|
جورج لوكاتش - مشكلات نظرية الرواية
صلاح السروى
الحوار المتمدن-العدد: 6713 - 2020 / 10 / 24 - 08:21
المحور:
الادب والفن
ترجمها عن المجرية: د. صلاح السروي
هذا النص: كتبه "جورج لوكاتش" ضمن مجموعة من الدراسات، والمقالات، والمناقشات، بين عامي (1930، و1945). ونشرت جميعها في كتاب بعنوان "كتابات جمالية" باللغة المجرية في بودابست عام 1982، عن دار "كوشوط لنشر الكتب"، وهي الطبعة التي اعتمدت عليها في الترجمة إلى العربية. وهذه الدراسة، في الأصل، كانت محاضرة ألقاها لوكاتش في المناقشة التي نظمها (معهد الفلسفة الأكاديمي الشيوعي) في موسكو عام 1934، ثم نشرت بعد ذلك -لأول مرة- في مجلة (النقد الأدبي)، العدد الثاني عام 1935، في موسكو، ثم نشرت بعض أجزائها الهامة في مجلة "نظرة الفلسفة المجرية" في بودابست عام 1975، في عددها الأول والثاني، ثم نشرت كاملة لأول مرة باللغة المجرية في مجلة "تاريخ الأدب" عام 1976، العدد الأول، تحت عنوان "محاضرة جورج لوكاتش عن الرواية". أما النص المجري، الذي أخذت عنه في الترجمة إلى العربية، فإنه يعتمد على الأصل المخطوط "بخط اليد" للوكاتش بالألمانية تحت عنوان "referant uber den roman".
نص جورج لوكاتش: "مشكلات نظرية الرواية" تعتبر "الرواية" النوع الأدبي الأكثر نموذجية بالنسبة للمجتمع البرجوازي. واذا كانت هناك كتابات شرقية، أو في العصور الوسطى، أو حتى في العصر القديم (الكلاسيكي).، تشير إلى وجود خطوط قرابة مع الرواية، فان الملامح المعروفة للنموذج الروائي لم تظهر إلا في المجتمع البرجوازي. من ناحية أخرى فإن التناقضات الخاصة بالمجتمع البرجوازي (الرأسمالي) تم تصويرها في الرواية -تحديدًا- على نحو أكثر وضوحًا واتساقًا. ومن هنا فإن تناقضات المجتمع الرأسمالي هى التى تمنحنا المفاتيح اللازمة لفهم الرواية. سواء، باعتبارها حكاية كبيرة، أو باعتبارها التصور المحكي للكلية الاجتماعية (الشكل المقابل للملحمة). لقد كان أول شكل للتصوير الكامل للمجتمع هو تصوير "هوميروس"، حيث كانت لا تزال الوحدة البدائية للمجتمع العشائري مؤثرة بقوة، باعتبارها المضمون الاجتماعي، الذى يقوم بتحديد طبيعة الشكل (الأدبى). فأصبح هذا التصوير (تصوير هوميروس) أحد أقطاب التطور في الحكاية الشعرية الكبيرة، بينما أصبح القطب الثاني متمثلا في الشكل الفني النمطي للرأسمالية، وهو الرواية. ان اعتبار "الرواية" تعبيرا عن آخر المجتمعات الطبقية، التى وصلنا اليها، في هذه المقابلة، يمكننا من قراءة قوانين الشكل الروائي بثقة ووضوح أكبر. في هذه المقابلة أيضًا يمكن الوصول، بوضوح أكثر، إلى المشكلات الاجتماعية المحددة للشكل الملحمى وللشكل الروائي (أو ما يمكن تسميته ب"ملحمة العصر الحديث") بشكل حاسم ونهائي. وبما أننا نتحدث هنا عن التقابل بين الرواية والملحمة باعتباره القضية الأساسية، فإن من الضروري أن نلج إلى تحديد طبيعة هذا التقابل، مع بحث الاستنتاجات المستخلصة منه. من هذا التقابل ذاته (بين الملحمة والرواية) تنطلق الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، التي تناولت قضية الرواية على نحو أكثر عمقًا ووضوحًا من باقي النظريات البرجوازية. إن "هيجل" يعتبر أن التقابل بين الرواية والملحمة تقابلا بين عصرين في التاريخ العالمي، ويغوص إلى العمق البعيد في ملاحظة الصيغ التي ظهرت بها. بيد أنه ظل - باعتباره مثاليًا - غير قادر على التعرف على أسباب تناقضاتها المادية والاجتماعية. إن اختلافهما عند "هيجل" هو الاختلاف بين الشعر والنثر. وهذا أيضًا ليس تناولًا شكليًا ولا خارجيًا. إن العصر الشعري (الملحمي) –حسب هيجل- هو عصر النشاط الفردي والاستقلال الذاتي للإنسان، هو عصر "البطولات". وبجانب هذا (فيما يتعلق بخصائص العصر البطولي) فإن هيجل لا يفهم المسألة على أنها مجرد بطولة بالمعنى البسيط. وإنما يفهمها، تحديدًا، على أنها تعبير عن الوحدة البدائية للمجتمع، وغياب التناقضات بين الفرد والجماعة. الأمر