق فلسطين بثورات الربيع العربي؟
- الفلسطينون يغيرون شروط اللعبه
- الاسلاميون والربيع العربي
- طبيعة الدور الإيراني في الشرق الأوسط
- مفاوضات عرجاء نتائج متوقعة وأخطاء متكررة


المزيد.....




- برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع ...
- إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه ...
- ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
- مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
- العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال ...
- اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
- هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال ...
- ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
- مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد ...
- موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سنية الحسيني - لماذا السودان؟