|
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قرية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6716 - 2020 / 10 / 27 - 14:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ قد يقول قائل علام المشقة إذا كان الرجل قد رحل والأمر إنتهى ، غير أن هناك فئة مازالت من وقت لآخر تخرج وتطالب وتكرر وتنادي بضرورة الكشف عن مكان الذي دفن فيه العقيد القذافي ، وهذا على الأقل يستدعي استحضار الجهة التى قتلته وايضاً من كان يطالب بتصفيته سابقاً وكيف تمكنت القوى النافذة آنذاك ، تحديد تحركاته ، وهل كان تجاه الإسلامي حليف ساعتئذ مع حركة أمل اللبنانية ، وفي نهاية المطاف تم تسليم جثته لها ، كل شيء ممكن ، إذن التحليل يتيح للمرء التفكير على هذا النحو ، إذا صح التكهن بأن حركة أمل وضعت جثة القذافي في إحدى مستشفياتها التابعة لها ، بالتأكيد منذ ذاك اليوم تقوم باستدعاء الجثة وتستجوبها عن موقع الذي دفن به موسى الصدر مؤسس الحركة الشيعية المسلحة في لبنان ، إلا أن حتى الآن الجثة ترفض الإفصاح عن مكان الأخير ، وبالتالي على المطالبين بالجثة الانتظار حتى تنطق .
محاولة الاستجواب ليست بالسهولة التى يعتقد البعض ، لكن الجثة بالفعل لم تعد تتذكر من حياة صاحبها سوى ما أصدره من إنتاج فكري التى قد تلوح للوهلة الأولى للبعض التساؤل ، إذا كان المؤلف هو هو الحاكم والجثة هي هي الجثة ، فعلام فصلها ، لأن باختصار لسنا في أطوار تكرار المكرور إلى القارئ ، بل سيقف هذا العمود عند كتاب قد ألفه القذافي يوماً ما ، وقد يعتقد قارئ عنوان الكتاب ، أنه تاب عن تساؤلاته أو مواقفه أو جرأته المعتادة في تقديم النهفات ، بل كتاب القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء ، مجموعة قصص ب 126صفحة يتوقف عن فكر تبسيطي ، وبالتالي عادةً السطور تظهر خلفية الكاتب وايضاً إمكانيته العقلية في تبني الفكرة ومن ثم وضعها في سياق سردي قادرة على الوصول إلى الهدف من خلال تحريك شخصيات يصنعها ، في المقابل ، تكشف ايضاً الكتابة عن نوع السرد الذي يملكه كاتب الفكرة وايضاً عن مستوى قاموسه اللغوي ، لكن ما لفت انتباهي اولاً ، عدائية القذافي المبكرة للأحزاب الإسلامية السنية ، بل كان نقده للسنة النبوية واضح وخصوصاً للصحابي ابو هريرة الشهير بسعة حفظه وأكثر الصحابة روايةً للحديث ، لقد نعته بالكاذب ، على الرغم مِّن علاقته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التى شهدت تعاون في البرنامج النووي ومن ثم الانفتاح الكبير على حكومات الرئيس التركي اوردغان ، وبالتالي التناقض يندرج في سياق خوفه من وصول الاحزاب العربية الإسلامية للحكم ، لهذا سعى بالتنكيل بها على مرّ تاريخ حكمه التى كانت ردة فعلها مشابها ، لكن الأهم في قراءة إنتاجات القذافي الفكرية ، هو الوصول القارئ لنتيجة لا لبس فيها ، أنه بلا أدنى شك صاحب خواطر فريدة ، لكنه أخفق كما في كل شيء أن يتحول إلى مفكر مقنع ، بالرغم للأموال التى وظفها وأنفقها على ذلك ، لأنه لم يستطيع استكمالها للآخر ، تماماً كما كان الحال مع جميع مشاريعه في السلطة ، المشروع القومي العربي وبرنامج النووي والاتحاد الأفريقي والبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ومقارعة الأمريكان ، وهذا يلاحظه القارئ في كتاباته ، بدايةً يشعر برقي القصة وجمالية الخيال ، وفجأة تتدخل مواد افسادية تفسد الحكاية من أولها لآخرها ، وبالتالي يعيش القارئ بين الدلالة والحجة وايضاً الارتباك والضياع ، إلا أن في المحصلة لا يمكن انكار امتلاكه للخيال ، لكن يبقى كتابه يفتقد إلى قاص محترف ، بالفعل هناك خواطر لكن بتاتاً ليس بكتاباً ، وبالتالي عندما يشير على سبيل المثال عن حبه للقرية وعبث الإنسان في المدينة ، كأنه يدين نفسه ، لأنه كان هو المسؤول عن بناء العاصمة وهو الذي جاء من الصحراء أو القرية ، وبالتالي ينطبق عليه المثل البريطاني الشهير ، خرج من القرية لكن القرية لم تخرج منه ، بل في إعتقادي الشخصي ، فقد الجهتين تماماً كالاغلبية .