الذي يوفر إمكانية مطلقة للبناء الإبداعي "الهوميروسي"، من صياغة وتصور للأخلاق... الخ. إن ملاحم "هوميروس" تصور حرب المجتمع، وهذه لم يتيسر أبدًا، بعد ذلك، بلوغ حدها الأقصى، من حيث الحياة الفردية. تحديدًا، في بنائها المؤسس على وحدة الفرد والجماعة. إن شاعرية ملاحم "هوميروس" تتأسس، في قيمتها الجوهرية، على غياب التقسيم الاجتماعي للعمل. فأبطال هوميروس يعيشون ويتصرفون في عالم لا تزال الأشياء تقوم فيه بحماية شاعرية الوجود المستحدث والذي يعاد إنتاجه. إن هذا عصر الطفولة الإنسانية كما يقول "ماركس"، بينما هو عند هوميروس عصر طفولة "عادي" تمامًا. إن هيجل يتناول الفن باعتباره احد سمات التطور البرجوازي الحديث في صيغة ليست شكلية ولا تجريدية. وحينئذ تقف الفردية –من جانب- في مواجهة قوى مجردة. وأثناء هذه الحرب لا يمكن أن تتواجد صراعات ذات طابع شعري، ومن جانب آخر فإن الواقع اليومي للإنسان كان بسيطًا وفارغًا، من التعقيدات إلى حد بعيد. بحيث أن الحياة كانت تؤثر في كل سمو شعري حقيقي – ولكن باعتبارها جسما خارجيا فقط، حيث أن "هيجل" يعتبر أن تقسيم العمل الرأسمالي هو الأساس المادي للنثر في العصر الحديث. ولكن هذا الاعتراف يأتي جزئيًا، من ناحية، ومن ناحية أخرى، يتم بطريقة مشوهة. فهيجل بالطبع لا يعلم أن وراء هذه التناقضات –التي يتم رصدها من خلال الرواية - (ملحمة البرجوازية) يتواجد جوهر هذه التناقضات. وذلك باعتبار أن الرواية هى الشكل الأكثر قدرة على التعبير عن تناقضات الحياة الحديثة،- لا يعلم أن وراء هذه التناقضات يقف التناقض بين الإنتاج الاجتماعي والملكية الفردية. حيث يقف هيجل عند وصف شكل ظهور التناقض الملموس بين الفرد والمجتمع. إن ما يحدد مضمون الرواية، إذن، في مواجهة الملحمة، هو أن هذا المضمون يرصد الحرب الدائرة داخل المجتمع (التشديد من لوكاتش- المترجم). إن المعرفة الصحيحة للأسس الاجتماعية لأي من الشكلين (الملحمة، والرواية) يؤدي تلقائيًا إلى معرفة خصائصهما وشروط بنائهما الجوهرية المجردة. فالتصوير المكاني للحدث (التشديد من لوكاتش- المترجم) أمر مشترك في كلا الشكلين. لأن تصوير الحدث، فقط، هو الذي يمكنه أن يفضي إلى التعبير – الذي يمكن متابعته شعوريًا - عن الجوهر الخفي الآخر للإنسان. وفي الحدث، وحده، وعن طريقه، يمكن إبراز نوعية البشر، في ضوء وجودهم الاجتماعي، وكيف يختلفون بشدة عن ما يتصورون أنفسهم عليه. إن خصائص الشروط الاجتماعية، المواتية أو غير المواتية، بالنسبة للعمل النثري الضخم، إذن، انما تقدم نفسها، بصورة أولية، في صيغة السؤال التالى: الى أي مدى يمكن ان تشكل هذه المادة، التي يقدمها المجتمع إلى شاعره، حدثا حقيقيا. إن تاريخ الملحمة هو تاريخ هذه الحرب البطولية المنتصرة على مختلف الجبهات، تلك الحرب التي تدور من اجل إنجاز صياغة شعرية، معادلة للخصائص المحيطة بالحياة البرجوازية الحديثة. من حيث أن وحدة "حياة الفرد والجماعة"، هي أساس روعة وعظمة شعر ومجتمع العصر القديم المبكر. فالتصوير الواقعي لمعاناة الفرد يرتبط، على نحو مباشر، بالمشكلات الرئيسية للجماعة. بينما يغيب هذا الارتباط المباشر (بين معاناة الفرد والمشكلات الرئيسية للجماعة – المترجم) عن واقع المجتمع الرأسمالي الحديث. ولذا فمن الضروري لمبدعي الأعمال الروائية العظيمة أن يتعمقوا بشكل كامل في البحث عن الأسس الاجتماعية للسلوك الفردي، ولابد أن يقوموا باظهار هذه الأسس، عبر كل الوسائط المختلفة. من حيث كونها سببا لمعاناة الافراد الواضحة، وتحديد المكونات الفردية، لأشخاص محددين. ولابد أن يعيدوا، شعوريًا، الارتباط الاقتصادي والاجتماعي، القائم فعليًا، إلى مكانه بين "الذرات" الاجتماعية المتباعدة، والتي تبدو "ذرات"، من الناحية الظاهرية، فقط. إذا أمنوا بأنه من الواجب عليهم أن يناضلوا من أجل مجد جديد للرواية، "مجد مادية المجتمع البرجوازي" (ماركس). إن المشكلة المحورية للشكل الروائي انما تكمن فى أن