|
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6712 - 2020 / 10 / 23 - 20:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ من الواضح أن انفلات هذه الظواهر في السنوات الأخيرة يعود أسبابها إلى عناصر كثيرة ، وبغض النظر إذا كانت تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون دقيقة أو تحتاج إلى مراجعات عميقة ، لكن أن يتقدم بخطاب يائس من على أرصفة أمة كانت قد تكبدت ويلات الفاشية ما كفاها ولحكم مستبد طويل ، الذي من المفترض ، قد أكسب الجمهورية الفرنسية من تلك الحقب مناعة على غرار التطعيم ، إذن لا يمكن لعاقل إنكار عمق الأزمة بين المهاجرين والمواطنون في أوروبا ، وتحديداً في فرنسا التى تستوعب أعداد كبيرة ، فالمخلوق بادئ ذي بدء ، يحمل سيمتين ، الإرادة والحديث ، ولأن ايضاً المهاجرون عندما غادروا بلدانهم كانوا على يقين بأنهم سينخرطون في دول تأسست على معتقد علماني الذي أستطاع من خلاله تفسير الأشياء من خلال اللياقة الوجودية والسطوة المعرفية ، وبالتالي دأبت مثل هذه الدول في تكوين الإنسان المؤهل ، ابتداءً من معرفة نفسه وايضاً الآخر واستيعابه حتى يصبح مؤهل ، بهدف دمجه في المجتمع الجديد ، لكن ما حصل مع المهاجرين كان للأسف مغاير تماماً ، لأن باختصار تعامل المجتمع الفرنسي مع الوافدين بنظرة الحائط ، أي أنه أعترف بوجودهم وصنع علاقة مركبة التى أفضت بعدم التشابك معهم ، بل جعل الدولة تستقر على فاصل بين جانبين متقابلين ، لا ينتمي كل طرف للآخر ، إلا عند الحاجة ، وهذا سببه غياب رؤية إجتماعية متماسكة ، تفكر بالإفرازات الاجتماعية المختلفة ، بالطبع لأن الدولة اعتبرت من السهل فصل متى تشاء لما عقدته ، وهذا بالفعل ما واجهه المهاجر عندما أعتقد للوهلة الأولى أنه يفر من بلده اللاعلماني ليندمج في نظام علماني ، يمارس عقيدته الدينية بحرية وينخرط في مجتمع واحد ، وبالتالي المهاجر قبل هجرته كانت فرنسا تُعتبر بالنسبة له خيال ، لكن عدم وصل وجد نفسه ضمن معادلة الخيال المعتزل ، وايضاً بين الوجود والحرمان وبين الممكن الذي كان يعتبره في بلاده الأصلية ممكناً ، والمستحيل الذي يعززه الحائط إياه .
تعودت حكومات العالم أن تعالج الإرهاب الميداني بمقاومات أمنية ، بالرغم أنه أصوله فكرية ، وبالتالي تتعامى بقصد تام عن وضع حلول جوهرية نافعة ، في المقابل ، تتقدم المسألة الأمنية دائماً عن المسائل الاجتماعية والاقتصادية والعنصرية والتربوية والديمقراطية والتأهيل ، بل مربعات المهاجرين في الغرب تتشابه في البنيوية المعيشة للدول التى يتدفق منها المهاجر ، متروكة دائماً للمعالجات الأمنية ، فعندما تحصل عملية إرهابية ، ساعتئذ تتحرك القوى الأمنية للتعامل معها ، على الرغم أن الرئيس الفرنسي الأسبق جسكار ديستان كان قد أسس المجلس الأمن القومي لكن المجلس أخفق في دراسة الوقائع بشكل دقيق ، وبالتالي لم يقدم حلول مبكرة لكي يقلل من الحائط بين الطرفين ، بل ما يجري في فرنسا أقل ما يمكن توصيفه بالدولتين ، دولة المواطنين وأخرى للمهاجرين ، وهذا شاهده العالم في حادثة قطع الرأس للأستاذ التى عكست صحوة أمنية وليست فكرية ، فالإرهاب يحتاج إلى غرف عمليات من أجل معالجته بدقة عالية وليست كتلك الزيارات لعيادات الأطباء .