فالرجل كما هو مولعً في إطلاق تصاريح لافتة ، أيضاً هو مولعً في إلهاب الوعي الشعبي بقصص خاصة ، حيث تساءل القذافي عند جنس الموت وايضاً ما ينبغي فعله بعد الاستقرار في جهنم ، تماماً كما تساءل محي الدين بن عربي عن حياة البرزخ ، أهي حياة جديدة وفرصة أخرى للإنسان ، وهنا حاول التفرد بجهنم كقائد نيابةً عن الشعب لكي ينعم الآخرين بالجنة وبعدها تساءل عن الموت ، أهو ذكر أم أنثى وهل سيحفظ قانونية الأشياء كما هي وحقائقها ، ومن ثم وضع معادلة حقاً خيالية ، ليس من السهولة أن تخطر على بال إنسان عادي بل لا بد أن يكون صاحبها كئيب لدرجة كبيرة لكي يستطيع توظيف الكئابة إلى خاطرة مع تأكيدنا من نقصانها ، يقول بالحرف ، إذا كان الموت ذكر لا بد أن تقاومه حتى النهاية وإذا كان أنثى ينبغي الاستسلام لها حتى الرمق الأخير مع إبقاء الذهن حاضر لكي يضع خطط للهروب من جهنم .
تعلمنا الرواية بصفة عامة ، أن هناك نوعان لحبكتها ، الأول يذهب من المدينة في رحلة وأخر قادم إلى المدينة ، وبالتالي كتابة الرواية تكمن في قدرة كاتبها على صنع شخصيات وإدارتهم ، لأن الكاتب لا يصف فقد المكان بل يصف الإرادة ، وهذه الشخصية المركزية هي المكون الأكثر أهمية في أي نسيج درامي ، وهنا يسأل القاص نفسه ما هو الهدف من احضار الشخصيات في الحكاية ، فإذا كان القذافي هو الشخصية المركزية في كل عمل كان ينوي تحقيقه ، والذي جعل منه جاذب للمستمع أو المشاهد ، إذن الخلاصة تشي عن تطابق تام لكل حكاية افتعلها في كتاباته أو في حكمه ، باختصار شديد لم تتحقق ، لأنه لم يكن كاتباً كاملاً ، بل تحولت خواطره وأفكاره إلى مجرد مسرحيات كوميدية ، تماماً كما هي حكايته مع منظمة الوحدة الأفريقية التى ترأسها عبدالناصر وحاول أن يجعل منها جدار منيع امام محاولة الاستعمار المتجدد بالعودة ، إلى استنزاف مقدرات ليبيا النفطية مقابل تاج وعصا من ذهب ولقب ملك ملوك أفريقيا .
تنقسم البشرية في شخصيات ثلاثة ، شخصية قدرية مطواعة إلى القدر دون التفكير بالكون والمخلوقات وأخرى تتفكر ولديها القدرة على بلورة خواطر لكنها عاجزة عن تطويرها وتحقيق أهدافها ، أما الأخيرة فهي تعتبر إرادية ، ترغب بمعرفة كل شيء وتتوقف عند كل شاردة وواردة وهذه تحديداً تستطيع بسهولة صنع رواية واستكمال حبكتها بالكامل ، بل بالعودة السريعة لكتاب القذافي ، عندما جاء على رجل الفضاء المنتحر ، كأن أراد أن يقول ، لقد أنتحر بعد اكتشافه للكمين الذي صنعه بنفسه ، فالخيال المتحول لواقع ليس بضرورة دائماً كنزاً ، بل ربما يحمل على الأغلب كمين ، تماماً كالغرفة المعتمة .