العثور على الحدث المحكي يتطلب بالضرورة معرفة مناسبة للمجتمع البرجوازي. وهو ما يتطلب، من ثم، شيئًا لا يمكن بلوغه، من الناحية المبدئية، في تربة الوعى البرجوازي. ومن هنا يمكن الاقرار بأن المادية الجدلية، ورؤيتها البروليتارية للعالم، هي الأكثر قدرة على المعرفة الصحيحة والأكثر شمولًا، لوجهي حقيقة المجتمع الرأسمالي، باعتباره آخر المجتمعات الطبقية الراهنة، وأيضًا هي الأكثر قدرة على معرفة أن التقدم الاجتماعي، لا يمكن فصله عن انهيار الأوضاع الاجتماعية الإقطاعية أو البطريركية.. الخ. ولا عن الانطلاق الثوري الذي تحققه قوى الإنتاج المادي. ولا عن الانحطاط العميق الذي يصيب البشر في أنماط الإنتاج المشابهة، على يد التقسيم الاجتماعي للعمل (عضلي وذهني، مدينة وقرية.. الخ)، الذي يمثل أساس هذه الأنماط الإنتاجية. فيصبح على كل مفكر برجوازي، أو حتى على كل شاعر، أن يتناول الوجهين المتلازمين للرأسمالية باعتبارهما مشكلة اختيار. فيفضل احد عناصر العملية الواحدة المليئة بالتناقضات، عن جزئها الآخر. وبشكل أو بآخر، عليه أن يجعل هذه العناصر متقابلة، على الرغم من تداخلها، ثم ينحاز إلى جانب أحد العناصر التي تم فصلها بشكل مصطنع. أو أن يحول التقدم إلى أسطورة، أو أن يناضل ضد انحطاط الإنسان بشكل رومانتيكي أحادي الجانب، أو أن يأسف عليه. ومما يزيد الأمر صعوبة أن كبار شعراء عصر صعود البرجوازية، دون استثناء تقريبًا، يسعون إلى بلوغ الحالة الوسطى (mittelzustand) والتوفيق بين الاتجاهات المتطرفة، والمتناقضة. فالاتجاه العام للأيديولوجيا البرجوازية يعبر عن نفسه بوضوح اكثر، في مجال الصراع حول الرواية، في قضية "البطل الإيجابي". من حيث أن كبار كتاب الرواية يحرصون، عند العثور على الحدث، على أن يكون متطابقًا مع وضع مجتمع عصرهم. ويختارون، بطريقة مشابهة، البطل، بحيث يكون شخصًا يحمل في ذاته الملامح النموذجية للطبقة البرجوازية. وفي الوقت نفسه، يحرصون على أن يبدوا هذا البطل، الراغب في مصيره والمتقبل له، إيجابيًا. وبنفس بساطة هذه القضية (قضية البطل الإيجابي) بالنسبة للُكتاب المشعوذين العاميين المتأخرين، (وبساطة الحلول التي قدموها أيضًا بما يتناسب مع ذلك)، فإن الأمر يبدو في غاية الصعوبة، بل غير قابل للحل، بالنسبة لكبار كُتاب الرواية البرجوازيين الجادين. إن شرعية تطور المجتمع الرأسمالي، وغالبًا الاستحسان الثوري لهذا التطور، يحرضهم على خلق البطل الإيجابي. ولكن التحليل النزيه، البعيد عن "التمائم"، في الوقت نفسه، الذي يقومون به لتوضيح تناقضات التطور الرأسمالي ومخاطره، ومن بين ذلك انحطاط الإنسان، يذهب بإيجابية الأبطال أدراج الرياح. ومن ثم يسعون، بوعي، إلى الخلط، وخلق "الحالة الوسطى"، وحل التناقضات المعروفة لديهم في إطار النظام الرأسمالي. إن هذا الحل ينطق بالإفلاس بالضرورة. وبما أنهم يصورون التناقضات الملحوظة للنهاية بشجاعة لا تعرف الخوف، فى الوقت ذاته، فان ذلك يبعث على تكون شكل روائي متناقض غير سوي (paradox) أو ليس شكلًا روائيًا كاملًا (unvollendete)، بالمعنى الكلاسيكي. حيث تكمن عظمته الفنية تحديدًا في أنه يصور ويعكس فنيًا تناقضات آخر المجتمعات الطبقية، في شكل يتناسب مع هذه التناقضات. "إن الكاتب المتمكن يبزغ من بين سماء التناقضات الحديثة والهامة"، (ماركس). إن هذا الطريق، الضروري لتطوير الرواية، يشرح أيضًا، عجز التطور البرجوازي عن إيجاد نظرية صحيحة للرواية. لقد تجاهلت طبقية النظام البرجوازي، ذات الإطار الكلاسيكي (في قرنها الأول) الخصوصيات المحددة للرواية. من حيث أن كتاب الرواية الكبار (فيلدنج Fielding، سكوت Scotte ، جوته Goethe، بلزاك Balzak) وعلماء الجمال الكلاسيكيين الألمان، وقبلهم جميعًا "هيجل"، يعترفون الآن بمجمل المحددات التاريخية والجمالية الأكثر جوهرية للرواية. بيد أن معارفهم، تلك، تصطدم، هنا، بصورة واضحة، بالعديد من المعوقات، ويمكن أن نلاحظ ذلك بجلاء فى طريقة فهمهم