يحيلنا الواقع إلى اعتصار الليل لكي نحوله إلى أفكار مكتوبة بأحبار ، إذن لا بد لفرنسا وأوروبا عموماً ، البدء في دراسة أنواع المهاجرين ، هناك من يرغب بالاندماج الكامل ، وكثيرون الهجرة بالنسبة لهم مجرد فرصة عمل تمكنهم من تحويل الأموال لبلدانهم ، فالاندماج في واقع الأمر لا يشغل اهتماهم ولا حيز بسيط من تفكيرهم ، وبالتالي الاندماج يحتاج إلى مشروع واقعي وموسع يتناسب مع هذه الأعداد الكبيرة ، فالأغلبية المسلمة تعتبر فرنسا الوطن البديل ، لكن تجد صعوبة بالاندماج لأنها تشعر بالعنصرية وفقدان المجتمع الأصلي للفكر المنفتح ، بل تواجه على الدوام فكر يصنف الأجنبي على أنه مواطن يصعب عليه التواصل مع الآخر ، وبالتالي المهاجر عانى قبل هجرته من دعم الدول الكبرى للأنظمة الفاسدة ويعاني من إهمال المجتمع الجديد من تأهيله .
هناك مقولة سليمة ومنطقية وبسيطة ، للكتاب الفرنسي الشهير البير كامو ( لا يمكننا العيش مع الناس ونحن نعرف أفكارهم الخفية ونواياهم ) ، إذن ما يستحق التأمل به أكثر ، بل ممكن أو إحتمال أن الجريمة التى أرتكبت في باريس قد تكون قرصة أذن للحكومة الفرنسية لكي تعيد نظرتها في معالجة ملف الهجرة ، وأن لا ينظر فقط إليه من باب استيعاب الأيدي العاملة ، رخيصة الأجر التى يحتاجها ارباب العمل ، بل نذكر الفرنسيون لعل تذكيرنا يفيدهم ذلك ، عاصمة مثل القاهرة كانت قبل أربعة عقود تصنف بالعاصمة المنظمة ، لكن مع تدفق الأيدي العاملة من المحافظات إليها ، تحولت إلى أكبر تجمع للعشوائيات ، لأن باختصار التنظيم كان غائب عن خطط الحكومات السابقة ، وهذا جعلها مهددة على الدوام بالانقراض ، وباتوا أبناء العاصمة مقسمين إلى مقبول وغير مقبول . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
-
واحة الإحساء ...
-
أخطاء من الصعب تصحيحها ...
-
الرئيس ترمب والعالم ...
-
وكالة سي آي أيه CIA نقلت البشرية بخفة من التملك الطبيعي إلى
...
-
أنه يحدث كل يوم ...
-
ماذا يحتاج الأردن في ظل محيط يغلي غلي ...
-
الاعتماد على قصور الناس للإدراك ، من حرق سوريا ...
-
موليير الفرنسي وموليير العربي ابن البلد ...
-
تونس فرصة العرب في التجديد ...
-
لبنان في العناية الفائقة ...
-
بروكرست والأسد ...
-
قتلة الجزائر / ثوريون ووطنين لكنهم مضطربون نفسياً ...
-
نعم للصلح ولا للتفاوض ونعم للاعتراف ...
-
الحرب القادمة مِّن يصهر مِّن / كان الصلح مع إسرائيل من أجل ا
...
المزيد.....
-
إعلام فلسطيني: 21 قتيلا على الأقل بقصف إسرائيلي استهدف مسجدا
...
-
طلاب المدارس العامة الأمريكية متخلفون عن الركب
-
من ميشيغان للنبطية.. قصة أميركي من أصل لبناني ضحى بحياته لمس
...
-
إعلام فلسطيني: 19 قتيلا على الأقل بقصف إسرائيلي استهدف مسجدا
...
-
شهداء في غارة إسرائيلية على مسجد وسط غزة
-
-السبلينترنت-.. كيف -غزت- روسيا منصة ويكيبيديا؟
-
كيف تنعكس التوترات في الشرق الأوسط على الولايات المتحدة مع ا
...
-
10 سنوات تأسيس على التحالف الدولي ضد داعش
-
عشرات القتلى والجرحى في غارات إسرائيلية على مناطق بغزة
-
وزيرا خارجية السعودية وأميركا يبحثان ملفي لبنان وغزة
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|