|
اللّاعنف.. المستحيل والممكن
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6717 - 2020 / 10 / 28 - 17:43
المحور:
الادب والفن
عبد الحسين شعبان في لقاء حواري مع «مؤسسة أديان»، بالتعاون مع الشراكة الدنماركية وتحت عنوان «الخطاب القيمي الإسلامي: من هوّية الجماعة إلى خير المجتمع»، كان السؤال الأبرز الذي شغل المشاركين واستحوذ على مجريات النقاش، هو: هل العنف ظاهرة إسلامية وعربية، أم أنه عنف كوني عابر للحدود، والبلدان، والأديان، واللغات، والقوميات؟ وهو جزء من ظاهرة لها أسبابها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والفكرية، والدينية، والتربوية، والنفسية. العنف وليد التعصّب الذي ينجب التطرّف، والتطرف إذا ما تحوّل إلى سلوك ودخل مرحلة التنفيذ يصير عنفاً، والعنف إذا ضرب عشوائياً يتحول إلى إرهاب، ولعلّ بعض من يمارس العنف للانتصار على الآخر، أو لتحطيم معنوياته، أو لإجباره على الخضوع، إنما يمارسه ضد نفسه أيضاً حين يسعى لتدمير الآخر فيكون قد لوّث ما تبقى من إنسانيته أيضاً. وإذا كان التاريخ يخبرنا أن القاعدة فيه هي للعنف، والاستثناء هي للّاعنف، لذلك فإن ثقافة اللّاعنف لا تزال محدودة، بل مشكوك فيها أحياناً، باعتبارها خياراً غير مقبول، أو غير واقعي، أو مهادنة، أو مساومة مريبة، وفي أحسن الأحوال خياراً متعالياً على الواقع، حيث يسود العنف، ويطغى على العقول والسلوك. والسؤال المحوري المطروح: هل تجدي مواجهة العنف بالعنف، والحقد بالحقد، والكراهية بالكراهية؟ وإلى أي حدود ستتوقّف مثل هذه المواجهة المفتوحة، بالفعل ورد الفعل ؟ وهكذا ستستمر اللعبة إلى ما لا نهاية وحسب جوتاما بوذا: إذا رددنا على الحقد بالحقد فمتى سينتهي الحقد؟ واللّاعنف هو مقاومة بوسائل ناعمة، ويمكنني القول: رذيلتان لا تنجبان فضيلة، وحربان لا تولدان سلاماً، وجريمتان لا تصنعان عدالة، مع معرفتي إن الدعوة للّاعنف تحمل استثناءات تقرّها القوانين الوضعية والسماوية، والمقصود بها «الدفاع عن النفس»، وهو عمل مشروع بكل المعايير. لقد أدلج ميكافيلي قبل خمسة قرون من الزمان «فلسفة العنف»، معتبراً «الغاية تبرّر الوسيلة»، وكان العنف لدى بعض التوجهات الأيديولوجية الشمولية نظرية عمل، ومنهج حياة. وإذا كنّا لا نستطيع التحكم في الغايات، لكننا يمكن أن نتحكّم في الوسائل، فالوسيلة هي مرآة الغاية التي تعكس صورتها الحقيقية، وجوهرها، ومحتواها، لأن الأخيرة مجردة، في حين أن الوسيلة ملموسة، والغاية تخص المستقبل، أما الوسيلة فتعني الحاضر، ويمكنني القول إن الوسيلة تمثل شرف الغاية. وعلى العموم، فالغايات متشابهة أحياناً، لكن طريق الوصول إليها والوسائل التي نعتمدها مختلفة، وأن مقياس اختبار شرف الغاية يتم عبر شرف الوسيلة، وهذه الأخيرة هي التي تعبّر عن الغايات، والأفكار، والمبادئ، الأمر الذي ينبغي أن يكون هناك تلازم عضوي بين الوسائل والغايات، أي أن الوسيلة تتوحّد بالغاية، ولا يوجد انفصال بينهما. إن الانتصار الحقيقي ليس بممارسة العنف للإطاحة بالخصم، أو العدو، بل في تحقيق الغايات النبيلة والشريفة بوسائل نبيلة وشريفة، أيضاً، وهكذا يصبح بديل العنف هو اللّاعنف، لأن العنف هادم وإقصائي، أما اللّاعنف فهو بناء ومقاومة بوسائل سلمية، وحسب مارتن لوثر كينج: «اللّاعنف هو قوة المحبة»، ووفقاً لغاندي فهو «القدرة على المقاومة وقوة الحق والتسامح»، ويرى نيلسون مانديلا أن «اللّاعنف يعتمد على الحرية، والعدالة، والمصالحة»، وكان تولستوي، وهو من روّاد اللّاعنف، يعتبره مساواة، وتسامحاً. وكثيراً ما قيل أن فكرة اللّاعنف هي منتج غربي، ومستورد، غير أنها ليست حكراً على أحد، بل هي منتج حضاري وعصري ومنجز إنساني يحتاجه البشر بغض النظر عن انتماءاتهم، وروّادها هم من المضطهدين بشكل عام، الذين يسعون لكسر جدران العزلة والانطلاق إلى فضاء التنوّع ومساحة الالتقاء، حيث تتلاقح أفكارهم في الدفاع عن الحق بقيم إنسانية مثل السلام، والتسامح. والعنف بقدر ما هو قضية فردية فهو قضية جماعية أيضاً، ودولية في الوقت نفسه. وتزداد حاجة مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى عقد اجتماعي جديد يتعهد فيه الجميع بعدم اللجوء إلى العنف، خصوصاً وقد استفحلت هذه الظاهرة في العقود الأربعة الماضية لأسباب دينية، أو طائفية، أو إثنية، داخليا، أو خارجياً، وذلك بمحاولة الاستقواء على الآخر وفرض الاستتباع، كما تعاني بلداننا تفاقم ثقافة الكراهية وعدم الاعتراف بالآخر أو حقه في التعبير وحروباَ أهلية وصراعات دينية، وطائفية، فضلاً عن تخلّف، وفقر، وأمية، من دون أن ننسى دور العامل الخارجي والتدخلات الإقليمية، والدولية، وما زالت النخب الفكرية والسياسية تعيش على تراث الحرب الباردة القائم على الإقصاء، والإلغاء، والتهميش، لذلك نحن الأشد حاجة إلى اللّاعنف. [email protected] • عبدالحسين شعبان عن الكاتب عبدالحسين شعبان أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدل والعقل
-
منتدى الثلاثاء الثقافي : التنوّع والتواصل والفضاء المعرفي
-
حين يغيب المشروع العربي تتصدر المنطقة ثلاث مشاريع هي: الصهيو
...
-
غاندي وروح الحقيقة
-
مجلة المستقبل العربي - الريادة والأفق
-
عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة الثا
...
-
عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة الحا
...
-
عن الفلسفة والدين
-
عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة العا
...
-
-اللحظة- الآسيوية
-
الدولة والدولانية في العراق إشكاليات منهاجية وعملانية
-
حكاية منصور الكيخيا والاختفاء القسري
-
المواطنة الحاضنة للتنوّع
-
40 عاماً على الحرب العراقية - الإيرانية: مصارعة على الطريقة
...
-
في معنى اللّاعنف
-
عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة ا
...
-
البوسنة وحرب القرون الوسطى
-
مع الدكتور جورج جبور: حين يكون المفكّر رجل دولة
-
ستة أنساق لثقافة اللّاعنف
-
عن الإرهاب وضحاياه
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|