للرواية. حيث نستطيع أن نجد هذه العوائق في تجارب كبار ممثلي الرواية، من هؤلاء. فهيجل يعترف، بصورة واضحة، بأن الرواية تُفضي إلى نهايتها بالضرورة، بسبب توافق البطل مع المجتمع البرجوازي. وهو بذلك، يشير بجرأة أخلاقية، إلى الجانب البائس لهذا التوافق، ولكنه لا يقوى على الصياغة الفكرية للديالكتيك الكامن في الأعمال الفاشلة لكبار كُتاب الرواية، أو عظمتهم التي اكتسبوها على الرغم من إرادتهم، أو النتائج التي حققوها، عندما كان قصدهم الاعتراف بالخيبة. يحدد فيلدنج وبلزاك واجبات كاتب الرواية، بأن عليه أن يكون "مؤرخ الحياة الخاصة". حقيقة، أنه بفضل هذا الاتجاه، بالتحديد، أصبح على الكتاب أن يعيدوا إنتاج المُحددات البارزة في المجتمع البرجوازي، بعمل رفيع المستوى. وأن يتجاوزوا النثريات، عديمة الأهمية، للحياة البرجوازية اليومية، بوعي فني كامل، في تصويرهم للأخلاق والظروف، وفي تشكيلهم للمعاناة، وبنائهم للحدث. وليس "للنمطي"، في حالة كبار الكُتاب، أية علاقة بالعادي، سواء عند تصوير الأخلاق أو الحدث. وإنما على العكس فإن "النمطي" هو التناول الساخن للتناقضات الكامنة في، والمنبثقة من، الأوضاع المتطرفة والأخلاق المتطرفة. إن مجد مادية المجتمع البرجوازي، على وجه الحصر، يمكنه أن يتوصل إلى التعبير عن نفسه، بالشكل المناسب، من خلال هذا التطرف المتزايد. ومن ثم كان على كُتاب الرواية الكبار، أن يعتمدوا إلى أن يمثلوا، بشجاعة، واقع التناقضات الاجتماعية، التي تتجلى في نماذجها المتطرفة. في مواجهة مع الامكانيات المحددة للأخلاق والأحداث اليومية البرجوازية العامية. إن واقعيتهم تتأسس على أنه ينبغى عليهم الوقوف، بشجاعة، عند التناقضات، وابراز حقيقة محتواها الاجتماعي. وتعد الوسيلة الفنية المثلى، لديهم، فى هذا التصوير، هي واقعية التفاصيل. وعندما وضع تطور البرجوازية العام النهاية لـ"البحث غير الشخصى" و"الفحص العلمي المحايد"، وأحل محلهما "النوايا السيئة وتمائم المعرفة الروحية الزائفة" (ماركس)، فإن الرواية، (هنا) أيضًا تجسد نهاية الواقعية. إن الخسارة لا يمكن أن تعوضها أصدق الأعمال لأكثر الُكتاب أهمية، ولا حتى الدقة المتزايدة لرصد وإعادة إبراز التفاصيل الواقعية، فالخصائص المحبطة للحياة البرجوازية، بالنسبة للأدب والفن، تتضح، بجلاء، في تطور الرواية. وبهذا نكون قد دلفنا إلى القضية الرئيسية الثانية، قضية تقسيم الدورات periodizacio . فإذا كانت الدراسة الماركسية لأي نوع إبداعي، لا يمكنها إلا أن تكون مرتبطة بالمنظومة التاريخية، فإن رؤيتنا، المنبثقة عن المحددات الجوهرية للرواية، قد بُنيت، من البداية، على أساس دراسة تاريخ المجتمع. وقد بحثنا الرواية، باعتبارها نوعا إبداعيا، على أساس الرؤية الماركسية للتاريخ. ولهذا فإنه، في هذا الإطار، لا يمكن تقسيم الفترات الرئيسية للتطور الداخلي للرواية، إلا على أساس معرفة الفترات التاريخية الكبرى لتطور الطبقات والصراع الطبقي. وهنا أيضًا لابد ان يكون طريقة البحث مرتبطة بالمنظومة التاريخية، وليست تجريبية ساذجة. لأنه، بدون ذلك، تستحيل معرفة تفاوت التطور في هذه المنطقة. فبالقدر ذاته، الذي يتعين علينا أن نرى ثورة 1848 ، مثلُا، باعتبارها إحدى نقاط التحول الرئيسية في تاريخ الرواية، فإنه لابد أن يكون واضحًا، لدينا، أن الأمر يتعلق بتطور بلدان أوربا الغربية، التي تأثرت بنقطة التحول (1848) تلك. وأن روسيا قد عاشت (مع اختلاف الظروف) في 1905 مرحلة تحول، في كامل تطورها الاجتماعى، مشابهة لما تم في أوربا عام 1848. بالتالي فإن ملامح عديدة للرواية الروسية فيما قبل 1905 تتناسب مع الرواية الأوربية في مرحلة ما بين 1789 و 1848 . بينما لا تتناسب مع التطور الأدبي الغربي، فيما بعد 1848 . وهكذا يتضح تلقائيًا أنه لابد عند هذا التحديد أيضًا أن ننتبه الى التطور اللا متكافئ بين الأدبين: فالتطور الأوربي يؤثر في، ويصوغ، نظيره الروسي. بل إن تأثيره لدى بعض كتاب الرواية قد بلغ درجة