في إعتقادي وهكذا أرجح ، الأغلبية التى قرأت أعمال القذافي الفكرية ، ستخرج بأنه يملك الخاطرة ، لكن السؤال لماذا لم يتطور ويصبح قاص ، وهذا بتقدير يعود لأنه أنتقل من كآبة القرية إلى قوة السلطة في المدينة ، وكما عودنا الأدب ومجاله ، أن أهم الأفكار أو النظريات العلمية صنعها المكتئبون ، بل أبلغ الروايات العالمية والتى خطفت قلوب البشرية كانت كُتبت بأقلام المكتئبون ، وهذا ايضاً ينطبق على الرسام العالمي فان جوخ والموسيقار وحافر النوتات بيتهوفن ، بل إذا عدنا للروايات سنجد أجودها كُتبت بقلم المكتئب كافكا ، وبالتالي عُرفت العقول المبدعة بنشاطها الذي يتغذى على الآلم الشخصي وعذابات الآخرين ، حتى لو كانت قصيرة لكنها تعتبر نافذة ومدخل لخبرات متعددة ومتنوعة ، وهنا قد يتساءل المرء عن إزدواجية القذافي ، التى أربكت المراقب اولاً قبل الناس العاديين ، فأسلوبه في طرح المسائل ومضمون المطروح ، بالتأكيد بينهما فارق عميق ، لأن المبدع لا يتوقف عن التساؤلات ولا يسمح لأي شيء يمرّ دون التوقف عنده ويقلبه ويتفحصه ، بل يمتهن المبدع بتدويره للأشياء في عقله ومن ثم يجعلها كلها مرئية من زاويا أخرى ، وهذا تماماً هو الفارق بين المكتئب الذي يمكن أن يصل الاكتئاب به للجنون وبين المبدع المكتئب ، الذي عادة لا يتعلق بالأمل .
أخيراً ، المبدعون أكثر فئة معرضون للاكتئاب ، لكن القذافي حاول أن يجمع بين القرية الكئيبة والسلطة المفرطة ، وهذا الجمع يكشف عن حقيقة مركزية ، بأن الاكتئاب لا يأتي بالإبداع ، لأن بإختصار ، الإبداع والاكتئاب ، هذه الثنائية وحدها التى تدفع المبدع بالاستمرار للوصول ليكون نموذجاً وقدوةً . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
-
واحة الإحساء ...
-
أخطاء من الصعب تصحيحها ...
-
الرئيس ترمب والعالم ...
-
وكالة سي آي أيه CIA نقلت البشرية بخفة من التملك الطبيعي إلى
...
-
أنه يحدث كل يوم ...
-
ماذا يحتاج الأردن في ظل محيط يغلي غلي ...
-
الاعتماد على قصور الناس للإدراك ، من حرق سوريا ...
-
موليير الفرنسي وموليير العربي ابن البلد ...
-
تونس فرصة العرب في التجديد ...
-
لبنان في العناية الفائقة ...
-
بروكرست والأسد ...
-
قتلة الجزائر / ثوريون ووطنين لكنهم مضطربون نفسياً ...
-
نعم للصلح ولا للتفاوض ونعم للاعتراف ...
المزيد.....
-
إعلام فلسطيني: 21 قتيلا على الأقل بقصف إسرائيلي استهدف مسجدا
...
-
طلاب المدارس العامة الأمريكية متخلفون عن الركب
-
من ميشيغان للنبطية.. قصة أميركي من أصل لبناني ضحى بحياته لمس
...
-
إعلام فلسطيني: 19 قتيلا على الأقل بقصف إسرائيلي استهدف مسجدا
...
-
شهداء في غارة إسرائيلية على مسجد وسط غزة
-
-السبلينترنت-.. كيف -غزت- روسيا منصة ويكيبيديا؟
-
كيف تنعكس التوترات في الشرق الأوسط على الولايات المتحدة مع ا
...
-
10 سنوات تأسيس على التحالف الدولي ضد داعش
-
عشرات القتلى والجرحى في غارات إسرائيلية على مناطق بغزة
-
وزيرا خارجية السعودية وأميركا يبحثان ملفي لبنان وغزة
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|