بالغة القوة. وهنا سوف نحاول التعرض للفترات التاريخية، المحددة لتطور الرواية على نحو إجمالي تمامًا. مع مراعاة أن الدراسة المنتظمة للخطوط المشتركة لهذه المراحل، تتضرر بشكل ملموس بهذا الاختصار. تحديدًا، فيما يتعلق بحتمية مراعاة التطور اللا متكافئ الواضح (الذي تحدثنا عنه أعلاه- المترجم)، والذي لا يجعل التقسيم التاريخي للدورات per iodicacio الأدبية مستحيلًا، على الرغم من اعتراضات التاريخيين. وإنما يقوم الوعى بهذا التطور اللا متكافئ، ديالكتيكياً، بعملية إغناء وتصويب مهمة. بهذه التحديدات ندلف إلى تعريف المراحل الرئيسية، بشكل هيكي تمامًا، يكاد يكون بأسلوب تلغرافي. 1- الرواية.. فترة تكون المجتمع البرجوازي: لقد حارب كُتاب هذه الفترة العظام (رابلايس، سرفانتس) ضد استغراق الإنسان في عبودية العصور الوسطى في المقام الأول. إن أفكار المجتمع البرجوازي، الآخذة في التكوين، على نحو محدد (على سبيل المثال: الحرية الفردية) لا تزال تسترشد بمجدها الذاتي، المنشود في الأوهام، التي أصبحت حقًا تاريخيًا. ولكن سرعان ما أخذت تناقضات المجتمع البرجوازي في التفجر، إنه "نثر" الحياة وما أشبه. فلقد شن الكُتاب العظام، وخاصة سرفانتس، حربًا مزدوجة ضد امتهان الإنسان، قديمًا وحديثًا، على السواء. فكانت السمة الأسلوبية المميزة لهذا العصر هي الواقعية الخيالية reolista fantaztikn. بينما تعد واقعية التفاصيل، هنا، نوعا من التعبير عن اقتحام عناصر غير معترف بها plebejus بعدة مكونات، شكلية وموضوعية، مأخوذة عن العصور الوسطى. فالحدث والأخلاق، على السواء، بجرأة ووضوح، يتجاوزان الواقعية المعتادة، ويتقدمان عليها، محتفظين بحقيقتها الاجتماعية الداخلية، إلى الخيال fantasticum. وسيبقى تأثير الواقعية الخيالية، من الناحية الأسلوبية، ممتدًا إلى العصر التالي (سويفت swiftL، فولتير Voltaire).
2- اقتحام الحقيقة اليومية: عصر التراكم الأولي. من حيث أن التطور الحاسم في إنجلترا يصل إلى نهايته (ديفو defo، فيلدنج fielding، سمولت smoltt، وآخرون). فاذا بالأفق الخيالي الخلاب الفسيح، يضيق الآن. وتأخذ الحكاية والأخلاق أيضًا فى التحول الى أن يصيرا واقعيين، بالمعنى الضيق للكلمة. فالبرجوازية التي وصلت إلى السيطرة الاقتصادية، تحرز حقها في جعل مصيرها الطبقي الخاص مادة حكائيه كبيرة، كما هو قائم بالفعل. ولهذا فإن المبادئ التقدمية الإيجابية للبرجوازية، تكتسب تأكيدًا، في هذه الفترة، أكثر منه فى أي مرحلة أخرى من مراحل التطور. ولذلك كثيرًا ما قام، هؤلاء الكتاب، بأكثر التجارب فاعلية، لخلق البطل البرجوازي "الإيجابي pazitiv". ولقد كان ناتج هذه التجارب، في أقصى درجاتها، هو اكتشاف معوقات مؤكدة أمام هؤلاء الأبطال. حيث لا تزال حرية التصوير وشجاعة النقدالذاتي، تتحقق هنا أيضًا. وهو ما يجعل أبطال هذه الفترة "الإيجابيين"، من غير الممكن احتمال تصور وجودهم في القرن العشرين (ثاكري thakeray، عن توم جونز tom jones، لفيلدنج fielding). فالاستحسان الذي قوبلت به الخصائص التقدمية، للتطور البرجوازي، لم يحل دون أن يبرز كُتاب هذه الفترة حقيقة الفظائع، الناتجة عن اكتمال التحول البرجوازي، خلال فترة التراكم الأولي. ومن وجهة نظر الرواية فإن تناقضًا خصبًا يكمن، تحديدًا، في هذه الأشكال، ولا يمكن حله. وهذا التناقض هو الذي يتراوح بين فظائع الظواهر التى يتم تصويرها، والتفائل العميق للطبقة الصاعدة (ديفو defo). إن صراع البرجوازية من أجل تسييد نمط حياتها الخاص، في الأدب، انما يخلق، في الوقت نفسه، هذه الرواية (كامب فرومان kampfroman) التي تقاتل من أجل حقها في الممارسة، ومن أجل "الفردية"، في مواجهة التقاليد الإقطاعية المتحجرة (ريتشاردسون Richardson، روسو resseau، وفارتر werther). إن هذه الفردية التي تمثل اتجاهًا تقدميًا، بل ثوريًا صداميًا، تقود، في الوقت نفسه، إلى النسبية الذاتية للشكل الروائي، وإلى انهياره أيضًا. ( شتيرنه sterne).
3- شاعرية عالم الحيوان الروحية: إنه عصر تناقضات المجتمع البرجوازي، التي جاوزت حد التفاقم، بينما لم تحظ البروليتاريا، بعد، بوضعية مستقلة. فلقد حفرت الثورة الفرنسية قبر "وهم البطولة الذاتية" (ماركس) لدى المفكرين الأيديولوجيين، الممثلين للطبقة البرجوازية. والآن يظهر نثر الرأسمالية، فى حالة كاملة التطور. تظهر الرومانتيكية كتيار عالمي مهم. بيد أن الرومانتيكية، من ناحية، تقاتل ضد الرأسمالية، عن موقف الأشكال الاجتماعية البائدة، ومن ناحية أخرى، فإنها في نفسها، وبدون ان تعلن غالبًا، تقف على أرضية الرأسمالية. إنها الحرب الايدلوجية الفردية – المثالية، والتي ولدت جاهزة، لتُشن ضد الرأسمالية، التي تم قبولها باعتبارها قدرا. وبذلك فإنها تسطح تناقضات الرأسمالية، تلك التي تريد تعميقها، تحديدًا، وتخلق مشكلة اختيار زائفة، بين فردية جوفاء، وموضوعية مغيبة. كما أنها تؤكد، بشكل أحادي النظرة، وغالبًا بطريقة تنحو نحو الرجعية، على انحطاط الإنسان في عالم الرأسمالية. ولذا فإن كتاب هذه الفترة المهمين، يتطورون نحو الأسلوب الواقعي العظيم. وذلك من خلال صراعهم مع الاتجاهات الرومانسية، وأثناء هذه الحرب المتواصلة، من أجل معرفة الحقيقة، وسط التناقضات الآخذة فى التفجر المتزايد، للعصر بكامله. هذا، بينما علاقاتهم بالرومانتيكية، ذاتها، ليست واضحة ولا محددة المعالم، بعد، بشكل كامل. فهم، من ناحية، يتجاوزون فعليًا الاتجاهات الرومانتيكية، وفي أعمالهم يعتبرون العناصر (الفنية- المترجم) الرومانسية، انما هى مكونات فاقدة القيمة (إي. ث. هوفمان e.th Hoffman) وتأثيره على بلزاك balazak: فى الشكل الجديد للخيال الواقعي. ومن ناحية أخرى، فإن العناصر الرومانتيكية الراسخة يتم الحفاظ عليها، على نحو ملحاح، في حربهم ضد نثرية الحياة. وعلى هذا فإن الرومانتيكية، التي تم تجاوزها ظاهريًا وجوهريًا، تختلط عند أمثال هؤلاء الكُتاب بطريقة بالغة التناقض ... فاذا بالحرب الشخصية، التي شُنت من أجل البطل الإيجابي، تزداد حدة عند كبار الكُتاب (مشكلة التربية، عند جوته Goethe). بيد أن المعرفة المتزايدة بتناقضات الرأسمالية، وهذا التصوير الشائع لهذه التناقضات، في أكثر الأشكال تطرفًا، فإنها، وعلى الرغم من غزارة الكتابات، تطفئ هذا التحول نحو الإيجابية، التي يجري السعي نحوها. إن عظمة بلزاك blazak وهذه المكانة الرئيسية التي احتلها في تاريخ تطور الرواية، انما تتأسس، تحديدًا، على أنه يخلق في فنه تناقضًا متطرفًا عن الذي يوجد في مقاصده الواعية.
4- الطبيعية Naturalizmus وإنهيار الشكل الروائي: هذا هو عصر انهيار الأيديولوجيا البرجوازية، عصر التبرير عن غير حق apologia المتزايد في كل ميدان أيديولوجي. فالتحركات الثورية المستقلة للطبقة العاملة (معارك يونيو 1884) والاحترام المتواصل للتناقضات الطبقية، لم يقم بمجرد تقوية الاتجاهات التبريرية apologetikus العامة، وإنما أدى، في الوقت نفسه، إلى زيادة صعوبة معركة الكتاب المهمين والشرفاء، في مواجهة الاتجاه التبريري العام. وبمقدار الوضوح الذي يندفع به الصراع الطبقي، بين البروليتاريا والبرجوازية، نحو أن يكون محورًا لكل أحداث المجتمع، بمقدار ما يختفي هذا الصراع الطبقى من الأدب الروائي البرجوازي. وفي الوقت نفسه، فأثناء ذلك، يكتشف الكُتاب، سواء بوعي، أو بغير وعي، القضية الرئيسية لعصرهم. كما أن طرائقهم الفنية تندفع، أيضا، وبصورة حتمية، باتجاه الهامشية. يبرز هذا الأمر، بشكل محسوس، حين يتم الاحجام عن تناول صراع البرجوازية والبروليتاريا الطبقي في النقطة الرئيسية للعمل، باعتباره قيمة. ويقوم الموروث الأيديولوجي للرومانتيكية في هذا العصر، على الأرجح، بالحلول محل التقاليد الواقعية العظيمة. وتسيطر، شيئًا فشيئًا، مشكلة الاختيار الزائف، بين الموضوعية المُغيبة والذاتية المغرقة، على الأسلوب الروائي البرجوازي. بينما لا يزال الكُتاب الواقعيون، أيضًا، غير قادرين، بعد، بقدر كاف، على تصوير المجتمع، فى اطار عملية تطورية، وليس باعتباره عالما متحجرا، وجد جاهزًا. إن النتيجة الحتمية لهذا التطور هي أن الطبيعة Naturalzmus (والاتجاهات المتابعة لها) قد اخذوا في الابتعاد، شيئًا فشيئًا، عن الأشكال القديمة، الخاصة بتصوير النموذج الفردي المتطرف. واستبدلوا ذلك بتصوير الشخص العادي. وبما أنهم يصورون الأشخاص العاديين، في الأوضاع العادية، التى تبدو كما لو كانت قد وجدت جاهزة، فإن الحدث يفقد، بالقطع، خاصيته الشاعرية، ويحل "التحليل" و"التعليق" محل "الحكاية" (علامات التنصيص من المترجم). (يعبر زولا عن هذا الاتجاه بوعي كامل في نقده عن بلزاك وستندال Stendhal). ويبدو أن تناقض هذه الاتجاهات حول مشكلة الاختيار، بين "الذاتية" و"الموضوعية"، لم يغير شيئًا على الإطلاق، في كونهم ينطلقون، جميعا، من "العالم الذي وجد جاهزًا" (التنصيص من المترجم)، ومن تناقضاته المتحجرة (غير المتحركة- المترجم)، باتجاه النزعة الذاتية الفردية. فهم، على الأكثر، لا يستطيعون الإ إعادة إنتاج هذه التناقضات، فقط، في مستوى أعلى (جاكوبسون jakobson، نيلز لهنة nehls lyhne). وللأسف لا يوجد مجال لنوضح، بالتفصيل، تحولات هذه الاتجاهات ومعاركها وتبدلاتها في الرواية الحديثة، ولنبين انهيار الشكل الروائي، تمامًا في عصر الإمبريالية (م. بروست m.proust، وجويس jouce). إن رصد التطور الأخير للرواية البرجوازية، لا يمكن أن يكون كاملًا، إذا أغفلنا الاتجاهات قوية التأثير، التي تقف في مواجهة الانهيار الروحي. فعملية التدهور، تلك، تتم، أيضًا، بشكل ملئ بالتناقضات، وبصورة غير متساوية، مع التباين الشديد بين أفضل ممثلي الأدب البرجوازي. حيث يبرو التوجه الإنساني لهؤلاء الُكتاب المتميزين في أدبهم، في مواجهة التشويه، الذي ينتج خلال التطور الرأسمالي. وهذا التوجه الإنساني يبدأ قبل تدشين العصر الإمبريالي (للرأسمالية- المترجم) (أناتول فرانس Anatole france). إن البرجوازية الثقافية Cultural bourgeoisie المتزايدة في العصر الإمبريالي (الحرب العالمية الأولى، وفترة ما بعد الحرب، الفاشية)، قد تؤدي، من ناحية، الى إفلاس كاتب غير موهوب. بيد أنها، من ناحية أخرى، تؤدي في الوقت نفسه، إلى مقاومة متزايدة، على نحو ملموس، عند الُكتاب الأفضل .. (رومان رولاند romainrouand، توماس وهنريخ مان tomas. Heinrich mann، وآخرون). إن هذا التطور الذي قاد إلى أدب "الجبهة الشعبية"، المضاد للفاشية، قد أتى، بالنسبة للرواية، بتجديد حقيقي للواقعية. حيث انتج تجارب قوية وناجحة، غالبًا، في التغلب على تأثير الاتجاهات المنحطة (الطبيعية والاتجاهات التي تعادي الواقعية، جهارًا) في الإبداع الكتابي. إن الحرب الباردة، بين الإنسانية والبربرية .. الواقعية والتحول عن الواقع .. والهروبية والتبريرية.. إلخ، في خطوطها الجوهرية، انما هي، نفسها، أدوات تصنيف الرواية البرجوازية المعاصرة التي نقوم ببحثها.
5- رؤي الواقعية الاشتراكية: (لابد من تناول الوجود الاجتماعي للبروليتاريا، باعتبارها نقطة الانطلاق). لأنه عند الانطلاق من الوجود الاجتماعي للبروليتاريا، وصولًا الى تناقضات المجتمع الرأسمالي، فان هذه التناقضات التي تحدد أيضًا وضعية الرأسمالية قبل انهيارها، انما ترتبط بطريقة مختلفة مع نضال البرجوازية القديم. حيث تصبح إمكانية خلق العامل، الواعي طبقيًا، باعتبراه بطلا إيجابيا pozitiv ، انما هى امكانية تنمو، بالضرورة، من الوعي بأن البروليتاريا تعني التفجير الثوري للمجتمع البرجوازي، وتنمو من مشكلات الصراع الطبقي ذاتها، ومن حتمية توحد العمال في منظمات طبقية (نقابات، حزب)، فهى تنمو من الوعى بأشكال الصراع الطبقي الذى تخوضه البروليتاريا. وبما أن العناصر السلبية، في الشخصيات الإيجابية، ليست تعبيرًا عن تناقضات كاملة في الوجود البروليتاري ذاته، وإنما هي قطعًا عناصر بائدة، موروثة، من أيديولوجية الطبقات المعادية، فإن أكثر أشكال النقد الذاتي هذه لا يلغي إيجابية البطل. وفي الوقت نفسه، فإن تصوير مصلحة البروليتاريا المشتركة، الجماعية، والتضامن في الحرب الطبقية، تخلق عظمتها ورحابتها الملحمية، التي لا يمكن بلوغها في تصوير الحياة البرجوازية (جوركي gorki الأم). وبعد أن تستولي البروليتاريا على السلطة، وتتقدم نحو بناء الاشتراكية، فإن هذه الاتجاهات تتحول إلى نوعية جديدة. وخلال بناء الاشتراكية والقضاء على العدو الطبقي، معًا، فإن الطبقة العاملة تقوم بالقضاء على الأسباب الموضوعية لانحطاط الإنسان (وهي لا تحقق، فقط، الإمكانية الاجتماعية لولادة الإنسان الجديد، وإنما تخلق اتصالا مع الجديد ذاته). ولن يقع التقدم بعد ذلك في تناقض مع التطور الحر للملكات الإنسانية، بكليتها. وإنما، على العكس، ستضع في المقدمة، التحرر التدريجي، لإمكانيات الجماهير، التي ظلت حتى الآن مكبلة ومقهورة. إن كل هذه العناصر تؤثر، بقوة، في اتجاه أن يمر الشكل الروائي الموروث عن البرجوازية، بعمليات تعديل بالغة التأثير. حيث يعاد بناؤه، بصورة أساسية، ويقترب في وجهته الملحمية. إن تجديد العناصر الملحمية في الرواية، لا يعني التجديد الفني لعناصر المضمون، أو الشكل، (الميثولوجيا وغيرها) الملحمي القديم. وإنما ينمو هذا التجديد بالضرورة من تطور الوجود الاجتماعي .. من تخلق المجتمع الخالي من الطبقات. (إن هذا يجعل عملية استرجاع الماضي في تلخيصات ملحمية أخاذة أمرًا ممكنًا، حيث أن معرفة الهدف، في ضوء جديد، تصنع الطريق المتجه نحوه (ولنتذكر "الدون الهادئ" لشولوفوف sholohov). ولهذا، تحديدًا، فإنه يتعين علينا أن نرى، بوضوح، أننا نتحدث عن "اتجاه نحو الملحمية". عن اتجاه، وليس عن حقيقة نهائية. من حيث أن الطبقة العاملة تعمل، بالدرجة الأولى، على التحقيق الكامل لواجباتها الكبيرة المتمثلة في أن .. "تقضي على بقايا الرأسمالية في الاقتصاد وفى وعي الناس" (ستالين). وفي هذه المعركة، على التحديد، تتطور العناصر الملحمية الجديدة، التي توقظ طاقات ملايين الجماهير، (هذه الطاقات) الغافية، المكبوتة أو الموجهة وجهة خاطئة. كما أنها تبرز من بين صفوف الجماهير أناسًا موهوبين. محرضة إياهم على النشاط، الذي يظهر كل القدرات، التي ربما كانت مجهولة، بالنسبة لهم، أيضًا. فيعمدهم قادة للجماهير المقتحمة للمستقبل. إن خصائصهم المائزة، من الناحية الفردية، انما تكمن، أيضًا، في كونهم قادرين على تحقيق العدل الاجتماعي، بحسم ووضوح. ولذا، فمن الممكن أن نجد داخلهم ملامح الأبطال الملحميين، بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من هذا الاتجاه المتنامي، باستمرار، والذي يقود نحو الملحمية، فإن خط التطور الكلاسيكي للرواية لا ينقطع. بل إن إبداع الجديد، ذاتيًا وموضوعيًا، يجعلهما (أى الذاتى والموضوعى) يقفان في علاقة ديالكتيكية يصعب فهمها. وفي تلك الحرب الدائرة، تحديدًا، من أجل نسف القديم وبناء الاشتراكية، يتجاوز الناس، في ذواتهم أيضًا، البقايا الكاملة للأيديولوجيا الرأسمالية. ولذا نجد أن كًتاب الرواية "الواقعيين الاشتراكيين"، يقدمون، على نحو صحيح، حرب الطبقة العاملة، في مواجهة البقايا الأيديولوجية والمادية للرأسمالية. وعلى الرغم من كل الاختلاف الشكلي والمضموني فى هذه الثيمة، وعلى الرغم من أي توجه ملحمي، فإن الرواية الواقعية الاشتراكية تحرص، أيضًا، على علاقتها الحميمة مع تقاليد الرواية الواقعية البرجوازية. إن الاستيعاب النقدي لهذا الميراث، ودراسته، يمكن أن يلعب دورًا عظيمًا في دراسة المشكلات الراهنة التي تقف على رأس مهمات مرحلة التطور الحالية للواقعية الاشتراكية الآخذة في التحقق، فيما يخص الرواية.
#صلاح_السروى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعرية الكتابة عن الآخرين - تأريخ الحداثة العربية فى كتابات م
...
-
الثقافة المصرية بين عهدين الأوضاع الثقافية فى مصر منذ ث
...
-
كيف تحول عبدالناصر الى رمز حى فى الوعى الشعبى؟؟
-
هل تحاول السياسة التركية اعادة التموضع تجاه قضايا الشرق العر
...
-
الثقافة والهوية والعولمة نحو دراسة منهجية لعمليات التف
...
-
دلالات الضربة الايرانية على القواعد الأمريكية فى العراق
-
النقد الشلانى للرواية
-
اتجاهات الأدب والثقافة فى مصر فى القرن العشرين
-
بعض قضايا الرواية عند منظرى النقد الاجتماعى
-
حول الصراع الأمريكى - الخليجى مع ايران
-
موقف من الصراع الأمريكى - الخليجى مع ايران
-
سمير أمين وإشكالية التقدم والتنمية لدول العالم الثالث في ظل
...
-
صلاح السروى - باحث أكاديمي وناقد أدبي مصري، وعضو المكتب السي
...
-
مصر : ضرورة اتخاذ موقف مستقل ازاء الأوضاع الاقليمية المعقدة
-
انتفاضة يناير درة العقد فى مدرسة الاحتجاج المصرية
-
ماذا تبقى من طه حسين؟
-
جريمة كنيسة الوراق - الدلالات والأهداف
-
ثورة الثلاثين من يونيو - الواقع والتحديات
-
الانتفاضة المدنية المتواصلة خطوة على طريق انقاذ الثورة
-
المسار السياسى والمسار الثورى - علاقة جدلية
المزيد.....
-
-آثارها الجانبية الرقص-.. شركة تستخدم الموسيقى لعلاج الخرف
-
سوريا.. نقابة الفنانين تعيد 100 نجم فصلوا إبان حكم الأسد (صو
...
-
من برونر النازي معلم حافظ الأسد فنون القمع والتعذيب؟
-
حماس تدعو لترجمة القرارات الأممية إلى خطوات تنهي الاحتلال وت
...
-
محكمة برازيلية تتهم المغنية البريطانية أديل بسرقة أغنية
-
نور الدين هواري: مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية
...
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|